الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ رِسَالَةُ سَلَامٍ لِلْإِنْسَانِيَّةِ

الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ رِسَالَةُ سَلَامٍ لِلْإِنْسَانِيَّةِ

((الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ رِسَالَةُ سَلَامٍ لِلْإِنْسَانِيَّةِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

 ((أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْأُمَّةِ إِرْسَالُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ ))

فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

وَأَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ: إِظْهَارُ مُحَمَّدٍ ﷺ لَهُمْ، وَبَعْثَتُهُ وَإِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ، وَالنِّعْمَةُ عَلَى الْأُمَّةِ بِإِرْسَالِهِ ﷺ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ بِإِيجَادِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالرِّيَاحِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ، وَإِخْرَاجِ النَّبَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ النِّعَمَ كُلَّهَا قَدْ عَمَّتْ خَلْقًا مِنْ بَنِي آدَمَ، فَكَفَرُوا بِاللهِ، وَبِرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا.

وَأَمَّا النِّعْمَةُ بِإِرْسَالِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ فَإِنَّهُ بِهَا تَمَّتْ مَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَمُلَ بِسَبَبِهَا دِينُ اللهِ الَّذِي رَضِيَهُ لِعِبَادِهِ فِي أَرْضِهِ، وَكَانَ قَبُولُهُ سَبَبًا لِسَعَادَتِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.

((تَفْضِيلُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْضَ الْبَشَرِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ))

لَقَدْ فَضَّلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ أَفْضَلَ الْكُلِّ، قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253].

وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِشُهْرَتِهِ ﷺ، وَقَدْ عَنَاهُ وَقَصَدَهُ ﷺ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا؛ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ صَرَاحَةً ﷺ.

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75].

اللهُُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَخْتَارُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا إِلَى أَنْبِيَائِهِ، وَيَخْتَارُ مِنَ النَّاسِ رُسُلًا لِتَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ إِلَى الْخَلْقِ، {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ} لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، {بَصِيرٌ} بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَبِمَنْ يَخْتَارُهُ لِلرِّسَالَةِ مِنْ خَلْقِهِ.

وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَعْضَ الْأَمْكِنَةِ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96].

وَمِنْ بَرَكَةِ هَذَا الْبَيْتِ الْحَرَامِ الْعَظِيمِ: أَنَّهُ فِيهِ تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ، وَتَتَنَزَّلُ فِيهِ الرَّحَمَاتُ، وَتُغْفَرُ فِيهِ الذُّنُوبُ وَالزَّلَّاتُ، وَفِي اسْتِقْبَالِهِ فِي الصَّلَاةِ بَرَكَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي قَصْدِهِ لِأَدَاءِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَهُوَ صَلَاحٌ وَهِدَايَةٌ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} أَيْ: كَثِيرَ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ يُضَاعَفُ ثَوَابُ الْعِبَادَةِ، وَتُغْفَرُ فِيهِ الذُّنُوبُ لِمَنْ حَجَّهُ، وَطَافَ وَاعْتَكَفَ عِنْدَهُ.

وَمِنْ بَرَكَتِهِ: مَا ذَكَرَهُ -تَعَالَى- فِي قَوْلِهِ: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}  [القصص: 57]: يُجْلَبُ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كُلِّ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ فَضْلًا مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَنِعْمَةً.

وَمِنْ بَرَكَتِهِ: دَوَامُ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَلُزُومُهَا، وَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الصَّلَاةَ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ خَلَا مَسْجِدَ النَّبِيِّ ﷺ.

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: 97]: فَجَعَلَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ صَلَاحًا لَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَصَلَاحًا وَأَمْنًا لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَصَلَاحًا وَفَلَاحًا لَهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ.

وَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بَرَكَةً عَظِيمَةً -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَاكِنِهَا-، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا فَضْلًا كَبِيرًا؛ اسْتِجَابَةً لِدُعَاءِ نَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

فَجَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَرَامًا؛ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((صَحِيحِهِ)) مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَيْ: مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا- أَنْ يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا ثَلاثًا-، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ)). هَذَا حَدِيثُهُ ﷺ وَدُعَاؤُهُ، وَقَدِ اسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي تَمْرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي لَأَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ)).

وَقَدِ اسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَالنَّاسُ إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا يَشْهَدُونَ بَرَكَةَ مَدِينَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَيَشْهَدُونَ بَرَكَةَ تَمْرِهَا الَّذِي دَعَا النَّبِيُّ ﷺ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللهم اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ)).

فَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ اسْتِجَابَةً لِدُعَاءِ نَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَجَعَلَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ كَرَمِهِ وَمَنِّهِ وَجُودِهِ وَفَضْلِهِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ بِأَلْفِ صَلَاةٍ.

وَبَارَكَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَبَارَكَ حَوْلَهُ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} [الإسراء: 1].

فَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ، وَبَارَكَ حَوْلَهُ، وَجَعَلَهُ قِبْلَةَ أَنْبِيَائِهِ حَتَّى جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَمْرَ فِي أُمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى مَا سَارَ إِلَيْهِ.

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ، فَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ، فَأَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآنَ، وَفَرَضَ فِيهِ الصِّيَامَ، ((فَمَنْ صَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، ((وَمَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي، وَجَعَلَهَا خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَجَعَلَ قِيَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفْرَانًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ.

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَجَعَلَ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ فِيهَا عَبْدٌ رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا آتَاهُ اللهُ إِيَّاهُ؛ فَضْلًا مِنْهُ وَكَرَمًا.

((وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ)).

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَجَعَلَ عَشِيَّتَهُ مُبَارَكَةً، يَنْزِلُ فِيهَا رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَيَغْفِرُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ.

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَ الْيَوْمِ عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَ لِلثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، فَيَنْزِلُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، يُنَادِي: ((أَلَا هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ أَلَا هَلْ مِنْ طَالِبِ حَاجَةٍ فَأَقْضِيَهَا؟ وَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ)).

وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِيَوْمَيْ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا؛ فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا؛ إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)) ذَكَرَهَا مَرَّتَيْنِ ﷺ.

وَفِي رِوَايَةٍ: ((تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا؛ إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)).

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي ((الْمُسْنَدِ))، وَالْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ عَلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَشِيَّةَ كُلِّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ)). وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ يُغْفَرُ عِنْدَمَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَكُلَّ خَمِيسٍ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا؛ إِلَّا مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَخِّرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا.

وَكَذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ عَشِيَّةَ كُلِّ خَمِيسٍ تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ -نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِنَ الْوَاصِلِينَ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِينَ-.

قَالَ قَتَادَةُ: ((إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقِهِ، اصْطَفَى مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا، وَمِنَ النَّاسِ رُسُلًا، وَاصْطَفَى مِنَ الْكَلامِ ذِكْرَهُ، وَاصْطَفَى مِنَ الأَرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَاصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَاصْطَفَى مِنَ الأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظَّمُ الأُمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ)).

فَاصْطَفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا، وَاصْطَفَى مِنَ النَّاسِ رُسُلًا، وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى بَعْضٍ، وَبَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، وَاصْطَفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَمْكِنَةِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ.

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَدِينَةَ نَبِيِّهِ ﷺ، وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمَسَاجِدَ، وَجَعَلَ لَهَا خَاصَّةً؛ بِحَيْثُ إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَهَا بُيُوتَهُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا مِنَ الْفَضْلِ مَا فِيهِ؛ فَلَا يُعْتَدَى عَلَى حُرُمَاتِهَا، وَعَظَّمَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَرَفَعَ قَدْرَهَا.

وَعَظَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ، وَفَضَّلَ بَعْضَها عَلَى بَعْضٍ؛ فَفَضَّلَ اللهُ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ، وَفَضَّلَ اللهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى سَائِرِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَفَضَّلَ اللهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي، وَفَضَّلَ اللهُ الثُّلُثَ الْأَخِيرَ مِنَ اللَّيْلِ عَلَى سَائِرِ اللَّيْلِ.

وَفَضَّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ بِتَقْوَاهُ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَاصْطَفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرَهُ، وَأَخْفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ، كَمَا أَخْفَى اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- غَضَبَهُ وَسُخْطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْرِصَ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنْ يَجْتَنِبُوا مَسَاخِطَ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-.

 

((تَعْظِيمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَفَضَائِلُهَا))

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ أَشْهُرًا حُرُمًا، وَعَظَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدْرَهَا، وَنَهَانَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنْ ظُلْمِ النَّفْسِ فِيهَا، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

فَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْأَرْبَعَةُ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا خَطَبَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: عِنْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَدَوَرَانِ ذَلِكَ فِي الْفَلَكِ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِحَسَبِ الْهِلَالِ، فَالسَّنَةُ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّرَةٌ بِسَيْرِ الْقَمَرِ وَطُلُوعِهِ، لَا بِسَيْرِ الشَّمْسِ وَانْتِقَالِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ.

وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ خُصُوصِيَّةً لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَيَرْتَبِطُ بِذَلِكَ مَا يَرْتَبِطُ مِنَ الْحِسَابِ وَالتَّقْدِيرِ {ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَقَدَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا، وَجَعَلَ مِمَّا يَرْتَبِطُ بِذَلِكَ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيَامِ وَالْفِطْرِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِدَدِ الَّتِي تَكُونُ لِلنِّسَاءِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكُونُ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالصِّيَامِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّهُورِ مَا هُوَ مِنْهَا حَلَالٌ وَمَا هُوَ مِنْهَا حَرَامٌ، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَرْضَ الصِّيَامِ مُرْتَبِطًا بِذَلِكَ، وَهِيَ آيَةٌ كَوْنِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ؛ حَتَّى فِي حَالِ خَفَائِهَا جَعَلَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ مَخْرَجًا مِنْ خَفَائِهَا.

وَالنَّبِيُّ ﷺ هُوَ الْمَبْعُوثُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ﷺ، فَلَمْ يَجْعَلْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِقُوَّةٍ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْقُوَى الظَّالِمَةِ الْمُسْتَبِدَّةِ عَلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ سَبِيلٍ، فَجَعَلَ هَذَا الْأَمْرَ كَوْنِيًّا ظَاهِرًا؛ بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ الْعَبَثَ بِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ غَيَّرُوا فِي الْمَوَاقِيتِ، كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ بِالنَّسِيءِ، يُقَدِّمُونَ وَيُؤَخِّرُونَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ مُحَرَّمَيْنِ عَامًا، وَصَفَرًا صَفَرَيْنِ عَامًا؛ لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ؛ لِيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ، كُلُّ ذَلِكَ يَعْبَثُونَ بِالزَّمَانِ كَمَا عَبَثُوا بِالْمَكَانِ.

فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ ﷺ؛ عَادَ الْأَمْرُ إِلَى نِصَابِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ))، فَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى نِصَابِهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَوَقَعَ حَجُّ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ مُوَاطِئًا لِمَا كَانَ مُقَدَّرًا أَزَلًا عِنْدَمَا خَلَقَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِحَسَبِ الزَّمَانِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ عَلَى تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ إِكْرَامًا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِأُمَّتِهِ.

السَّنَةُ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّرَةٌ بِسَيْرِ الْقَمَرِ وَطُلُوعِهِ، لَا بِسَيْرِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا وَانْتِقَالِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ، ((وَقِيلَ: سُمِّيَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِنَّ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

وَقِيلَ: سَبَبُ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ بَيْنَ الْعَرَبِ؛ لِأَجْلِ تَمْكِينِ النَّاسِ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَحُرِّمَ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَحُرِّمَ مَعَهُ شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ لِلسَّيْرِ فِيهِ إِلَى الْحَجِّ، وَشَهْرُ الْمُحَرَّمِ لِلرُّجُوعِ فِيهِ مِنَ الْحَجِّ؛ حَتَّى يَأْمَنَ الْحَاجُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ.

وَحُرِّمَ شَهْرُ رَجَبٍ؛ لِلِاعْتِمَارِ فِيهِ فِي وَسَطِ السَّنَةِ، فَيَعْتَمِرُ فِيهِ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ)).

فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حِيَاطَةً زَمَنِيَّةً بِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِأَدَاءِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ، فَجَعَلَ الشَّهْرَ الَّذِي تُؤَدَّى فِيهِ الْمَنَاسِكُ شَهْرًا حَرَامًا، وَجَعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَهْرًا حَرَامًا، وَجَعَلَ بَعْدَهُ شَهْرًا حَرَامًا؛ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْآتِي وَالذَّاهِبُ مِنَ الْإِتْيَانِ وَالذَّهَابِ مِنْ غَيْرِ مَا خَوْفٍ وَلَا عَنَتٍ، وَكانَ رَبُّكَ قَدِيرًا.

((وَقَدْ شَرَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217].

((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَرْسَلَ سَرِيَّةً، فَظَنُّوا أَنَّ الشَّهْرَ الْحَرَامَ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ، فَوَقَعَ مِنْهُمْ قِتَالٌ وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ دَخَلَ بِلَيْلَتِهِ، فَقَالَ الْجَاهِلِيُّونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ وَإِنَّ مُحَمَّدًا يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ)).

فبَكَّتَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَا يُعَدُّ شَيْئًا فِي مُقَابِلِ شِرْكِهِمْ، وَفِي مُقَابِلِ كُفْرِهِمْ، وَفِي مُقَابِلِ فِتْنَتِهِمْ لِلنَّاسِ عَنْ دِينِ رَبِّهِمْ -جَلَّ وَعَلَا-، وَفِي صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}، وَالْفِتْنَةُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -بَلْ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ- مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْرٌ لَا تُسِيغُهُ الْفِطْرَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَلَا الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ؛ فَكَيْفَ بِالشَّرْعِ الْأَغَرِّ؟!!

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ خَالِقُ الْخَلْقِ، وَرَازِقُهُمْ، وَمَالِكُهُمْ، وَمُدَبِّرُ أُمُورِهِمْ؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ شَيْءٌ مِنْ أَلْوَانِ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.

شَرَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَسْخِ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى بَقَاءِ التَّحْرِيمِ عَلَى حَالِهِ -أَيْ: عَلَى تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ-، وَمِنْهُمْ: عَطَاءٌ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ)).

قَالَ -تَعَالَى- فِي شَأْنِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

فَعَظَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذِهِ الْأَشْهُرَ، وَنَهَى عَنْ ظُلْمِ النَّفْسِ فِيهَا بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ؛ لِأَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- إِذَا عَظَّمَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ صَارَتْ لَهُ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا عَظَّمَهُ مِنْ جِهَتَيْنِ أَوْ مِنْ جِهَاتٍ صَارَتْ حُرْمَتُهُ مُتَعَدِّدَةً، فَيُضَاعِفُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ الْعِقَابَ بِالْعَمَلِ السَّيِّءِ، كَمَا يُضَاعِفُ فِيهِ الثَّوَابَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

فَمَنْ أَطَاعَ اللهَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ؛ لَيْسَ ثَوَابُهُ كَمَنْ أَطَاعَهُ فِي الشَّهْرِ الْحَلَالِ فِي الْبَلَدِ الْحَلَالِ، وَمَنْ عَصَى اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؛ لَيْسَ كَمَنْ عَصَاهُ فِي الْبَلَدِ الْحَلَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَلَالِ؛ فَالْحَسَنَاتُ تُضَاعَفُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ فَاضِلَيْنِ، وَالسَّيِّئَاتُ تَعْظُمُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلَيْنِ.

قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217].

وَقَالَ -تَعَالَى- فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].

فَبَيَّنَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تُضَاعَفُ فِي الزَّمَانِ الْفَاضِلِ، كَمَا أَنَّ الْعُقُوبَةَ تُضَاعَفُ فِي الْمَكَانِ الْفَاضِلِ؛ فَإِنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كَبِيرٌ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِرَادَةُ الْإِلْحَادِ بِالظُّلْمِ.. مُجَرَّدُ تَوَجُّهِ النِّيَّةِ إِلَى الْإِلْحَادِ بِالظُّلْمِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- عِقَابٌ أَلِيمٌ {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((اخْتَصَّ اللهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ جَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَجَعَلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْأَجْرَ أَعْظَمَ)).

وَتُغَلَّظُ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- الدِّيَةُ بِالْقَتْلِ إِذَا وَقَعَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِعِظَمِ هَذَا الزَّمَانِ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

لَيْسَ الَّذِي يُطِيعُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الزَّمَانِ الَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ وَفِي الْمَكَانِ الَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ كَالَّذِي يُطِيعُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الزَّمَانِ الْمَفْضُولِ وَالْمَكَانِ الْمَفْضُولِ، وَلَيْسَ الَّذِي يَعْصِي اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الزَّمَانِ الَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَفِي الْمَكَانِ الَّذِي رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ وَذِكْرَهُ؛ لَيْسَ مَنْ يَعْصِي اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي ذَلِكَ كَالَّذِي يَعْصِي اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الزَّمَانِ الْمَفْضُولِ وَالْمَكَانِ الْمَفْضُولِ.

((فَضَائِلُ شَهْرِ رَجَبٍ))

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ رَجَبًا مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَجَعَلَ هَذَا الشَّهْرَ فَرْدًا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ -كَمَا مَرَّ-: إِنَّمَا جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَرَامًا؛ لِيَتَمَكَّنَ مَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهَا، فَيَسِيرَ آمِنًا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا مَالِهِ، وَلَا عِرْضِهِ، وَلَا عَلَى أَهْلِهِ.

فَيَسِيرُ فِي زَمَانٍ حَرَامٍ إِلَى بَلَدٍ حَرَامٍ وَمَسْجِدٍ حَرَامٍ تُضَاعَفُ فِيهِ الْعَطِيَّاتُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، كَمَا أَنَّهُ تُضَاعَفُ فِيهِ الْعُقُوبَةُ عَلَى إِرَادَةِ الْإِلْحَادِ بِالظُّلْمِ فِيهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ جَلَالِ شَرْعِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمِنْ عَظِيمِ حِكْمَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَجَبَ شَهْرًا حَرَامًا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ مِمَّنْ كَانَ مُجَاوِرًا لِمَكَّةَ؛ حَتَّى يَسِيرَ فِي أَمَانِ رَبِّهِ، قَاصِدًا بَيْتَ رَبِّهِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ لِوَجْهِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ غَيْرِ مَا خَوْفٍ وَلَا عَنَتٍ.

وَرَجَبُ مِنْ أَسْمَائِهِ ((شَهْرُ اللهِ))، وَ((رَجَبُ مُضَرَ)) كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ، وَاسْمُ رَجَبَ -أَيْضًا- ((مُنْصِلُ الْأَسِنَّةِ))؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْزِعُونَ أَسِنَّةَ الرِّمَاحِ إِذَا دَخَلَ رَجَبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ فِيهِ؛ إِذْ هُوَ شَهْرٌ حَرَامٌ، فَقِيلَ لَهُ: ((مُنْصِلُ الْأَسِنَّةِ))، وَقِيلَ لَهُ: ((الْأَصَمُّ)) وَ((الْأَصَبُّ))، وَهُمَا بِمَعْنَى.

قِيلَ لَهُ: ((الْأَصَمُّ))؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ فِيهِ صَوْتُ قَعْقَعَةِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَلْقَى فِيهِ مَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَأَخَاهُ، فَلَا يَهِيجُهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ بِثَأْرِهِ، وَهُوَ جَاهِلِيٌّ كَافِرٌ بِرَبِّهِ؛ وَلَكِنْ يُعَظِّمُ قَدْرَ الشَّهْرِ، وَلَا يَنْتَهِكُ حُرْمَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: ((الْأَصَمُّ)).

وَقِيلَ لَهُ: ((الْأَصَبُّ))، وَقِيلَ لَهُ: ((مُنَفِّسٌ))، وَقِيلَ لَهُ: ((مُطَهِّرٌ))، وَقيِلَ لَهُ: ((مُعَلَّى))، وَ((مُقِيمٌ))، وَ((هَرِمٌ))، وَ((مُقَشْقِشٌ))، وَ((مُبَرِّئٌ))، وَ((فَرْدٌ)).

وَهُوَ رَجَبُ الْفَرْدُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ سَائِرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((ثَلَاثَةٌ مُتَتَالِيَاتٌ -مُتَتَابِعَاتٌ-: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ)).

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ كَاشِفًا إِيَّاهُ بِصِفَةٍ مُلَازِمَةٍ لَهُ؛ لِأَمْرٍ فِيهِ حِكْمَةٌ جَلَّاهَا لَنَا الرَّسُولُ ﷺ بِذِكْرِهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، ((وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ))؛ لِأَنَّهُمْ عَبَثُوا بِالزَّمَانِ، قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا، وَانْتَهَكُوا الْحُرُمَاتِ، وَشَرَّعُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اللهُ سُلْطَانًا، وَغَيَّرُوا فِي وَجْهِ الزَّمَانِ وَعَبَثُوا بِصَفْحَتِهِ، كَمَا غَيَّرُوا فِي وَجْهِ الْمَكَانِ وَعَبَثُوا بِمَعَالِمِهِ، حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَجَاءَ بِالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ -مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ-.

فَعَادَ الزَّمَانُ إِلَى سَوَائِهِ، وَعَادَ الْمَكَانُ إِلَى جَلَالِهِ، وَجَاءَ بِالْمِلَّةِ الْغَرَّاءِ السَّمْحَاءِ الْبَاقِيَةِ عَلَى وَجْهِ الزَّمَانِ، لَا تُبَدَّلُ وَلَا تُغَيَّرُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحْفَظُهَا هُوَ اللهُ، وَهُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ اللهِ ﷺ، فَحَفِظَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ شَرْعَهُ؛ بِحَيْثُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ تَبْدِيلٌ وَلَا تَغْيِيرٌ، يَعْبَثُ الْعَابِثُونَ، وَيُزَيِّفُ الْمُزَيِّفُونَ، وَيَكْذِبُ الْكَذَّابُونَ، وَانْتَدَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِذَلِكَ الْجَهَابِذَةَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُمْ وَرَثَةُ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَحَّوُا الدَّخِيلَ عَنِ الْأَصِيلِ، وَنَحَّوُا الزَّيْفَ عَنِ الْخَالِصِ الثَّابِتِ الْأَكْمَلِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ.

قَالَ: ((وَرَجَبُ مُضَرَ))، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ رَبِيعَةَ كَانَتْ تُعَظِّمُ رَمَضَانَ، وَتَجْعَلُهُ شَهْرًا حَرَامًا، وَأَمَّا مُضَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُعَظِّمُ رَجَبًا عَلَى أَصْلِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَرَجَبُ مُضَرَ))، فَأَضَافَهُ إِلَيْهِمْ؛ لِتَعْظِيمِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِبْقَائِهِمْ لَهُ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، ثُمَّ حَدَّدَهُ بِمَا يَسْبِقُهُ وَمَا يَلْحَقُهُ: ((وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)).

فَحَدَّدَ النَّبِيُّ ﷺ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَنَفَى الزَّيْفَ عَنْهَا، وَنَحَّى الدَّخِيلَ عَنِ الْأَصِيلِ فِيهَا، وَأَقَامَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ الزَّمَانَ عَلَى هَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؛ فَلَمْ يُوجَدْ -حِينَئِذٍ- عَابِثٌ يَعْبَثُ، وَلَا مُزَيِّفٌ يُزَيِّفُ، وَلَا مُحَرِّفٌ يُحَرِّفُ، وَلَا مُبَدِّلٌ يُبَدِّلُ.

فَأَعَادَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَمْرَ إِلَى سَوَائِهِ، «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا))، بِذَا قَضَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَخَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلٌّ فِي فَلَكٍ هُوَ فِيهِ سَابِحٌ.

فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَذَلِكَ، ثُمَّ حُرِّفَ هَذَا الْأَمْرُ زَمَانًا كَمَا عُبِثَ بِالْمَكَانِ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَعَادَ اللهُ إِلَى الْبَشَرِيَّةِ بِهِ رُشْدَهَا، وَأَقَامَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْبَشَرِيَّةَ بِهِ عَلَى سَوَاءِ صِرَاطِهَا؛ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْرِفَهَا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهَا فَهُوَ شَيْطَانٌ مَرِيدٌ فَاحْذَرُوهُ.

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَكْمَلَ لَكُمُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةَ، وَمِنْ تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ: أَنْ تُعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللهُ، وَأَنْ تُقَدِّرُوا مَا أَعْلَى اللهُ قَدْرَهُ، وَأَنْ تَحْتَرِمُوا شَعَائِرَ اللهِ، وَأَنْ تُعَظِّمُوهَا، وَأَلَّا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].

وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)).

وَاسْتَدَارَ الْمَكَانُ، فَيُهِلُّ النَّاسُ مِنْ حَيْثُ شَرَعَ لَهُمُ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَالنُّسُكُ يَقَعُ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ﷺ يَقُولُ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ))، فَيُعَظِّمُ نَبِيُّنَا ﷺ مَا أَمَرَ اللهُ بِتَعْظِيمِهِ، يُعَظِّمُ الْحَجَرَ، يَسْتَلِمُهُ، يُقَبِّلُهُ، يُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ يَرْجُمُ النُّصُبَ هُنَالِكَ؛ إِعْلَانًا وَإِيذَانًا بِأَنَّ الْأَمْرَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- يُفَضِّلُ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، كَمَا يُفَضِّلُ بَلَدًا عَلَى بَلَدٍ، كَمَا يُفَضِّلُ زَمَانًا عَلَى زَمَانٍ، كَمَا يُفَضِّلُ إِنْسَانًا عَلى الْأَنَاسِيِّ، وَيَرْفَعُ قَدْرَهُ بِتَقْوَاهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-، وَيُفَضِّلُ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا يَجْعَلُ فَوْقَ نَبِيِّهِ أَحَدًا ﷺ.

فَأَعَادَ الْأَمْرَ إِلَى نِصَابِهِ ﷺ، فَهَذَا دِينُكُمْ -مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ-، فَخُذُوهُ سَمْحًا غَضًّا طَرِيًّا كَمَا نَزَلَ بِهِ أَمِينُ الْوَحْيِ وَمُقَدَّمُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَمِينِ رَبِّنَا فِي أَرْضِهِ وَمُقَدَّمِ الرُّسُلِ وَالْخَلَائِقِ مُحَمَّدٍ ﷺ، كَمَا نَزَلَ بِهِ أَمِينُ السَّمَاءِ عَلَى أَمِينِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مُحَمَّدٍ غَضًّا طَرِيًّا، لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا غُمُوضَ.

تَمَسَّكُوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ، وَاعْتَقِدُوا مَا اعْتَقَدَ نَبِيُّكُمْ، وَاعْمَلُوا مَا عَمِلَ، وَدَعُوا مَا نَهَى عَنْهُ وَمَا عَنْهُ زَجَرَ، وَخُذُوا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ تُفْلِحُوا.

((لَا تَظْلِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ نَفْسَكَ!))

شَهْرُ رَجَبٍ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي نَهَانَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ أَنْ نَظْلِمَ فِيهِنَّ أَنْفُسَنَا، وَظُلْمُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ يَتَعَلَّقُ أَوَّلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، ثُمَّ بِخَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَظْلِمُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِالتَّقْصِيرِ فِي طَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

أَكْبَرُ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمُهَا: تَوْحِيدُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرَهَا: هُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَظْلِمُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِتَضْيِيعِ حُدُودِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَبِالتَّعَدِّي عَلَى مَا حَدَّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْحُدُودِ الْقَائِمَةِ فِي دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَإِذَا مَا تَعَدَّى الْإِنْسَانُ حَدَّهُ، وَتَجَاوَزَ قَدْرَهُ، وَقَصَّرَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَأَهْمَلَ بَعْضَ مَا فَرَضَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي نَهَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْهَا؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

هُنَاكَ أَمْرٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَظْلِمَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا يُسَامِحُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا أَبَدًا، كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ:

الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ثَلَاثَةٌ:

* فَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا، وَهُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْوُقُوعِ فِي بَعْضِ مَا حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَغْفِرُهُ لِعَبْدِهِ إِنْ شَاءَ.

فَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ شَيْئًا.

* وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللهُ -تَعَالَى- مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.

* وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللهُ -تَعَالَى- مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ؛ أَنْ يَتَجَاوَزَ حُدُودَهُ، أَنْ تَكُونَ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ، فَهَذِهِ لَا يُسَامِحُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ حَتَّى إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- يَبْعَثُ الْحَيَوَانَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقْتَصَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ!! كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ: ((أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَبْعَثُ الشَّاةَ الْقَرْنَاءَ الَّتِي لَهَا قَرْنَانِ، وَالشَّاةَ الْجَلْحَاءَ الَّتِي لَا قُرُونَ لَهَا)).. تَكُونُ الْقَرْنَاءُ قَدْ نَطَحَتْ بِقَرْنَيْهَا الْجَلْحَاءَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهِيَ لَمْ تَقْتَصَّ مِنْهَا، وَلَمْ تَأْخُذْ حَقَّهَا مِنْهَا، وَهِيَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ!! مِنَ الْعَجْمَاوَاتِ!! وَلَكِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، لَا ظُلْمَ يَوْمَئِذٍ.

لَا بُدَّ مِنْ إِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ عَلَى وَجْهِهِ، حَقٌّ مُطْلَقٌ وعَدْلٌ مُطْلَقٌ، لَا مُهَاوَدَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَا مُحَابَاةَ فِيهِ لِأَحَدٍ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقِصَاصِ، وَمِنْ إِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ وَلَوْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْبَهَائِمِ.

فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((فَيُنْشِئُ اللهُ -تَعَالَى- لِلْجَلْحَاءِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ بِذَاتِ قَرْنَيْنِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. يُنْشِئُ لَهَا قَرْنَيْنِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَنْطَحَ بِهَذَيْنِ الْقَرْنَيْنِ الْقَرْنَاءَ الَّتِي نَطَحَتْهَا كَمَا نَطَحَتْهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ لِهَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ: كُونِي تُرَابًا)).

فَلَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ؛ فَكَيْفَ بَيْنَ الْبَشَرِ؟!! كَيْفَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي كَرَّمَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟!!

لَا هَوَادَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا رَحْمَةَ فِيهِ، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا؛ وَلَوْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، لَا بُدَّ مِنْ إِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَالْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، أَمَّا إِذَا ظَلَمَ؛ فَالظُّلْمُ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَشَيْءٌ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ.. يَرْضَاهُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ؟!!

يَقُولُ: ((يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا)).

الظُّلْمُ مُحَرَّمٌ عَلَى النَّاسِ، حَرَّمَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَتَصَوَّرَ عَاقِلٌ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا ثُمَّ يَقْبَلُهُ مِنْ خَلْقِهِ.

إِذَنْ؛ فَالْعَبْدُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا دَامَ عِنْدَهُ نَفَسٌ يَتَرَدَّدُ، وَمَا دَامَتِ الرُّوحُ لَمْ تَبْلُغِ الْحُلْقُومَ؛ لِأَنَّ بَابَ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى تَبْلُغَ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، وَهُوَ مَفْتُوحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلدُّنْيَا كُلِّهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَبِالنِّسْبِةِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنَّا بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ؛ وَلَكِنْ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُبَادِرَ وَأَنْ يُسَارِعَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي فَجْأَةً؛ فَالْإِنْسَانُ قَدْ يُبَاغَتُ بِالْمَوْتِ وَعَلَيْهِ حُقُوقٌ لِلْخَلْقِ، وَفِي الْآخِرَةِ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ؛ سَأَلَ أَصْحَابَهُ يَوْمًا فَقَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)).

قَالُوا: الْمُفْلِسُ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ.

هَذَا بِمِيزَانِ الدُّنْيَا، الْمُفْلِسُ: الَّذِي لَا يَمْلِكُ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا.

قَالَ: ((الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ كَثِيرَةٍ؛ بِصَلَاةٍ، وَزَكَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَبَذْلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ، لَهُ حَسَنَاتٌ؛ وَلَكِنْ يَأْتِي وَقَدْ ضَرَبَ هَذَا، وَشَتَمَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَاعْتَدَى عَلَى هَذَا))، كَيْفَ يَكُونُ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟

لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ الْقَصَاصُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ((يَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ؛ أُخِذَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، ثُمَّ طُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).

لِمَاذَا تَظْلِمُ نَفْسَكَ؟!!

أَدِّ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ تُؤَدِّيَ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَعْرِفَ الْحُقُوقَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ الْحُقُوقَ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: أَدِّ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا؛ قَالَ: أَنَا أَدَّيْتُ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، مَعَ أَنَّ لِلْخَلْقِ عِنْدَهُ حُقُوقًا كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَدْرِي!!

إِذَا تَكَلَّمْتَ عَنْ أَخِيكَ بِكَلِمَةٍ؛ هَذَا حَقٌّ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ، وَاللهُ لَا يُسَامِحُ فِي حُقُوقِ الْعَبْدِ..

لَا بُدَّ مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ..

أَنْتَ إِذَا تَكَلَّمْتَ فِي أَخِيكَ بِكَلِمَةٍ لَا تُلْقِي لَهَا بَالًا؛ سَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. مِنْ حَسَنَاتِكَ، وَأَنْتَ تَحْتَاجُ حَسَنَةً وَاحِدَةً، أَبُوكَ سَيَضِنُّ وَيَبْخَلُ بِهَذِهِ الْحَسَنَةِ عَلَيْكَ.. الَّتِي تُفَرِّطُ أَنْتَ فِيهَا هَاهُنَا!! الَّتِي تُعْطِيهَا لِهَذَا وَهَذَا!! وَتُعْطِيهَا لِمَنْ تَكْرَهُ؛ لِأَنَّكَ لَنْ تَقَعَ بِلِسَانِكَ فِيمَنْ تُحِبُّ، أَنْتَ لَنْ تَغْتَابَ وَلَنْ تَسُبَّ وَلَنْ تَشْتُمَ إِلَّا مَنْ تَكْرَهُ، وَهَذَا مِنْ أَشَدِّ الْحُمْقِ!! لَا يَفْعَلُ هَذَا إِلَّا مَنِ اسْتَمْكَنَ الْحُمْقُ مِنْ نَفْسِهِ وَعَقْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُهْدِي حَسَنَاتِهِ الَّتِي يَضِنُّ بِهَا عَلَى أَبِيهِ، وَيَضِنُّ بِهَا عَلَى أُمِّهِ، وَيَضِنُّ بِهَا عَلَى زَوْجَتِهِ، وَيَضِنُّ بِهَا عَلَى أَوْلَادِهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ يَبْخَلُونَ بِهَذِهِ الْحَسَنَاتِ عَلَيْهِ.. يُعْطِي هَذِهِ الْحَسَنَاتِ لِمَنْ يَكْرَهُهُ!!

هَذَا عَقْلٌ؟!!

فَهَذِهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُشِيرُ بِهَا عَائِشَةُ، لَمْ تَنْطِقْ بِلِسَانِهَا، قَالَتْ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا))؛ وَأَشَارَتْ بِيَدِهَا، تَعْنِي: أَنَّهَا قَصِيرَةٌ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ!!)).

هَذِهِ الْكَلِمَةُ!! مَا تَبْلَغُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِيمَا نَقُولُهُ نَحْنُ؟!!

النَّاسُ يَتَوَرَّطُونَ فِي الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ، وَهِيَ مُسْتَوْجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي: إِذَا تَكَلَّمَ الْإِنْسَانُ فِي عِرْضِ إِنْسَانٍ وَلَوْ بِالْكِنَايَةِ -كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ- وَكَانَ قَاذِفًا لِأَخِيهِ؛ يَعْنِي: يَرْمِيهِ بِالْفَاحِشَةِ وَلَوْ بِالْكِنَايَةِ، يَعْنِي: لَوْ تَكَلَّمَ الرَّجُلُ عَنْ أُمِّهِ.. عَنْ أُمِّهِ هُوَ، يُرِيدُ لَمْزَ أُمِّ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ -حِينَئِذٍ- يَكُونُ قَاذِفًا؛ إِمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَيُسْمَّى فَاسِقًا، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

لِمَاذَا تَظْلِمُ نَفْسَكَ؟!!

النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ؛ حَتَّى فِي الْأَعْرَاضِ!! لَا يُبَالُونَ!! وَفِي الْأَعْرَاضِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- هَذَا الْحَدُّ يُسَمَّى بِحَدِّ الْقَذْفِ، فَإِذَا لَمْ تَعْرِفِ الْحُقُوقَ أَصْلًا؛ فَكَيْفَ تَرُدُّ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا؟!!

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ؛ حُقُوقُ الْعِبَادِ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ فَبِمُسَامَحَتِهِمْ هُمْ لَكَ؛ وَلَكِنْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، فِي الْآخِرَةِ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ، وَلَا مُسَامَحَةَ، الْحَسَنَةُ يَبْخَلُ عَلَيْكَ بِهَا أَبُوكَ، تَقُولُ: أَيَّ وَلَدٍ كُنْتُ لَكَ؟!!

يَقُولُ: كُنْتَ خَيْرَ وَلَدٍ.

فَتَقُولُ: أُرِيدُ مِنْكَ الْيَوْمَ حَسَنَةً.

فَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ! أَخْشَى الْيَوْمَ مِمَّا مِنْهُ تَخْشَى.

بَلْ أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ لِأُمِّكَ!! إِذَا طَلَبَتْ مِنْكَ حَسَنَةً فَلَنْ تُعْطِيَهَا شَيْئًا؛ فَلَا تُبَدِّدْ حَسَنَاتِكَ، وَلَا تُضَيِّعْ مَجْهُودَكَ، وَلَا تُذْهِبْ ثَمَرَةَ عَمَلِكَ الصَّالِحِ؛ بِأَنْ تَأْخُذَ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَأَنْتَ إِذَا اغْتَبْتَ إِنْسَانًا؛ فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْتَسْمِحَهُ، وَأَنْتَ عَلِيمٌ بِأَنَّ أَخْلَاقَ النَّاسِ لَا تَجْعَلُهُمْ يُسَامِحُونَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، تَذْهَبُ إِلَى فُلَانٍ فَتَقُولُ: تَكَلَّمْتُ فِيكَ، أَوْ قُلْتُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا، وَوَقَعْتُ فِي عِرْضِكَ فَسَامِحْنِي!

فَيَقُولُ: لَنْ أُسَامِحَكَ أَبَدًا، وَرُبَّمَا وَقَعَ قِتَالٌ وَمُشَاجَرَةٌ وَسَالَتِ الدِّمَاءُ!!

يَقُولُ الْعُلَمَاءُ: إِنْ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُسَامِحَكَ إِلَّا بِمَالٍ تُعْطِيهِ إِيَّاهُ؛ فَأَعْطِهِ مَالًا حَتَّى يُسَامِحَكَ، فَهَذَا أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَاقِلِينَ وَاعِينَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَنْ نَلْتَفِتَ لِمَا يَنْفَعُنَا، ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)).

((التَّحْذِيرُ مِنْ بِدَعٍ مُشْتَهِرَةٍ فِي شَهْرِ رَجَبٍ))

فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ رَجَبًا!! وَيَذْبَحُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْهُ ذَبِيحَةً يُقَالُ لَهَا ((العَتِيرَةُ))، أَوِ ((الرَّجَبِيَّةُ))، وَفَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَنَهَاهُمْ عَنْهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَزْكَي السَّلَامِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ-، قَالَ: ((لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ)).

فَأَمَّا الْعَتِيرَةُ: فَهِيَ الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ.

وَأَمَّا الْفَرَعُ: فَمَا يَجْعَلُونَهُ مِنْ نَتَاجِ الْإِبِلِ وَمَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْعَامِهِمْ لِأَصْنَامِهِمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ نَبِيُّنَا ﷺ.

وَالْعِبَادَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْبَحَ إِلَّا عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ، كَمَا أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- نَهَانَا عَنِ الْأَكْلِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِاسْمِ اللهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَنَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِذَبْحِ ذَبَائِحِنَا؛ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نَذْبَحَهَا، وَلِمَ نُعَذِّبُهَا؟! وَلِمَ نَعْتَدِي عَلَيْهَا؟!

لَكِنْ أَحَلَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ لَنَا، وَأَقْدَرَنَا عَلَيْهِ، فَنَفْعَلُهُ بِاسْمِ اللهِ، فَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الذَّبِيحَةِ؛ لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ لَا يُذْبَحُ إِلَّا عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ، وَمَهْمَا ابْتَدَعَ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ذَبَائِحَ يَذْبَحُهَا وَقَرَابِينَ يُقَرِّبُهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا، وَقَدْ يَكُونُ مُشْرِكًا إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ وَجْهِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

فَالذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ شِرْكٌ بِهِ يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ.

وَأَمَّا إِذَا مَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ فِي رَجَبٍ تَنَسُّكًا وَتَقَرُّبًا؛ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَمْ يُحْسِنْ، أَمَّا الذَّبْحُ الَّذِي لَا يَكُونُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، أَيْ: لَا يَقْصِدُ الْعَبْدُ الْإِتْيَانَ بِهِ فِي رَجَبٍ تَقَرُّبًا بِالذَّبْحِ فِي رَجَبٍ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَهَذَا لَا شَيْءَ فِيهِ، إِذَا فَعَلَهُ لا لِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا تَثْرِيبَ.

وَالَّذِي نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ ﷺ: أَنْ يُقْصَدَ الزَّمَانُ بِالذَّبْحِ فِيهِ تَقَرُّبًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِاعْتِقَادِ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ لَدُنْ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ ﷺ: ((لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ ((عَتِيرَةُ رَجَبٍ))، لَا الذَّبْحُ فِيهِ بِإِطْلَاقٍ؛ فَلْيَذْبَحْ فِي رَجَبٍ مَنْ شَاءَ الذَّبْحَ لَا عَتِيرَةً وَلَا تَقَرُّبًا بِالذَّبْحِ فِيهِ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَإِنَّمَا يَذْبَحُ اتِّفَاقًا بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ إِكْرَامًا لِضَيْفٍ، أَوْ بَيْعًا لِلَحْمٍ، أَوْ إِدْرَاكًا لِمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَنْعَامِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ.

وَأَمَّا أَنْ يَقْصِدَ رَجَبًا بِالذَّبْحِ فِيهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ خَاصَّةً كَفِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَهَذَا مَا نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ ﷺ.

*فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ تَخْصِيصُ الذَّبْحِ فِيهِ بِشَيْءٍ قَطُّ.

*((وَلَمْ يَصِحَّ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ بِخُصُوصِهِ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ)).

وَمَا ذَكَرُوا مِنْ فَضْلِ الصِّيَامِ فِيهِ.. وَمَا ذَكَرُوا مِنْ فَضْلِ صِيَامِهِ؛ فَأَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأُخَرُ ضَعِيفَاتٌ، وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرِ أَعْنِي: شَعْبَانَ مَعَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ- صِيَامًا، لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَالْعَوَامُّ يَخُصُّونَ رَجَبًا بِالصَّوْمِ، وَالْعَوَامُّ يَسْرُدُونَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ سَرْدًا بِصَومٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ ﷺ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ- وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْ أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ-.

فَلَيْسَ لِلصَّوْمِ فِيهِ مِنْ فَضْلٍ زَائِدٍ، وَالْعَوَامُّ يَحْسَبُونَ ذَلِكَ سُنَّةً، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ؛ بَلْ إِنَّ تَخْصِيصَهُ بِالصِّيَامِ بِدْعَةٌ.

((وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يَضْرِبُ أَيْدِيَ النَّاسِ فِي رَجَبٍ؛ لِيَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الطَّعَامِ فِي رَجَبٍ، وَيَقُولُ: ((لَا تُشَبِّهُوهُ بِرَمَضَانَ)) )).

فَكَانَ يَضْرِبُ أَيْدِيَ النَّاسِ؛ لِيَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ، وَيَقُولُ: ((لَا تُشَبِّهُوهُ بِرَمَضَانَ)) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

*وَأَمَّا إِنْ صَامَ بَعْضَهُ وَأَفْطَرَ بَعْضَهُ؛ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ.

وَلَا يَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْأَوْقَاتِ بِعِبَادَاتٍ لَمْ يَخُصَّهَا الشَّرْعُ بِهَا، بَلْ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْبِرِّ مُرْسَلَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، لَيْسَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَضْلٌ إِلَّا مَا فَضَّلَ الشَّرْعُ، كَمَا قَرَّرَ الْعُلَمَاءُ، وَمِنْهُمْ: ابْنُ أَبِي شَامَةَ -رَحِمَهُمُ اللهُ جَمِيعًا-، أَعْنِي: عُلَمَاءَنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ -رَحِمَهُمُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ-.

فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَبْتَدِعَ تَحْدِيدًا بِوَقْتٍ وَلَا تَخْصِيصًا بِأَمْرٍ، وَإِنَّمَا الزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ، وَالْجِنْسُ، وَالسَّبَبُ، وَالْكَمُّ، وَالْكَيْفُ؛ كُلُّ ذَلِكَ مَحْكُومٌ بِالشَّرْعِ؛ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ الِاتِّبَاعِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَمَنْ خَالَفَ فِي وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، وَمَا لَمْ يَشْرَعْهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ.

*وَ((صَلَاةُ الرَّغَائِبِ)) مُبْتَدَعَةٌ مَصْنُوعَةٌ:

وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ فِي لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ.

فَهَذِهِ الصَّلَاةُ إِنَّمَا هِيَ حَادِثَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي كُذِبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا وَبِشَأْنِهَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي دَوَاوِينِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُدَوِّنِينَ لِلسُّنَّةِ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ-؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي كُذِبَ فِيهَا عَلَى الْمُخْتَارِ ﷺ حَادِثَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ.

*وَكَذَلِكَ قَصْدُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فِي أَوَّلِ خَمِيسٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ وَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ مِمَّا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ فَارِغَاتِ الْعُقُولِ وَالْقُلُوبِ مِنْ أَنْوَارِ الْإِيمَانِ وَالِاتِّبَاعِ لِلرَّسُولِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَحْسَبُونَ ذَلِكَ قُرْبَةً عِنْدَ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَمَا هِيَ إِلَّا بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا لَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَثَرٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ.

*وَمِنْهُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، يَزْعُمُونَ بَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ((الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ)) قَدْ وَقَعَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَيَجْزِمُونَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ جَزَمَ بِهِ كَمَا قَرَّرَ عُلَمَاؤُنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-؛ وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ دِينًا مُتَّبَعًا وَسُنَّةً يَؤُمُّونَهَا، يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللهِ بِزَعْمِهِمْ، ثُمَّ يَذْرِفُونَ الدُّمُوعَ أَوْ دَمْعَةً أَوْ دَمْعَتَيْنِ عَلَى الْأَقْصَى السَّلِيبِ، ثُمَّ يُنْسَى ذَلِكَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ -وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَإِلَيْهِ الْمُشْتَكَى-.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا قَامَ الْمُقْتَضِي لِفِعْلِهِ عَلَى عَهْدِهِ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ فَتَرْكُهُ سُنَّةٌ، وَفِعْلُهُ بِدْعَةٌ، وَهِيَ ((السُّنَّةُ التَّرْكِيَّةُ))، فَالنَّبِيُّ ﷺ يُتَّبَعُ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، كَمَا يُتَّبَعُ فِي تَرْكِهِ.

فَهُنَالِكَ مَا يُقَالُ لَهُ: ((السُّنَّةُ التَّرْكِيَّةُ)): مَا قَامَ الْمُقْتَضِي لِفِعْلِهِ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ مِنْ فِعْلِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ ﷺ؛ فَفِعْلُهُ بِدْعَةٌ، وَتَرْكُهُ سُنَّةٌ، كَمَا تَرَكَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَقَوْلَ: (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) فِي صَلَاتَيِ الْعِيدَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالْمُصَلَّى -فِي مُصَلَّى الْعِيدِ- بِظَاهِرِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ ﷺ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ يُحَدَّدُ تَحْدِيدًا كَالصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ وَالْمُقْتَضِي قَائِمٌ، وَلَيْسَ هُنَالِكَ مِنْ مَانِعٍ، وَمَعَ ذَلِكَ تَرَكَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ؛ فَالتَّرْكُ سُنَّةٌ، وَالْفِعْلُ بِدْعَةٌ، وَالْمُؤْتَسِي بِرَسُولِهِ ﷺ الْمُوَفَّقُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

((أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ مِنَ الشَّحْنَاءِ))

اعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ مِنَ الشَّحْنَاءِ، وَأَفْضَلُهَا: السَّلَامَةُ مِنْ شَحْنَاءِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي تَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، وَتَقْتَضِي الطَّعْنَ عَلَى سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَتَقْتَضِي بُغْضَهُمْ وَالْحِقْدَ عَلَيْهِمْ، وَاعْتِقَادَ تَكْفِيرِهِمْ وَتَبْدِيعِهِمْ وَتَضْلِيلِهِمْ وَتَفْسِيقِهِمْ، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ سَلَامَةُ الْقَلْبِ مِنَ الشَّحْنَاءِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُمْ، وَنَصِيحَتُهُمْ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.

أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ مِنَ الشَّحْنَاءِ لِسَلَفِ الْأُمَّةِ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ-؛ يَلِي ذَلِكَ سَلَامَةُ الْقَلْبِ مِنَ الشَّحْنَاءِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ إِرَادَةِ النُّصْحِ لَهُمْ، وَحُبِّهِمِ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ لَهُمْ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَهِيَ مَرْتَبَةٌ جَلِيلَةٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا إِلَّا الْأَفْذَاذُ، وَغَايَةٌ شَاسِعَةٌ بَعِيدَةٌ لَا يَقْطَعُ الْمَفَازَةَ دُونَهَا إِلَّا الرِّجَالُ.

وَكَثِيرٌ مِنَ الْخَلْقِ يَحْسَبُهُ هَيِّنًا، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ، سَلَامَةُ الْقَلْبِ، وَطَهَارَةُ النَّفْسِ مِنَ الشَّحْنَاءِ وَالْحِقْدِ، وَالْغِلِّ وَالْحَسَدِ، وَالْبُغْضِ وَالْكَرَاهِيَةِ، وَإِرَادَةِ الشَّرِّ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، كَمَا هُوَ فِي سَوَاءِ دِينِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ.

أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ سَلَامَةُ الصُّدُورِ، وَسَخَاوَةُ النَّفْسِ، وَالنَّصِيحَةُ لِلْأُمَّةِ، وَبِهَذِهِ الْخِصَالِ بَلَغَ الذُّرَى مَنْ بَلَغَ.

سَلَامَةُ الصَّدْرِ، سَخَاوَةُ النَّفْسِ، النَّصِيحَةُ لِلْأُمَّةِ، وَبَذْلُ النَّفْسِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا الْأَمِينُ ﷺ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْمَرْأَةِ الْمِسْكِينَةِ وَالضَّعِيفِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْكَسِيرِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْحَسِيرِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُعْوِزِينَ، كَانَ فِي حَاجَةِ الثَّكَالَى وَالْأَرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ، يَبْذُلُ نَفْسَهُ، وَتَأْخُذُ الْجَارِيَةُ بِكُمِّهِ بِيَدِهِ، تَسِيرُ مَعَهُ فِي أَيِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ شَاءَتْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهَا ﷺ.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا حَكَتْ عَائِشَةُ، وَلَمْ تَبْلُغْ بِهِ السُّنُونُ مَبَالِغَهَا؛ فَإِنَّهُ ﷺ قَبَضَهُ رَبُّهُ إِلَيْهِ وَشَيْبُهُ مَعْدُودٌ، شَيَّبَتْهُ هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا؛ خَوْفًا مِنَ اللهِ وَقِيَامًا بِأَمْرِ اللهِ، وَوَصَفَتْهُ عَائِشَةُ مَعَ ذَلِكَ: وَمَا عَلَتْ بِهِ السُّنُونُ، قَالَتْ لَمَّا كَانَ قَدْ أَصَابَهُ وَذَلِكَ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ، حَطَمَهُ النَّاسُ فِي بِدَايَةِ الْأَمْرِ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَطُغْيَانِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَصِرَاعِهِمْ مَعَ الْحَقِّ، وَمُحَاوَلَاتِهِمْ لِطَمْسِ نُورِهِ، وَتَحَمَّلَ مَا تَحَمَّلَ رَاضِيًا فِي ذَاتِ اللهِ ﷺ؛ حَتَّى أُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ وَمِنْ دَارِهِ، مِنْ بَلَدِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَهُوَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهِ.

وَحُرِمَ مِنْ جِوَارِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَمِنَ السُّجُودِ عِنْدَهُ تَبَتُّلًا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَصُدَّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهِ، وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ فِي نُسُكٍ مُحْرِمًا مُعْتَمِرًا قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَحُبِسَ الْهَدْيُ فِي مَحِلِّهِ حَتَّى أَكَلَ وَبَرَهُ، وَقَدْ خُلِّدَ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ مَا جَاءَ لِحَرْبٍ، فَصُدَّ وَمَنْ مَعَهُ عَنِ البَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَدْ بَنَاهُ أَبُوهُ وَجَدُّهُ، بَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ، حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ بِكَيْدِهِمُ الرَّخِيصِ، بِتَصَوُّرَاتِهِمُ الْهَزِيلَةِ، بِنَزَوَاتِهِمُ الْوَضِيعَةِ، وَعَدَمِ فَهْمِهِمْ، وَسُوءِ قَصْدِهِمْ، وَعَدَمِ إِلْمَامِهِمْ بِجَنَبَاتِ نُفُوسِهِمْ فِي اتِّسَاعِ أُفُقِهَا الْوَضِيءِ، بِوُقُوفِهِمْ عِنْدَ حُدُودِ رَغَبَاتِهِمْ وَكَيْدِهِمْ وَمَكْرِهِمْ، مَعَ اتِّبَاعِهِمْ لِشَيَاطِينِهِمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالنَّبِيُّ يُصَارِعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، يَتَحَمَّلُ الْأَذَى فِيهِ وَالْمَكْرُوهَ، رَاضِيًا عَنْ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ فِي ذَاتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ، وَأَعَزَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جُنْدَهُ وَنَصَرَهُمْ، وَأَعْلَى شَأْنَهُمْ، وَفَتَحَ لَهُمُ الْبِلَادَ وَقُلُوبَ الْعِبَادِ، وَمَكَّنَ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَمِنْ رِقَابِ الْخَلْقِ، فَسَارُوا فِي ذَلِكَ سِيرَةَ الْحَقِّ، وَلَمْ يَظْلِمُوا وَلَمْ يَحِيفُوا، وَكَانَ مَا كَانَ، وَوَقَعَتْ أُمُورٌ، وَكَانَ فِي حَاجَةِ إِخْوَانِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ حَالٍ؛ فِي حَرْبِهِ وَسِلْمِهِ، فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَعلَى جَنْبٍ ﷺ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ مُعَلِّمًا.

كَانَ ﷺ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي حَلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، فِي قِيَامِهِ وَفِي ظَعْنِهِ، كَانَ ﷺ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ، فِي ضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ، فِي مُعَامَلَةِ الْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ، وَفِي مُعَامَلَةِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَفِي مُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.

كَانَ يَقْضِي حَاجَاتِ الْخَلْقِ، وَذَلِكَ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ، تَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((بَذَلَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَبْخَلْ بِشَيْءٍ -حَاشَاهُ- ﷺ )).

سَخَاوَةُ النَّفْسِ، وَسَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَنَصِيحَةُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا مَنْ بَلَغَ الْمَبَالِغَ وَعَلَا الذُّرَى، فَلَا يَقْطَعُ الْمَفَازَةَ إِلَّا الرِّجَالُ، وَمَا يَسْتَطِيعُهُ الرَّجُلُ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ الطِّفْلُ حَتَّى يَصِيرَ رَجُلًا؛ فَانْظُرْ -هَدَاكَ اللهُ- أَيْنَ مَحَلُّكَ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

عِبَادَ اللهِ! اجْتَنِبُوا الشِّرْكَ، اجْتَنِبُوا الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْرِمُ الْمَغْفِرَةَ مِنَ الرَّبِّ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، تَحْرِمُ الْمَغْفِرَةَ فِي مَوَاسِمِ الرَّحْمَةِ، فِي مَوَاسِمِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، اجْتَنِبُوا الشِّرْكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

اجْتَنِبُوا الْقَتْلَ؛ فَإِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ لَمْ يُحِلَّ اللهُ قَتْلَهَا؛ لَأَكَبَّهُمُ اللهُ جَمِيعًا فِي النَّارِ، اجْتَنِبُوا الْقَتْلَ وَالسَّعْيَ فِيهِ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ، وَلَوْ بِأَنْ تُعِينَ عَلَى ذَلِكَ ظَالِمًا؛ بِأَنْ تُنَاوِلَهُ قِرْطَاسًا أَوْ قَلَمًا.

اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- لَا يَدَعُ مِنْ حُقُوقِ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ يَسِيرًا، اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، اتَّقُوا يَوْمًا لَا دِرْهَمَ فِيهِ وَلَا دِينَارَ، وَإِنَّمَا هِيَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، فَيُقْتَصُّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ بِالْحَسَنَاتِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ، فَجُعِلَ عَلَى رَأْسِ الظَّالِمِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.

اتَّقُوا الظُّلْمَ، اتَّقُوا الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْأَعْرَاضِ حَالًا وَمَآلًا، لِسَانًا وَمَقَالًا، كِتَابَةً وَتَسْطِيرًا، نِيَّةً وَهَمًّا وَعَزْمًا، اتَّقُوا الْحُرُمَاتِ، اتَّقُوا الْأَعْرَاضَ، نَظِّفُوا أَنْفُسَكُمْ وَضَمَائِرَكُمْ، نَظِّفُوا أَفْئِدَتَكُمْ وَقُلُوبَكُمْ وَتَصَوُّرَاتِكُمْ مِنْ كُلِّ دَخِيلٍ، اسْتَقِيمُوا عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّكُمْ ﷺ.

الْوَاحِدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ كَالْحَدِيقَةِ؛ فِيهَا مَا فِيهَا مِنَ الثِّمَارِ وَالْأَشْجَارِ، وَالْوُرُودِ وَالْأَزْهَارِ، وَفِيهَا -مَعَ ذَلِكَ- مَا فِيهَا مِنَ الْحَشَائِشِ السَّامَّةِ، وَفِيهَا مَا فِيهَا مِمَّا لَا يَجْمُلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّلَتْ أُمُورٌ؛ صَفِّ ذَلِكَ وَهَذِّبْهُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّكَ ﷺ.

نَظِّفْ ضَمِيرَكَ، نَظِّفْ تَصَوُّرَكَ، نَحِّ مَا قَدْ جَاءَكَ مِنْ بَقَايَا الْقُرُونِ السَّالِفَاتِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَجَائِزِ مِنَ الْجَهَلَةِ وَأَشْبَاهِ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ تَزَيَّا بِزِيِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمِمَّنْ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَمِمَّنْ يُخَالِفُ مِنْهَاجَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

نَقِّ الضَّمِيرَ وَالْقَلْبَ، نَقِّ الْفُؤَادَ وَالصَّدْرَ، عُدْ إِلَى تَصَوُّرِكَ الَّذِي تَتَصَوَّرُهُ عَنْ حَيَاتِكَ وَكَوْنِ رَبِّكَ مِنْ حَوْلِكَ، وَأَعِدْ ذَلِكَ إِلَى أَصْلِهِ، ((إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ))؛ فَلْيَعُدِ الْأَمْرُ إِلَى أَصْلِهِ فِي ضَمِيرِكَ وَنَفْسِكَ، وَابْدَأْ بِدَايَةً صَحِيحَةً مُوَفَّقَةً؛ عَسَى اللهُ أَنْ يَرْحَمَنِي وَيَرْحَمَكَ.

اجْتَنِبِ الزِّنَا وَمُوَاقَعَةَ الشَّهَوَاتِ، وَإِتْيَانَ الذُّكُورِ مِنْ دُونِ النِّسَاءِ، اتَّقِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَإِيَّاكَ وَفِسْقَ التَّصَوُّرِ، حَذَارِ أَنْ تَكُونَ فَاسِقَ التَّصَوُّرِ، وَنَحْنُ فِي مُجْتَمَعٍ قَدْ نَشَأَ النَّاشِيءُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا عِنْدَ جَمْهَرَةِ الْخَلْقِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ.. عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَهَا إِيحَاءَاتٌ جِنْسِيَّةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ فِسْقِ التَّصَوُّرِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الَّذِينَ اسْتَقَامَتْ ضَمَائِرُهُمْ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى دِينِ رَبِّهِمْ، وَاسْتَقَامَتْ حَيَاتُهُمْ نَظِيفَةً عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ؛ فَإِنَّهُمْ يُنَزِّلُونَ الْأُمُورَ مَنَازِلَهَا، هَؤُلَاءِ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ فِسْقِ التَّصَوُّرِ، وَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ -عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا- فِي فِسْقِ التَّصَوُّرِ، وَقُلْ لِنَفْسِكَ: هَلْ أَنْتَ فَاسِقٌ فِي تَصَوُّرِكَ، أَمْ أَنَّكَ بَرٌّ فِيهِ غَيْرُ فَاسِقٍ؟!!

وَاللهُ مَعِي وَمَعَكَ يَهْدِينِي وَإِيَّاكَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

اتَّقُوا الشَّحْنَاءَ، وَيَا مَنْ أَضْمَرَ لِأَخِيهِ السُّوءَ وَبَيَّتَ لَهُ الْإِضْرَارَ {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

يَا مَنْ أَضْمَرَ السُّوءَ، وَبَيَّتَ الْمَكِيدَةَ؛ اتَّقِ اللهَ رَبَّكَ، وَنَظِّفْ قَلْبَكَ وَضَمِيرَكَ، وَالْحَيَاةُ مُنْقَضِيَةٌ وَفَانِيَةٌ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يُقِيمَنَا عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، عَامِلِينَ بِذَلِكَ، مُعْتَقِدِينَهُ، دَاعِينَ إِلَيْهِ، مُلْتَزِمِينَهُ حَتَّى يَقْبِضَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَالْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر:الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ رِسَالَةُ سَلَامٍ لِلْإِنْسَانِيَّةِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  مَفْهُومُ الْعِرْضِ وَالشَّرَفِ
  أَكْلُ السُّحْتِ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِ فِي ​الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ((الدَّرْسُ الْأَوَّلُ: رَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ))
  حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ
  النَّبِيُّ الْقُدْوَةُ مُعَلِّمًا وَمُرَبِّيًا
  الْخُلُقُ الْكَرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ
  بيان للمصريين عامة وللدعاة خاصة
  الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَاتُ وَدَوْرُهُمَا فِي التَّنْمِيَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ
  عقيدة أهل الإسلام في حقوق الحكام
  التَّضْحِيَةُ لِأَجْلِ الْوَطَنِ سَبِيلُ الشُّرَفَاءِ وَالْعُظَمَاءِ الْأَوْفِيَاءِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان