الْأَعْيَادُ عِبَادَةٌ

الْأَعْيَادُ عِبَادَةٌ

((الْأَعْيَادُ عِبَادَةٌ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الْغَايَةُ مِنْ خَلْقِ الْخَلْقِ عِبَادَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ))

فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَنَا لِنَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْغَايَةِ أَرْسَلَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ, وَنَبَّأَ النَّبِيِّينَ, وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ, وَلِأَجْلِ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْغَايَةِ قَامَتِ الْمَعْرَكَةُ بَيْنَ جُنْدِ الرَّحْمَنِ وَجُنْدِ الشَّيْطَانِ؛ فَلِأَجْلِ تَوْحِيدِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَلِأَجْلِ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ كَانَ هَذَا كُلُّهُ.

عِبَادَ اللهِ! التَّوْحِيدُ أَوَّلُ مَا أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ, وَأَوَّلُ أَوَامِرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تَوَجَّهَ بِهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَوَّلِ أَمْرٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوَّلُ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21].

هَذَا أَوَّلُ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ، وَأَرْسَلَ لِأَجْلِهِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ لِأَجْلِهِ الْكُتُبَ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ أَحَدٍ أَخَلَّ بِهِ عَمَلًا.

 ((إِنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَشَرِ تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ مِنْ خَلْقِ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَذُرِّيَّتِهِ هِيَ: عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ} [الذاريات: 56])) .

 ((وَالْعِبَادَةُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ)) .

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ تَشْمَلُ جَمِيعَ صُوَرِ الْحَيَاةِ؛ مِنْ ظَاهِرٍ وَكَامِنٍ، مِنْ مُتَحَرِّكٍ وَسَاكِنٍ، مِنْ مَنْوِيٍّ وَمَأْتِيٍّ بِهِ، فَإِذَا نَظَرَ الْإِنْسَانُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى نَظَرًا صَحِيحًا اسْتَحَالَتْ حَيَاتُهُ كُلُّهَا عِبَادَةً لِرَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ مِنْ عَقْدِ قَلْبِهِ، إِلَى نَبْضِ لِسَانِهِ، إِلَى حَرَكَةِ جَوَارِحِهِ.

قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162].

قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ صَلَاتِي وَعِبَادَتِي وَتَقَرُّبِي إِلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ-، وَحَيَاتِي وَمَوْتِي، كُلَّهَا خَالِصَةٌ لِوَجْهِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الْخَالِقِ لِكُلِّ الْمَوْجُودَاتِ الْكَوْنِيَّةِ، وَالْمُمِدِّ لَهَا دَوَامًا بِعَطَاءَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ؛ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَفِي إِلَهِيَّتِهِ.

فَبِهَذَا التَّوْحِيدِ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الَّذِينَ يُعْلِنُونَ إِسْلَامَهُمْ، وَأَوَّلُ الْمُنَفِّذِينَ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِي سُلُوكِي النَّفْسِيِّ وَالْجَسَدِيِّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

إِذَنْ؛ الْحَيَاةُ كُلُّهَا عِبَادَةٌ، كُلُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ؛ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.. كُلُّ ذَلِكَ هُوَ الْعِبَادَةُ.

أَمَرَنَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ نَصْرِفَ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ.

إِذَنْ؛ تَنْصَرِفُ الْحَيَاةُ بِجَمِيعِ نَشَاطَاتِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْكَائِنِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ؛ فَلَهُ الْكَمَالُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

خَلَقَ وَحْدَهُ، لَمْ يُشَارِكْهُ أَحَدٌ فِي الْخَلْقِ، وَيَرْزُقُ وَحْدَهُ، لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي الرِّزْقِ، وَيُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَحْدَهُ، لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي التَّدْبِيرِ؛ إِذَنْ.. فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِصَرْفِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ وَحْدَهُ، وَصَرْفُهَا لِغَيْرِهِ أَظْلَمُ الظُّلْمِ.

فَأَظْلَمُ الظُّلْمِ: الشِّرْكُ، صَرْفُ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ.

فَالْمُشْرِكُ أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ، وَالشِّرْكُ هُوَ أَظْلَمُ ظُلْمٍ كَانَ وَيَكُونُ.

((الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ))

إِنَّ اسْتِمْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى الطَّاعَةِ مِنْ مَعَالِمِ فَلَاحِهِ وَمَظَاهِرِ تَوْفِيقِهِ، وَعُنْوَانُ قَبُولِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَمَلَهُ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ عُنِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِحَثِّ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَقِبِ انْصِرَامِ الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ عَلَى شَعِيرَةِ رَمَضَانَ الْكُبْرَى وَهِيَ الصِّيَامُ، فَقَالَ ﷺ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ)) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ ((أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)) ، وَالْحَسَنَةُ تَقُولُ: أُخْتِي أُخْتِي، وَالسَّيِّئَةُ كَذَلِكَ.

وَلِذَا فَقَدْ ((كَانَ كُلُّ عَمَلِ النَّبِيِّ ﷺ دِيمَةً)) ، وَ((كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ)) ، وَكَيْفَ لَا يُدَاوِمُ الْحَازِمُ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ ﷺ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَقِبَ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ وَرَبُّ الشُّهُورِ وَاحِدٌ، وَالْأَيَّامُ تَرْحَلُ، وَالْعُمُرُ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ قِصَرًا، وَسِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَلَنْ يَقْوَى أَحَدٌ عَلَى الظَّفَرِ بِهِ إِلَّا أَنْ يُعْظِمَ التَّوَدُّدَ إِلَى خَالِقِهِ، وَيَزِيدَ مِنْ تَجْوِيدِ عَمَلِهِ، وَيُدِيمَ الِاجْتِهَادَ فِي السَّعْيِ إِلَيْهَا؛ لِيَتَهَيَّأَ لَهُ نَيْلُ رَحْمَةٍ تُولِجُهُ إِيَّاهَا.

((الْأَعْيَادُ عِبَادَةٌ وَفَرْحَةٌ))

إِنَّ الْعَبْدَ بِصِيَامِهِ رَمَضَانَ قَدْ أَدَّى عِبَادَةً مِنْ أَسْمَى الْعِبَادَاتِ، حَيْثُ تَغَلَّبَ عَلَى شَهَوَاتِهِ، وَقَاوَمَ رَغَبَاتِهِ، وَجَاهَدَ فِي تَحْقِيقِ التَّقْوَى الَّتِي هِيَ غَايَةُ الصِّيَامِ وَسَبَبٌ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ؛ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وَيَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] .

يَعْقُبُ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: ((الْعِيدُ، وَهُوَ مَوْسِمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ وَاجْتِمَاعٍ يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَوْرَةِ الزَّمَنِ، وَكُلُّ يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى مَسَرَّةٍ وَصَفَاءٍ هُوَ يَوْمُ عِيدٍ.

سُمِّيَ عِيدًا اشْتِقَاقًا مِنْ: عَادَ يَعُودُ.

وَلَمَّا كَانَ مَوْسِمُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ هَذَا يَعُودُ كُلَّمَا عَادَ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ لَهُ، حَسُنَ فِي أَذْوَاقِ وَاضِعِي اللُّغَةِ أَنْ يُسَمُّوهَ عِيدًا.

وَالْعِيدُ فِي اللُّغَةِ -أَيْضًا-: الْعَادَةُ، فَقِيلَ: اشْتُقَّ الْعِيدُ مِنَ الْعَادَةِ، وَجَمْعُ الْعِيدِ: أَعْيَادٌ.

وَيُقَالُ: عَيَّدَ النَّاسُ إِذَا شَهِدُوا عِيدَهُمْ، كَمَا يُقَالُ: جَمَّعُوا إِذَا شَهِدُوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ.

الْعِيدُ فِي الْإِسْلَامِ دَلَّتْ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ نُصُوصِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ -كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي ((الْفَتْحِ)) - عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ((قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللهُ -تَعَالَى- بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى))؛ أَيْ: وَيَوْمَ الْأَضْحَى.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ.

وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ؟! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «دَعْهُمَا».

فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا)).

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ -أَيْ: لَيْسَتَا بِمُمْتَهِنَتَيْنِ لِلْغِنَاءِ-.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا».

((يَوْمُ بُعَاثٍ)): هُوَ يَوْمُ حَرْبٍ قَامَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقُتِلَ فِيهِ صَنَادِيدُ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَ(بُعَاثٌ): اسْمُ حِصْنٍ لِلْأَوْسِ)) .

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ شَرَعَ اللهُ لَكُمُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْعِدَّةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ: ((اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلهِ الْحَمْدُ)) .

وَقَدْ وَرَدَتْ صِيَغٌ سِوَى هَذِهِ.

وَيُسَنُّ جَهْرُ الرِّجَالِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَالْأَسْوَاقِ، وَالْبُيُوتِ؛ إِعْلَانًا بِتَعْظِيمِ اللهِ وَإِظْهَارًا لِعِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ وَحَمْدِهِ، وَيُسِرُّ بِهِ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالتَّسَتُّرِ وَالْإِسْرَارِ بِالصَّوْتِ.

وَمَا أَجْمَلَ حَالَ النَّاسِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهَ تَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا فِي كُلِّ مَكَانٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ شَهْرِ صَوْمِهِمْ، يَمْلَئُونَ الْآفَاقَ تَكْبِيرًا وَتَحْمِيدًا وَتَهْلِيلًا، يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ!!)) .

عِبَادَ اللهِ! كَمَا كَانَ رَمَضَانُ شَهْرَ عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ بِالْعِيدِ عِبَادَةٌ وَطَاعَةٌ، فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِيَوْمِ الْعِيدِ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالْفَرَحِ بِالدِّينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ وَيَا كُلَّ دَاعٍ إِلَى اللهِ مِنْ أُمَّتِهِ.. قُلْ لِلنَّاسِ مُبَيِّنًا وَمُقْنِعًا: اسْتَمْسِكُوا بِإِفْضَالِ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِكُمْ، وَمَا آتَاكُمْ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَشِفَاءِ الصُّدُورِ، فَبِذَلِكَ الَّذِي جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَالْحِرْصِ عَلَى الِاسْتِمْسَاكِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ؛ فَلْيَفْرَحُوا.

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا أَعَدَّ اللهُ لَكُمْ فِيمَا لَوْ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِ، وَاتَّبَعْتُمْ وَصَايَاهُ؛ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا تَجْمَعُونَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ.

وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».

 ((عِيدُ الْفِطْرِ مَوْسِمُ فَرْحَةٍ عَقِبَ تَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ الصِّيَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، فَهُوَ عِيدُ الْفَرْحَةِ بِأَدَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَالظَّفَرِ بِجَائِزَةِ الْغُفْرَانِ -إِنْ شَاءَ اللهُ-، وَاسْتِحْقَاقِ الدُّخُولِ إِلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَهُوَ الْبَابُ الْمُخَصَّصُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ لِلصَّائِمِينَ.

وَعِيدُ الْأَضْحَى مَوْسِمُ فَرْحَةٍ عَقِبَ تَأْدِيَةِ جُمْهُورٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَهَمَّ وَأَكْبَرَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ جَاءَ فِي ((الصَّحِيحِ)) مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ ﷺ قَوْلُهُ: ((الْحَجُّ عَرَفَةُ)) ؛ أَيْ: هُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يُشَارِكُونَ فِي الْفَرَحِ بِهَذَا الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ.

الْأَعْيَادُ الْإِسْلَامِيَّةُ مَوَاسِمُ فَرَحٍ عَامٍّ تَكُونُ عَقِبَ تَأْدِيَةِ عِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ لِلهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَعِيدُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَتْوِيجٌ لِصَلَوَاتِ أُسْبُوعٍ كَامِلٍ.

إِنَّ ظَاهِرَةَ الْأَعْيَادِ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ مُثِيرَةٌ لِلْإِعْجَابِ؛ لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِأَنَّ أَعْظَمَ فَرْحَةٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هِيَ فَرْحَتُهُمْ بِانْتِصَارِ إِرَادَتِهِمُ الْخَيِّرَةِ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَبِخَلَاصِهِمْ مِنْ أَسْرِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَسُلْطَانِ تَسْوِيلَاتِهِمْ، وَبِفَرْحَتِهِمْ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَالظَّفَرِ بِجَوَائِزِ الْغُفْرَانِ وَالْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ وَالْوَعْدِ الْكَرِيمِ بِالْجِنَانِ.

وَالْعِيدُ فَاصِلٌ ضَرُورِيٌّ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ؛ بِالتَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ، وَإِطْلَاقِهَا مِنْ رَوَابِطِ الْعَمَلِ الْمُتَتَابِعِ الْجَادِّ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَوَاصِلَ الْجَسَدِيَّ يُكَثِّفُ فِي النَّفْسِ شِحْنَةً مِنَ السَّأَمِ وَالْمَلَلِ، فَتَأْتِي الْأَعْيَادُ فِي فَوَاصِلَ مِنَ الزَّمَنِ فَتُؤَدِّي وَظِيفَةَ إِطْلَاقِ شِحْنَاتِ السَّأَمِ الْمُزْعِجَةِ لِلنَّفْسِ فَتُرَوِّحُ عَنْهَا.

وَهَذِهِ الْوَظِيفَةُ لَا يُؤَدِّيهَا أَيَّامُ الْعُطَلِ الطَّارِئَةِ الَّتِي تَكُونُ النَّفْسُ فِيهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ مُسْتَعِدَّةً لِلْعَمَلِ، لِهَذَا نُلَاحِظُ أَنَّ الْأَعْيَادَ لَدَى كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ تَقُومُ بِوَظِيفَةِ إِشْبَاعِ حَاجَةٍ نَفْسِيَّةٍ لَدَى تِلْكَ الْأُمَّةِ، لِذَلِكَ تَشْعُرُ النَّفْسُ فِي الْعِيدِ بِالِانْطِلَاقِ، وَالْحُرِّيَّةِ مِنْ قُيُودٍ كَثِيرَةٍ -مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ الشَّرْعِ فِي النِّهَايَةِ-.

كَمَا يَكُونُ فِي الْعِيدِ تَفْرِيغٌ لِلْفِكْرِ وَالنَّفْسِ مِنْ مُضَايَقَاتِ الْعَمَلِ الْمُتَوَاتِرِ الْمُتَتَابِعِ عَلَى نَسَقٍ مُتَتَطَابِقٍ وَمُتَشَابِهٍ.

الْأَعْيَادُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي مُسْتَوَى الْقِمَّةِ، بَلْ هِيَ فَوْقَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الْأَعْيَادِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا النَّاسُ.

إِنَّ الْأَعْيَادَ الْإِسْلَامِيَّةَ تَبْدُو مُنَاسَبَاتٍ طَيِّبَةً لِلتَّوَاصُلِ وَالتَّزَاوُرِ، وَإِنْهَاءِ التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ، وَإِشَاعَةِ مَا تُوجِبُهُ الْأُخُوَّةُ وَالْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ يَتَفَقَّدُ ذَوِي الْغِنَى وَالْيَسَارِ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالضِّيقِ.

وَالْإِذْنُ فِي الْأَعْيَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِشَيْءٍ مِنَ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ وَاللَّعِبِ، وَالتَّرْغِيبُ فِيهَا بِلُبْسِ أَحْسَنِ مَا يَجِدُ الْمُسْلِمُ، وَبِالتَّطَيُّبِ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ كَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَهْلِ فِي الْمَعَايِشِ مِمَّا لَا يَخْفَى وَجْهُ حِكْمَتِهِ عَلَى بَصِيرٍ مُتَأَمِّلٍ، فَالْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَنَا مُسْلِمِينَ)) .

 ((نَصَائِحُ غَالِيَةٌ لِأَبْنَاءِ أُمَّتِنَا فِي الْعِيدِ))

*التَّثَبُّتُ وَتَبَصُّرُ مَوْضِعِ الْقَدَمِ فِي زَمَانِ الْفِتَنِ:

مَا أَحْوَجَنَا -مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَتْبَاعِ سُنَّتِهِ- فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَصِيبَةِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا أُمَّةُ النَّبِيِّ ﷺ -خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ- تَمُرُّ بِأَيَّامٍ مَا مَرَّتْ بِمِثْلِهَا الْأُمَّةُ مِنْ قَبْلُ فِي تَارِيخِهَا قَطُّ.. مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ أَنْ نَتَبَصَّرَ حَقَّ التَّبَصُّرِ مَوْضِعَ الْقَدَمِ؛ فَلَا نَرْفَعُ قَدَمًا وَلَا نَضَعُهَا إِلَّا بِأَثَرٍ؛ بِآيَةٍ، بِكِتَابٍ، بِسُنَّةٍ، وَإِلَّا فَالْإِمْسَاكُ خَيْرٌ، وَإِلَّا فَالْكَفُّ بِرٌّ، وَإِلَّا تَعَرَّضَ الْمَرْءُ لِسُخْطِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَغَضَبِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي هَذَا مَقَالَتَهُ، وَمِنْ قَبْلُ عِنْدَمَا كَانَ الْأَمْرُ قَرِيبًا، وَعِنْدَمَا كَانَتْ آنِيَةُ نَبِيِّكُمْ ﷺ لَمْ تُكْسَرْ، وَثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَصَحَابَتُهُ عَلَى الْوَفْرَةِ وَالْكَثْرَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-، قَدِيمًا عِنْدَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ أَشَدَّ النَّاسِ تَثَبُّتًا وَتَبَصُّرًا لِمَوْضِعِ الْقَدَمِ.

وَهَذَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا أَتَتِ الْفِتْنَةُ الْكُبْرَى، وَوَقَعَ مَا وَقَعَ بَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِسَبَبِ الْمَلْعُونِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ الْيَهُودِيِّ مِنْ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَعَبَدَةِ الطَّاغُوتِ.

ذَهَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى غَنَمِهِ، إِلَى شِعَافِ الْجِبَالِ، إِلَى الْفَلَوَاتِ وَالْمَفَازَاتِ وَالصَّحْرَاوَاتِ، وَوَضَعَ سَيْفَهُ حِينَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يُشَارِكْ فِيهَا بِشَيْءٍ، فَمَا أُثِرَتْ عَنْهُ مَقَالَةٌ تُهَيِّجُ، وَلَا طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ، وَلَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، وَلَا طَعْنَةٌ بِخِنْجَرٍ، بَلْ ذَهَبَ هُنَاكَ كَمَا أَخْبَرَهُ نَبِيُّهُ ﷺ وَقُدْوَتُهُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَلَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى سَوَادَ وَلَدِهِ مِنْ بَعِيدٍ قَادِمًا إِلَيْهِ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، قَالَ: ((أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْقَادِمِ)).

وَأَتَى وَلَدُهُ إِلَيْهِ يَقُولُ: أَتَجْلِسُ هَاهُنَا وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمْ؟!!

فَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي صَدْرِ وَلَدِهِ وَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِّي سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ النَّقِيَّ الْخَفِيَّ)) .

فَلَمْ يُشَارِكْ فِي فِتْنَةٍ؛ لَا بِمَقَالَةٍ، وَلَا بِلَفْظٍ، وَلَا بِإِشْارَةٍ وَلَا بِأَقَلَّ مِنْهَا، بَلْ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُكَيْمٍ -وَهُوَ عَالِمٌ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ- يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ وَالْقُرْآنَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ مَقَالَةً فِي حَقِّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ مَا زَالَ -بَعْدُ- خَلِيفَةً.

فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، وَقُتِلَ عُثْمَانُ، وَأُرِيقُ دَمَهُ وُهُوَ شَيْخٌ قَدْ نَيَّفَ عَلَى السَّبْعِينَ، جَلَسَ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ بَعْدَ تَجْوِيعٍ وَتَشْرِيدٍ وَتَعْطِيشٍ وَأَسْرٍ وَحِصَارٍ، وَيَأْتِيهِ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ فِي رُؤْيَاهُ -وَكَانَ صَائِمًا- فَيَقُولُ لَهُ: ((يَا عُثْمَانُ! أَبْشِرْ فَإِنَّكَ تُفْطِرُ الْيَوْمَ عِنْدَنَا)) ، فَمَا حَرَّكَ سَاكِنًا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الثُّوَّارُ.

*الْأَخْذُ بِالرِّفْقِ:

مَا أَحْوَجَنَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ- فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ مِنْ تَارِيخِ أُمَّتِنَا أَنْ نَأْخُذَ بِالرِّفْقِ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)) ).

وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا تَرْوِيهِ عَنْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((مَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)) .

وَيُخْبِرُ النَّبِيُّ ﷺ الْأَشَجَّ -أَشَجَّ عَبْدِ الْقَيْسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- يَقُولُ لَهُ: ((يَا أَشَجُّ! إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ)) .

وَذَلِكَ أَنَّ أَشَجَّ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا جَاءَ مَعَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيُعْلِنُوا الْإِسْلَامَ أَسْرَعَ الْقَوْمُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا الْأَشَجُّ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رِحَالِ الْقَوْمِ فَأَصْلَحَ شَأْنَهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثِيَابِهِ فَلَبِسَ أَحْسَنَهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جِوَارِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ لِهَذَا الْوَفْدِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ: ((تُبَايِعُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى مَنْ وَرَاءَكُمْ؟)).

فَقَالُوا: نَعَمْ.. إِلَّا الْأَشَجَّ.

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ لَا تُزَاوِلُ الْمَرْءَ عَنْ شَيْءٍ هُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ، وَلَكِنْ نُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى أَنْفُسِنَا وَعَنْ ذَوَاتِنَا، وَنُرْسِلُ إِلَى مَنْ خَلْفَنَا، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُونَا وَدَخَلُوا مَعَنَا فِي طَاعَتِكَ فَإِخْوَانُنَا، وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى نَقْتُلَهُمْ.

فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ)) .

*الْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ أَنْ نَكُونَ وَقَّافِينَ عِنْدَ حُدُودِ كِتَابِ رَبِّنَا -سُبْحَانَهُ-، وَعِنْدَ حُدُودِ نُصُوصِ نَبِيِّنَا ﷺ الَّتِي صَحَّتْ عَنْهُ، وَقَّافِينَ كَمَا كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ -عَلَيْهِمُ الرُّضْوَانُ-، وَكَمَا كَانَ الْفَارُوقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- -فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ-: ((جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَأَصْحَابَ مُشَاوَرَتِهِ، يُدْنِيهِمْ وَيُقَرِّبُهُمْ شُبَّانًا كَانُوا أَوْ كُهُولًا.

فَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّ لَكَ وَجْهًا عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ.

قَالَ: أَفْعَلُ.. فَاسْتَأْذَنَ لِعَمِّهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَدَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

فَمَا قَالَ؟!!

قَالَ: يَا عُمَرُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنَّكَ وَاللهِ مَا أَعْطَيْتَنَا الْجَزْلَ وَلَا حَكَمْتَ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ!!

فَهَمَّ عُمَرُ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَأَقْبَلَ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ خَاطَبَ نَبِيَّهُ ﷺ فَقَالَ لَهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَهَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

*حَقِيقَةُ الْحَيَاةِ أَنَّهَا مِحْنَةٌ لَا مِنْحَةٌ:

*مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ أَنْ نَنْظُرَ لِلْحَيَاةِ عَلَى أَنَّهَا مِحْنَةٌ لَا مِنْحَةٌ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فِيهَا يَسِيرُ عَلَى غَيْرِ هُدًى إِلَّا إِذَا هَدَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، ((كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)) .

فَمَنْ هَدَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَبَصُرَ طَرِيقَهُ، وَعَرَفَ سَبِيلَهُ، وَسَارَ عَلَى الْمَحَجَّةِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى سَوَاءِ الْجَنَّةِ وَنِعْمَ الْقَرَارُ، وَمَنْ أَضَلَّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ الضَّالُّ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْهُدَى وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الضَّلَالَةَ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

*دَاوِمُوا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكُمْ وَتُوبُوا جَمِيعًا إِلَيْهِ!

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ! إِذَا كَانَ رَمَضَانُ قَدْ وَلَّى فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْعَامِ رَبُّهَا بَاقٍ، وَإِذَا كَانَ الصِّيَامُ الْفَرْضُ قَدِ انْقَضَىَ فَإِنَّ الصِّيَامَ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْعَامِ، وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ الْمَسْنُونُ تَأْكِيدًا قَدِ انْتَهَى وَوَلَّى، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا كَانَ يَدَعُ قِيَامَ اللَّيْلِ أَبَدًا.

وَالنَّبِيُّ ﷺ رِفْقًا بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَحَنَانًا عَلَيْهَا وَبِهَا وَبِرًّا، يُخْبِرُ أَنَّ ((مَنْ أَتْبَعَ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)) .

وَكَمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا))؛ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكُمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُ قَدْرَ الرِّسَالَةِ الَّتِي قَدْ أُعْطِيَتْهَا، وَحَنَانًا مِنْ مَلِيكِكُمْ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي فَرَّطَتْ فِي الْأَمَانَةِ، وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يُحِبُّ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، غَيْرَ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.

وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حَنَانًا مِنْهُ وَرَحْمَةً فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ؛ بَلْ دَعَا كَذَلِكَ صَرِيحًا بِنَصِّ كِتَابِهِ.. دَعَا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَدَعَا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَدَعَا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ هُوَ الْعُزَيْرُ، وَدَعَا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْعُزَيْرَ ابْنُ اللهِ، وَدَعَا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ؛ دَعَاهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة: 74]، فَفَتَحَ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ، مَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَلَزِمَ صِرَاطَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ فَلَهُ أَجْرَانِ، فَمَا بَالُكَ بِالْعَاصِي مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ؟!!

بَلْ إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُغْلِقَهَا أَمَامَ مَنْ قَالَ: إِنِّي رَبُّكُمُ الْأَعْلَى! وَمَنْ قَالَ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي! فَدَعَاهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بَدَلَ الرَّسُولِ رَسُولَيْنِ؛ لِكَيْ يَعُودَ، لِكَيْ يَئُوبَ، لِكَيْ يُنِيبَ، لِكَيْ يَعُودَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا يُحِبُّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَيَرْضَى، فَكَيْفَ بِالْعُصَاةِ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَخَيْرِ رَسُولٍ -مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ-؟!!

فَهَلُمَّ هَلُمَّ إِلَى التَّوْبَةِ.. إِلَى التَّوْبَةِ النَّصُوحِ!

وَاعْلَمْ -هَدَانِي اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَإِيَّاكَ إِلَى سَوَاءِ صِرَاطِهِ- أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْإِسْلَامَ نُورٌ وَحَيَاةٌ، وَأَنَّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ وَالْبِدْعَةَ ظُلْمَةٌ وَمَوَاتٌ، {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

وَأَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنَّ اللهَ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك: 22]؟!!

لَا يَسْتَوِيَانِ؛ مَنْ سَارَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وَهَدْيٍ مِنْ نَبِيِّهِ ﷺ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِ الْغِوَايَةِ وَالضَّلَالِ لَا يَعْرِفُ قُرْآنًا وَلَا سُنَّةً، وَلَا يَتْبَعُ نَبِيًّا وَلَا رَسُولًا، بَلْ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ.

فَالتَّوْبَةَ التَّوْبَةَ عِبَادَ اللهِ! فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ -سُبْحَانَهُ- مِنْ حَنَانِهِ وَمِنْ بِرِّهِ يَقُولُ لِلَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ: إِنَّهُمْ إِنْ تَابُوا وَأَنَابُوا وَعَادُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَبِلَهُمْ، وَإِلَّا فَإِنَّ لُهْم عَذَابَ الْحَرِيقِ، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، فَلَيْسَ لَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَتُوبُوا {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}.

مَا أَحْرَانَا بِأَنْ نُرِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مِنَّا الْخَيْرَ، إِنْ أَرَيْنَا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مِنَّا الْخَيْرَ؛ أَخَذَ بِأَيْدِينَا، وَأَخْرَجَ أُمَّتَنَا مِنَ الذُّلِّ الَّذِي هِيَ فِيهِ إِلَى عِزَّةِ الطَّاعَةِ، أَخْرَجَهَا مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إِلَى عِزِّ الطَّاعَةِ؛ بِمَحَبَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بِصِلَةِ الرَّحِمِ، بِالْبَذْلِ، بِالتَّوْحِيدِ، بِالْإِنَابَةِ، بِالِاتِّبَاعِ لَا بِالِابْتِدَاعِ، بِالْعَوْدَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ -سُبْحَانَهُ- يَمُدُّ لِلنَّاسِ، فَإِنْ ظَلَمُوا أَمْهَلَهُمْ، ثُمَّ إِذَا أَخَذَهُمْ لَمْ يُفْلِتْهُمْ، يَقُولُ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ فِي كِتَابِهِ مَثَلًا مِنْ بَعْدِ مَثَلٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ فِي سُنَّتِهِ مَثَلًا مِنْ بَعْدِ مَثَلٍ: ((مَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللهِ)) .

فَلَا مَخْرَجَ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ، بِالرُّجُوعِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِالِانْسِلَاخِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالضَّلَالِ وَالطُّغْيَانِ، بِالْعَوْدَةِ إِلَى كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ، بِالْإِنَابَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، ((لِلْمُتَمَسِّكِ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ )) .

لَا بِالتَّفْرِيطِ فِي اتِّبَاعِ دِينِ رَبِّنَا -سُبْحَانَهُ-، وَلَا بِأَخْذِ ظَاهِرٍ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى بَاطِنٍ، بَلْ بِالذُّلِّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَبِالْعِزَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ، بِالرَّحْمَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبِالْعِزَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَإِلَّا فَإِنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا السَّبِيلَ، وَإِلَّا فَإِنَّا نَضْرِبُ فِي التِّيهِ، وَالتِّيهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِنَا نَحْنُ، لَيْسَ مِنْ شَأْنِ أُمَّةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا إِنْ أَخَذَتْ بِهِ فَلَنْ تَضِلَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا؛ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتَهُ ﷺ.

*صِلُوا الْأَرْحَامَ وَاعْطِفُوا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْأَيْتَامِ!

مَا أَحْرَانَا بِأَنْ نَصِلَ الْأَرْحَامَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْكَرِيمِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُخْبِرُ ((أَنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِسَاقِ الْعَرْشِ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي)) .

وَيُخْبِرُ أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْخَلْقِ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ رَبُّنَا: ((مَهْ!)).

فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ.

فَقَالَ رَبُّنَا: ((أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟)).

قَالَتْ: بَلْ رَضِيتُ يَا رَبِّ.

قَالَ: ((فَذَلِكَ لَكِ)) .

وَيُخْبِرُ ﷺ: ((إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا قَاطِعُ رَحِمٍ)) .

وَيُخْبِرُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) .

مَا أَحْرَانَا فِي هَذَا الْيَوْمِ بِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامًا مُقَطَّعَةً طَالَ عَلَيْهَا الْقَطْعُ وَالْبَتُّ؛ حَتَّى يَصِلَنَا اللهُ، وَحَتَّى نَخْرُجَ مِنَ الْقَطِيعَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَبِّنَا بِسَبَبِ قَطِيعَةِ رَحِمِنَا، ((مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ، وَمَنْ بَتَّكِ بَتَتُّهُ، أَلَا تَرْضِينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟!!)).

قَالَتْ: بَلَى رَضِيتُ يَا رَبِّ.

قَالَ: ((فَذَلِكَ لَكِ)) .

فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَصِلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُحِبُّ أَنْ نُعَامِلَ الْخَلْقَ بِالرِّفْعَةِ إِذَا كَانُوا عَلَى غَيْرِ مَنْهَجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَبِالذُّلِّ وَبِخَفْضِ الْجَنَاحِ إِذَا كَانُوا مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

لَا بُدَّ الْيَوْمَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ.. مِنْ عَطْفٍ عَلَى الْأَيْتَامِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّ مَنْ قَامَ عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ)).

يَقُولُ رَاوِي الْحَدِيثِ عَلَى الشَّكِّ: فَلَا أَدْرِي قَالَ: ((كَالصَّائِمِ الَّذِي لَا يُفْطِرُ وَكَالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ)) ، أَمْ لَا؟

وَيُخْبِرُ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ: ((أَنَّ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلِينَ قَلْبُهُ، وَتُقْضَى حَاجَتُهُ، فَلْيَعْطِفْ عَلَى الْيَتِيمِ)) ، فَلْيُدْنِهِ، فَلْيُقَرِّبْهُ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَطْعَمُ، فَلْيَمْسَحْ عَلَى رَأْسِهِ؛ يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُقْضَى حَاجَتُكَ.

إِذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُعَامِلَكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالرِّفْقِ فَعَامِلُوا عِبَادَهُ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُعَامِلُ عِبَادَهُ كَمَا يُعَامِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنَّهُ لَمِنَ الظُّلْمِ لِأَنْفُسِنَا أَلَّا نَرْضَى مِنَ النَّاسِ مَا نَرْضَاهُ مِنْ أَنْفُسِنَا لِرَبِّنَا -سُبْحَانَهُ-.

*سَبِيلُ عِزِّ الْأُمَّةِ: التَّوْبَةُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ.

فَهَلُمَّ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ حَتَّى يَأْخُذَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِيَدِ أُمَّتِكُمْ مِمَّا تَرَدَّتْ فِيهِ، حَتَّى يُهَيِّئَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهَا أَمْرَ الرُّشْدِ، لَوْ أَنَّكُمْ تَوَجَّهْتُمْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِقُلُوبٍ خَالِصَةٍ فِي سُجُودِكُمْ أَنْ يَحْفَظَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَعْرَاضَ الْمُسْلِمَاتِ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، لَوْ أَنَّكُمْ سَأَلْتُمُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَرْحَمَ اللهُ أُمَّتَكُمْ.. إِذَا رَأَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْكُمْ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ بِالْإِخْلَاصِ وَبِالْيَقِينِ، بِالِاتِّبَاعِ لَا بِالِابْتِدَاعِ؛ أَخَذَ بِيَدِ الْأُمَّةِ وَرَحِمَهَا.

عُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنِيبُوا بِالْخُشُوعِ وَبِالْإِخْبَاتِ وَبِالْبُكَاءِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ)) .

وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ كَثِيرَ الْبُكَاءِ حَاضِرَ الدَّمْعَةِ؛ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ، يَقُولُ: ((لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا))، فَغَطَّى أَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ، وَلَهُمْ بُكَاءٌ وَتَهَانُفٌ بِبُكَاءٍ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يُخْبِرُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيرِ الْمِرْجَلِ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -سُبْحَانَهُ- يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَعُودَ إِلَيْهِ، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

فَلَيْسَ ثَمَّ إِلَّا التَّوْبَةُ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إِلَّا الْأَوْبَةُ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إِلَّا الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يَرُدُّ تَائِبًا بِحَالٍ أَبَدًا.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَمِنْ حَنَانِهِ وَمِنْ بِرِّهِ لَا يَرُدُّ سَائِلًا؛ فَكَيْفَ يَرُدُّ الَّذِينَ يَبْتَهِلُونَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِ أُمَّتِهِمْ إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِلَى الَّذِينَ قَدَّمُوا الدُّعَاءَ لِأُمَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ وَذَوَاتِهِمْ وَآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا عِزَّ إِلَّا فِي طَاعَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنَّ الذُّلَّ كُلَّ الذُّلِّ فِي مُجَانَبَةِ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -سُبْحَانَهُ- يَقُولُ: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]؛ فَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا تَائِبٌ أَوْ ظَالِمٌ، وَلَا ثَالِثَ أَبَدًا.

{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.. مَنْ تَابَ لَيْسَ ظَالِمًا، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ ظَالِمٌ، فَلَيْسَ ثَمَّةَ إِلَّا تَائِبٌ أَوْ ظَالِمٌ، وَلَا ثَالِثَ بِحَالٍ!!

التَّوْبَةُ النَّصُوحُ.. الْعَوْدَةُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. طَلَاقُ الْمَعَاصِي طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ، يَعْلَمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْقُلُوبِ الْخَيْرَ، يَعْلَمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْقُلُوبِ الصِّدْقَ، يَأْخُذُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالْأَيْدِي، وَيُنْجِي اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأُمَّةَ، وَيَحْفَظُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَعْرَاضَ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ، {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]، فَأَغْرَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ لَمَّا نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ.

يَقُولُ الْعُلَمَاءُ -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-: فَإِذَا فَرَّطَتِ الْأُمَّةُ فِي حَظٍّ مِمَّا ذُكِّرَتْ بِهِ؛ أُلْقِيَ بَيْنَهَا الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ.

لَمَّا نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ أَلْقَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْقُلُوبِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، وَنَزَعَ الْمَحَبَّةَ.

فَلَا عَوْدَةَ إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالصِّدْقِ كُلِّهِ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70].

إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْخَيْرَ يُؤْتِكُمُ الْخَيْرَ، وَإِنْ يَعْلَمِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي قُلُوبِكُمُ الصِّدْقَ يُوَفِّقْكُمْ إِلَى الصِّدْقِ؛ فَإِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَعْرَكَةَ مَعَ النَّبِيِّ، فَأَصَابَ النَّبِيُّ غَنِيمَةً، فَأَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ!

فَقَالَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَبِعْتَنِي إِذَنْ؟

قَالَ: عَلَى أَنْ أُرْمَى بِسَهْمٍ هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى نَحْرِهِ- فَأُسْتَشْهَدَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ)).

ثُمَّ أَتَى نَفِيرُ الْمَعْرَكَةِ دَاعِيًا، وَدَخَلَ الْقَوْمُ فِي الْجِهَادِ، فَلَمَّا انْتَهَتْ ذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ بَاحِثًا، يَنْظُرُ مَا صَنَعَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ شَهِيدًا وَالسَّهْمُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((صَدَقَ اللهَ، فَصَدَقَهُ اللهُ)) .

لَا سَبِيلَ إِلَّا أَنْ نَعُودَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالصِّدْقِ، لَا سَبِيلَ إِلَّا أَنْ نُرِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مِنْ قُلُوبِنَا الْخَيْرَ؛ لِيُهَيِّئِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَنَا الْخَيْرَ.

 ((شُكْرُ اللهِ وَمُجَانَبَةُ الْمُنْكَرَاتِ فِي الْعِيدِ))

عِبَادَ اللهِ! لِنَعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ يَوْمُ شُكْرٍ لِلرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ نَجْعَلَهُ يَوْمَ انْطِلَاقٍ مِمَّا حَبَسْنَا عَنْهُ أَنْفُسَنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ, وَلْنَذْكُرْ وَنَحْنُ فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ بِيَوْمِ الْعِيدِ إِخْوَانَنَا الْيَتَامَى وَالثَّكَالَى وَالْمُعْدَمِينَ, وَلْنَعْلَمْ أَنَّ مَنْ فَضَّلَنَا عَلَيْهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبَدِّلَ هَذِهِ الْحَالَ؛ فَلْنُسَارِعْ إِلَى شُكْرِ الْمُنْعِمِ.

لَا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ = تَرْكَعَ يَوْمًا وَاللهُ قَدْ رَفَعَهُ

الِاجْتِهَادُ فِي أَمْرِ أَهْلِكَ وَأَوْلَادِكَ وَمَنْ تَحْتَ يَدِكَ بِطَاعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-, وَنَهْيِهِمْ عَنْ مَعَاصِيهِ, كُنْ قُدْوَةً حَسَنَةً لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْمَجَالَاتِ؛ فَإِنَّكَ رَاعٍ عَلَيْهِمْ وَمَسْئُولٌ عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

 أَخْلِ بَيْتَكَ مَا اسْتَطَعْتَ مِنْ جَمِيعِ الْمُنْكَرَاتِ الصَّادَّةِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ, فَأَوْلَادُكَ وَأَهْلُكَ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِكَ, وَبَعْضُ النَّاسِ يَتْرُكُ الْحَبْلَ عَلَى الْغَارِبِ لِأَوْلَادِهِ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ ذَهَبُوا؟ وَمَعَ مَنْ؟ وَكَيْفَ ذَهَبُوا؟!!

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَضْيِيعٌ لِلرَّعِيَّةِ, وَمِنْ هُنَا كَانَ لِزَامًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُعَلِّمَ أَطْفَالَهُ وَأَوْلَادَهُ وَأَهْلَهُ مَا يَنْفَعُهُمْ, وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ أَطْفَالَهُ لَيْسُوا سِوَى وَدَائِعَ عِنْدَهُ, وَأَنَّهُ سَيُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ؛ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].

فَعَلَى كُلِّ أَبَوَيْنِ أَنْ يَتَّقِيَا اللهَ -تَعَالَى- فِي أَوْلَادِهِمَا, وَأَنْ يُحْسِنَا تَرْبِيَتَهُمْ وَتَوْجِيهَهُمْ وَمُرَاقَبَتَهُمْ فِي مُخْتَلَفِ مَرَاحِلِ أَعْمَارِهِمْ, وَأَنْ يُحَصِّنُوهُمْ بِكِتَابِ اللهِ -تَعَالَى- وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ, وَبِتَأْدِيبِهِمْ بِالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْفَاضِلَةِ, وَعَدَمِ إِهْمَالِهِمْ أَوِ الْغَفْلَةِ عَنْهُمْ؛ بِحُجَّةِ الِانْشِغَالِ وَكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنَّهَا إِضَاعَةٌ, ((وَكَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

حَاسِبْ نَفْسَكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ؛ وَمِنْهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً الْفَجْرَ, وَعَلَى الزَّكَاةِ, وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ, وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ, وَتَفَقُّدِ الْجِيرَانِ, وَالصَّفْحِ عَمَّنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ شَحْنَاءُ, وَبِعَدَمِ الْإِسْرَافِ, وَبِالِاهْتِمَامِ بِأُمُورِ إِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ, وَعَدَمِ صَرْفِ شَيْءٍ مِمَّا وُلِّيتَ عَلَيْهِ لِفَائِدَةِ نَفْسِكَ, وَبِاسْتِجَابَتِكَ وَفَرَحِكَ بِالنُّصْحِ, وَبِالْحَذَرِ مِنَ الرِّيَاءِ, وَبِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ, وَبِحُبِّكَ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ, وَبِسَعْيِكَ لِلْإِصْلَاحِ.

وَأَخِيرًا لَا يَفُوتَنَّكَ هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟)).

قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا.

قَالَ: ((فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟)).

قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا.

قَالَ: ((فَمَنْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِنْكُمْ مِسْكِينًا؟)).

قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا.

قَالَ: ((فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟)).

قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا.

فَقَالَ ﷺ: ((مَا اجْتَمَعَتْ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَرْبَعُ خِصَالٍ: أَنْ تُصْبِحَ صَائِمًا -وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا فِي النَّفْلِ لَا فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟)), فَلَوْ كَانَ صَوْمَ فَرْضٍ مَا سَأَلَ هَذَا السُّؤَالَ-, وَأَنْ تَشْهَدَ جَنَازَةً, وَأَنْ تُطْعِمَ مِسْكِينًا, وَأَنْ تَعُودَ مَرِيضًا؛ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي امْرِئٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَإِذَا اعْتَادَ الْمَرْءُ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ مِثْلُ هَذِهِ الْخِصَالِ؛ فَإِنَّهُ لِمَا وَرَاءَهَا أَجْمَعُ, فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي فِعْلِ الْخَيْرَاتِ, وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ, وَاقْتِنَاصِ الْفُرَصِ, فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ قَنَّاصٌ لِلْفُرَصِ الَّتِي تَسْنَحُ لَهُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَصِّلَ الْحَسَنَاتِ, وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي رِفْعَةِ الدَّرَجَاتِ.

 ((حَالُ الْمُسْلِمِ بَعْدَ رَمَضَانَ

وَجُمْلَةٌ مِنْ آدَابِ الْعِيدِ وَسُنَنِهِ))

عَبْدَ اللهِ! لَا تَجْعَلُ رَمَضَانَ مَوْسِمَكَ الْوَحِيدَ لِلطَّاعَاتِ، وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، بَلْ بَيْنَ يَدَيْكَ مَوَاسِمُ تَتَكَرَّرُ؛ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَصِيَامُ الْأَيَّامِ الْبِيضِ، وَالصَّدَقَاتُ الْعَامَّةُ وَأَنْفَعُهَا الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ، وَذِكْرُ اللهِ بِأَيِّ وَقْتٍ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَأَعْمَالُ الْخَيْرِ الْكَثِيرَةُ.

 ((إِنَّ مِنْ سُنَنِ الْعِيدِ وَآدَابِهِ:

*الْغُسْلُ يَوْمَ الْعِيدِ.

*وَأَنْ يَتَنَظَّفَ الْمُسْلِمُ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَتَسَوَّكَ.

*وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ.

*وَيَأْكُلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ تَمْرَاتٍ.

*وَيَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ)).

وَكَانَ الرسولُ إِذَا خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَعُودُ مِنْ طَرِيقٍ.

قَالَ العُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ-: ((إِنَّهُ أَرَادَ تَكْثِيرَ الشُّهُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) .

 وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ((إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ)) .

وَمِنَ السُّنَنِ: أَنْ تُصَلَّى صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فِي الْمُصَلَّى، وَلَا يُصَلَّى فِي الْمُسْجِدِ إِلَّا لِحَاجَةٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى؛ فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمٌ عَظِيمٌ، لَهُ فِي السَّمَاءِ خَطَرٌ وَلَهُ فِي الْأَرْضِ شَأْنٌ، فَلْتُرُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَافْرَحُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ بِمَا وَفَّقَكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ؛ صِيَامًا وَقِيَامًا وَذِكْرًا وَتَبَتُّلًا وَدُعَاءً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

افْرَحُوا بِهَذَا وَلَا تَفْرَحُوا بِغَيْرِهِ!

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] .

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجمَعِينَ.

المصدر: الْأَعْيَادُ عِبَادَةٌ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  النَّبِيُّ الْقُدْوَةُ ﷺ فِي بَيْتِهِ وَحَيَاتِهِ
  الرد على شبهات أنصار بيت المقدس
  لقد صاروا جميعًا من أهل السياسة !!
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  إِلَى أَهْلِ الْجَزَائِرِ الْحَبِيبَة
  إِعْمَالُ الْعَقْلِ فِي فَهْمِ النَّصِّ.. الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَدْرَسَتُهُ الْفِقْهِيَّةُ أُنْمُوذَجًا
  الْوَطَنِيَّةُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1443هـ
  أَسْمَاءُ اللهِ الْحُسْنَى .. بَرَكَتُهَا وَأَثَرُ فَهْمِهَا فِي حَيَاتِنَا
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) الدَّرْسُ الثَّالِثُ ((دُرُوسُ التَّوْحِيدِ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ))
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان