تفريغ محاضرة إلى أهل السودان الشقيق

إلى أهل السودان الشقيق

((رِسَالَةُ الْعَلَّامَةِ رَسْلَانَ إِلَى أَهْلِ السُّودَانِ))

الْحَمْدُ لِلهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ...

فَإِلَى آبَائِي وَأُمَّهَاتِي، وَإِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي، وَأَبْنَائِي وَبَنَاتِي مِنْ أَهْلِ السُّودَانِ الشَّقِيقِ..

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ..

فَأَسْأَلُ اللهَ تَعالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى أَنْ يَحْفَظَكُمْ وَيَحْفَظَ بَلَدَكُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَكُمْ جَمِيعًا مِنَ الْبَرَرَةِ بِوَطَنِكُمْ، وَأَنْ يُحْبِطَ بِوَعْيِكُمْ وَيَقَظَتِكُمْ مُؤَامَرَةَ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِكُمْ وَبِدِينِكُمْ وَبِبَلَدِكُمْ.

إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي مِنْ أَهْلِ السُّودَانِ الشَّقِيقِ..لَقَدْ رَأَيْتُمْ بِأَعْينُكِمْ -كَمَا رَأَى الْعَالَمُ- وَمَا زِلْتُمْ تَرَونَ مَا صَنَعَ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَحْدَثُوهُ مِنَ الْفَوْضَى الَّتِي أَدَّتْ إِلَى إِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَانْتِهَاكِ الْأَعْرَاضِ، وَنَهْبِ الثَّرْوَاتِ، وَتَدْمِيرِ الْمُنْشَآتِ، وَتَخْرِيبِ الْمُؤَسَّسَاتِ، وَقَطْعِ الطُّرُقَاتِ، وَتَفْجِيرِ الْحَافِلَاتِ؛ وَأَخْطَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا أَحْدَثَتْهُ الْمُؤَامَرَاتُ الْمُسَمَّاةُ بِالثَّوْرَاتِ مِنَ انَهِيَارِ الْأَخْلَاقِ، وَالتَّنَكُّرِ لِكُلِّ مَوْرُوثٍ وَتُرَاثٍ، وَالتَّمَرُّدِ عَلَى ثَوَابِتِ الدِّينِ وَالتَّارِيخِ، وَاحْتِقَارِ الْقِيَمِ الْمُثْلَى، وَازْدِرَاءِ الْمُثُلِ الْعُلْيَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الشُّذُوذِ وَالْفُجُورِ وَالِانْحِلَالِ؛ كُلُّ هَذَا مَعَ مَا تُسَبِّبُهُ الْفَوْضَى مِنَ انْهِيَارِ الِاقْتِصَادِ، وَتَدْنِّي الِانْتَاجِ، وَشُيُوعِ الْفَقْرِ، وَتَفَشِّي الْمَرَضِ النَّفْسِيِّ وَالْجَسَدِيِّ عَلَى السَّوَاءِ؛ وَأَخْطَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مُخَالَفَةُ الدِّينِ، وَعِصْيَانُ الشَّرْعِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ حُصُولُ خَيْرٍ؛ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.

إِنَّ الْإِسْلَامَ يَأْمُرُ بِالنِّظَامِ وَيَدْعُو إِلَى الِاسْتِقْرَارِ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَوْضَى وَالضَّرَرِ وَالْإِضْرَارِ.

إِنَّ التَّخْرِيبَ وَالْإِضْرَارَ بِالْمَالِ الْعَامِّ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ وَأَعْظَمِ الْمُوبِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْعَامَّ كَالْمُنْشَآتِ، وَالْمُؤَسَّسَاتِ، والْجُسُورِ، وَالطُّرُقَاتِ وَغَيْرِهَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ كُلِّ مُوَاطِنٍ سُودَانِيٍّ، فَهُوَ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ؛ فَإِذَا وَقَعَ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ، وَالتَّخْرِيبُ لَهُ فَقَدْ وَقَعَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ كُلِّ مُوَاطِنٍ سُودَانِيٍّ، فَكَيْفَ يَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ الْمُخَرِّبُونَ الْمُعْتَدُونَ؟!!

يَا إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي منْ أَهْلِ السُّودَانِ الشَّقِيقِ..إِنَّ بَلَدَكُمْ -حَفِظَهُ اللهُ- تُحِيطُ بِهِ الْمَخَاطِرُ مِنْ جِهَاتٍ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا وَقَعَ فِي الْجَنُوبِ، وَتَعْلَمُونَ مَا يُرَادُ بِالْغَرْبِ، وَإِذَا أَفْلَتَ الزِّمَامُ وَأَضْرَرْتُمْ بِجَيْشِكُمْ وَقَوَّاتِ أَمْنِكُمْ صِرْتُمْ نَهْبًا لِأَعْدَائِكُمْ، وَمَزَّقْتُمْ وَطَنَكُمْ.

وَبَلَدُكُمْ مَعَ غِيَابِ الْحُمَاةِ عَنْهُ مِنَ الْجَيْشِ وَالشُّرْطَةِ سَيَكُونُ مَرْتَعًا لِمُرْتَزَقَةِ الْعَصْرِ، وَأَعْدَاءِ الْمِلَّةِ، وَالْمُنْحَرِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَلَنْ يَأْمَنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَا إِخْوَتِي عَلَى عِرْضٍ وَلَا مَالٍ، وَلَا نَفْسٍ وَلَا وَلَدٍ؛ فَانْظُرُوا مَاذَا تَصْنَعُونَ بِأَنْفُسِكُمْ؟

وَتَأَمَّلُوا يَا أَهْلَ السُّودَانِ إِذَا كَانَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْحِرْصَ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَالتَّغْيِيرِ يُخَرِّبُونَ بَلَدَهُمْ هَذَا التَّخْرِيبَ، وَيُفْسِدُونَ وَطَنَهُمْ هَذَا الْإِفْسَادَ، وَيَحْرِقُونَ مُمْتَلَكَاتِ السُّودَانِ هَذَا التَّحْرِيقَ؛ فَمَاذَا تَنْتَظِرُونَ مِنْ أَعْدِائِكُمْ؟!!

إِذَا كَانَ هَذَا عَمَلَ الْمُحِبِّينَ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ عَمَلُ الشَّانِئِينَ الْمُبْغِضِينَ؟!!

يَا إِخْوَتِي فِي السُّودَانِ..إِنَّ سَبِيلَ الثَّوْرَاتِ وَالْمُظَاهَرَاتِ، وَالِاعْتِصَامَاتِ وَالِاحْتِجَاجَاتِ هُوَ سَبِيلُ الْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَسَبِيلُ الخَوَارِجِ الْمُعَاصِرِينَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَاسُونِيِّينَ الْمُجْرِمِينَ، وَلَمْ يَحْدُثْ قَطُّ فِي التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ أَنْ وَقَعَ تَغْيِيرٌ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ وَأَعْقَبَ خَيْرًا، لَا يَلِدُ هَذَا الرَّحِمُ الْمَلْعُونُ إِلَّا شَرًّا، وَيَتَمَنَّى النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعُودَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيْامِ السَّالِفَةِ الَّتِي كَانُوا يَنْعَمُونَ فِيهَا بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ؛ وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ!

يَا أَهْلَ السُّودَانِ..يَا أَهْلَ الْعُقُولِ الثَّاقِبَةِ، وَالْبَصَائِرِ النَّيِّرَةِ..أَيْنَ عُقُولُكُمْ، وَأَيْنَ بَصَائِرُكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْمُؤَامَرَةِ الَّتِي تَشْتَعِلُ فِي وَطَنِكُمْ؟!!

لَقَدْ نَجَّاكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ مُؤَامَرَةِ الرَّبِيعِ الْمَاسُونِيِّ الصُّهْيُونِيِّ الصَّلِيبِيِّ الَّتِي ضَرَبَتْ كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ أَفَتَسْتَجْلِبُونَهَا أَنْتُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ، وَتُمَكِّنُونَ مِنْ بِلَادِكُمْ أَعْدَاءَكُمْ، وَأَعْدَاءَ دِينِكُمْ، وَالطَّامِعِينَ فِي أَرْضِكُمْ وَثَرْوَاتِكُمْ، وَقَدْ ظَهَرَ لِلدُّنْيِا كُلِّهَا أَنَّ رَبِيعَ الْمَاسُونِ كَانَ مُؤَامَرَةً دَنِيئَةً، وَخُطَّةً شَيْطَانِيَّةً خَبِيثَةً؟!!

يَا إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي منْ أَهْلُ السُّودَانِ الشَّقِيقِ..لَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُفْسِدِينَ؛ حَافِظُوا عَلَى بَلَدِكُمْ، وَمُسْتَقْبَلِ أَبْنَائِكُمْ وَحَفَدَتِكُمْ.

حَافِظُوا عَلَى تُرَابِ وَطَنِكُمْ؛ فَإِنَّهُ وَطَنٌ إِسْلَامِيٌّ، الدِّفَاعُ عَنْهُ ضِدَّ الْمُخَرِّبِينَ وَالْمُفْسِدِينَ وَالْعُمَلَاءِ وَالْمُتَآمِرِينَ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ فِي رِقَابِكُمْ.

سَلِّمُوا وَطَنَكُمْ لِأَبْنَائِكُمْ كَمَا سَلَمَهُ آبَاؤُكُمْ لَكُمْ؛ آمِنًا مُسْتَقِرًّا، عَزِيزًا مُتَمَاسِكًا، يُرْفَعُ فِيهِ الْأَذَانُ، وَتُقَامُ فِيهِ الْجُمَعُ وَالْجَمَاعَاتُ، وَيُدْعَى فِيهِ إِلَى اللهِ، وَيَسْعَى لِلتَّقَدُّمِ وَالرَّخَاءِ، وَيَرْفَعُ الرَّأْسَ أَبِيًّا فِي السَّمَاءِ.

لَا تُمَزِّقُوا وَطَنَكُمْ، وَتُخَرِّبُوهُ، وَلَا تُسْلِمُوهُ إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُكُمْ، وَلَا يَرْقُبُ فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً.

يَا إِخْوَتِي..إِنَّ الْأَوْطَانَ لَا تَزْدَادُ بِالثَّوْرَاتِ إِلَّا فَقْرًا، وَلَا تُحَصِّلُ بِالْفَوْضَى إِلَّا ذُلًّا، وَإِذَا انْهَارَ بِنَاءُ الْوَطَنِ فَسَيُدْفَنُ الْجَمِيعُ أَحْيَاءًا تَحْتَ أَنْقَاضِهِ، وَيَدْمَغُ الْكُلَّ وَحْلُ إِذْلَالِهِ.

يَا أَهْلَ السُّودَانِ الشَّقِيقِ..أَنْتُمْ أَهْلُ الْعَقْلِ وَالنَّظَرِ؛ اتَّقُوا اللهَ فِي دِينِكُمْ.

اتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمْ.

اتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَفِي أَهْلِيكُمْ، وَأَبْنَائِكُمْ، وَحَفَدَتِكُمْ، وَمُسْتَقْبَلِكُمْ؛ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

حَفِظَ اللهُ السُّودَانَ وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَمُؤَامَرَةٍ، وَفَوْضَى وَاضْطِرَابٍ، وَسَلَّمَ اللهُ السُّودَانَ وَأَهْلَهُ وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

وَاللهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الأحد 23 من ربيع الآخر 1440هـ؛ الموافق لـ30 من ديسمبر 2018م.

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  حَالُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ أَهْلِهِ
  مَاذَا بَعْدَ الْحَجِّ؟
  صِفَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  نَصَائِحُ الْنَّبِيِّ الأَمِين لِتُجَّارِ المُسْلِمِين
  كيف تصحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
  الْخُلُقُ الْكَرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ
  الحَمَّادُون
  حِمَايَةُ الشَّأْنِ الْعَامِّ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
  مَعِيَّةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَثَرُهَا فِي تَحْقِيقِ السَّلَامِ النَّفْسِيِّ
  الْبِرُّ بِالْأَوْطَانِ مِنْ شَمَائِلِ الْإِيمَانِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان