((عِنَايَةُ الْإِسْلَامِ بِالنَّشْءِ))
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((الْأَطْفَالُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَقُرَّةُ عَيْنٍ لِلْأَبَوَيْنِ))
فَالْأَوْلَادُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وهُمْ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
الْمَالُ الْكَثِيرُ الْوَفِيرُ، وَالْبَنُونَ الْكَثِيرُونَ زِينَةُ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ.
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَجْعَلُ لَلْعَبْدِ وَلَدًا صَالِحًا فِي الدُّنْيَا، يَتَأَتَّى مِنْهُ دُعَاءٌ صَالِحٌ فِي الْآخِرَةِ، يَصِلُ إِلَيْهِ فِيهَا أَجْرُهُ -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ -مِنْهَا-: أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو اللهَ لَهُ)).
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ بِالدُّعَاءِ لِأَبَوَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا هُوَ اسْتِمْرَارٌ لِحَيَاتِهِ هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.
فَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَلْمَرْءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ, وَزُخْرًا لَهُ بَعْدَ الْمَمَاتِ, ثُمَّ يَكُونُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفْعًا فِي الدَّرَجَاتِ.
وَهَذَا زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَأَلَ اللَّهَ وَلَدًا ذَكَرًا صَالِحًا، يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَكُونُ وَلِيًّا مِنْ بَعْدِهِ، وَيَكُونُ نَبِيًّا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، وَهَذَا أَفْضَلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَوْلَادِ.
وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعَبْدِهِ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا صَالِحًا، جَامِعًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَامِدِ الشِّيَمِ، فَرَحِمَهُ رَبُّهُ وَاسْتَجَابَ دَعْوَتَهُ.
فَبَشَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ الْمَلَائِكَةِ بِيَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَسَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ (يَحْيَى)، وَكَانَ اسْمًا مُوَافِقًا لِمُسَمَّاهُ: يَحْيَا حَيَاةً حِسِّيَّةً، فَتَتِمُّ بِهِ الْمِنَّةُ، وَيَحْيَا حَيَاةً مَعْنَوِيَّةً وَهِيَ حَيَاةُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ بِالْوَحْيِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 4-7].
قَالَ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: وَإِنِّي خِفْتُ أَقَارِبِي وَعَصَبَتِي أَلَّا يُحْسِنُوا خِلَافَتِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي، فَيُفْسِدُوا فِي مَرَاكِزِ السُّلْطَةِ الدِّينِيَّةِ، وَلَا أَجِدُ فِيهِمْ رَجُلًا صَالِحًا مُؤَهَّلًا لِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا مُحَافِظًا عَلَى شَرَائِعِ الدِّينِ وَتَعْلِيمَاتِهِ.
وَكَانَتِ امْرَأَتِي فِيمَا مَضَى مِنْ عُمُرِهَا عَاقِرًا لَا تَلِدُ؛ فَأَعْطِنِي مِنْ مَحْضِ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ، وَقُدْرَتِكَ الْبَاهِرَةِ وَارِثًا مِنْ ذُرِّيَّتِي، وَمُعِينًا يَتَوَلَّانِي.
يَرِثُ الْعِلْمَ وَالْقِيَامَ بِأُمُورِ الدِّينِ مِنْ بَعْدِي، وَيَرِثُ -مِنْ بَعْضِ آلِ يَعْقُوبَ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ- النُّبُوَّةَ وَالْعِلْمَ، وَاجْعَلْهُ رَبِّ بَرًّا تَقِيًّا كَثِيرًا الرِّضَا عَنْكَ فِيمَا تَجْرِي بِهِ مَقَادِيرُكَ، مَرْضِيًّا عِنْدَكَ قَوْلًا وَفِعْلًا.
فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ؛ فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا! إِنَّا لِعَظِيمِ رُبُوبِيِّتِنَا نُبَشِّرُكَ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ اسْمُهُ يَحْيَى، لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ بِاسْمِهِ، وَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ شَبِيهًا فِي صِفَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ.
* وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ يَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ قُرَنَائِنَا -مِنْ أَصْحَابٍ وَزَوْجَاتٍ-، وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ -أَيْ: تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا-.
دُعَاءٌ لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ فِي صَلَاحِهِمْ؛ فَإِنَّهُ دُعَاءٌ لِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا جَعَلُوا ذَلِكَ هِبَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: هَبْ لَنَا.
بَلْ دُعَاؤُهُمْ يَعُودُ إِلَى نَفْعِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ بِصَلَاحِ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَيَنْتَفِعُ بِهِمْ.
قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللهَ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ أَزْوَاجُهُمْ وَذُرِّيَّاتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى.
* الْأَوْلَادُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ فاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْعِبَادَ مِنَ الْأَوْلَادِ مَا يَشَاءُ.
فَمِنَ الْخَلْقِ مَنْ يَهِبُ لَهُ إِنَاثًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهِبُ لَهُ ذُكُورًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُزَوِّجُهُ -أَيْ: يَجْمَعُ لَهُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا-، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَقِيمًا لَا يُولَدُ لَهُ، قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49].
مِنْ خَلْقِ اللهِ خَلْقُ الذُّرِّيَّاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ ضِمْنَ نِظَامِ التَّنَاسُلِ.
يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا؛ فَلَا يُولَدُ لَهُ ذَكَرٌ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ؛ فَلَا يُولَدُ لَهُ أُنْثَى، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَيُولَدُ لَهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا؛ لَا يُولَدُ لَهُ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100].
دَعَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: رَبِّ هَبْ لِي وَلَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِي يَكُونُ صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، يَبْلُغُ أَوَانَ الْحُلُمِ.
فَأَجَبْنَا دَعْوَتَهُ، وَبَشَّرْنَاهُ بِابْنٍ يَتَحَلَّى بِالْعَقْلِ، وَالْأَنَاةِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ، وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ، فَوَلَدَتْ هَاجَرُ الْغُلَامَ الْحَلِيمَ إِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
((حُقُوقُ الْأَطْفَالِ فِي الْإِسْلَامِ))
لَقَدْ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالْإِحْسَانِ فِي عَلَاقَةِ الْمُسْلِمِ بِأُسْرَتِهِ وَمُجْتَمَعِهِ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36].
{وَبِذِي الْقُرْبَى}: أَيْ وَبِذِي الْقُرْبَى إِحْسَانًا، أَحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِلَى ذِي الْقُرْبَى، {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].
فَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالْإِحْسَانِ؛ إِحْسَانِ الْمَرْءِ فِي أُسْرَتِهِ، وَإِحْسَانِ الْمَرْءِ فِي مُجْتَمَعِهِ.
((مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ:
اخْتِيَارُ أُمٍّ صَالِحَةٍ لَهُ))
لِلْأَوْلَادِ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ حُقُوقٌ عَظِيمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ مِنْهَا: اخْتِيَارُ الْأُمِّ الصَّالِحَةِ لَهُ؛ فَيَنْبَغِي عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّه كَمَا يَجِبُ عَلَى وَلَدِه أَنْ يَبَرَّهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ -هُوَ أَيْضًا- أَنْ يَبَرَّ ابْنَهُ؛ بِأَنْ يُحْسِنْ اخْتِيَارَ أُمِّهِ.
هَذَا مِنْ حَقِّ الوَلَدِ.
قَالَ النبيُّ ﷺ فِي بَيَانِ صِفَاتِ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ», «الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ, وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».
هَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ صِفَاتُ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
((مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ:
الِالْتِزَامُ بِسُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ وِلَادَتِهِ))
فَقَدْ سَنَّ النَّبِيُّ ﷺ سُنَنًا بَعْدَ وِلَادَةِ الطِّفْلِ يَنْبَغِي أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهَا؛ وَمِنْهَا:
* تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ: فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ، وَيحَنِّكُهُمْ)) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ ذِكْرٌ لِهَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِي بِهَا.
وَ((التَّحْنِيكُ)): أَنْ تَمْضُغَ التَّمْرَ حَتَّى يَلِينَ، ثُمَّ تَدْلُكُهُ بِحَنَكِ الصَّبِيِّ.
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالتَ: ((فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ -أَيْ: وَهِيَ مُتِمٌّ أَشْهَرَ الْحَمْلِ-.
قَالَتْ: فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءَ، فَوَلَدْتُ بِقُبَاءَ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفِهِ رِيقُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ، فَبَرَّكَ عَلَيْهِ)) .
* وَمِنَ السُّنَنِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ نَحْرِصَ عَلَيْهَا لِلْمَوْلُودِ: سُنَّةُ النَّسِيكَةِ عَنِ الْمَوْلُودِ، وَاسْتِنَانُ تَسْمِيَتِهِ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَحَلْقُ شَعْرِهِ، وَالتَّصَدُّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً؛ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ، وَالْعَقِّ)) . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وَحَسَّنَهُ لِشَوَاهِدِهِ الْأَلْبَانِيُّ.
هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ -أَيْ مِنَ الْوِلَادَةِ-.
وَكَذَلِكَ أَمَرَ ﷺ بِوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((هُوَ حَلْقُ شَعْرِ الْمَوْلُودِ)) .
وَقِيلَ: ((أَرَادَ بِهِ تَطْهِيرَهُ مِنَ الْأَوْسَاخِ وَالْأَوْضَارِ الَّتِي تَلَطَّخَ بِهَا فِي حَالِ الْوِلَادَةِ)).
وَالنِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، فَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً؛ فَلَا يَغْلِبَنَّكَ النِّسَاءُ عَلَى الْأَمْرِ؛ فَإِنَّ عَلَيْكَ تَمَامًا لِلسُّنَّةِ أَنْ تَحْلِقَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ كَمَا تَحْلِقَ شَعْرَ الصَّبِيِّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ -عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ- تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَمَّى)) .
وَ((رَهِينَةٌ)): يَعْنِي هُوَ فِي قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ، لَا يَخْلُصُ مِنْ قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ إِلَّا إِذَا عُقَّ عَنْهُ.
أَوْ ((رَهِينَةٌ)): بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ لِأَبَوَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -لَوْ كَانَ صَالِحًا مِنْ أَهْلِ الشَّفَاعَةِ- إِلَّا إِذَا كَانَ قَدْ عُقَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَا قَدْ نَسِكًا عَنْهُ.
* وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ الشَّعْرِ فِضَّةً، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((يَا فَاطِمَةُ! احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً)).
قَالَتْ: ((فَوَزَنَّاهُ؛ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضُ دِرْهَمٍ)).
وَتَصَدَّقَتْ فَاطِمَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بِوَزْنِ الشَّعْرِ فِضَّةً كَمَا أَمَرَ الرَّسُولُ ﷺ.
وَيُقَالُ لَهَا: ((نَسِيَكَةٌ))، وَلَا يُقَالَ لَهَا: ((عَقِيقَةٌ))؛ يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ -وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْعَقِيقَةِ- قَالَ: ((لَا يُحِبُّ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْعُقُوقَ)) .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِنَانِ التَّسْمِيَةِ، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ سَابِعِهِ، فَإِذَا سُمِّيَ يَوْمَ الْوِلَادَةِ جَازَ؛ لِمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ؛ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ)).
فَيُحْمَلُ مَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
* وَمِنَ السُّنَّةِ: اخْتِيَارُ اسْمٍ حَسَنٍ لِلْمَوْلُودِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ: عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ)).
وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةٌ)).
((مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الرَّضَاعَةُ))
لَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ تَعَالَى الْوَالِدَاتِ: أَنْ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ كَمَالَ الرَّضَاعَةِ، وَهِيَ سَنَتَانِ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}.
وَهَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَقَرِّرِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَمْرٍ بِأَنْ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَوْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْكَامِلِ وَعَلَى مُعْظَمِ الْحَوْلِ، قَالَ: كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ.
فَإِذَا تَمَّ لِلرَّضِيعِ حَوْلَانِ؛ فَقَدْ تَمَّ رَضَاعُهُ، وَصَارَ اللَّبَنُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَغْذِيَةِ، فَلِهَذَا كَانَ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ، لَا يُحَرِّمُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].
((مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ:
رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ))
قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ.. } الْآيَةَ. [البقرة: 215].
يَسْأَلُكَ أَصْحَابُكَ يَا رَسُولَ اللهِ! مَاذَا يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟
قُلْ لَهُمْ: مَا تَفْعَلُوا مِنْ إِنْفَاقِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ فَأَنْفِقُوهُ فِي هَذِهِ؛ وَذَكَرَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنْهَا:
* الْوَالِدَانِ؛ لِمَا لَهُمَا مِنْ فَضْلِ الْوِلَادَةِ وَالْعَطْفِ وَالتَّرْبِيَةِ.
* وَالْأَقْرَبُونَ مِنْ أَهْلِكُمْ وَذَوِي أَرْحَامِكُمْ.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا, إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, إِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, إِنَّ لِزَوْرِكَ-أَيْ: لِضِيفَانِكَ وَزَائِرِيكَ- عَلَيْكَ حَقًّا, فَآتِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حقَّهُ)).
فَاعْلَمْ أَنَّ إِطْعَامَكَ زَوْجَتَكَ وَوَلَدَكَ صَدَقَةٌ؛ فَعَنِ الْمِقْدَامِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ وَزَوْجَتَكَ وَخَادِمَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ)) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).
وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مَطْعَمِهِ, وَفِي مَشْرَبِهِ, وَفِي مَلْبَسِهِ, وَفِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِزْوْجِهِ، وَليَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْحَلَالِ الصِّرْفِ.
((مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ: الرِّفْقُ وَالرَّحْمَةُ بِهِ))
لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ رَحِيمًا شَفِيقًا بِالْأَطْفَالِ؛ وَمِنْ تَوَاضُعِهِ ﷺ وَشَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِالْأَطْفَالِ؛ أَنَّهُ كَانَ يُضَاحِكُهُمْ؛ فَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَدُعِينَا إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ.
فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ ﷺ أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا، يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقَنِهِ وَالْأُخْرَى فِي رَأْسِهِ.
ثُمَّ اعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَلَكَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».
* وَمِنَ الرَّحْمَةِ بِالْأَوْلَادِ: تَقْبِيلُهُمْ، وَمُدَاعَبَتُهُمْ؛ فَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟». وَالْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».
«أَوَأَمْلِكُ لَكَ»: لَا أَقْدِرُ أَنْ أَجْعَلَ الرَّحْمَةَ فِي قَلْبِكَ، وَاللَّهُ نَزَعَهَا مِنْكَ.
((مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ:
تَرْبِيَتُهُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ))
((إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ فِي كَفَالَةِ الصَّالِحِينَ الْأَخْيَارِ؛ فَإِنَّ الْمُرَبِّيَ وَالْكَافِلَ لَهُ الْأَثَرُ الْأَعْظَمُ فِي حَيَاةِ الْمَكْفُولِ وَأَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ الْمُرَبِّينَ بِالتَّرْبِيَةِ الطَّيِّبَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ)).
وَمِثَالُ ذَلِكَ: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ-؛ ((فَقَدْ كَانَتْ أُمُّهَا -زَوْجَةُ عِمْرَانَ؛ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَائِهِمْ، وَذَوِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ عِنْدَهُمْ- نَذَرَتْ حِينَ ظَهَرَ حَمْلُهَا أَنْ تُحَرِّرَ مَا فِي بَطْنِهَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَكُونُ خَادِمًا لِبَيْتِ اللهِ، مُعَدًّا لِعِبَادَةِ اللهِ؛ ظَنًّا أَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا ذَكَرٌ.
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ -مُعْتَذِرَةً إِلَى اللهِ، شَاكِيَةً إِلَيْهِ الْحَالَ-: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى}.
أَيْ: أَنَّ الذَّكَرَ الَّذِي لَهُ الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى مَا يُرَادُ مِنْهُ مِنَ الْقِيَامِ بِخِدْمَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [ آل عمران: 36 ].
فَحَصَّنْتُهَا بِاللهِ مِنْ عَدُوِّهَا هِيَ وَذُرِّيَّتَهَا، وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ حِفْظٍ وَحِمَايَةٍ مِنَ اللهِ لَهَا، وَلِهَذَا اسْتَجَابَ اللهُ لَهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ}؛ أَيْ: أَنَّ اللهَ جَبَرَ أُمَّهَا، وَصَارَ لَهَا عِنْدَ رَبِّهَا مِنَ الْقَبُولِ أَعْظَمَ مِمَّا لِلذُّكُورِ {وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [ آل عمران: 37 ].
فَجَمَعَ اللهُ لَهَا بَيْنَ التَّرْبِيَةِ الْجَسَدِيَّةِ وَالتَّرْبِيَةِ الرُّوحِيَّةِ، حَيْثُ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ كَافِلُهَا أَعْظَمَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ فَإِنَّ أُمَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِهَا لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا؛ لِأَنَّهَا ابْنَةُ رَئِيسِهِمْ، فَاقْتَرَعُوا وَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ، فَأَصَابَتِ الْقُرْعَةُ زَكَرِيَّا؛ رَحْمَةً بِهِ وَبِمَرْيَمَ.
فَكَفَّلَهَا أَحْسَنَ كَفَالَةٍ، وَأَعَانَهُ عَلَى كَفَالَتِهَا بِكَرَامَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْهُ، فَكَانَتْ قَدْ نَشَأَتْ نَشْأَةَ الصَّالِحَاتِ الصِّدِّيقَاتِ، وَعَكَفَتْ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهَا، وَلَزِمَتْ مِحْرَابَهَا)).
* أُسُسُ تَرْبِيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلنَّاشِئَةِ:
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ فِي الْإِسْلَامِ: الْبُلُوغُ مَعَ الرُّشْدِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَكِنْ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ أَنْ يُرَاعُوا أَبْنَاءَهُمْ فِي صِغَرِهِمْ، وَيُرَبُّوهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ تَكَالِيفِ الْإِسْلَامِ؛ حَتَّى تَسْهُلَ عَلَى نُفُوسِهِمْ، وَيَنْشَئُوا عَلَى حُبِّهَا، وَيُدَاوِمُوا عَلَيْهَا.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ».
وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ ﷺ وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَقُومُونَ بِتَرْبِيَةِ النَّاشِئَةِ عَلَى الْأَدَبِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، فَقَدْ رَأَى الرَّسُولُ ﷺ رَبِيبَهُ فِي حَجْرِهِ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- رَآهُ تَطِيشُ يَدُهُ فِي الصَّحْفَةِ أَثْنَاءَ الطَّعَامِ -وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ-، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ -مُعَلِّمًا، وَمُهَذِّبًا، وَمُؤَدِّبًا-: ((يَا غُلَامُ! سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)).
وَيَبْقَى أَثَرُ هَذَا التَّأْدِيبِ فِي نَفْسِ الْغُلَامِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا، اسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ بَعْدُ: ((فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
أَيْ: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ هَيْئَةَ أَكْلَتِي بَعْدُ، عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّمَهُ إِيَّاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ))، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((كُنَّا نُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ -أَيْ: مِنَ الصُّوفِ- فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ؛ أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ -تَعْنِي: اللُّعْبَةَ- حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ)).
فَهَكَذَا تَرْبِيَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَذَلِكَ رَبَّى الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَبْنَاءَهُمْ، فَخَرَجَتْ أَجْيَالٌ مُسْلِمَةٌ تَنْشُرُ الْخَيْرَ فِي رُبُوعِ الْأَرْضِ، وَعَاشَتْ بِالْإِسْلَامِ وَلِلْإِسْلَامِ.
لَقَدْ حَثَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَلَى ضَرُورَةِ الِاهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ؛ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].
نَحْنُ بِعَظَمَةِ رُبُوبِيَّتِنَا وَشُمُولِ عِلْمِنَا نَقْرَأُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ خَبْرَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ذَا الشَّأْنِ، مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ، إِنَّهُمْ شُبَّانٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَزِدْنَاهُمْ بِمَعُونَتِنَا وَتَوْفِيقِنَا إِيمَانًا وَبَصِيرَةٍ.
وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْيَانَ الشَّبَابَ أَسْرَعُ اسْتِجَابَةً لِنِدَاءِ الْحَقِّ، وَأَشَدُّ عَزْمًا وَتضْحِيَةً فِي سَبِيلِهِ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ:
ضَرُورَةُ الِاهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ الشَّبَابِ؛ لِأَنَّهُمْ أَزْكَى قُلُوبًا، وَأَنْقَى أَفْئِدَةً، وَأَكْثَرُ حَمَاسًا، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ نَهْضَةُ الْأُمَمِ.
وَقَدْ جَمَعَ الشَّبَابُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْتِزَامِ ذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَزِيَادَةِ الْهُدَى مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَفِي الدُّعَاءِ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُوَحِّدِينَ؛ فقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْتَسْلِمَيْنِ لِأَمْرِكَ، خَاضِعَيْنِ لِطَاعَتِكَ, لَا نُشْرِكُ مَعَكَ فِي الطَّاعَةِ أَحَدًا سِوَاكَ, وَلَا فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَكَ.
وَدَعَوَا اللهَ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أَهْلَ طَاعَتِهِ وَوِلَايَتِهِ وَالْمُسْتَجِيبِينَ لِأَمْرِهِ.
وَوَصَّى إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْإِسْلَامِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ نَبِيُّهُ ﷺ, وَهُوَ إِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ وَالتَّوْحِيدِ لِلَّهِ, وَخُضُوع الْقَلْب وَالْجَوَارِح لَهُ.
فَعَهِدَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلَى بَنِيهِ بِذَلِكَ -أَيْ: بِالْإِسْلَامِ-، وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَوَصَّى بِذَلِكَ -أَيْضًا- يَعْقُوب بَنِيهِ.
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} الَّذِي قَدْ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ, {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}: فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ تَمُوتُوا إلَّا وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ.
قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128].
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا بِتَوْفِيقِكَ لَنَا وَهِدَايَتِنَا مُخْلِصَيْنِ مُطِيعَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ، رَبَّنَا وَاجْعَلْ بَعْضَ أَوْلَادَنَا بِحِكْمَتِكَ وَتَوْفِيقِكَ جَمَاعَةً خَاضِعَةً مُنْقَادَةً لَكَ.
رَبَّنَا وَعَلِّمْنَا وَبَصِّرْنَا شَرَائِعَ دِينِنَا، وَأَعْمَالَ حَجِّنَا، وَالْأَمَاكِنَ الْخَاصَّةَ الَّتِي جَعَلْتَهَا لِعِبَادَتِكَ، وَتَجَاوَزْ عَنَّا بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، وَتَقَبَّلْ مِنَّا تَوْبَتَنَا، وَارْحَمْنَا؛ إِنَّكَ أَنْتَ كَثِيرُ الْقَبُولِ لِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ مِنْ عِبَادِكَ، الدَّائِمُ الرَّحْمَةِ بِهِمْ.
عَلِّمُوا أَبنَاءَكُم!
عَلِّمُوا ذَوِيكُم!
عَلِّمُوا أَهلِيكُم!
عَلِّمُوا الدُّنيَا كُلَّهَا؛ أُصُولَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَة!
عَلِّمُوهُم كَيفَ يَأخُذُونَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِمِنهَاجِ النُّبُوَّة, بِفَهمِ الصَّحَابَةِ وَمَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ!
وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّ العَالمِينَ فِي دِينِكُم, وَاحذَرُوا أَنْ تُضَيِّعُوهُ؛ فَإِنَّ الفُرصَةَ لَا تَسْنَحُ كُلَّ حِين!!
((تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ))
لَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يُعَلِّمُونَ الْأَطْفَالَ فِقْهَ الْعِبَادَاتِ، وَيُعَوِّدُونَهُمْ عَلَى أَدَائِهَا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَرَأَى الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
فَكَانَ صِيَامُهُ فَرْضًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ-، قَالَ ﷺ: «أَذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ».
وَفِي رِوَايَةِ الرُّبَيِّعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- : «فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ -أَيْ: مِنَ الصُّوفِ الْمَنْفُوشِ-، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِذَا سَأَلُونَا -تَعْنِي الصِّبْيَانَ- الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ، حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُم».
وَهَذَا كُلُّهُ لِتَعْظِيمِ صِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُعَظَّمِ.
وَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ صَارَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مُسْتَحَبًّا، غَيْرَ وَاجِبٍ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الرُّبَيِّعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ)).
* وَمِنَ الْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نُعَلِّمَهَا أَوْلَادَنَا، وَنَأْمُرَهُمْ بِهَا: الصَّلَاةُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40].
رَبِّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ بِأَرْكَانِهَا، وَيُحَافِظُ عَلَيْهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِهَا.
رَبَّنَا وَاسْتَجِبْ دُعَائِي بِفَضْلِكَ وَكَرَمِكَ، وَاجْعَلْهُ مَقْبُولًا عِنْدَكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
وَأْمُرْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَيَا كُلَّ حَامِلٍ لِرِسَالَتِهِ مِنْ أُمَّتِكَ أَهْلَكَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَاصْبِرْ صَبْرًا كَثِيرًا عَلَى أَدَائِهَا، وَعَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الصَّلَوَاتِ النَّوَافِلِ، وَلَا سِيَّمَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.
لَا نُكَلِّفُكَ أَنْ تَرْزُقَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِنًا، وَلَا أَنْ تَرْزُقَ نَفْسَكَ، بَلْ نَحْنُ نُهَيِّئُ لَكَ رِزْقَكَ الَّذِي يَكْفِيكَ وَيَكْفِي أُسْرَتَكَ؛ لِتَتَفَرَّغَ لِلْقِيَامِ بِوَظَائِفِ رِسَالَةِ رَبِّكَ، وَالْعَاقِبَةُ الْحَسَنَةُ الْمَحْمُودَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَهْلِ التَّقْوَى.
* اتَّقُوا اللهَ فِي أَبْنَائِكُمْ وَعَلِّمُوهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ ﷺ، وَمُرُوهُمْ بِهَا؛ فَقَدْ قَالَ ﷺ: ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ, وَاضْرِبُوهُم عَلَيْهَا لِعَشْرٍ, وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ)) .
مُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرُوا عَلَيْهَا -اصْطَبِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ، لَا عَلَى الْأَهْلِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَهَذَا أَمْرُ اللهِ-.
فَعَلَى مَنْ كَانَ قَائِمًا عَلَى أَهْلِهِ بِالرِّعَايَةِ بِمَا يُرْضِي رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يُرَاعِيَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَأَنْ يُرَاعِيَهُمْ فِي صِيَامِهِمْ، وَأَنْ يُرَاعِيَهُمْ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَهَا فُرْقَانًا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)).
((تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حُبِّ تَعَلُّمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّة))
إِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَبْنَاءِ:
* تَعْلِيمَهُمُ الْفُرُوضَ الْعَيْنِيَّةَ.
* تَأْدِيبَهُمْ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَيَكُونُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِهِمْ فَضْلَ الْعِلْمِ وَطَلَبَتِهِ؛ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَعْلِيمِهُمُ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ.
قَالَ فِي شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَبِيِّهِ ﷺ: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنَ الْعِلْمِ لَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ أَنْ يَسْتَزِيدَهُ مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) .
وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) .
((تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ))
إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْغَايَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَسْعَى إِلَيْهَا فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ؛ فَقَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْغَايَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي تَمَامِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ، فَقَالَ ﷺ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)) .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ))، وَالْحَاكِمُ، وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر وَالشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ أَنَّ إِمَامَ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ كَانَ فِي ((حُسْنِ الْخُلُقِ)) عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ، وَفَوْقَ الْغَايَةِ وَالْمُنْتَهَى، فَكَانَ كَمَا قَالَ عَنْهُ رَبُّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ.
أَخْبَرَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَقَالَ: ((قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ الْقُرْآنُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَعْنَى أَنَّ خُلُقَهُ الْقُرْآنُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهِ، وَيَعْتَبِرُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ، وَيَتَدَّبَرُهُ، وَيُحْسِنُ تِلَاوَتَهُ.
((تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حَمْلِ أَمَانَةِ دِينِهِ وَأُمَّتِهِ))
فَكَمَا سَلَفَ؛ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ أَنْ يُرَاعُوا أَبْنَاءَهُمْ فِي صِغَرِهِمْ، وَيُرَبُّوهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ تَكَالِيفِ الْإِسْلَامِ؛ حَتَّى تَسْهُلَ عَلَى نُفُوسِهِمْ، وَيَنْشَئُوا عَلَى حُبِّهَا، وَيُدَاوِمُوا عَلَيْهَا.
فَعَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ أَبْنَاءَنَا عَلَى الِانْتِمَاءِ لِدِينِهِمُ الْحَقِّ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِخَلْقِهِ دِينًا مَنْصُورٌ عَزِيزٌ غَالِبٌ، حَفَظَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، وَلَا يُدْرِكُهُ تَبْدِيلٌ وَلَا تَحْرِيفٌ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ تَلْحَقَهُ هَزِيمَةٌ أَوْ يَحُطُّ بِسَاحَتِهِ انْكِسَارٌ، وَإِنَّمَا يُخْشَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَقُومُوا بِحَقِّ اللهِ فِيهِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا نَغْرِسُهُ فِي قُلُوبِ أَبْنَائِنَا: حُبُّ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الشَّرِيفَةِ؛ فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ الْمُجَاهِدَةَ هِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَهِيَ لُغَةُ النُّبُوَّةِ الْخَاتِمَةِ، وَهِيَ سَيِّدَةُ اللُّغَاتِ.
وَالْعَرَبِيَّةُ هِيَ الْآخِرَةُ بِالنُّبُوَّةِ، بِمَا نَزَلَ بِهَا الْوَحْيُ الْمَعْصُومُ الْعَصِيُّ عَلَى التَّحْرِيفِ وَالتَّصْحِيفِ، الْمَعْصُومُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، الْمَحْفُوظُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
* وَعَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ أَبْنَاءَنَا عَلَى حُبِّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ، وَأَنَّهُ مَا دَامَتْ بِلَادُنَا إِسْلَامِيَّةً فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى لِاسْتِقْرَارِهَا, وَاكْتِمَالِ أَمْنِهَا, وَيَجِبُ حِيَاطَتُهَا بالرِّعَايَةِ، وَالْحِفَاظِ وَالْبَذْلِ.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينٍ -كَمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى ((رِيَاضِ الصَّالِحِينَ))-: ((حُبُّ الْوَطَنِ إِنْ كَانَ إِسْلَامِيًّا فَهَذَا تُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ إِسْلَامِيٌّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَطَنِكَ الَّذِي هُوَ مَسْقَطُ رَأْسِكَ، وَالوَطَنِ الْبَعِيدِ عَنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ, كُلُّهَا أَوْطَانٌ إِسْلَامِيَّةٌ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِيَهَا)).
((بَعْضُ مَظَاهِرِ إِهْمَالِ تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ))
إِنَّ مِنَ الْآفَـاتِ الْعَظيمَةِ الَّتِي تَلْحَقُ بِالْمُسْلِمِينَ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ- عَـدْمَ الِاهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ تَرْبِيَةً إِسْلَامِيَّةً سَلِيمَةً مِنَ الشَّوَائِبِ، وَالْمَبَادِئِ الدَّخِيلَةِ عَلَيْنَا مِنْ أَعْدَاءِ الْأُمَّةِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: أَنَّ الْأُمَّ الْمُسْلِمَةَ قَدْ تَتَسَاهَلُ فِي شِرَاءِ مَلَابِسِ أَطْفَالِهَا، تَشْتَرِي لِلْبَنَاتِ الْمَلَابِسَ الْقَصِيرَةَ أَوِ الَّتِي تَحْمِلُ كَلِمَاتٍ أَجْنَبِيَّةً قَدْ تَكُونُ ضِدَّ الْإِسْلَامِ، وَضِدَّ تَعَالِيمِهِ.
وَتَجِدُ هَذَا شَائِعًا، وَيَشْتَرِيهِ الْجُهَّـالُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ قِرَاءَةَ الْعَرَبِيَّةِ، يَذْهَبُونَ إِلَى الْأَسْوَاقِ وَيَشْتَرُونَ الْمَلَابِسَ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْهَا الْعِبَارَاتُ الْأَجْنَبِيَّةُ، وَرُبَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاُت كُفْرًا -وَقَدْ تَكُونُ-.
وَقَدْ تَكُونُ زِرَايَةً بِلَابِسِهَا؛ يَعْنِي مُمْكِنٌ إِذَا مَا تَرْجَمَهَا مُتَرْجِمٌ أَنْ يَجِدَهَا مَثَلًا عَلَى هَذَا النَّحْوِ: خُذُوا الْحِمَارَ.. خُذُوا الْحِمَارَ!! وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَغْلٍ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا!! لَا يَدْرِى شَيْئًا!!
وَأَحْيَانًا يَأْتُونَ بِالْمَلَابِسِ الَّتِي عَلَيْهَا شِعَارُ النَّصَارَى كَالصَّلِيبِ!!
وَكَذَلِكَ تُقِيمُ الْأُمُّ احْتِفَالًا عِنْدَ إِكْمَالِ وَلَدِهَا الْعَامَ مِنْ تَارِيخِ وِلَادَتِهِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِـ ((عِيدِ مِيلَادِ الطِّفْلِ))!!، أَوْ أَنْ تَطْلُبَ الْأُمُّ مِنْ زَوْجِهَا أَنْ يُلْحِقَ وَلَدَهُمَا بِمَدَارِس تَعْلِيمِ الْمُوسِيقَى أَوْ مَا أَشْبَهَ، أَوِ الرَّقْصِ أَوِ الْبَالِيه.
وَمِنْ صُوَرِ عَدَمِ مُبَالَاةِ الْأُمِّ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا: حِلَاقَةُ شَعْرِ وَلَدِهَا بِأَشْكَالٍ غَريبةٍ مُؤسِفَةٍ تُشْبِهُ الْكُفَّارَ!!
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَحْرِصَ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى تَنْشِئَةِ أَوْلَادِهَا كَمَا نَشَأَ أَوْلَادُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، حَيْثُ تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِاللهِ.
وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَحُثَّ أَوْلَادَهَا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَأَنْ تَرْبِطَ هَمَّهُم بِنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَأَنْ تَصْرفَهُمْ عَنْ تَوَافِهِ الْأُمُورِ؛ لِتُسْهِمَ فِي إِنْشَاءِ الْجِيلِ الَّذِي يُعيِدُ لِلْأُمَّةِ مَجْدَهَا الْمَفْقودَ، وَعِزَّتَهَا الْمَسْلُوبَةَ.
إِنَّ الْغَزْوَ الْفِكْرِيَّ الْعَقَدِيَّ دَمَّرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَوَانِبَ مِنْ عَقَائِدِهِمْ، وَغَيَّبَ شَرِيعَتَهُمْ، وَجَعَلَ نَظَرَهُمْ إِلَى تُرَاثِهِمْ وَمَاضِيهِمْ وَتَارِيخِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ وَعَقِيدَتِهِمْ نَظَرَ الْمُحْتَقِرِ؛ لِأَنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلَامِ قَدْ أَفْهَمُوا الشُّعُوبَ الَّتِي فُرِّغَتْ ثَقَافِيًّا مِنْ تُرَاثِهَا وَدِينِهَا وَعَقِيدَتِهَا أَنَّ هَذَا الْمَاضِيَ هُوَ الَّذِي أَخَّرَهُمْ تَمَامًا!!
فَأَنْ نَتْرُكَ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا يَقْضُونَ أَوْقَاتَهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ، وَفِي مَنَابِتِ السُّوءِ، يَنْشَئُونَ عَلَى الْفَاسِدِ مِنَ الْأَخْلَاقِ، وَالذَّمِيمِ مِنَ الْأَفْعَالِ، فَيَشْتَدُّ عُودُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَتُشْحَنُ قُلُوبُهُمْ وَتُشْغَلُ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُرِيدُهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ سِنَّ الرُّشْدِ مُسْلِمِينَ، يَعْمَلُونَ بِالْإِسْلَامِ، وَيَدْعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَنَا، وَلَا يُلْقُونَ بَالًا لِأَوَامِرِنَا وَحَدِيثِنَا، وَيَكُونُ مَثَلُنَا كَمَثَلِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْنِيَ مِنَ الشَّوْكِ الْعِنَبَ!! وَنَقْضِي الْوَقْتَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَسْرَةِ وَالْنَّدَمِ.
إِذَا ابْتَعَدَ شَبَابُ الْإِسْلَامِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَظَلُّوا فِي مُنْحَنَيَاتِ الطَّرِيقِ؛ فَالْحَقُّ أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ عَنْ بُعْدِ الشَّبِيبَةِ عَنِ الْإِسْلَامِ هُمُ: الْآبَاءُ، وَالْأُمَّهَاتُ، وَأَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنْ يَبْحَثَ الْأَبُ لِأَبْنَائِهِ عَنْ خَيْرِ لِبَاسٍ، وَأَفْضَلِ طَعَامٍ، وَأَهْنَأِ سَكَنٍ، ثُمَّ لَا يَبْحَثُ لَهُمْ عَنِ الْمُرَبِّي الْفَاضِلِ، وَلَا يُلَقِّنُهُمُ الصَّحِيحَ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ؛ جَاهِلًا أَوْ مُتَجَاهِلًا أَنَّهُ بِذَلِكَ يُلْقِي بِفِلْذَةِ كَبِدِهِ فِي نَارٍ مُسْتَعِرَةٍ لَا يَخْبُو إِوَارُهَا، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، فَأَيْنَ الرَّحْمَةُ فِي قُلُوبِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؟!!
وَأَيْنَ الشَّفَقَةُ؟!!
وَأَيْنَ الْحَنَانُ؟!!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
((قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا!))
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَادَانَا بِوَصْفِ الْإِيمَانِ؛ لِكَيْ يَكُونَ ذَلِكَ حَافِزًا لَنَا عَلَى إِلْقَاءِ سَمْعِ الْقَلْبِ لِمَا يَأْمُرُنَا بِهِ وَمَا يَنْهَانَا عَنْهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: يَا مَنْ أَعْلَنْتُمْ إِيمَانَكُمْ بِرَبِّكِمْ -جَلَّ وَعَلَا-، فَآمَنْتُمْ بِهِ وَبِمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابٍ وَبِالرَّسُولِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا؛ فَاسْمَعُوا وَعُوا، وَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَاجْتَنِبُوا مَسَاخِطَهُ.
{قُوا أَنفُسَكُمْ}: اجْعَلُوا بَيْنَ أَنْفُسِكُمْ وَبَيْنَ نَارِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وِقَايَةً وَجُنَّةً، {وَأَهْلِيكُمْ}: فَإِنَّكُمْ رُعَاةٌ فِيهِمْ، وَكُلُّ رَاعٍ فِي رَعِيَّةٍ هُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا.
وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَمَا أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ مَنْ مَكَّنَهُمْ مِنْ وَسَائِلِ الْفِسْقِ وَاللَّهْوِ وَالْفُجُورِ وَإِضَاعَةِ الْأَوْقَاتِ فِي مَعْصِيَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَمَا سَعَى بِذَلِكَ فِي وِقَايَتِهِمُ النَّارَ الَّتِي وَصَفَهَا الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ بِقَوْلِهِ: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}: لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، يُعْذِّبُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا أَهْلَ الْفُجُورِ وَالْفِسْقِ وَالْكُفْرِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
{عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}: فَهُمْ فِي غِلْظَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ مُطِيعُونَ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، يَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ بِإِنْزَالِ النَّكَالِ وَالْهَوَانِ وَالْعَذَابِ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمُجْرِمِينَ.
فَأَمَرَنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالتَّقْوَى، وَأَمَرَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا النَّارَ، وَلَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا النَّارَ حَتَّى نَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً مِنْ تَقْوَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، أَنْ نَعْمَلَ بِطَاعَتِهِ عَلَى نُورٍ مِنْهُ؛ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِهِ.
وَلَنْ نَتَّقِيَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَتَّى نَجْتَنِبَ نَوَاهِيَهُ وَحَتَّى نَبْتَعِدَ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَحَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ نَخْشَى بِذَلِكَ وَنَخَافُ عَذَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَوَصَّانَا اللهُ كَمَا وَصَّى الْأَوَّلِينَ، وَأَمَرَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، فَأَمَرَنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِأَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا النَّارَ، وَأَنْ نَقِيَ أَهْلِينَا النَّارَ.
وَوَصَفَهَا بِبَعْضِ مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتٍ، وَوَصَفَ بَعْضَ الْقَائِمِينَ عَلَيْهَا بِمَا جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَسُوقًا فِي الْآيَةِ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الصِّفَاتِ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا وَأَهْلِينَا النَّارَ، وَذَلِكَ دَلَالَةٌ لَنَا وَبُرْهَانٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُيُوتَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً، وَأَنْ تَكُونَ مِنَ الْمَعَاصِي نَظِيفَةً، وَأَنْ يَجْتَهِدَ الْإِنْسَانُ فِي رِعَايَةِ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، لَا بِمَا يُقَدِّمُ إِلَيْهِمْ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، وَمَا يَتَنَقَّلُونَ بِهِ وَيَتَفَكَّهُونَ، فَذَلِكَ أَمْرٌ يَسِيرٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَرِيبٍ، فَطَعَامٌ دُونَ طَعَامٍ، وَلِبَاسٌ دُونَ لِبَاسٍ، وَإِذَا ذُكِرَ الْمَوْتُ هَانَ كُلُّ شَيْءٍ.
وَلَكِنْ بِتَنْظِيفِ الْبُيُوتِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَإِقَامَةِ مَنْ فِيهَا عَلَى أَمْرِ اللهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ.
{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}!
نَظِّفُوا الْبُيُوتَ مِنْ مَعَاصِيهَا!
طَهِّرُوهَا مِنْ آثَامِهَا وَالذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ فِيهَا!
مُرُوا أَوْلَادَكُمْ: أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي أَنْ يَحْفَظُوا حُدُودَ اللهِ، وَأَنْ يَسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِ اللهِ، لَا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ أَمْرًا مَعْكُوسًا، فَهُوَ يُوَفِّرُ لَهُمْ وَسَائِلَ اللَّهْوِ، وَهُوَ يَجْتَهِدُ فِي إِطْعَامِهِمْ وَفِي سُقْيَاهُمْ بِمَا تَلَذُّ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَذَلِكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يَتَعَدَّ إِلَى حَدِّ الْإِسْرَافِ.
{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}!
لَنْ تَقُوا أَنْفُسَكُمُ النَّارَ، وَلَنْ تَقُوا أَهْلِيكُمُ النَّارَ وَأَنْتُمْ بِمَبْعَدَةٍ عَنْ عِلْمِ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ، وَعَنْ مَعْرِفَةِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ.
وَكَيْفَ يَقِي الْعَبْدُ نَفْسَهُ النَّارَ، وَكَيْفَ يَقِي الْعَبْدُ أَهْلَهُ النَّارَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالِاعْتِقَادِ الَّذِي يُنجِّيه من النار؟!!
إِنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِي قَبْرِهِ، فَجَاءَهُ الْمَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ فَسَأَلَاهُ تِلْكَ الْأَسْئِلَةَ:
مَنْ رَبُّكَ؟
وَمَا دِينُكَ؟
وَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-؟
يَكُونُ زَائِغًا فِي الِاعْتِقَادِ، مُبْتَدِعًا فِيهِ، فَكَيْفَ يُجِيبُ؟!!
لَا يُجِيبُ إِلَّا الْمُوَحِّدُونَ الثَّابِتُونَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}.
{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}!
عَلِّمُوهُمْ أُصُولَ الِاعْتِقَادِ!
دُلُّوهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالرَّشَادِ، كَمَا تَجْتَهِدُونَ فِي تَعْلِيمِهِمُ اللُّغَاتِ الْأَجْنَبِيَّةَ -لُغَاتِ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ حَارَبُوا الدِّينَ، وَنَاصَبُوا الْعَدَاءَ لِلْمِلَّةِ-، كَمَا تَجْتَهِدُونَ فِي رِعَايَتِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ لِيُحَصِّلُوا الدُّنْيَا.
عَلِّمُوهُمْ دِينَ رَبِّهِمْ؛ عَقِيدَتَهُ، وَعِبَادَتَهُ، وَمُعَامَلَتَهُ، وَأَخْلَاقَهُ وَسُلُوكَهُ؛ لِيَفُوزُوا بِالرِّضْوَانِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَقَدْ خُنْتُمُ الْأَمَانَةَ، وَإِلَّا فَمَا أَدَّيتُمْ حَقَّ ذَويِكُمْ عَلَيْكُمْ.
تَعَلَّمُوا أُصُولَ الِاعْتِقَادِ وَعَلِّمُوهَا!
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي يُوَرِّطُ الْخَلْقَ فِي النَّارِ تَوَرُّطًا، وَاللهُ لَا يَغْفِرُهُ: {إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به}.
عَلِّمُوهُمْ أَنْ يَنْذِرُوا للهِ!
عَلِّمُوهُمْ أَلَّا يَذْبَحُوا إِلَّا للهِ، أَلَّا يَتَوَكَّلُوا إِلَّا عَلَى اللهِ، أَلَّا يُحِبُّوا إِلَّا فِي اللهِ، وَأَلَّا يُبْغِضُوا إِلَّا فِي اللهِ!
عَلِّمُوهُمْ أَسْمَاءَ اللهِ وَصِفَاتِ اللهِ!
دُلُّوهُمْ عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَقِيقَةِ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، أَلَّا يَكُونُوا مُرْجِئَةً، وَأَلَّا يَكُونُوا خَوَارِجَ؛ فَيَخْسَرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ!
عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَإِلَّا صَارُوا مُتَوَاكِلِينَ، لَا يَنْهَضُونَ لِهِمَّةٍ، وَلَا يَأْتُونَ بِعَزْمٍ فِي مُلِمَّةٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ كَلًّا، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ يُحْسِنُ بَابَ الْإِيمَانِ وَالْقَدَرِ!
عَلِّمُوهُمُ الْوَاجِبَ تِجَاهَ آلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ، أَلَّا يَكُونُوا رَافِضَةً، وَأَلَّا يَكُونُوا نَاصِبَةً، حَتَّى يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ!
عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ حَتَّى يُجَانِبُوا الشِّيعَةَ الرَّوَافِضَ الْمَلَاعِينَ فِي سَبِّهِمْ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَفِي تَكْفِيرِهِمْ لَهُمْ، وَفِي رَمْيِهِمْ بِالْخِيَانَةِ لِلدِّينِ، وَارْتِدَادِهِمْ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ؛ حَتَّى لَا يَنْجُمَ فِي بَيْتِكَ مَنْ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ إِخْوَانُنَا وَهُؤَلَاءِ نَتَقَارَبُ مَعَهُمْ!!
عَلِّمُوهُمْ.. عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ حَتَّى لَا يَخْدَعَهُمْ خَادِعٌ وَلَا مُخَادِعٌ، فَيَزْعُمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَوْ نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ -شَيْءٌ قَلِيلٌ-؛ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ!!
وَمَنْ قَالَ: بِأَنَّهُ قَدْ نَقُصَ مِنْهُ شَيْءٌ -شيءٌ قَلِيلٌ-؛ فَهُوَ أَخُونَا!! وَمِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا!! نَأْكُلُ ذَبِيحَتَهُ!! وَنُوَافِقُهُ وَنُوَالِيهِ!!
عَلِّمُوهُمْ أَلَّا يَنْظُرُوا إِلَى كِتَابِ رَبِّهِمْ -جَلَّ وَعَلَا- نَظْرَةَ السُّوءِ؛ فَيَرَوْهُ مُفَكَّكًا لَا يَتَمَاسَكُ كَمَا يَزْعُمُ الْعَلْمَانِيُّونَ وَالْمُسْتَشْرِقُونَ، وَكَمَا يَزْعُمُ الْمُكَفِّرُونَ الْمُنَصِّرُونَ؛ فَإِنَّهُمْ يَزْعَمُونَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا وَكَثِيرًا!
عَلِّمُوهُمْ حَقَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، عَرِّفُوهُمْ بِهِ!
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ امْتِثْالِ أَمْرِ اللهِ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا؛ فَسَتَكُونُونَ وَقُودَهَا، يُحَذِّرُكُمُ اللهُ!! {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
طَهِّرُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَدْرَانِهَا، نَظِّفُوهَا مِنْ أَوْسَاخِهَا؛ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ، مِنَ النِّفَاقِ وَالسُّمْعَةِ، مِنْ كُلِّ مَا يَشِينُ، مِنَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَالْخُصُومَةِ فِي الدِّينِ، مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَى الْمُلَهِيَّاتِ، وَإِضَاعَةِ الْأَوْقَاتِ فِي غَيْرِ مَا يُرْضِي رَبَّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.
اتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أَهْلِيكُمْ؛ فَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَةٌ!
{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}!
تَعَلَّمُوا وَعَلِّمُوا عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ فَهِيَ طَوْقُ النَّجَاةِ، وَهِيَ سَفِينَةُ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ.
((نَصَائِحُ قُرْآنِيَّةٌ وَنَبَوِيَّةٌ جَامِعَةٌ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ))
هَذِهِ نَصَائِحُ وَوَصَايَا جَامِعَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ؛ فَالْوَصَايَا الَّتِي وَصَّى بِهَا لُقْمَانُ لِابْنِهِ، تَجْمَعُ أُمَّهَاتِ الْحِكَمِ، وَتَسْتَلْزِمُ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا، وَكُلُّ وَصِيَّةٍ يُقْرَنُ بِهَا مَا يَدْعُو إِلَى فِعْلِهَا، إِنْ كَانَتْ أَمْرًا، وَإِلَى تَرْكِهَا إِنْ كَانَتْ نَهْيًا.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَأَنَّهَا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ، وَحُكْمِهَا وَمُنَاسَبَاتِهَا، فَأَمَرَهُ بِأَصْلِ الدِّينِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَنَهَاهُ عَنِ الشِّرْكِ، وَبَيَّنَ لَهُ الْمُوجِبَ لِتَرْكِهِ.
وَأَمَرَهُ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَبَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِبِرِّهِمَا، وَأَمَرَهُ بِشُكْرِهِ وَشُكْرِهِمَا، ثُمَّ احْتَرَزَ بِأَنَّ مَحَلَّ بِرِّهِمَا وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِمَا، مَا لَمْ يَأْمُرَا بِمَعْصِيَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَعُقُّهُمَا، بَلْ يُحْسِنُ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُطِيعُهُمَا إِذَا جَاهَدَاهُ عَلَى الشِّرْكِ.
وَأَمَرَهُ بِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ، وَخَوْفِهِ الْقُدُومَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِلَّا أَتَى بِهَا.
وَنَهَاهُ عَنِ التَّكَبُّرِ، وَأَمَرَهُ بِالتَّوَاضُعِ، وَنَهَاهُ عَنِ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ، وَالْمَرَحِ، وَأَمَرَهُ بِالسُّكُونِ فِي الْحَرَكَاتِ وَالْأَصْوَاتِ، وَنَهَاهُ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ.
وَأَمَرَهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَبِالصَّبْرِ اللَّذَيْنِ يَسْهُلُ بِهِمَا كُلُّ أَمْرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}.
فَحَقِيقٌ بِمَنْ أَوْصَى بِهَذِهِ الْوَصَايَا أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْحِكْمَةِ، مَشْهُورًا بِهَا.
وَلِهَذَا مِنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ عِبَادِهِ، أَنْ قَصَّ عَلَيْهِمْ مِنْ حِكْمَتِهِ، مَا يَكُونُ لَهُمْ بِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12].
وَنُقْسِمُ مُؤَكِّدِينَ لَكُمْ أَنَّنَا آتَيْنَا لُقْمَانَ الْعِلْمَ، وَالْعَمَلَ، وَالْإِصَابَةَ فِي الْأُمُورِ.
وَقُلْنَا لَهُ: اشْكُرْ للهِ، وَمَنْ يَشْكُرِ اللهَ بِالْإِيمَانِ وَالْحَمْدِ وَالطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِمَرَاضِيهِ؛ فَإِنَّمَا يَعُودُ نَفْعُ شُكْرِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللهَ يَجْزِيهِ عَلَى شُكْرِهِ ثَوَابًا عَظِيمًا.
وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ بِالْإِيمَانِ وَالْحَمْدِ وَالطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِمَرَاضِيهِ؛ يَعُودُ عَلَيْهِ وَبَالُ كُفْرِهِ، وَاللهُ غَنِيٌّ بِذَاتِهِ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى شُكْرِ الشَّاكِرِينَ، مَحْمُودٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ.
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وَضَعْ فِي ذَاكِرَتِكَ -أَيُّهَا الْمُتَلَقِّي آيَاتِ كِتَابِ اللهِ- ضَعْ نَصِيحَةَ لُقْمَانَ ابْنَهُ وَهُوَ يَنْصَحُهُ نُصْحًا مَقْرُونًا بِمَا يُثِيرُ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ، يَا بُنَيَّ الْقَرِيبَ مِنْ قَلْبِي، الْحَبِيبَ لِي، لَا تَجْعَلْ للهِ فِي اعْتِقَادِكَ أَوْ عَمَلِكَ شَرِيكًا لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ أَوْ فِي إِلَهِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْتَسْوِيَةَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ؛ بِوَضْعِ الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
وَنَصَحْنَا الْإِنْسَانَ نُصْحًا مُؤَكَّدًا بِعَهْدٍ، نَصَحْنَاهُ هَذَا النُّصْحَ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَيُحْسِنَ إِلَيْهِمَا، وَيُطِيعَ أَمْرَهُمَا فِي الْمَعْرُوفِ، وَيَجْعَلَ أُمَّهُ أَوْفَرَ نَصِيبًا.
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ حَمْلَ ضَعْفٍ فِي حَالَتِهَا النَّفْسِيَّةِ عَلَى ضَعْفٍ فِي قُوَاهَا الْجَسَدِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدَ آلَامِ الْوَضْعِ وَمَتَاعِبِ النِّفَاسِ تُعَانِي الْأُمُّ مِنْ مَتَاعِبِ الْإِرْضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ.
وَيَكُونُ فِطَامُهُ عَنِ الرَّضَاعِ فِي مُدَّةِ سَنَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ الْفُضْلَى.
وَقُلْنَا لَهُ: اشْكُرْ للهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى؛ بِعِبَادَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِمَرَاضِيهِ.
وَاشْكُرْ لِوَالِدَيْكَ عَلَى مَا تَحَمَّلَا وَمَا قَدَّمَا فِي تَنْشِئَتِهِمَا وَتَرْبِيَتِهِمَا مِنْ عَطَاءَاتٍ كَثِيرَةٍ.
إِلَيَّ وَحْدِي الْمَرْجِعُ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، فَأُثِيبُ عَلَى الشُّكْرِ، وَأُعَاقِبُ عَلَى الْجُحُودِ وَالْكُفْرِ.
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15].
وَإِنِ اشْتَدَّا عَلَيْكَ بِالطَّلَبِ -أَيُّهَا الِابْنُ الْمُؤْمِنُ- مُكْرِهَيْنِ لَكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي شِرْكًا مَا، لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ؛ فَلَا تَسْتَجِبْ لَهُمَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
وَوَافِقْهُمَا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مُصَاحَبَةً حَسَنَةً، وَقَدِّمْ لَهُمَا مَعْرُوفًا؛ كَمَالٍ، وَتَكْرِيمٍ، وَخِدْمَةٍ.
وَاتَّبِعْ فِي مَسِيرَتِكَ فِي حَيَاتِكَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَيَّ بِالْإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ إِلَيَّ بَعْدَ رِحْلَةِ الِامْتِحَانِ فِي الدُّنْيَا، وَبَعْدَ مَوْتِكُمْ- إِلَيَّ رُجُوعُكُمْ، وَمَكَانُ رُجُوعِكُمْ، وَزَمَانُهُ، فَأُخْبِرُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ لِأُجَازِيَكُمْ عَلَيْهِ.
{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان: 16].
يَا بُنَيَّ الْقَرِيبَ مِنْ قَلْبِي، وَالْحَبِيبَ لِي! إِنَّ الْغَائِبَةَ عِنْدَ الْخَلَائِقِ إِنْ كَانَتْ فِي الصِّغَرِ قَدْرَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، فَتَكُنْ هَذِهِ الْغَائِبَةُ الْخَفِيَّةُ مَعَ صِغَرِهَا فِي بَاطِنِ صَخْرَةٍ، أَوْ فِي مَكَانٍ مَا مِنَ السَّمَوَاتِ، أَوْ فِي مَكَانٍ مَا مِنْ بَاطِنِ الْأَرْضِ؛ يَأْتِ بِهَا اللهُ مِنْ مَكَانِهَا الَّتِي هِيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِهَا، قَادِرٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِهَا.
إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ يُجْرِي تَدَابِيرَهُ وَأَفْعَالَه بِرِفْقٍ تَامٍّ، يَنْفُذُ بِصِفَاتِهِ إِلَى أَعْمَاقِ كُلِّ مَوْجُودٍ خَلْقًا وَإِمْدَادًا، وَعِلْمًا وَتَصارِيفَ، عَلِيمٌ عِلْمًا كَامِلًا شَامِلًا بِكُلِّ ظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِهَا عِلْمَ حُضُورٍ وَشُهُودٍ وَتَدْبِيرٍ.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[لقمان: 17].
يَا بُنَيَّ الْقَرِيبَ مِنْ قَلْبِي، وَالْحَبِيبَ لِي! إِنِّي أُوصِيكَ بِهَذِهِ الْوَصَايَا الثَّمَانِيَةِ بَعْدَ أَنْ أَوْصَيْتُكَ بِعَهْدٍ مُؤَكَّدٍ مُشَدَّدٍ أَلَّا تُشْرِكْ بِاللهِ:
* الْوَصِيَّةُ الْأُولَى: أَدِّ الصَّلَاةَ تَامَّةً بِأَرْكَانِهَا، وَشُرُوطِهَا، وَوَاجِبَاتِهَا.
الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ.
الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ: انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ.
الْوَصِيَّةُ الرَّابِعَةُ: وَسَيُصِيبُكَ أَذًى مِنَ الَّذِينَ تَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ فَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَلِكَ الصَّبْرَ عَلَى مَا يُصِيبُ الْقَائِمَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَحْتَاجُ إِرَادَةً قَوِيَّةً رَفِيعَةً هِيَ مِنْ مُسْتَوَى الْعَزْمِ الَّذِي يَدْفَعُ أَصْحَابَهُ إِلَى تَنْفِيذِ مَا يُرِيدُونَ مِمَّا يُرْضِي اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-؛ وَلَوِ اقْتَرَنَ بِهِ تَحَمُّلُ أَشَدِّ الصُّعُوبَاتِ، وَتَحَمُّلُ أَعْظَمِ الْآلَامِ.
{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18].
* الْوَصِيَّةُ الْخَامِسَةُ: وَلَا تَتَكَبَّرْ؛ فَتَحْقِرَ النَّاسَ، وَتُعْرِضَ بِوَجْهِكَ عَنْهُمْ إِذَا كَلَّمُوكَ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْكِبْرِ.
* الْوَصِيَّةُ السَّادِسَةُ: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مُخْتَالًا مُتَبَخْتِرًا فِي مِشْيَتِكَ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فِي مَشْيِهِ، مُسْتَكْبِرٍ عَلَى النَّاسِ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُمْ، مُبَالِغٍ فِي الْفَخْرِ عَلَى النَّاسِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَا آتَاهُ اللهُ مِنْ قُوَّةٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ جَاهٍ، أَوْ ذَكَاءٍ، أَوْ جَمَالِ وَجْهٍ وَحُسْنِ طَلْعَةٍ.
وَمَنْ لَا يُحِبُّهُ اللهُ؛ فَإِنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِعِقَابِهِ.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].
الْوَصِيَّةُ السَّابِعَةُ: وَلْتَكُنْ فِي مِشْيَتِكَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالتَّأَنِّي فِي سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ.
الْوَصِيَّةُ الثَّامِنَةُ: وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُسْتَمِعِينَ، إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى رَفْعِهِ مِنْ صِفَاتِ الْحَمِيرِ، فَلَا تَكُنْ يَا بُنَيَّ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْحَمِيرِ الَّتِي تَنْهَقُ فَتَرْفَعُ أَصْوَاتَهَا الْمُنْكَرَةِ، إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ وَأَكْثَرَهَا تَنْفِيرًا لِلْأَسْمَاعِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
يَا بُنَيَّ! إِنَّ السَّيِّئَةَ أَوِ الْحَسَنَةَ مَهْمَا كَانَتْ صَغِيرَةً مِثْلَ وَزْنِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، وَكَانَتْ فِي بَطْنِ صَخْرَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، أَوْ كَانَتْ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنَ السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجَازِي الْعَبْدَ عَلَيْهَا.
إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ، خَبِيرٌ بِهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيْءٌ.
يَا بُنَيَّ! أَقِمِ الصَّلَاةَ بِأَدَائِهَا عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا نَالَكَ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي ذَلِكَ، إِنَّ مَا أَمَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا عَزَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَهُ؛ فَلَا خِيرَةَ لَكَ فِيهِ.
وَلَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّرًا، وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الْأَرْضِ مُخْتَالًا مُتَكَبِّرًا، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فِي مِشْيَتِهِ، فَخُورٍ بِمَا أُوتِيَ مِنْ نِعَمٍ لَا يَشْكُرُ اللهَ عَلَيْهَا، بَلْ يُبْغِضُهُ.
وَتَوَسَّطْ فِي مَشْيِكَ بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالدَّبِيبِ، مَشْيًا يُظْهِرُ الْوَقَارَ.
وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ، لَا تَرْفَعْهُ رَفْعًا يُؤْذِي، إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ فِي ارْتِفَاعِ أَصْوَاتِهَا.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْآيَاتِ: وُجُوبُ تَعَاهُدِ الْأَبْنَاءِ بِالتَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالنَّصِيحَةِ وَالتَّوْجِيهِ.
* وَصَايَا وَأُصُولٌ نَبَوِيَّةٌ جَامِعَةٌ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ:
عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: ((يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ)) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ؛ أَيْ أَمَامَكَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ ((احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ)).
((احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ؛ رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ))، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
((ثَمَرَاتُ تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ))
إِنَّ لِتَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ -عَلَى الْإِيمَانِ وَالْهُدَى- ثَمَرَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْمُجْتَمَعِ، وَالْأُمَّةِ، وَعَلَى الْأَوْلَادِ أَنْفُسِهِمْ.
يَجْنِي الْوَالِدَانِ ثَمَرَاتِ تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَبْعٌ تَجْرِي لِلْعَبْدِ بَعْدِ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ». رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.
فَتَأَمَّلْ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ -مِنْهَا-: أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو اللهَ لَهُ)) .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ بِالدُّعَاءِ لِأَبَوَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا هُوَ اسْتِمْرَارٌ لِحَيَاتِهِ هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.
وَمِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: صَلَاحُ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ وَ تَمَاسُكُهُ، وَكَثْرَةُ الْخَيْرِ فِيهِ؛ فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَ الْمُرْسَلِينَ مُصْلِحِينَ فِي الْأَرْضِ، فَأَصْلَحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِمُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَتَوَجَّهَتْ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ تَبَعًا لِمَا أَضَلَّتْهُمْ بِهِ الْمَدَنِيَّةُ الْوَثَنِيَّةُ الْغَرْبِيَّةُ يَنْظُرُونَ إِلَى الْمُجْتَمَعَاتِ فِي شُمُولِهَا، وَيَحْسَبُونَ أَنَّ إِصْلَاحَ الْمَجْمُوعِ يَصْلُحُ بِهِ الْفَرْدُ.
فَالْمُجْتَمَعُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصَلَاحِ أَفْرَادِهِ، وَالْفَرْدُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصَلَاحِ عَقِيدَتِهِ.
وَكُلَّمَا اسْتَقَامَ الْعَبْدُ عَلَى شَرْعِ اللهِ؛ اسْتَقَامَتْ لَهُ الدُّنْيَا عَلَى مَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ؛ فَضْلًا عَنِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَسَّرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ كُلَّ عَسِيرٍ، وَخَدَمَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَكَثُرَتْ فِي مُجْتَمَعِهِ الْخَيْرَاتُ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[البقرة: 96].
وَقَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ}[المائدة: 66].
وَمِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: عِزَّةُ الْأُمَّةِ وَنَصْرُهَا، وَرِيَادَتُهَا لِلْعَالَمِ بِالْعِلْمِ وَالْهُدَى، وَالْعَدْلُ وَالْإِحْسَانُ وَالرَّحْمَةُ؛ فَجِيلُ النَّصْرِ الَّذِي يُقِيمُ الشَّرِيعَةَ لَا بُدَّ أَنْ يُحَقِّقَ أَسْبَابَ التَّمْكِينِ وَيُحَصِّلَ مُقَوِّمَاتِهِ.
((اتَّقِ اللهَ فِيمَنْ تَعُولُ؛ فَإِنَّهُمْ أَمَانَةٌ!))
إِنَّ قُلُوبَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَمْتَلِئُ سُرُورًا إِذَا كَانَتْ ذُرِّيَّاتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَيَكُونُوا قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
إِنَّ الْوَلَدَ الصَّالِحُ يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَلْمَرْءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ, وَزُخْرًا لَهُ بَعْدَ الْمَمَاتِ, ثُمَّ يَكُونُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفْعًا فِي الدَّرَجَاتِ.
فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِ اللهَ فِي أَوْلَادِهِ.
اتَّقِ اللهَ رَبَّكَ!
وَاتَّقِ اللهَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي نَفْسِكَ!
وَاتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَنْ تَحْتَ يَدِكَ؛ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ.
فَإِذَا سَأَلَكَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ فَجَهِّزْ لِلسُّؤَالِ جَوابًا.
إِذَا قَالَ لَكَ: لِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ فَأَحْضِرْ لِهَذَا السُّؤَالِ جَوَابًا صَوَابًا.
اتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَنْ تَعُولُ, وَاتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي أَهْلِكَ, خُذْهُمْ بِالشِّدَّةِ عَلَى أَمْرِ اللهِ؛ حَتَّى يَسْتَقِيمَ حَالُهُمْ, وَحَتَّى تَنْضَبِطَ خُطُوَاتُهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
إِنَّ الْبُيُوتَ الْمُلْتَزِمَةَ فِي الْأَرْضِ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ كَأَنَّهَا مِنْ رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ.
وَأَمَّا الْبُيُوتُ الَّتِي تَتَخَطَّى حُدُودَ الشَّرْعِ وَلَا تَلْتَزِمُ بِأَحْكَامِهِ، وَلَا تَتْبَعُ سُنَنَ رَسُولِهِ ﷺ، فَهَذِهِ مَبَاءَاتُ الشَّيْطَانِ تَكْثُرُ فِيهَا النِّزَاعَاتُ، وَتَدِبُّ فِيهَا الْخِلَافَاتُ.
وَالَّذِي يَعْصِمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ هُوَ طَاعَةُ رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ.
تَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ!
وَتَحَقَّقُوا بِالِاتِّبَاعِ الْمَتِينِ خَلْفَ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ!
يَا أُمَّتِي!
يَا أُمَّتِي الْمَرْحُومَة!
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ!
يَا لَمَكَانِكِ بَيْنَ نُجُومِ السَّمَاءِ عَالِيًا فَوْقَ الذُّرَى!
لَوْ عَرَفْتِ مَكَانَكِ، لَوْ حَقَّقَتِ وُجُودَكِ, لَوْ تَمَسَّكْتِ بِمِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ..
تَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ وَعَلِّمُوهَا؛ يُحْمَى الْمُجْتَمَعُ مِنْ الْأَفْكَارِ الشَّاذَّةِ, وَالنِّحَلِ الْبَاطِلَةِ, وَالدِّيَانَاتِ الْوَافِدَةِ, فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَكَ, وَيُرِيدُونَ أَبْنَاءَكَ, وَيُرِيدُونَ حَفَدَتَكَ, وَيُرِيدُونَ إِخْوَانَكَ, وَيُرِيدُونَ جِيرَانَكَ.
يُرِيدُونَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَخَاكَ وَأُخْتَكَ، وَعَمَّتَكَ وَعَمَّكَ، وَخَالَتَكَ وَخَالَكَ, يُرِيدُونَ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا وَإِنَّمَا تَائِهًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِكُلِّ ضَالٍّ فِي الْأُمَّةِ نَصِيبٌ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ إِلَى الْحَقِّ رَدًّا جَمِيلًا.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر:عِنَايَةُ الْإِسْلَامِ بِالنَّشْءِ