«الرد على الملحدين»
«الأدلة على وجود الله عز وجل3»
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّم.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ،
وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ،
وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإن من الأدلة التي استدل بها الْعِلْماءُ على
وُجُود الخالق تبارك وتعالى: «دليلُ الحدوثِ»، أو «دليلُ الإِبداعِ»، أو «دليلُ الاختراع»،
أو «دليلُ الخلق».
والإسلام يمضي على سنن الْعِلْم لا يفارقها؛
بل إنَّهُ الَّذِي خط تلك السنن التي يسير عليها الْعِلْم.
قال الغمراوي رحمه الله :
إذا اتبعنا طريقة الْعِلْم، وانتفعنا بِيَقِينِيَّاتِهِ
فِي الاستدلال على وحدانية الله سبحانه؛ وجدنا الطريق مُعَبَّدًَا ميسرًا لا عوج فِيه
ولا تَعْقِيد.
إن الْعِلْم دائمًا يستند إِلَى الواقع، والواقعُ
قد دل دلالةً يقينية ألّا شيء من هذه الموجودات المحسوسة يمكن أن يكون قد أوجد نفسه،
أو أن يكون أَوْجَدَتْهُ المصادفةُ؛ فلا بد له إذًا مِنْ مُوجِدٍ أَوْجَدَهُ بعد أن
لم يكن،
فهل موجِدٌ واحدٌ أوجد كلَّ هذه الموجودات؛ أم
هل تعدد الموجدون؟
النظر الْعِلْمي يقتضي ابتداءً بأنه ليس هُنَالِكَ
سوى موجِدٍ واحدٍ لا غير.
أولًا: لأن هذا أيسر تفسير للوجود، والْعِلْمُ
نفسه يأخذ بأيسر التفاسير إن وجد للواقع أكثر من تفسير؛ لأننا إن تعدينا التوحيد إِلَى
التعديد من غير قرينة ولا دليل؛ كَانَ ذَلِكَ قولًا اعْتِبَاطِيًَّا لا يجيزه الْعِلْم
ولا ينظر فِيه.
ثانيًا: إِذَا قيل بالتعديد اعْتِبَاطًَا؛ لم
يكن هُنَاكَ فِي عدد الْمُوجِدِينَ حَدٌّ يوقف عَنْده، ما دام ليس هُنَاكَ قرينة ولا
دليل من الواقع يشهد لهذا أو لذاك؛ فهو اعتباطٌ إِلَى اعتباطٍ فِي القول، وتَخَبُّطٌ
إِلَى تَخَبُّطٍ فِي النظر، وهذا يناقض طريقة الْعِلْم، وهي الطريقة التي وَقَتْهُ
الاضطرابَ فِي البحث، وهَدَتْهُ إِلَى عجائب أسرار الفطرة التي جعلت الْعِلْمَ الْحَدِيثَ
أُعْجُوبَةَ القرونِ.
النظر الْعِلْمي لا يقنع من نفسه بهذا؛ بل يمضي
فِي بحثه عَنْ وحدة النظام الَّذِي فِي الكون كنتيجة لازمة لوحدانية خالق الكون، وهو
بعمله هذا يزداد تفهمًا للكون الَّذِي هو موضوع دراسة الْعِلْم، ويزيد دليل وحدانية
الخَالِق ظهورًا وقوةً كلما كشف مظهرًا من مظاهر وحدة نظام الكون، حتى إِذَا بلغ من
ذَلِكَ منتهاه، وأثبت عَنْ طريق يقينيات الْعِلْم أن فطرة الكون على اختلاف مظاهرها
إنما هي فطرة واحدة متماسكة متكاملة؛ فقد جعل وحدانيةَ فاطر الفطرة فوق شك الشاكين.
ميدان النظر يتسع بعد ذَلِكَ أمام الناظر اتساع
الكون؛ لَكِنْ لا يُهِمُّ أين يبدأ، فأينما بدأ وجد آثار وحدة نظام الكون، ووجد مظاهرها
ودلائلها، بشرط أن يتجنب الوهم والخطأ والهوى، أي: بشرط أن يكون علميًا فِي نظره؛ فإن
باطلًا واحدًا يُدْخِلُهُ على نفسه ويَقْبَلُهُ على أَنَّهُ حقٌّ؛ جديرٌ أن يفسد عليه
كل شيء، خصوصًا فِيما هو بصدده من تحري معرفة وحدة النظام فِي الكون؛ لأن الباطل هو
نقيض الْحَقّ، وأن أي تناقض يبدو له فِي الكون ونظامه يضله، ويسد عليه السبيل.
النظرة الإجمالية تكفي فِي الأول، ولعلها أهم
النظرات؛ إذ يفهمها كل الناس.
والمحسوساتُ تنقسم فِي أَخْصَرِ تقسيمٍ إِلَى:
حياةٍ، ومادةٍ، وطاقةٍ.
الحياةُ فِي مختلف صورها تنتفع بالمادة، والطاقةُ
وتتوقف عليهما.
المادة والطاقة متلازمتان، فالمادة لا تنفك عَن
الطاقة؛ ظاهرةٍ أو باطنةٍ، والطاقة لا تكاد تنفك عَنْ مادة، فدل ذَلِكَ على أن خالق
المادة والطاقة واحدٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه هو خالق الحياة.
الطاقة فِي الْأَرْض مصدرها الشَّمْس، فكل نارٍ
تُوقَدُ، وكلُّ طعامٍ يُؤْكَلُ؛ مصدرُ طاقتِهِ: الشَّمْسُ التي يَخْتَزِنُهَا النباتُ
كيماويًا؛ ليكون غذاءً ووقودًا للحيوان؛ فضلًا عَنْ ضرورةِ الشَّمْسِ للحياة بالنهار،
حتى طاقةُ الفحمِ وزيتُ البترولِ أصلُهما من الشَّمْس؛ لأن الفحم أصله نباتي، وزيت
البترول أصله نباتي أو حيواني، ولو كَانَ أصله معدِنيًا؛ لكان مرجعُ طاقته أَيْضًا
إِلَى الشَّمْس، حتى حرارةُ جوف الْأَرْض ونارِ البراكين أصلُها الشَّمْس؛ لأن الْأَرْض
كَانَت قطعةً من الشَّمْس قبل أن تكون أرضًا.
أثبت ذَلِكَ الْعِلْمُ، ودل عليه القرآنُ.
فخالق الحياة والمادةِ والطاقةِ هو خالقُ الْأَرْضِ
والشمس.
القمر مرتبط بالأرض، يدور حولها وينفع أهلها،
وكان من قبلُ قطعةً منها كما كَانَت هي قطعة من الشَّمْس، فخالق الشَّمْس والقمر والأرض
وما عليها واحدٌ سبحانه.
الأرض إنْ هي إلا سَيَّارٌ من سياراتِ المجموعةِ
الشَّمْسية؛ وإن امتازت عَنْ سائرها بالحياة الدافقة.
بقية السيارات وأقمارُها أصلها أَيْضًا الشَّمْسُ،
وهي مرتبطة بها كارتباط الْأَرْض وقمرها بها؛ فخالق المجموعة الشَّمْسية وما فِيها
واحد سبحانه.
تأمل الآن فِي طريقة الاستدلال على الوحدانية
بإثبات وحدة النظام الحاكم للكون، فيدلك ذَلِكَ على أن مصدره واحد، وهو الله جَلَّ
وَعَلَا.
الشمس
- وإن بدت لنا أعظمَ ما فِي السماء لِقُرْبِها النسبيِّ مِنَّا وبُعْدِ الْأَجْرَامِ
السَّمَاوِيَّةِ الأخرى عَنَّا -؛ إنْ هي إلا نجمٌ متوسطُ القدرِ من نجوم السماء، كما
أثبت علم الفلك الْحَدِيث.
نجوم السماء إنْ هي إلا شموس متأججة كشمسنا،
بعضها أعظم منها وبعضها أصغر، وأكثرها مثلها أو نحوها؛ لَكِنها كلَّها طبيعتها واحدة،
وأصلها واحد، خاضعة لنظام واحد، وهو: ما اصطلح على تسميته ب«الجاذبية»، وقانونها هو
المتحكم فِي كل جسم فِي الْأَرْض وفي السماء؛ فخالق المجموعة الشَّمْسية وما فِي السماء
بعدَها من نجم وكوكب واحدٌ، وهو الله سبحانه.
في السماء سوى الشَّمْس والنجوم سَدَائِمُ -
جَمْعُ: سَدِيم -، أيْ سُحُبٌ ملتهبة هائلة، هي أصل النُّجُوم ومَجَامِيعِها، أي أن
هذه كَانَت فِي الأصل سدائمَ كذَلِكَ، وكلها خاضعة للجاذبيةِ وقانِونها، فخالق الْأَرْض
وما عليها، وخالق الشَّمْسِ والكواكبِ والنجومِ والسَّدَائِمِ واحدٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
.
وإذا ثبت هكذا أن خالق الْأَرْض والسماء إله
واحد؛ فماذا بعد هذا يبتغي الناظر دليلًا على الوحدانية؟!!
وإذًا؛ فَقَدْ كَفَت النظرةُ الْعِلْميةُ الإجمالية
لإظهار وحدة الكون بنظامه، ولإثبات أن لَّيس للكون وما فِيه إلا خالق واحد، هو الله
الخَالِق البارىء سبحانه، وثبت بذَلِكَ عرضًا أن النظر الْعِلْمي كَانَ على حق حين
رفض ابتداء أن يجيز القول بتعدد الخَالِقين؛ لأن النظر الْعِلْمي يرفض هذا التعددَ،
ويُثْبِتُ خالقًا واحدًا للكون وما فِيه، فرفض ابتداءً أن يجيز القول بالتعدد - أي
للخالِقِين -، أو أن يُضَيِّعَ الوقتَ بالنظر فِيه كفرضٍ من الفروض التي يفرضها الْعِلْم
ثم يمحصها؛ بل رفض إضاعة الوقت فِي فرض كهذا؛ بَلْهَ أن يكون احتمالًا من الاحتمالات،
كما تفعل الفلسفة ويفعل علم الكلام، ومع ذَلِكَ فالْعِلْم فِي طريقه الَّذِي رسمه لنفسه
من دراسة فطرة الكائنات بطريقته.
وقد مر أن الفطرة ههنا تعني: السننَ الإلهيةَ
التي جعلها الله رب العالمين فِي هذا الكون، فالْعِلْم فِي طريقه الَّذِي رسمه لنفسه
من دراسة فطرة الكائنات بطريقته التي أثبت بباهر نتائجِها صحتَها وجَدْوَاهَا؛ هذا
الْعِلْم باستمراره فِي طريقه بطريقته لا يزال ولن يزال عاملًا دائبًا على الإثبات
بالبرهان بعد البرهان على وحدة نظام الكون من ناحية - وحدة النظام -، وعلى وُجُود الله
ووحدانيته من ناحية أخرى؛ فإن برهان الوحدانية هو أَيْضًا أعظم براهين الوجود، وكل
التفاصيل التي كشفها الْعِلْم بعلومٍ وبحوثٍ أَجْرَاهَا رجالُه تُقِيمُ البرهانَ تِلْوَ
البرهانِ على وُجُود الله سبحانه، وتزيد دليلَ وحدانِيَّتِهِ ظهورًا وتوكيدًا يَذْهَبُ
بِشَكِّ الْمُتَشَكِّكِينَ وَتَمَحُّلِ الْمُتَمَحِّلِينَ مِنْ أهلِ الأهواءِ والشهواتِ
إنْ هم رجعوا عَنْ أهوائهم إِلَى عقولهم، وإِلَى متابعة الْعِلْم ولو قليلًا.
فالْعِلْم نفسُه – العلمُ المادي - يثبت وحدة النظام الحاكم
بقوانينه، بسننه الإلهية، وهذا يدل على الوحدانية، فالْعِلْم أثبت كما مر؛ العلم المادي
الَّذِي يَرْتَكِنُ إِلَيْهِ مَنْ يرتكن فِي إنكار وُجُود الخَالِق الْعَظِيم، وفي
القول بالإلحاد؛ هذا العلم المادي - كما مر – يثبت وُجُود الخَالِق، ثم هو يثبت وحدانية
الخَالِق بكل ما يتوصل إِلَيْهِ حينًا بعد حين؛ لَكِن التفاصيل لا يمكن الإتيانُ بها
فِي مجلس أو فِي مجالس؛ فإن مجموعها هو فِي صميمه: كلُّ العلوم، فليس يحيط بها عالِمٌ
أيًَّا كَانَ؛ لَكِنَّ الإشارة إِلَيْهِا وضربَ الأمثالِ منها أمر ممكن، وهو يكفي فِي
توضيح أن الْعِلْم بمجهوده المتصل يكشف السِّرَّ بعد السِّرِّ عَنْ وحدة النظام الحاكم
للكون، ويزيدُ بكل سِرٍّ يَكْشِفُهُ برهانَ وحدانيةِ اللهِ خالقِ الكونِ؛ يزيد البرهانَ
توكيدًا ورسوخًا يَدْخُلُ باليقينِ والإيمان بالله على كل نفسٍ، ويغزو بالإقناع حتى
نفوسَ الْمُلْحِدِينَ.
دورة الماء بين البر والبحر، دورة العناصر اللازمة؛
كلٌّ منها لاستمرار الحياة على الْأَرْض؛ كل ذَلِكَ أمر معروف، أو ينبغي أن يكون معروفًا،
فالأكسجين والكربون مثلًا اللازمان لِتَنَفُّسِ وتَغَذِّي الأحياء، وللوقودِ فِي حياةِ
الإنسان؛ يتحولان تدريجيًا إِلَى ثاني أكسيد الكربون الَّذِي لا ينتفع به، والذي يضر
إِذَا زادت نسبته فِي الجو إِلَى نحوِ بِضعةِ أجزاءٍ على العشرةِ آلاف، فلو زاد عَنْ
هذه النسبة أَضَرَّ الأحياءَ، فلو لم يَتَجَدَّدَا بحياة النبات الَّذِي يُحَلِّلُ
ثاني أكسيد الكربون بِخُضْرَةِ ورقه وضوء الشَّمْس، فيَتَغَذَّي بالكربون، وينمو ويَنْفُثُ
الأكسجينَ، فكذَلِكَ يصنع النبات، فيأخذ ثاني أكسيد الكربون الَّذِي يضر بالإنسان،
والذي يتنفسه الإنسان، يأخذه النبات من أجل أن يتغذى على الكربون الَّذِي فِيه، وينفث
لنا نحن الأكسجين فِي الهواء للإنسان والحيوان يتنفسانه.
إذًا؛ لو لم يكن ذَلِكَ لنفذ الأكسجين من الهواء،
وبَطَلَ الانتفاع بمركبات الكربون فِي الغذاء، وأَيُّ هذين لو حَدَثَ كافٍ لإيقاف الحياةِ
على الْأَرْض، ومع ذَلِكَ فهذه الدورة دورةُ الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الإنسان
والحيوان من جانب، والنباتِ من جانب آخر؛ فالإنسان يأخذ من الهواء الأكسجينَ ويتخلص
من ثاني أكسيد الكربون، النباتُ يأخذ ثاني أكسيد الكربون مع حرارة الشَّمْس، فيتغذى
على الكربون الموجود فِي ثاني أكسيد الكربون، ويخرج لنا الأكسجين، فنأخذه نحن لنخرج
ثاني أكسيد الكربون، يأخذه النبات من أجل أن يخرج لنا نحن الأكسجين الَّذِي نتفس ونحيا
به.
فهذه الدورة كما ترى بقانون واحد تَدُلّ على
قدرة الخَالِق جَلَّ وَعَلَا، لا على وُجُوده فَحَسْب؛ بل على قدرته، وعلى وحدانيته.
خطرٌ آخر يتهدد هذه الحياة بوقف دورة الكربون
من ناحية أخرى، ووقف دورة غيره من العناصر الأساسية؛ كالْأَزُتّ والفُسْفُورِ الضروري،
كل منهما للحياة، ذَلِكَ أن الأحياء بعد موتها – الأحياء كلها بعد موتها - إن لم تتحلل
فِي الْأَرْض بجراثيم التعفن، وتتحولْ إِلَى تراب يبقى فِي الْأَرْض، وغازاتٍ تخرج
من تلك الجثث المتحللة، وهذه الغازات منها: الْأَزُتّ وثاني أكسيد الكربون، فتعود إِلَى
الهواء، وعليها تقوم حياة النبات الَّذِي يتغذى به الحيوان.
إذًا يتحولَ الكربون والْأَزُتّ وما إِلَيْهِما
تدريجيًا إِلَى صورٍ لا ينتفع بها نباتٌ ولا حيوان؛ لأن النبات عاجز عَن التغذي بغير
التراب والماء والهواء عجزَ الحيوان عَنْ التغذي بالتراب وثاني أكسيد الكربون.
وإذًا لبطلت بذَلِكَ الحياةُ حياةُ النباتِ والحيوانِ
جميعًا.
فهذا أَيْضًا من الدورات التي تجدها فِي هذا
الكون.
الأحياء يموتون ونحن منهم، فإذا ما مِتْنَا تحللت
أجسادنا وخرج منها غازات، منها: الأزت وثاني أكسيد الكربون، يأخذه النبات ليتغذى عليه،
ثم يخرج لنا الأكسجين.
فهذه الدورة دورة كاملة فِي هذا الوجود، وهي
ضرورية لبقاء الحياة فِيه؛ بل إن الإنسان يحمل عوامل هلاكه فِي جسده، فَعَلَى مستوى
الخلية الجسدية فِي الإنسان الحي يوجد أنزيمات محلِّلة، هذه لا تعمل إلا بعد الوفاة؛
لِأَنَّهُا لو عملت في أثناء الحياة لَتَحَلَّلَ الإنسان حيًا، وهذا ليس بمساعد للحياة
ولا بِمُقَوِّمٍ مِنْ مُقَوِّمَاتِها؛ ولكنْ تبقى تلك الأنزيمات محصورة فِي خلايا الجسد
الحي، حتى إِذَا ما مات الإنسان؛ انطلقت مِنْ مَكَامِنِهَا فَتُحَلِّلُ الخلية، مع
ما يحلل الجسدَ أَيْضًا من تلك العوامل المختلفة، فيخرج الْأَزُتّ وثاني أكسيد الكربون
من أجل أن تتم الدورة مع النبات والحيوان والإنسان فِي حال حياتهما، فإذا ما مات الأحياء؛
خرج ذَلِكَ الَّذِي يحتاجه النبات، فَيَأْخُذُه ويُخْرِجُ ما يحتاجه الحيوان الحي،
وكذَلِكَ الإنسان، وهكذا....
فهذا قانون يدل على وُجُود صانعه ومبدعه، ويدل
على وحدانيته، فانظر إِلَى رحمة الله وحكمته، ومَظْهَرِ قدرتِه ووحدانيته؛ كيف جعل
حَلْقَاتِ الحياةِ مترابطةً متكاملةً يتوقَّفُ خَلْقٌ فِي حياته على خَلْقٍ آَخَرَ،
كُلٌّ يَنْتَفِعُ ويَحْيَا بما يَسْتَضِرُّ به الآخَرُ.
فأنت تستضر بثاني أكسيد الكربون؛ ولَكِن النبات
يحيا به، فيأخذه ويخرج لك ما يستضر هو به، وهو الأكسجين الَّذِي تحيا أنت به، فهذا
يستضر بشيء يكون حياةَ الآخر، وكذَلِكَ عَنْد الآخر، ويجدد لنا بذَلِكَ ما ننتفع ونحيا
به بحول الله وقوته.
لَكِنَّ أمر وحدة نظام الخلق قد جاوز الحيوان
والنبات إِلَى الجماد إِلَى المادة والطاقة، ليس من ناحية توقف حياة النبات والحيوان
والإنسان عليهما، ولَكِن من ناحيتهما هما بالذات، فالطاقة فِي صورها المختلفة مِنْ
حركةٍ وحرارةٍ وضوءٍ وكهربائيةٍ وما إِلَيْهِا؛ قد أثبت الْعِلْم أَنَّهُا فِي صميمها
أصلُها واحد، إذ يمكن تحويل بعضها إِلَى بعض، كما ترى فِي الحياة من تحويل الْحَرَارَة
- مثلًا - إِلَى حركة، وكذَلِكَ من تحويل الحركة إِلَى حرارة، وتحويلِ الكهربائية إِلَى
حركة وحرارة وضوء، وتحويلِ الضوء إِلَى كهربائية، وإِلَى طاقة كيماوية مختزَنَةٍ فِي
النبات، تتحول بدورها من حرارة وحركة وكهربائية وإِلَيْهِا، والكهربائية تتحول إِلَى
مغناطيسية، والمغناطيسية تتحول إِلَى كهربائية، إِلَى آخر ما هُنَالِكَ من تحولات،
كما فِي المولدات بتحول المغناطيسية إِلَى الكهربائية، وبالعكس.
والعجيب أن هذا التحول ليس كَيْفِيًَّا فحَسْب؛
بل كَمِّيٌ أَيْضًا.
كل مقدار من نوع من الطاقة إِذَا تحول؛ يتحول
إِلَى مقدار يكافئه من النوع الَّذِي تحول إِلَيْهِ، ولكل نوع من أنواع الطاقة وَحْدَةٌ
أو وحدات تقاس بها عَنْد الْعلماء وفي الحياة الصناعية العملية، وكل وحدة من نوعٍ تكافئ
من كل نوع آخر مقدارًا من وحداته، يختلف طبقًا لاختلافاتها؛ لَكِنها كلَّها مقاديرُ
مضبوطةٌ حَدَّدَها وقَدَّرَها الْعلماء، وهذا كله واحد؛ سواء أكانت الطاقة متولدة فِي
الْأَرْض أو آتية من الشَّمْس – مثلًا - بقدر الله، والمادة هي الأخرى مظهر عجيب من مظاهر
القدرة الإلهية، وبرهان وثيق من براهين الوجود والوحدانية، ليس فقط من حيث خواصها وتحولاتها
العجيبة المختلفة التي هي موضوعُ عِلْمَيْ: الفيزياء والكيمياء؛ ولَكِن أَيْضًا من
حيث أصلها، فقد ظل الْعِلْم قرونًا يحول العناصر الكيماوية إِلَى مركبات، ويحلل المركبات
إِلَى عَنْاصر، ويكشف من ذَلِكَ عَنْ كل عجيب مدهش؛ لَكِنه أثناء ذَلِكَ لم يستطع أن
يحول عَنْصرًا إِلَى عَنْصر.
هو يحول العناصر إِلَى مركبات، ويحلل المركبات
إِلَى عَنْاصر؛ ولَكِن لم يستطع الْعِلْم أن يحول عَنْصرًا إِلَى عَنْصر؛ حتى اعتقد
الْعلماء أن العناصر البسيطة ذراتُها غير قابلة للانقسام ولا للتحول من عنْصريتها إِلَى
عَنْصرية أخرى، أيْ مِنْ عَنْصرها إِلَى عَنْصرٍ آخر، حتى شاء الله أن يهدي الإنسان
إِلَى العناصر الشَّعَّاعَةِ، فيما يعرف بالإشعاع في العناصر المشعة كالْيُورَانْيُوم
والرِّيدْيُوم وما أشبه، فكُشِفَ ذَلِكَ فِي أواخر القرن الثامنَ عشر أو القرنِ التاسعَ
عشر، كشف فِي أواخر القرن التاسع عشر عَنْ شَعَاعِيَّةِ اليورانيوم الَّذِي أدى إِلَى
الكشف بعد ذَلِكَ بنحو عام عَنْ عَنْصرِ إشعاع آخر، وهو الريديوم، وكان مما يقذفان
به - يعني اليورانيوم والريديوم -، كان مما يقذفان به أثناء تحللهما الإشعاعي الذاتي؛
كَانَ من ذَلِكَ: ذراتٌ مُكَهْرَبَةٌ مِنْ عُنْصرِ الْهِيلْيُوم، فكان هذا آخر عهد
وأول عهد، كَانَ آخر عهد القول ببقاء المادة وبقاء العناصر، وأولَ عهدٍ بتركيب الذرة
وتفجيرها، عهدٍ يراه الْعِلْماء ........«كلمة غير واضحة» الْعِلْم الْحَدِيث، ثبت
فِيه أن المادة أَيْضًا أصلها واحد، وأن العناصر النَّيِّفَ والتسعينَ - كما دل على
ذَلِكَ الجدولُ -، هذه العناصر كلها مركبة من أصلين بسيطين تتركب منهما ذرة الأَيْدُرُوجِين،
يسميهما الْإِفْرِنْج: «الْإِلِكْتُرُونْ وَالْبُرُوتُونْ»، وينبغي أن يُسَمَّيَا فِي
العربية بِالْكُهَيْرِب والْأُبَيِّب، حتى يُؤْتَى بخيرٍ من هذين الاسمين؛ لأن هذه
مُعْضِلَةٌ كبرى عَنْد المشتغلين باللغة العربية، فإن المجامع الْعِلْمية العربية لم
تستطع أن تواكب المخترعاتِ والمستحدثاتِ التي جَدَّتْ على هذا الكون فِي هذا العصر
بما يلائمها من التسميات العربية، فيأتون فِي النهاية بكتابة اللفظة الإفرنجية بحروف
عربية. فالآخرون يَقُولون: «التليفزيون»، أو ما أشبه، فالعرب يَقُولون: «التلفاز».
فإذا سَمَّوْا أحيانًا سَمَّوْا بأسماء منفرة،
يعني مثلًا؛ عَنْدما أرادوا أن يُعَرِّبُوا «السَّنْدِوِيتْشْ»، فهذا له معنى عَنْد
القوم، فقالوا: شاطرٌ ومشطورٌ وبينهما طازج.
أهذا هو؟!
هذا شيء يصد النَّفس.
فكذَلِكَ الكُهَيْرِبُ يمكن أن يكون بديلًا للإلكترون.
الأبيب كذَلِكَ يمكن أن يكون بديلًا لِلْبُرُوتُون،
حتى يأتي الله بالخير؛ إذ ينبغي ألا تَطْغَى على العربيةِ المصطلحاتُ الأعجميةُ، وهي
تُعَدُّ بمئاتِ الألوف.
المادة تتحول بالتحلل الإشعاعي والتفجيرِ إِلَى
طاقة، والطاقةُ أصلها واحد، يتحول بعض أنواعها إِلَى بعض تحولًا كَمِّيًَّا على مقدارٍ
مضبوطٍ معروفٍ.
فهذا يدل على وحدة نظام هذا الكون واتساق الفطرة
- أي السننِ الإلهية – فِيه؛ فهذا يدل على ماذا؟
على الله الواحد الأحد الخلاق الْعَظِيم، وعلى
أن خالق هذا النظام كله إنما هو الله عز وجل الواحد الأحد.
فوحدة نظام الكون إِذَا ما دُرِسَتْ دَلَّتْ
على وحدانية الخَالِق لهذا الكون.
وتأمل فِي الطواف الَّذِي هو عَنْدنا وحدَنا
نحن – المسلمين -، عَنْدما نطوف ببيت رب العالمين،
تأمل فِي الطواف بنظرة علمية - كما يَقُول الغمراوي غفر الله له -.
ما يسميه الناس: «الطبيعة»، ينبغي أن يسمى: «الفطرة»،
أن يسمى ب«السنن الالهية».
الفطرة مذكورة فِي القرآن؛ «فِطْرَتَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»، وكذَلِكَ: «فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض»،
ومذكورة فِي الْحَدِيث الشريف الَّذِي مر: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ".
أما الطبيعة؛ فلم تُذْكَرْ فِي القرآن قط، ولا
كذَلِكَ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيث.
الطواف حول الكعبة من مميزات دين الإسلام بين
الأديان.
هذا لنا وحدنا.
قد يَحُجُّ بعضُ أهلِ الأديانِ الأخرى إِلَى
مَحَجٍّ لهم؛ ولَكِن ليس فِي غير حج الإسلام طواف.
الطواف ببيت الله مطلوب في غير الحج والعمرة
ممن حضر البيت، فهو عبادة؛ أن يطوف الإنسان بالبيت في غير حج ولا عمرة؛ فهذه عبادة
يتقرب بها إلى الله جل وعلا.
الكعبة التي جعلها الله مطافًا للناس فِي الحج
جعلها الله للناس قبلة فِي الصلاة، فالطواف جزءٌ من كُلٍّ يُمَثِّلُ الجاذبيةَ التي
ينبغي أن تكون بين العبد وبين بيت الله، يستقبله الإنسان ويتجه إِلَيْهِ فِي صلاته
مراتٍ كل يوم وهو بعيد عَنْها، فإذا ما استطاع الحج إِلَيْهِ مرة فِي العمر؛ استقبله
فِي صلاته أَيْضًا كما كَانَ، وزاد على ذَلِكَ أن يطوف به.
الناس لا يجدون صعوبة فِي التماس حكمةٍ لفرضِ
قبلةٍ واحدةٍ عليهم فِي الصلاة، وأن تكون تلك القبلةُ بيتَ الله؛ لَكِنهم - فِيما يبدو
- قد عجزوا عَنْ إدراك حكمة للطواف بالبيت.
يعني أن الله جعل لنا البيت الحرام قبلة، فهذا
تستطيع أن تجد له حكمة ظاهرة؛ ولكنْ الطوافُ بالبيت ما حكمته؟
عجز الناس عن الوصول إلى حكمةٍ ظاهرة لهذا الطواف،
فجعلوه أمرًا تعبديًا، وهو كذَلِكَ، يعني جعلوه عبادة لا يعرفون لها حكمة إلا النزول
على حكم الله بالطاعة والتسليم؛ ولَكِن هل يستطيع الْعِلْم الْحَدِيث الَّذِي جعل كثيرًا
من الناس يكفرون بالخَالِق الْعَظِيم؛ هل يستطيع هذا الْعِلْم الْحَدِيث نفسُه أن يظهر
لنا حكمةً نُدْرِكُ بها ما فِي الطواف من معنى ومَغْزَى؟!!
أو أن يفتحَ لنا - على الأقل - البابَ إلى تَفَهُّمِ
مغزى الطواف بالبيت؟!!
قد يبدو لأول وهلة أن هذا سؤال لا محل له، ولا
فائدة ترجى من محاولة الإجابة عَنْه؛ إذ أيُّ صلة بين الطواف في الحج أو فِي العمرة
أو فِي غير الحج والعمرة ببيت الله الحرام؛ ما الصلة بين هذا الطواف وبين الْعِلْم
الْحَدِيث الَّذِي لا يبحث إلا فِي الماديات؟
هذا ما يبدو للنظرة الأولى، والنظرة الأولى دائمًا
حمقاء؛ لَكِن السؤال ليس من النوع العَبَثِيِّ الَّذِي لا يمكن أن يؤدي إِلَى جواب
معقول كما قد يبدو، فإن الْعِلْم يبحث عَنْ أسرار الفطرة، أي: عَنْ أسرار السنن التي
جعلها الله فِي هذا الكون.
فاطرُ الفطرة سبحانه هو الَّذِي تعبد الناس بالطواف
بالبيت الحرام، فليس بممتنع أن يكون الطواف رمزًا إِلَى سِرٍّ عظيم تستوي فِيه الروح
والمادة، وأن يكون فِيما كَشَفَ عَنْه الْعِلْمُ من أسرار الفطرة ما يدل عليه أو يشير
إِلَيْهِ.
لا يكاد الناظرُ يتجه هذا الاتجاه حتى ينكشف
له فِيما كشف الْعِلْم عَنْه من حقائق الفطرة؛ ينكشف له نظائر الطواف، ثم تتكاثر عليه
النظائرُ؛ حتى لا يوقن أَنَّهُا مَظْهَرٌ لِسُنَّةٍ عامةٍ فِي الخلق، وهذه السنة العامة
فِي الخلق أَهَمُّ وأَجَلُّ كثيرًا فِي دلالتها مما يخطر لأول وهلة على بال.
أول ما يلقى الناظرَ من تلك النظائر؛ يلقاه فِي
المجموعة الشَّمْسية، فالأقمار فِيها تدور أو تطوف حول كواكبها، فالقمر يدور حول الْأَرْض،
أقمار المشترى تدور حول المشترى، الأرض وأخواتها من السيارات تدور وأقمارُها حول الشَّمْس
دورانًا متصلًا يختلف حقًا باختلاف كتلة السيارِ وبُعْدِهِ عَنْ الشَّمْس؛ لَكِنْ مهما
يكن الاختلاف فِي الكيف والمدار؛ فالدوران أو الطواف حول الشَّمْس واقع من كلِّ سيار.
بَيَّنَ علمُ الفلك الْحَدِيث مبلغ انتشار ظاهرة
الطواف هذه بين الكواكب؛ فُرَادَى وجماعاتٍ وعوالمَ أَيْضًا، فكم من كوكب يطوف حول
كوكب تَوَائِمَ وغَيْرَ تَوَائِمَ، وعالَمُ المجرة الَّذِي منه مجموعاتنا الشَّمْسية
يدور؛ بل العالم الفلكي كله يدور أو يبدو أَنَّهُ يدور؛ ولِذَلِكَ هو فِي حالة اتساع
كما أثبت ذَلِكَ القرآنُ الْعَظِيم؛ ولَكِنه يدور دورانًا بطيئًا هائلًا حول مركزٍ
دلَّ الكتابُ على منطقيته فِيما صُنِّفَ فِي ذَلِكَ خاصةً، وهو كتاب: «النجوم فِي مسالكها»،
ففيه تجد الْمَثَلَ بعد المثلِ والتفصيلَ بعدَ التفصيلِ؛ ليظهر لك مبلغ انتشار ظاهرة
الطواف فِي السماء، كَأنَما هي مظهر سنة عليا فطر الله عليها السماوات، فإذا ما تركنا
العالم الفلكي جانبًا ونزلنا إِلَى العالم الذري من أكبر الْأَجْرَام فِي هذا الكون
مما هو معهود لنا إِلَى أصغر هذه الْأَجْرَام - يعني الذرات -، فمن المجرة إِلَى الذرة؛
ستجد قانونًا واحدًا، فهذه المجرات كواكب تدور فِي أفلاكها فِي مداراتها حول شموسها،
وكذَلِكَ الأقمار تدور حول كواكبها فِي مداراتها، والذرات كذَلِكَ، والكون كله من هذه
الذرات: «كهيربات تدور حول أنويتها فِي ذراتها»؛ قانون واحد، والطواف فِي هذا كما هو
فِي هذا.
لو نزلنا إِلَى العالم الذري؛ وجدنا الأمر أعجب
وأغرب، أو هكذا يُخَيَّلُ إِلَى مَنْ يَسْتَثِيرُ الدَّقِيقُ مِنْ تَعَجُّبِهِ أَكْثَرَ
مما يَسْتَثِيرُ الْجَلِيلُ.
الذرة لم يرها أحد قط، ولا يطمع فِي رؤيتها بالذات
أحد؛ لبلوغها فِي الدقة والصغر غايةً تَقْطَعُ عَنْ إمكان رؤيتها الأطماعَ؛ لَكِنها
مع ذَلِكَ لا يشك أحد من المشتغلين بالْعِلْم فِي وُجُودها، ولا فِي أن باطنها عالم
مَائِجٌ عجيبٌ.
الْعلماء الْمُحْدَثون يشَبِّهون الذرة بالمجموعة
الشَّمْسية، فهي جلها فراغ تتوسطه نقطة يتمركز فِيها ثقل الذرة ووزنها، تسمى «نواة
الذرة»، يدور حولها فِي ذَلِكَ الفراغ الْعَظِيم بالنسبة لها عددٌ من الكهيربات السالبة
الخاصة؛ ولَكِنَّها فِي مجموعها تكافئ بالضبط ما تحمل النواة من كهربية موجبة، أيْ
أن كل نواة من ذرة عَنْصر تحمل من شحنات أو وحدات الكهربية الموجبة قدر عدد الكهيربات
السالبة التي تدور حولها - أي حول النواة -، وكان من شأن الكُهَيْرِبِيَّتَيْنِ هَاتَيْنِ:
أن يتحدا «سالبٌ وموجب»، فينجذب أحدهما إِلَى الآخر للتجاذب الْعَظِيم بينهما، كَانَ
يجب أن يتحدا لو أن فاطر الفطرة وخالق الذرة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قضى للمادة بالوجود،
فمنع ذَلِكَ الاتحاد بين كهريبات الذرة وأنويتها بحركة أنشأها وقَدَّرَها فِي الكهيربات
حول النواة، فتأتي بما يسمى ب«قوة الطرد المركزي» «قوةِ الدفع المركزي» بالدفع مع الحركة
عَنْ المركز؛ حتى لا يقع هذا المتحرك على مركزه وحينئذ تخمد الحياة، فجعل ذَلِكَ دائرًا
لما أعطاه الحركة بهذه الكهيربات السالبة فِي مداراتها، فوقع ما يسمى بقوة الطرد المركزي،
فأبعدت تلك الكهيربات على حسب مداراتها مع كونها على حركاتها لا تزال!!
فسبحان الله!!
فِي كل كهيرب، وفي كل سَيَّار؛ بل فِي كل قمر
حركةُ فرارٍ وابتعادٍ عَنْ النواة أو الشَّمْس أو الكوكب الَّذِي يجذبه؛ وإلا لوقع
القمر على الْأَرْض؛ ولَكِنه مع حركته يؤدي ما فِيه من قوة الطرد أو الدفع المركزي،
إِلَى أن يظل فِي حركته فِي مداره حول الْأَرْض، مع أَنَّهُ يحدث فِيها جاذبية، فأنت
ترى - مثلًا - ما يسمى ب«قوةِ الْمَدِّ» فِيما يعرف عنْد مَنْ هو قريب من الساحل فِي
البحار المختلفة بالمد والجزر، فإن القمر إِذَا ما طَلَعَ مَارَسَ قوةَ جاذبيةٍ على
سطح الْأَرْض، فيحدث لون من ألوان الالتواء فِي سطح الْأَرْض، فما يكون تحت البحار
والمحيطات، فإذا ما علا دَفْعُ الماء إِلَى أعلى؛ فحينئذ يحدث المد، إِذَا ما غاب القمر
يعود الأمر إِلَى أصله فِي قشرة الْأَرْض فِي قاع البحر أو المحيط، وحينئذ يعود الماء
إِلَى حالة الجزر، وهو متحرك باق فِي مداره على حسب ما مر من قانون الدفع أو الطرد
المركزي.
العجب العجاب أن عَنْاصر المادة تزيد على التسعين
- كما مر - فِي الجدول الدوري للعناصر، ولا تختلف ذراتها فِيما بنيت منه، وخُلِقَت
النُّوَيَّاتُ فِي كل الذرات فِي جميع العناصر، جوهرُها واحد، الكهيربات التي تدور
فِي مداراتها حول الأنوية شيء واحد؛ لَكِنَّ عدد الكهيربات يبدأ من الواحد فِي ذرة
الهيدروجين التي هي عبارة عَنْ كهيرب يدور حول أُبَيِّب، ويذهب العدد يزداد واحدًا
بعد واحد فِي جدول العناصر الدورية.
كلما زيد كهيرب زيد فِي النواة ما يتحقق به التوازن
الضروري فتنشأ ذرة جديدة لعنصر جديد، يمضي الأمر كذَلِكَ مبعدا فِي العناصر الطبيعية
بترتيب محدود معروف من ذرة الأيدروجين ذات الكهيرب الواحد إِلَى ذرة اليورانيوم التي
تبلغ كهيرباتها اثنين وتسعين كهيربا لَكِن ذرات العناصر على اختلافها متحدة فِي دوران
كهيربات كل ذرة حول نواة فِي طبقات يزداد عددها أَيْضًا كلما ازداد عدد الكهيربات السالبة
زيادةً كافية طبق نظام محكم بديع.
الآن؛ ما رأيك فِي انتشار ظاهرة الطواف هكذا
فِي الفطرة من الذرة إِلَى المجرة وما فوقها؟
تَذَكَّرْ أن كل ذرة من مادةٍ فِي الكون فِيها
– كلُّ ذرة؛ فضلًا عَنْ المجرة -؛ كل
ذرة فِيها طائفٌ ومَطُوفٌ به، وذَلِكَ كله فِي باطن الذرة تقوم عليه بِنْيَتُها وذَاتِيَّتُها،
ولا سلطان لمخلوق عليه كما لا سلطان لمخلوق على دوران الأقمار حول كواكبها، ولا السياراتِ
حول شُمُوسِها فِي الكون الشاسع الْعَظِيم.
تَذَكَّر الآن أن فِي كل حالة من تلك الحالات
فِي العوالم الذرية والفلكية؛ دائمًا المطوف به واحد، والطائف كثيرًا ما يتعدد، ففي
كل ذرةٍ نواةٌ واحدةٌ تطوف بها الكهيرباتُ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ، وفي كل مجموعةٍ شمسيةٍ
شمسٌ واحدةٌ تطوف بها سياراتُها قَلَّتْ أو كَثُرَتْ كذَلِكَ.
العالم الْمَجَرِّيُّ بملايينِ شموسِه وكواكبه
يدور أو يطوف حول شيء واحد، والكون كله بالألوف المؤلفة من عوالمه الْمَجَرِّيَّةِ؛
يبدو أَنَّهُ يدور أو يطوف حول شيء واحدٍ لا يُدْرَى ما هو.
تَوَحُّدُ المطوفِ به فِي كل حالة مع تعدد الطائفين
فِي الكثرة الغالبة من الأحوال يُرِيكَ وجه الشَّبَهِ واضحًا بين الطواف الَّذِي هو
مِنْ قِوَامِ الحج، وبين ظاهرة الطواف التي فطر الله عليها الكون، ويفتح أو يُرْجَى
أن يفتح بابًا واسعًا من التدبر، وأفقًا شاسعًا من التفكير فِي حكمة الطواف، ودلالةِ
انفراد الإسلام به من بين الأديان.
فكَأنَّ الطائفَ إِذَا ما دخل فِي الطواف؛ دخل
فِي منظومة الكون الطائف، فالكون كله من الذرة إِلَى المجرة - كما مر - بين طائف ومطوف
به.
وقد أثبتت الدراسات الهندسية بأعقد الوسائل أن
الكعبة مركزُ الْأَرْض.
الكعبة هي مركز الأرض؛ فأنت إِذَا ما دخلتَ البيت
الحرام، ودخلت فِي الطواف؛ فأنت دائر حول مركز الْأَرْض.
لم نَقُلْ: هي مركز الكون.
قد يكون؛ ولَكِن الَّذِي ثبت يقينًا بالدراسات
الهندسية المعقدة: أن الكعبة هي مركز الْأَرْض، فأنت إِذَا ما دخلت البيت الحرام، وأخذت
فِي الطواف؛ فقد دخلت فِي منظومة الكون الطائف، وهو عابد لله رب العالمين ومُسَخَّرٌ،
كما لو أنك سجدت فإنك تدخل فِي منظومة السجود الأخضر؛ «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ».
في أحد التفسيرين أن النجم: ما لا ساق له من
النبات، ما لا يقوم على ساق، هذا هو النجم.
والشجر: ما له ساق، فالله عز وجل يَقُول: «وَالنَّجْمُ
وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ»، وقد يكون النجم على أصله؛ هو نجم السماء، هو ساجد سجوده
الَّذِي أخبر عَنْه ربنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهذا لا يُدْفَعُ، والآية تحمل على
الأمرين معًا.
إذًا؛ النجم: ما لا ساق له من النبات ساجد لله،
والشجر الذي له ساق ساجد لله، فهذا السجود الأخضر فِي النجم والشجر؛ إذ ما النبات سوى
هذا؟!
ما له ساق، وما ليس له ساق.
هذا هو النبات.
فالنبات كله ساجد لله؛ «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ
يَسْجُدَانِ»، فإذا سجدتَ دخلتَ مع هذا النبات فِي السجود الأخضر فِي منظومته.
الكون كله عابد لله، مسبح بحمده كما قَالَ الله
جَلَّ وَعَلَا.
فهذا هو الْعِلْم الْحَدِيثُ يُثْبِتُ وحدانيةَ
الله!!
لا يؤدي إِلَى الْإِلْحَاد كما يَقُول الْمُلْحِدُونَ
الَّذِينَ اتخذوا الْعِلْم المادي الْحَدِيث بما وصل إِلَيْهِ من التقدم، وهو قرآني
بطبيعته كما مر.
هذا العلم قرآني بطبيعته كما مر إثبات ذَلِكَ
بما لا يدع مجالًا لشَكٍّ ولا ريبٍ.
وهذا الْعِلْم المادي بهذه السنن الإلهية التي
جعلها الله فِي هذا الكون؛ كلما اكتشف الإنسان منه شيئًا؛ دَلَّهُ هذا الشيء على أن
الله هو خالق الخلق، وهو واحد لا شريك له، كما مر إثبات ذَلِكَ بإثبات وحدة النظام
الَّذِي يحكم العالم، فدل على أن الحاكم واحد، وهو الله. والقانون واحد؛ الَّذِي يحكم
الذرة هو الَّذِي يحكم المجرة، من أدق الأشياء إِلَى أكبرها فِيما يعرفه الإنسان، أو
فِيما هو فِي عالمه، ومع ذَلِكَ فقانونٌ واحد؛ «طائفٌ ومَطُوفٌ به»، فلعل ذَلِكَ يفتح
الباب كما قَالَ الغمراوي غفر الله له، يفتح الباب للنظر فِي هذه العبادة المتفردة
فِي دين الإسلام الْعَظِيم.
في الأديان سوى دين الاسلام حجٌّ، ولكل أمةٍ
مَحَجٌّ، أيْ: لكل أمة مكانٌ يحجون فِيه أو إِلَيْهِ.
المسلمون يحجون إِلَى بيت الله الحرام، يذهبون
إِلَى بلد الحرام، وإِلَى بيت الله الحرام مع المناسك المعروفة؛ ولَكِن يتميز حج المسلمين
بهذا الأمر الَّذِي لا تجده عَنْد حج الأقوام أجمعين، وهو: مسألة الطواف، ومع ذلك؛
فهُنَالِكَ من يَقُول: «إن الطبيعة هي الخَالِق»!!
مع هذا كله؛ هُنَالِكَ من يَقُول: «الطبيعة هي
الخَالِق»!!
في كتاب «العقيدة فِي الله»:
هذه
فِرْيَةٌ راجت فِي عصرنا هذا، راجت حتى على الَّذِينَ نَبَغُوا فِي العلوم المادّية،
وعلل كثيرون وُجُود الأشياء وحدوثَها بها، فقالوا: الطبيعة هي التي تُوجِد وتُحدِث!!
هَؤُلَاءِ يوجَّهُ لهم هذا السؤال: ما الذي تريدونه
بالطبيعة؟
هل تعنون بالطبيعة ذواتِ الأشياء؟
أم تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي
تحكم الكون؟
أم تريدون بها قوةً أخرى وراء هذا الكون أوجدته
وأبدعته؟
ما الذي تريدونه بالطبيعة؟
إذا قَالوا: نعني بالطبيعة الكونَ نفسَه؛ فإننا
لا نحتاج إِلَى الردّ عليهم؛ لأنّ فساد قولهم معلوم - كما مر -.
هذا القول يصبح ترديدًا للقول بأنّ الشيء يوجد
نفسه.
يقولون: الطبيعة هي الكون، ويقولون: الطبيعة
هي التي خلقت الكون!!
إذًا؛ خلق الكونُ نفسَه!!
وهذا – كما ترى – في غاية البطلان والفساد.
يَقُولون: الكون خلق الكون، السماء خلقت السماء،
والأرض خلقت الْأَرْض، والكون خلق الإنسان والحيوان!!
العقل الإنساني يرفض التسليم بأنّ الشيء يوجِد
نفسه، وأيضًا فالشيء لا يخلق شيئًا أرقى منه، فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم وشموس وأقمار
لا تملك عقلًا ولا سمعًا ولا بصرًا؛ فكيف تخلق إنسانًا سميعًا عليمًا بصيرًا؟!!
هو أرقى منها؛ فكيف؟!!
هذا لا يكون.
فإن قَالوا: خُلق ذَلِكَ كله بالمصادفة؛ فالجواب:
ثبت يقينًا أَن لَّا مصادفةَ فِي خلق الكون كما مَرَّ بالقانون الرياضي.
هنالك من قال بشبهة أخرى، وهي باطلة أيضًا.
قالوا: إنما وجد الكون بنظرية التولد الذاتي!!
فقيل: من أين هذا؟!
قالوا: إن نظرية التولد الذاتي أثبتها العلماء
فيما شاهده الطَّبِيعِيُّونَ من تَكَوُّنِ الدُّودِ على براز الإنسان أو الحيوان، وتَكَوُّنِ
البَكْتِيرْيَا التي تأكل الطعام وتفسده، فقالوا: ها هي ذِي؛ حيواناتٌ تتولد من الطبيعة
وحدها.
كما كَانوا يَقُولون قديمًا – أعني الفلَّاحين -؛ يقولون: دُودُ الْمِشّ
منه فِيه!!
طبيعيٌّ هو؟!!
هذه شبهة التولد الذاتي «منه فِيه»!! مع أَنَّهُا
دورة، وهذا الَّذِي تراه مِنْ دُودِ الْمِشّ هو مرحلةٌ من مراحلِ وُجُودِ كائنٍ يصير
يَرَقَةً، ثم يتطور حتى يصير بعد ذَلِكَ مما يطير، إِذَا ما فتحت الإناء الَّذِي فِيه؛
اندفع فِي وجهك، فهذا هو.
فهذه دورة حياة.
يَقُولون: هو التولد الذاتي!!
فساعد هذا على انتشار الوثنية الجديدة، وهي:
القول بأن الطبيعة هي الخَالِق!!
هذه وثنية العصر الحاضر!!
يعبدون هذا الوثن!!
يقولون: الطبيعة هي الخالق!!
هم لا ينكرون وُجُود الخَالِق على هذا!!
يَقُولون: ولَكِن الخَالِق هو الطبيعة!!
فأثبتوا خالقا!!
فهذه هي الوثنية المعاصرة.
وهذه النظرية – أعني نظرية التولد الذاتي - مكنت لهذا
الوثن الجديد – أعني (الطبيعة) - فِي قلوب الضالين
التائهين بعيدًا عَنْ هدى الله الْحَقّ؛ لَكِن الْحَقّ ما لبث أنْ كشف باطل هذه النظرية
على يد العالم الفرنسي المشهور (بَاسْتِيرْ)، الَّذِي أثبت أنّ الدود المتكون والبَكْتِيرْيَا
المتكونةَ التي مَرَّ ذكرها لم تتولد ذاتيًا من الطبيعة التي يزعمونها خالقةً، وإنّما
من أصولٍ سابقةٍ صغيرةٍ لم تتمكن العينُ من مشاهدتها، وقام بتقديم الأدلة التي أقنعت
الْعلماء بصدق قوله.
وَضَعَ غذاءً وعَزَلَهُ عَنْ الهواء، وأمات البكتريا
بالغليان، فما تكونت بكتيريا جديدة، ولم يفسد الطعام، وهي التي – أي هذه النظرية - التي قامت عليها صناعة
الأغذية المحفوظة، بأن تُعَرِّضَ تلك الكائناتِ الحيةَ التي لا ترى بالعين المجردة
إلى الهلاك والموت، بالغليان مثلًا؛ فحينئذ لا تتكاثر.
فأين التولد الذاتي؟!!
يقولون: الطبيعة هي القوانين التي تحكم الكون.
فيرى فريق آخر من الطبيعيين أن الطبيعة هي القوانين
هي التي تحكم الكون، وهذا تفسير الَّذِينَ يدّعون الْعِلْم والمعرفة من القائلين بأنّ
الطبيعة هي الخَالِق.
يَقُولون: إنّ هذا الكون يسير على سنن وقوانين
تسيّره، وتنظم أموره فِي كل جزئية، والأحداث التي تحدث فِيه تقع وفق هذه القوانين،
مَثَلُهُ كَمَثَلِ الساعة التي تسير بدقة وانتظام دهرًا طويلًا، فإنها تسير بذاتها
بدون مسيّر – كما يقولون-!! مع أَنَّهُم هم الَّذِينَ
صنعوها وجعلوا فِيها ما يحركها!!
هَؤُلَاءِ فِي واقع الأمر لا يجيبون عَنْ السؤال
المطروح: من الذي خلق الكون؟
لَكِنهم يكشفون لنا عَنْ الكيفية التي يعمل الكون
بها.
يعني لو قَالوا: القوانين هي التي تحكم الكون؛
فهذا ليس تفسيرًا لنشأة الكون!!
السؤال هو: من الَّذِي خلق الكون؟
يَقُولون: الطبيعة هي التي تحكم نظام الكون بقوانينها!!
فيقال: ما أجبتم عَنْ السؤال، السؤال على حاله:
من الَّذِي خلق؟
أنتم الآن تقولون كيف يعمل، والسؤال: من الَّذِي
خلق؟
من الَّذِي أَوْجَدَ؟
من الَّذِي بَرَى؟
من الَّذِي أنشأ؟
فهؤلاء يكشفون لنا عَنْ الكيفية التي يعمل الكون
بها.
وهم يكشفون لنا؛ كيف تعمل القوانين فِي الأشياء!!
نحن نريد إجابة عَنْ موجد الكون، وموجدِ القوانين
التي تحكم الكون.
والْعلماء عَنْدما نظروا فِي أمثال هذه الأمور؛
وجدوا أَنَّهُا متهافتة.
يعني - مثلًا - عَنْدما تسأل - كما فِي كتاب
«الإسلام يتحدى»-:
يقول المريض أو يقول الإنسان للطبيب: ما سبب
احمرار الدم؟
يقول: فِي الدم خلايا حمراء، حجمُ كل خلية منها:
واحدٌ إِلَى سبعمائةٍ من البُوصة!
فيقول السائل: ولماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟
يقول: فيها مادة تسمى «الْهِيمُوجْلُوبِينْ»،
وهى مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأكسجين فى القلب.
فيقول السائل: ولَكِنْ مِنْ أين تأتى هذه الخلايا
التي تحمل الْهِيمُوجْلُوبِينْ؟
فيقول: تُصْنَعُ فِي الكبد.
فيقول: عجيب! كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة
من الدم والخلايا والكبد وغيرها بعضُها ببعض ارتباطًا كليًا، وتسير نحو أداء واجبها
المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟!!
يقول: هذا ما نسميه ب«قانون الطبيعة».
فيقول: ما المراد بقانون الطبيعة هذا؟
فيقول الطبيب: المراد بهذا القانون: الحركات
الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية.
فيقول: ولَكِن لماذا تهدف هذه القوى دائمًا إِلَى
نتيجة معلومة؟
وكيف تنظم نشاطها حتى تطير الطيورُ فِي الهواء،
وتعيشَ الأسماكُ فِي الماء، وحتى يوجَدَ إنسان فِي الدنيا بجميع ما لديه من الإمكانات
والكفاءات العجيبة المثيرة؟!!
فيقول الطبيب: لا تسألني عَنْ هذا، فإنَّ علمي
لا يتكلم إلا عَما يحدث، وليس له أن يجيب: لماذا يحدث؟!!
"علمي لا يتكلم إلا عَما يحدث"، يعني:
أنا أفسر الظواهر.
أمَّا: "لماذا تحدث تلك الظواهر؟ فهذا ليس
من علمي".
إذًا؛ هذه هي القوانين الحاكمة؛ فمن الَّذِي
أوجدها؟!
ومن الَّذِي أوجد الكون الَّذِي تتحكم فِيه تلك
القوانين؟!
ما زال السؤال على حاله.
فوُجِدَ مَنْ يَقُول: الطبيعة قوةٌ أَوْجَدَت
الكونَ، وهي قوةٌ حيةٌ سميعةٌ بصيرةٌ حكيمةٌ قادرةٌ.
فيقال: سميتم هذه القوة: «الطبيعةَ» لماذا؟
إن الَّذِي خلق الكون هو اللهُ القويُّ الحيُّ
السميعُ البصيرُ العليمُ الحكيمُ القادرُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المقتدرُ؛ فَلِمَ
لا تقولون كما يقول المؤمنون ما دمتم لا تجدون مَنَاصًا عَنْ إثبات موجِدٍ لهذا الكون
الكبير؟!!
ما هو إلا العنادُ والْمُكَابَرَةُ!!
والله المستعان وعليه التكلان.
وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ،
وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.