تَهْجِيرُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ عَقِيدَةٌ يَهُودِيَّةٌ
وَالْخَطَرُ عَلَى مِصْرَ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((اسْتِمْرَارُ إِنْفَاذِ خُطَّةِ تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ))
فَفِي الْأَزْمَةِ الَّتِي تَتَعَرَّضُ لَهَا لَا أَقُولُ مِصْرُنَا، بَلْ تَتَعَرَّضُ لَهَا أُمَّتُنَا كُلُّهَا؛ وَقَعَ تَرَاجُعٌ مِنَ الرَّئِيسِ الْأَمِرِيكِيِّ، فَأَفَادَ بِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي اقْتَرَحَهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَا بَعْدُ، فِيمَا بَعْدُ!
وَلَكِنِ الْغَالِبُ أَنَّ هَذَا تَرَاجُعٌ تِكْتِيكِيٌّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا آخَرَ هُوَ مِنَ الْخُطُورَةِ بِمَكَانٍ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ سَيَحْسَبُ أَنَّهُ إِذَا تَمَّ التَّرَاجُعُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْمُعْلَنِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدِ انْتَهَتْ، وَأَنَّ التَّهْجِيرَ لَنْ يَقَعَ، وَمَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ تَوَهَّمَهُ فَلَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ بِيَهُودٍ، وَلَا بِالصُّهْيُونِيَّةِ، وَلَا الْمَاسُونِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا سُدَّ أَمَامَهُمْ بَابٌ الْتَمَسُوا مِائَةَ بَابٍ؛ كَالشَّيْطَانِ يَأْتِي لِلْإِنْسَانِ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ، فَإِذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ أَتَى لَهُ مِنْ بَابٍ آخَرَ.
وَلِذَلِكَ فَوَزِيرُ الدِّفَاعِ فِي الْكِيَانِ الْمُحْتَلِّ أَصْدَرَ قَرَارًا وَأَمْرًا إِلَى ضُبَّاطِهِ بِاتِّخَاذِ الْإِجْرَاءَاتِ وَالطُّرُقِ الْمُنَاسِبَةِ لِلتَّهْجِيرِ الطَّوْعِيِّ لِلْفِلِسْطِينِيِّينَ -الطَّوْعِيِّ-، لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ إِلَى سَيْنَاءَ وَلَا إِلَى الْأُرْدُنّ، وَلَكِنْ بِاتِّخَاذِ الْإِجْرَاءَاتِ وَالتَّدَابِيرِ لِإِتْمَامِ التَّهْجِيرِ الطَّوْعِيِّ.
وَالتَّقَارِيرُ الْمُعْلَنَةُ أَنَّ هُنَالِكَ مَا يَتَرَاوَحُ بَيْنَ مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْغَزِّيِّينَ يُرِيدُونَ الْهِجْرَةَ الطَّوْعِيَّةَ؛ رُبَّمَا مِمَّا لَقَوْا عَلَى مَدَارِ الشُّهُورِ الَّتِي انْصَرَمَتْ مِنَ الْعَنَاءِ وَالْمُعَانَاةِ، ثُمَّ مَا وَجَدُوا بَعْدَ نُزُوحِهِمْ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمَالِ، فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا الْأَطْلَالَ، وَالْمَعِيشَةُ هُنَالِكَ صَعْبَةٌ جِدًّا، الْحَرَارَةُ تَنْزِلُ فِي الْمَسَاءِ إِلَى دَرَجَتَيْنِ وَثَلَاثِ دَرَجَاتٍ مِئَوِيَّةٍ فِي هَذَا الْبَرْدِ، وَلَا دِفْءَ، وَلَا فِرَاشَ، وَلَا بَيْتَ، لَا جِدَارَ يَصُدُّ الْهَوَاءَ اللَّافِحَ، وَلَا سَقْفَ يَمْنَعُ الْمَطَرَ الْهَاطِلَ، وَلَا فِرَاشَ وَلَا غِطَاءَ يَسْتَجْلِبُ نَوْعًا مِنَ الدِّفْءِ، فَيَمُوتُ الْأَطْفَالُ مِنَ الْبَرْدِ، مَعَ الْمُعَانَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لَا كَهْرُبَاءَ، وَلَا مَاءَ، وَلَا صَرْفَ صِحِّيَّ، وَلَا غِذَاءَ، وَلَا دِفْءَ، بَلْ هِيَ الْمُعَانَاةُ.
فَالتَّقَارِيرُ عَلَى أَنَّهُ مَا يَزِيدُ أَوْ يَقِلُّ قَلِيلًا عَنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنَ الْغَزِّيِّينَ يُرِيدُونَ الْهِجْرَةَ الطَّوْعِيَّةَ.
هُنَاكَ مَطَارٌ فِي صَحَرَاءِ النَّقْبِ، سَيَقُومُ إِخْوَانُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ بِاسْتِجْلَابِ مَنْ يُرِيدُ الْهِجْرَةَ الطَّوْعِيَّةَ، ثُمَّ يُوَقِّعُ عَلَى إِقْرَارٍ بِعَدَمِ الْعَوْدَةِ، ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ إِلَى أَيِّ بَلَدٍ مَعَ بَعْضِ الْمُغْرِيَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِسَكَنٍ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُهَجَّرُ إِلَيْهِ، وَبَعْضِ الْمَعُونَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ عَلَى أَلَّا يَعُودَ!!
هَذَا هُوَ الْخَطَرُ!
فَالنَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إِذَا مَا تُرُوجِعَ عَنْ شَكْلِهَا الظَّاهِرِ الْمُعْلَنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ قَدِ انْتَهَتْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
((أَحْمَقُ أَمِرِيكَا يُعَادِي الْعَالَمَ كُلَّهُ!))
إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ -أَعْنِي: الرَّئِيسَ الْأَمِرِيكِيَّ- وَهُوَ أَكْثَرُ الرُّؤَسَاءِ الْأَمِرِيكِيِّينَ شُؤْمًا عَلَى أَمِرِيكَا نَفْسِهَا وَعَلَى الْعَالَمِ؛ فَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَمْضِ عَلَى رِئَاسَتِهِ سِوَى ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ، وَاسْتَعْدَى الْعَالَمَ كُلَّهُ عَلَى أَمِرِيكَا، وَأَحْدَثَ انْشِقَاقًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْأَمِرِيكِيِّ نَفْسِهِ؛ فَالْمُجْتَمَعُ الْأَمِرِيكِيُّ الْآنَ يَكَادُ يَكُونُ مُنْقَسِمًا إِلَى قِسْمَيْنِ؛ الْجُمْهُورِيِّينَ، وَالدِّيمُوقْرَاطِيِّينَ، وَالرَّجُلُ يَخْبِطُ خَبْطَ الْعَمْيَاءِ لَا خَبْطَ الْعَشْوَاءِ؛ حَتَّى إِنَّهُ اسْتَعْدَى أُورُبَّا كُلَّهَا عَلَى أَمِرِيكَا، فَالْقُوَّةُ الْعَسْكَرِيَّةُ لِحِلْفِ النّاتُو مُسْتَعِدَّةٌ الْآنَ وَمُرَابِطَةٌ؛ بِسَبَبِ الْجَزِيرَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلدِّنِمَارْك -وَهِيَ عُضْوٌ فِي حِلْفِ النّاتُو-، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَاسْتَعَدَّتْ قُوَّاتُ النّاتُو الْعَسْكَرِيَّةُ مِنْ أَجْلِ دَفْعِ هَذَا الْعُدْوَانِ لَوْ وَقَعَ.
فَالرَّجُلُ يُدْخِلُ الْعَالَمَ كُلَّهُ فِي مَأْسَاةٍ غَرِيبَةٍ جِدًّا؛ فَأُورُبَّا كُلُّهَا الْآنَ مِنَ النَّاحِيَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ تَنْظُرُ فِي التَّدَابِيرِ، وَكَذَلِكَ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ، يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ جَزِيرَةَ (جِرِين لَانْد) -وَهِيَ دِنِمَارْكِيَّةٌ-، فَلَنْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ حَاوَلَ بِالْقُوَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ فَسَوْفَ تَقَعُ حَرْبٌ ضَرُوسٌ تَذْهَبُ بِالْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ.
كَذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ (قَنَاةَ بَنَمَا)، وَأَذْهَبَ أُنَاسًا مِنَ الْأَمِرِيكِيِّينَ مَنْدُوبِينَ عَنْهُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُفَاوِضُوا الْحُكُومَةَ الْبَنَمِيَّةَ عَلَى نَزْعِ هَذِهِ الْمِلْكِيَّةِ؛ بِأَنْ تَكُونَ (قَنَاةُ بَنَمَا) قَنَاةً أَمِرِيكِيَّةً، ثُمَّ رَجَعُوا!
فَكَأَنَّمَا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ؛ فَأَصْدَرَ قَرَارًا لِلسُّفُنِ الْأَمِرِيكِيَّةِ بِأَلَّا تَدْفَعَ رُسُومًا عِنْدَ الْمُرُورِ فِي (قَنَاةِ بَنَمَا)، فَالسُّلُطَاتُ الْبَنَمِيَّةُ اعْتَرَضَتْ عَلَى هَذَا، وَقَالَتْ: لَا بُدَّ أَنْ تَدْفَعَ السُّفُنُ الْأَمِرِيكِيَّةُ الرُّسُومَ كَسَائِرِ السُّفُنِ الْعَابِرَةِ فِي الْقَنَاةِ.
يُرِيدُ ضَمَّ كَنَدَا إِلَى أَمِرِيكَا!
عِنْدَهُ مَشَاكِلُ كَبِيرَةٌ جِدًّا مَعَ الْمِكْسِيك، مَعَ أُورُبَّا كُلِّهَا -كَمَا مَرَّ-، وَمَعَ حِلْفِ النّاتُو، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى الصِّدَامِ الْعَسْكَرِيِّ.
ثُمَّ اسْتَعْدَى جَمِيعَ الْعَرَبِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي الْعَالَمِ بِالْفِكْرَةِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا بِأَنْ يَحْتَلَّ غَزَّةَ!
((مُحَاوَلَةُ احْتِلَالِ أَمِرِيكَا لِغَزَّةَ وَالْمُؤَامَرَةُ عَلَى الْأَقْصَى))
هَذَا عَصْرٌ عَجِيبٌ، الْمُدَّعَى فِيهِ سِوَى الْوَاقِعِ، الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَالْمُدَّعَى فِيهِ هُوَ الْحِفَاظُ عَلَى الْحُرِّيَّاتِ؛ حَتَّى حُرِّيَّةُ الرَّأْيِ حَتَّى فِي الْإِلْحَادِ، وَفِي سَبِّ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَهَذِهِ حُرِّيَّةٌ!!
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَدَى عَلَى الْمِلْكِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي لَا يُقِرُّهَا قَانُونٌ، وَلَا عُرْفٌ، وَلَا أَخْلَاقٌ، وَلَا شَرْعٌ؛ بِأَنْ يَحْتَلَّ غَزَّةَ، وَتَدْخُلَ تَحْتَ الْمِلْكِيَّةِ الْأَمِرِيكِيَّةِ.
فَالْحَاصِلُ؛ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْضُ التَّرَاجُعِ التِّكْتِيكِيِّ -كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ-، يَعْنِي: هَذَا إِلَى حِينٍ، وَأَمَّا الْمُخَطَّطُ فَلَا بُدَّ مِنْ إِنْفَاذِهِ؛ لِأَنَّ (الْمَسِيحِيَّةَ الصُّهْيُونِيَّةَ) -وَهُمْ أَقْوَامٌ عَلَى مَذْهَبٍ عَجِيبٍ جِدًّا، فَهُمْ صَهَايِنَةٌ أَكْثَرُ مِنَ الصَّهَايِنَةِ أَنْفُسِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ نَصَارَى، الْمَسِيحِيَّةُ الصُّهْيُونِيَّةُ- هَؤُلَاءِ وَالْيَهُودُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّصَارَى؛ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ مُتَمَيِّزُونَ بِهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ مَعَ الْيَهُودِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ بِنَاءِ الْهَيْكَلِ؛ مِنْ أَجْلِ ظُهُورِ الْمَسِيحِ، وَنُزُولِهِ مِنْ أَجْلِ الْأَلْفِيَّةِ السَّعِيدَةِ، فَهُمْ يَسْعَوْنَ جَمِيعًا مِنْ أَجْلِ إِعَادَةِ بِنَاءِ الْهَيْكَلِ؛ أَيْنَ هَذَا الْهَيْكَلُ؟!
يَقُولُونَ: الْهَيْكَلُ تَحْتَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى!
وَلِذَلِكَ فَالْحَفْرِيَّاتُ الَّتِي تَحْتَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تَجْعَلُهُ الْآنَ بِمُجَرَّدِ عُبُورِ طَائِرَةٍ تَخْتَرِقُ حَاجِزَ الصَّوْتِ يَنْهَدِمُ مُتَدَاعٍ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مِمَّا حُفِرَ تَحْتَهُ مِنْ أَجْلِ الْبَحْثِ عَنِ الْهَيْكَلِ الْمَزْعُومِ!
فَهَذِهِ عَقِيدَةٌ..
((حَرْبُ الْيَهُودِ عَلَى فِلِسْطِينَ وَمِصْرَ حَرْبٌ عَقَدِيَّةٌ))
الَّذِي يُحْزِنُ أَنَّنَا عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ لَهَا جُذُورًا عَقَدِيَّةً عِنْدَ الْعَدُوِّ؛ يَحْدُثُ كَثِيرٌ مِنَ الِاسْتِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ؛ بَلْ وَالشَّجْبُ لِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ لَا يُحَارِبُونَنَا حَرْبًا عَقَدِيَّةً!!
الْقَوْمُ يُحَارِبُونَنَا حَرْبًا عَقَدِيَّةً حَتَّى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِسَدِّ النَّهْضَةِ، كَمَا فِي (سِفْرِ إِشَعْيَاءَ فِي الْأَصْحَاحِ التَّاسِعِ عَشَرَ) -وَقَدْ مَرَّ هَذَا كَثِيرًا؛ قُلْتُهُ مِنْ أَوَائِلِ التِّسْعِينِيَّاتِ-، يَقُولُ فِي هَذَا السِّفْرِ: ((وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ حَتَّى يَقْتُلَ الْأَخُ أَخَاهُ، وَيَسْبِيَ الْأَخُ أَخَاهُ...)) إِلَى أَنْ قَالَ: ((وَيَجِفُّ النَّهْرُ، وَتُنْتِنُ التُّرَعُ، وَيَنْحَازُ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى مُدُنٍ حَقِيرَةٍ))، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ، وَعَدَمِ وُجُودِ شَيْءٍ لِلصَّيَّادِينَ فِي الْمِيَاهِ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ قَدْ جَفَّ!
فَتَجْفِيفُ النَّهْرِ يُلَوَّحُ بِهِ الْآنَ؛ إِمَّا التَّعْطِيشُ -إِمَّا الْمَوْتُ عَطَشًا-، أَوْ أَنْ تُعْطُونَا سَيْنَاءَ، سَيْنَاءُ دَاخِلَةٌ فِي وَعْدِ الرَّبِّ!
فَعِنْدَمَا نَقُولُ: هَذَا مِنْ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ عِنْدَ الْقَوْمِ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَقَدِيَّةٌ عِنْدَهُمْ؛ بَلْ إِنَّ رَئِيسَ وُزَرَاءِ الْكِيَانِ الْمُحْتَلِّ ذَكَرَ سِفْرَ إِشَعْيَاءَ فِي أَثْنَاءِ مَا كَانَ مِنَ الْغَزْوِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَهْلِ غَزَّةَ؛ ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ هَذَا وَعْدُ الرَّبِّ لَهُمْ!
فَهَذِهِ الْأَرْضُ مُسْتَهْدَفَةٌ عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْوَعْدِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ لَا يَعْبَثُونَ وَلَا يَهْزِلُونَ، هُمْ يَتَحَرَّكُونَ بِعَقِيدَةٍ، وَهُمْ مُسْتَمِيتُونَ مِنْ أَجْلِ إِنْفَاذِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْيَوْنَ إِلَّا بِهَا، وَأَقْنَعُوا بِهَا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ؛ حَتَّى صَارَ هُنَاكَ مَا يُسَمَّى بِـ(الصُّهْيُونِيَّةِ الْمَسِيحِيَّةِ)، وَهِيَ خَطِرَةٌ جِدًّا، وَمِنْهَا هَؤُلَاءِ الْأَمِرِيكَانُ الْإِنْجِيلِيُّونَ، وَكَذَلِكَ الْإِنْجِلِيزُ، فَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا عَلَى هَذَا الْمَبْدَأِ، عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ.
عِنْدَمَا تَقُولُ هَذَا؛ يُقَالُ: هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ، وَالْحَرْبُ لَيْسَتْ حَرْبًا عَقَدِيَّةً!
فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُحَارِبُونَ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَأَيُّهَا الْعَرَبُ؟!!
مَا الَّذِي تُرِيدُونَ؟!!
الْقَوْمُ يَقُولُونَ: هَذِهِ لَنَا، هَذِهِ أَرْضُنَا، وَيَقُومُونَ بِتَهْجِيرِ شَعْبٍ بِرُمَّتِهِ بِكَامِلِهِ، وَالْأَرْضُ أَرْضُهُ، وَالتَّارِيخُ تَارِيخُهُ!
يَقُولُونَ: لَا، هَذَا تَارِيخُنَا، وَهَذِهِ أَرْضُنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، وَغَيْرُهُمْ -أَيْضًا-؛ حَتَّى مِنَ الْمِصْرِيِّينَ الدَّاخِلِينَ فِي أَرْضِ الْمِيعَادِ!!
فَيَنْبَغِي أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنْ نَجْتَهِدَ فِي فَهْمِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا.
((ضَرُورَةُ مُسَانَدَةِ الْمُنَظَّمَاتِ
وَالشُّعُوبِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ لِلرَّئِيسِ الْمِصْرِيِّ))
الْأَمْرُ الَّذِي يُتَعَجَّبُ مِنْهُ حَقًّا: إِلَى هَذِهِ اللَّحْظَةِ لَمْ يَجْتَمِعْ لَا (الْجَامِعَةُ الْعَرَبِيَّةُ) فِي مُؤْتَمَرِ قِمَّةٍ، وَلَا (مُنَظَّمَةُ الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ)؛ مِنْ أَجْلِ إِصْدَارِ بَيَانٍ حَازِمٍ بِشَأْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مَسْأَلَةُ وَقَضِيَّةُ فِلِسْطِينَ مَسْأَلَةٌ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ.
وَ(الْجَامِعَةُ الْعَرَبِيَّةُ) مِنَ الْمَفْرُوضِ أَنْ يُعْقَدَ فِيهَا اجْتِمَاعُ قِمَّةٍ طَارِئٌ عَاجِلٌ قَبْلَ ذَهَابِ رَئِيسِنَا الْمِصْرِيِّ وَكَذَلِكَ مَلِكِ الْأُرْدُنّ إِلَى لِقَاءِ الرَّئِيسِ الْأَمِرِيكِيِّ فِي الْبَيْتِ الْأَبْيَضِ.
لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّحًا بِهَذَا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ إِرَادَةُ الشَّعْبِ الْعَرَبِيِّ.. الشَّعْبِ الْمِصْرِيِّ.. الشَّعْبِ الْفِلِسْطِينِيِّ.. الشُّعُوبِ الْمُسْلِمَةِ؛ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِرَادَةُ وَاضِحَةً وَحَازِمَةً وَقَاطِعَةً؛ حَتَّى إِذَا مَا ذَهَبَ الرَّئِيسُ فَإِنَّهُ لَا يَذْهَبُ وَيُؤَيِّدُهُ الشَّعْبُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُعَبِّرًا عَنْ إِرَادَةِ الشَّعْبِ.
فَرْقٌ كَبِيرٌ جِدًّا بَيْنَ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ لِيَقُولَ قَرَارًا قَرَّرَهُ يُؤَيِّدُهُ فِيهِ شَعْبُهُ؛ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَرِّرَ إِرَادَةَ شَعْبِهِ، هَذَا مُهِمٌّ جِدًّا.
كُلُّ عَرَبِيٍّ وَكُلُّ مُسْلِمٍ لَا فِي الْمَنْطِقَةِ وَحْدَهَا؛ بَلْ كُلُّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ هَذِهِ قَضِيَّةٌ مَصِيرِيَّةٌ، قَضِيَّةُ فِلِسْطِينَ قَضِيَّةٌ مِحْوَرِيَّةٌ، وَقَدْ عَانَى مِنْهَا الْمُسْلِمُونَ قُرُونًا، عَانَى مِنْهَا الْمُسْلِمُونَ فَتْرَةً طَوِيلَةً جِدًّا، عُقُودًا كَثِيرَةً يُعَانِي مِنْهَا الْمُسْلِمُونَ مُنْذُ زُرِعَ هَذَا الْكِيَانُ الْغَرِيبُ فِي هَذَا الْوَطَنِ الْحَبِيبِ -فِي الْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ-.
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ دَائِمًا يَقِظَةً فِي نُفُوسِنَا، هَذِهِ قَضِيَّتُنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ، قَضِيَّتُنَا نَحْنُ الْعَرَبَ.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ تَتَأَلَّقَ هَذِهِ وَأَنْ تَتَوَهَّجَ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي نُفُوسِنَا، وَأَنْ نَجْتَهِدَ فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ مِنْ أَجْلِ تَوْعِيَةِ مَنْ لَا يَعِي؛ فَإِنَّ الصَّمْتَ الَّذِي نُلَاحِظُهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْجِهَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَاعِلَةً فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ كَالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ، لِمَ لَمْ تَجْتَمِعِ (الْجَامِعَةُ الْعَرَبِيَّةُ)، وَتَعْقِدِ اجْتِمَاعَ قِمَّةٍ طَارِئًا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ؛ لِتُصْدِرَ فِيهِ بَيَانًا حَاسِمًا حَازِمًا: لَا يَجُوزُ الْعَبَثُ أَبَدًا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَهَذِهِ الطُّرُوحَاتُ مَجْنُونَةٌ لَا يَنْبَغِي أَبَدًا أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهَا؟!!
كَيْفَ تُؤْخَذُ أَرْضٌ مِنْ أَصْحَابِهَا؟!!
وَكَيْفَ يُهَجَّرُ وَيُرَحَّلُ شَعْبٌ مِنْ أَرْضِهِ وَدِيَارِهِ؟!!
((خُطَّةُ الشَّيَاطِينِ لِلضَّغْطِ عَلَى أَهْلِ غَزَّةَ الْمَسَاكِينِ))
لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْخَطِرَةَ -كَمَا مَرَّ- هِيَ أَنَّ الْقَوْمَ يَلْتَفُّونَ، سَيَقَعُ كَثِيرٌ مِنَ الْإِغْرَاءِ لِرَفْعِ الْمُعَانَاِة عَنِ الَّذِينَ يُعَانُونَ، وَهُمْ يُعَانُونَ مُعَانَاةً شَدِيدَةً جِدًّا، ثُمَّ تَأْتِي الْإِغْرَاءَاتُ، يُخْرَجُ مِائَتَا أَلْفٍ طَوْعًا بِهِجْرَةٍ طَوْعِيَّةٍ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ سَائِرُهُمْ؛ الرَّجُلُ فِي الْبَيْتِ الْأَبْيَضِ أَوِ الْأَسْوَدِ يُهَدِّدُ بِنَقْضِ الْهُدْنَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَيَقَعُ الِاعْتِدَاءُ مَرَّةً أُخْرَى؛ وَحِينَئِذٍ يَنْشَقُّ مَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي رَحَلَ طَوَاعِيَةً لِكَيْ يَخْرُجَ -أَيْضًا-، حَتَّى يُفَرِّغُوا الْقِطَاعَ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ أَصْحَابِ الْحَقِّ فِيهِ.
هَذَا هُوَ الْخَطَرُ!
وَالْمُعَانَاةُ وَاقِعَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُنْكِرَهَا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ -أَيْضًا- أَنْ تَقُولَ: اثْبُتُوا وَاصْبِرُوا!
صَبَرُوا طَوِيلًا، وَثَبَتُوا طَوِيلًا، هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ مِنْ أَهْلِ غَزَّةَ تَحَمَّلُوا الْكَثِيرَ، وَمَا زَالُوا يَتَحَمَّلُونَ؛ وَلَكِنِ الطَّاقَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ نِهَائِيَّةٌ -لَهَا حَدٌّ مَحْدُودٌ-، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَصِلُ إِلَى مَرْحَلَةٍ مِنَ الْمَرَاحِلِ الَّتِي لَا يُبَالِي فِيهَا بِأَيِّ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ بِغَرِيزَةِ الْحِفَاظِ عَلَى الْحَيَاةِ.
فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ، وَأَنْ يَرْفَعَ الْمُعَانَاةَ عَنْهُمْ.
((ضَرُورَةُ عَقْدِ اجْتِمَاعٍ طَارِئٍ
لِلْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَمُنَظَّمَةِ الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ))
وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدِ مُؤْتَمَرِ قِمَّةٍ طَارِئٍ فِي الْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ؛ مِنْ أَجْلِ اتِّخَاذِ قَرَارٍ حَاسِمٍ حَازِمٍ.
وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِ قِمَّةٍ طَارِئٍ حَازِمٍ.. مُنَظَّمَةِ الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ مَتَى تَجْتَمِعُ إِذَا لَمْ تَجْتَمِعْ مِنْ أَجْلِ قَضِيَّةِ فِلِسْطِينَ؟!
مَتَى تَجْتَمِعُ مُنَظَّمَةُ الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ إِذَا لَمْ تَجْتَمِعْ مِنْ أَجْلِ قَضِيَّةِ فِلِسْطِينَ؛ مِنْ أَجْلِ اتِّخَاذِ قَرَارٍ حَازِمٍ حَاسِمٍ -أَيْضًا- يَضَعُ النِّقَاطَ عَلَى الْحُرُوفِ، وَأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ يَقْبَلُ مِثْلَ هَذَا التَّهَوُّرِ وَلَا هَذَا الْجُنُونِ، وَأَنَّ مَنْطِقَ الْقُوَّةِ لَهُ حُدُودٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ كُلُّ إِنْسَانٍ عِنْدَ حَدِّهِ!
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر:
تَهْجِيرُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ عَقِيدَةٌ يَهُودِيَّةٌ
وَالْخَطَرُ عَلَى مِصْرَ