تفريغ مقطع : شيخ الإسلام بن تيمية المفترى عليه في القديم والحديث

 وَشَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَانَ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، أَقَامَهُ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ مَقَامَ الصِّدْقِ فِي العَصْرِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِ، وَحَمَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ جَنَابَ الشَّرِيعَةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ, وَفِهْم السَّلَفِ الصَّالِحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ.
حَتَّى إِنَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ يَرَهُ قَالَ لمَنْ رَآهُ: أَرَأَيْتَ ابْنَ تَيْمِيةَ؟
فَقَالَ لَهُ: نَعَم.
قَالَ: فَصِفْ لِي عِلْمَهُ.
قَالَ: أَرَأَيْتَ قُبَّةَ الصَّخْرَةِ؟ -لِأَنَّهُ كَانَ مَقْدِسِيًّا-
فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: كَانَ كَقُبَّةِ الصَّخْرَةِ حُشِيَت كُتُبًا وَلهَا لِسَانٌ يَنْطِق!! فَكَذَا كَانَ شَيْخُ الإِسْلَامِ.
كَانَ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, وَكَانَ جَادًّا لَا يَهْزِل، كَانَ مُسْتَقِيمًا لَا يَنْحَرِفُ وَلَا يَعْوَج.
 أَخَذَ الأَمْرَ بِجَدٍّ، وَلَمْ يُضَيِّع وَقْتَه؛ وَإِنَّمَا أَنْفَقَ عُمرَهُ فِي تَعَلُّمِ دِينِ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ وَتَعْلِيمِهِ، وَالجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِلِسَانِهِ وَبَنَانِهِ وَسِنَانِهِ -رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً-.

 فَشَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَانَ مُقْبِلًا عَلَى رَبِّهِ بِكُلِّيَّتِهِ؛ لَا بَاعَ وَلَا اشْتَرَى, وَلَا الْتَفَتَ إِلَى أَمْرٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا؛ وَإِنَّمَا أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِكُلِّيَّتِهِ؛ فَأَقَامَهُ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ مَقَامَ الصِّدْق.

وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَلْسِنَةِ المُغْرِضِينَ وَالحَاقِدِينَ، وَالمُخَالِفِينَ وَالمُعَانِدِينَ, فَمِنْهُم مَنْ
رَمَاهُ بِالزَّنْدَقَةِ، بَلْ إِنَّ هُنَالِكَ مِنْ أَلَّفَ كِتَابًا جَعَلَ عَلَى طُرَّتِهِ عُنْوَانًا؛ أَنَّ مَنْ قَالَ عَن ابنِ
تَيْمِيةَ: شَيْخُ الإِسْلَامِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ!!
يَقُولُ: هَذَا شَيْخُ الكُفْرِ وَلَيْسَ بِشَيْخِ الإِسْلَامِ, فَمَنْ قَالَ عَنْهُ: هُوَ شَيْخُ الإِسْلَامِ فَقَدْ كَفَرَ!! إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَة!!
 وَشَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَعَ هَذَا كُلِّهِ كَانَ مِنْ أَنْصَفِ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَمِنْ أَعْدَلِ النَّاسِ مَعَ النَّاس, وَمِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ عَلَى النَّاسِ, وَقَدْ وَصَفَهُ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ((كَانَ لَهُ عَيْنَان كَأَنَّهُمَا لِسَانٌ يَنْطِقُ، قَالَ: وَلَكِنْ كَانَت فِيهِ حِدَّةٌ يَجْبَهُ بِهَا الخُصُوم، قَالَ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ كَلِمَةَ إِجْمَاعٍ)).

 وَأَنْتَ عِنْدَمَا تَنْظُرُ فِي كَلَامِ ابْنِ حِيَّانَ -النَّحْوِي، وَهُوَ مِنَ الأَئِمَّةِ فِي هَذَا المَجَال- عِنْدَمَا اجْتَمَع مَعَ شَيْخِ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَكَلَّمَهُ؛ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مَبْهُورًا، وَارْتَجَلَ فِي حَقِّهِ فِي المَدِيحِ أَبْيَاتًا، وَقَالَ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ، وَأَخَذَ يَمْدَحُهُ بِكُلِّ لِسَانٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَجَاءَت المُفَاوَضَةُ فِي كَلَامٍ لِسِيبَوَيْه، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ دَافِعًا كَلَامَهُ: مَا كَانَ سِيبَوَيْهِ نَبِيَّ النَّحْوِ, وَإِنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي ((الكِتَابِ)) -الكِتَاب: هُوَ عُنْوَانُ الكِتَاب الَّذِي صَنَّفَهُ سِيبَوَيْهِ. اسْمُهُ ((الكِتَاب))-.

قَالَ: وَقَدْ أَخْطَأَ سِيبَوَيْهِ فِي ((الكِتَابِ)) فِي مَوَاضِعَ لَا تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا غَيْرُك!!
فَنَقِمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ يَذُمُّهُ, وَمَلَأَ تَفْسِيرَهُ بِالحَطِّ عَلَيْهِ وَالقَدْحِ فِيهِ... لمَاذَا؟!
هَذَا لِهَوى النَّفْس!!
 ابنُ بَطُّوطَة -ذَلِكُمُ الرَّحَّالَة- لمَّا دَخَلَ دِمَشْق وَأَرَّخَ لِدُخُولِهِ، وَأَرَّخَ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَحِيلِهِ عَنْهَا، وَقَالَ فِي رِحْلَتِهِ: إِنَّهُ رَأَى فِي دِمَشْق فَقِيهًا مَهْوُوسًا يُقَالُ لَهُ: ابْنُ تَيْمِيةَ, وَإِنَّهُ رَآهُ عَلَى المِنْبَرِ يَتَكَلَّمُ وَيَعِظُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كَنُزُولِي هَذَا, وَنَزَلَ عَنِ المِنْبَرِ دَرَجَة, ثُمَّ جَلَسَ عَلَى دَرَجَةِ المِنْبَرِ -كَذَا يَقُولُ ابنُ بَطُّوطَة-، وَقَالَ: وَيَسْتَويِ عَلَى العَرْشِ كَجُلُوسِي هَذَا!!

أَيْنَ كَانَ ابنُ تَيْمِيةَ؟
كَانَ فِي سِجْنِ القَلْعَةِ، فِي الوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابنُ بَطُّوطَة تَأْرِيخًا لِدُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ دِمَشْق!!
كَانَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي سِجْنِ القَلْعَة, وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا إِلَّا إِلَى قَبْرِهِ, فَإِنَّهُ ظَلَّ مَسْجُونًا فِي سِجْنِ القَلْعَةِ حَتَّى مَاتَ فِيهِ!! فَمَتَى رَآهُ ابنُ بَطُّوطَة؟!
فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الصَّيْفِ يَنْحَسِرُ فِيهَا الغِطَاءُ
أَوْ أَنَّ أَحَدًا دَسَّ هَذَا فِي كَلَامِهِ وَأَدْخَلَهُ فِيهِ.
وَلَكِن شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي سِيرَتِهِ, وَأَنْ نَتَأَمَّلَ فِي طَرِيقَتِهِ, وَأَنْ

 نَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ مَا مَنَّ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ بِهِ مِنَ العِلْمِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  الحــج كأنــك تـــراه
  طعن البيلي في الصحابة -رضي الله عنهم-
  الرَّدُّ عَلَى مُنكِرِي خِتَان الإِنَاث
  حقيقة العلاج بالقرآن
  ((1)) سبحانه هو الغنيُّ
  أمسك الشمس!!
  لا يضرُّهم مَن خالفهم ولا من خذلهم
  ثورة 25 يناير كانت نتيجة لحرب من الجيل الرابع
  قوموا وانهضوا معشر المسلمين من سباتكم
  إذا سألك النصراني عن حادثة الإفك فضع هذا الجواب
  دفع البهتان حول عبارة (يُدَوِّخُ الله رب العالمين المشركين)
  حرمة الخضوع بالقول
  جملة مختصرة من أحكام عيد الفطر
  المظاهرات والاعتصامات والإضرابات حرام حتى ولو أذن بها الحاكم
  الناس في حيرة يتلددون
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان