تفريغ مقطع : لا تتكلم فيما لا يعنيك، وَفِّر طاقةَ عقلِك وطاقةَ قلبِك, واحفظ على نفسِك وقتَك

 وَعَنِ الحَسِن قَالَ: ((يَا ابنَ آدَم؛ بُسِطَت لَكَ صَحِيفَة وَوُكِّلَ بِكَ مَلَكَانِ كَريمَان يَكْتُبانِ عَمَلَك، فَأَكثِر مَا شِئْتَ أَوْ أَقِل)).
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: ((مَنْ كَثُرَ مَالُهُ؛ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَ كَلامُهُ؛ كَثُرَ كَذِبُهُ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ؛ عَذَّبَ نَفْسَهُ)).
وَكَانَ طَاوُوسٌ يَعْتَذِرُ مِنْ طُولِ السُّكُوتِ؛ وَيَقُولُ: ((إِنِّي جَرَّبْتُ لِسَانِي؛ -يَعْتَذِرُ لِمُجَالِسِيهِ مِنْ طُولِ صَمْتِهِ وَقِلَّةِ كَلَامِهِ، فَيَقُولُ- فَوَجَدتُهُ لَئِيمًا رَضِعًا)).
وَالرَّضِعُ وَالرَّضِيعُ: الخَسِيسُ مِنَ الأَعْرَابِ، الَّذِي إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ رَضَعَ بِفِيهِ شَاتَهُ؛ لِئَلَّا يَسْمَعَهُ الضَّيْفُ؛ فَيَطْلُبَ اللبَن.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ((مَا مِنْ خَطِيبٍ يَخْطُبُ؛ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيْهِ خُطْبَتُهُ يَوْمَ القِيَامَة)).
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: ((إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الكَلَامِ؛ مَخَافَةُ المُبَاهَاة)).
 وَكَانَ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: ((لَا خَيْرَ فِي الْكَلامِ إِلَّا فِي تِسْعٍ: تَهْلِيلٌ، وَتَكْبِيرٌ، وَتَسْبِيحٌ، وَتَحْمِيدٌ، وَسُؤَالُكَ مِنَ الْخَيْرِ، وَتَعَوُّذُكَ مِنَ الشَّرِّ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِرَاءَتُكَ لِلْقُرْآن)).

 وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيِّ: ((المُؤْمِنُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ نَظَرَ؛ فَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ لَهُ تَكَلَّمَ, وَإِلَّا أَمْسَكَ عَنْهُ، وَالفَاجِرُ إِنَّمَا لِسَانُهُ رِسْلًا رِسْلًا -الكَلَامُ عَلَى لِسَانِهِ سَهْلٌ مُتَهَاوَنٌ فِيهِ-)).

 أَيُّهَا المُسْلِمُونَ؛ لَوْ أَنَّنَا كَفَفْنَا عَنِ الكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي؛ فَلَنْ نَتَكَلَّمَ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَكَلَّمُ فِي الحَقِيقَةِ إِلَّا فِيمَا لَا يَعْنِينَا، ارْجِع إِلَى نَفْسِكِ صَادِقًا، وَفَتِّش فِي نَفْسِكِ وَاعِيًا؛ وَسَتَرَى صِدْقَ مَا أَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ-.

مَا نِسْبَةُ مَا يَعْنِيكَ إِلَى مَا لَا يَعْنِيكَ فِيمَا تَتَكَلَّمُ بِهِ؛ إِلَّا كَتَفْلَةٍ فِي بَحْرٍ!! إِلَّا كَرَمْلَةٍ فِي صَحَرَاءَ جَرْدَاءَ لَا أَمَدَ لَهَا!!
 أَمْسِكْ لِسَانَكَ حَتَّى تَتَوَفَّرَ عَلَيْكَ طَاقَةُ عَقْلِكَ وَطَاقَةُ قَلْبِكَ؛ مِنْ فَهْمِكَ؛ مِنْ حِفْظِكَ؛ مِنْ عِلْمِكَ؛ مِنْ ذِكْرِكَ؛ مِنْ تُقَاكَ وَتَقْوَاكَ، فَهَذَا كُلُّهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الآفَةِ، فَلَوْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ؛ لَوْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ...

 فَهَذَا نَافِعٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، هَذَا مَبْدَأٌ إِنْسَانِيٌّ عَامٌّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((احْرِص عَلَى مَا يَنْفعُكَ))، هَذَا يَنْفَعُ الكَافِرُ وَيَنْفَعُ المُسْلِمَ نَفْعًا مُضَاعَفًا؛ لِأَنَّ مَا يَنْفَعُهُ بِالضَّرُورَةِ وَبِالأَوَّلِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِآخِرَتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَإِنَّهُ يَحْرِصُ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ فَيَسْتَفِيدُ أَيْضًا.

 فَكَذَلِكَ لَا تَتَكَّلَم فِيمَا لَا يَعْنِيك، وَفِّر طَاقَةَ عَقْلِكَ وَطَاقَةَ قَلْبِكَ, وَاحْفَظ عَلَى نَفْسِكَ وَقْتَكَ وَاسْتَثْمِرْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ المَالَ فَرْعُ الوَقْت، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِالوَقْتِ فَقَدْ تَصَدَّقَ بِالأَصْلِ؛ لِأَنَّ المَالَ إِنَّمَا هُوَ حَصِيلَةُ عَمَلٍ وَبَذْلِ مَجْهُودٍ فِي وَقْتٍ، فَالوَقْتُ هُوَ الأَصْلُ، وَعَلَيْهِ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَذَا الوَقْتِ فِي مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ، فِي الإِصْلَاحِ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ، فِي تَقْرِيبِ مَا بَيْنَ المُتَنَازِعِينَ، فِي بَثِّ العِلْمِ النَّافِعِ، فِي الدَّعْوَةِ إِلَى العَمَلِ الصَّالِح.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  إياك أن تكون ديوثا
  بدعة خروج النساء للمقابر أول رجب أو أول خميس منه
  حرمة الخضوع بالقول
  هل أنت محروم ؟
  أفق يا رجل لا تكونن وليًّا لله في العلن عدوًا لله في السر
  ولكننا من جهلنا قل ذكرنا
  يريد أن يطلق زوجته لانه لم يعد يحبها،، فماذا قال له الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟؟
  إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أَحْمِلُهُ يَسْتَطِيعُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَهُ؛ وَلَكِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي أَحْمِلُهُ لَيْسَ لِغَيْرِي أَنْ يَحْمِلَهُ
  ألا تخشى سوء الخاتمة
  أَكثَرُ النَّاس يُنازِع مِن أَجلِ التَّحسِينَيات!!
  طَعْنُ شَيْخِ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ فِي الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ
  لَا يُمَكَّنُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَبَدًا
  من الذي يفجر المساجد...؟! خوارج العصر
  انتبه...أفِق من غفوتِك!! لا تَشغَل نفسَكَ بغَيرِكَ
  النقاب فى زمان العرى والإنحلال والدياثة
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان