تفريغ مقطع : تَعَرَّفْ كَيْفَ تُحَوِّلْ حَيَاتَكَ كُلَّهَا إِلَى عِبَادَةٍ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-

((تَعَرَّفْ كَيْفَ تُحَوِّلْ حَيَاتَكَ كُلَّهَا إِلَى عِبَادَةٍ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-))

كُلُّ نَفَسٍ مِنَ الْأَنْفَاسِ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ فِي طَاعَةِ اللهِ؛ كَيْفَ؟

أَيَبْقَى الْمَرْءُ فِي عِبَادَةٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَتَصَوَّرُهُ النَّاسُ فِي الصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَاءِ؟

نَعَمْ، بَلْ وَفِي الْمَنَامِ.

كَيْفَ؟

بِأَنْ نَعْرِفَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ الْعِبَادَةُ: كُلُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ الْبَاطِنَةِ.

حَتَّى إِنَّ الرَّسُولَ جَعَلَ قَضَاءَ الرَّجُلِ وَطَرَهُ فِي أَهْلِهِ صَدَقَةً، قَالَ: ((وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ)).

فَتَعَجَّبَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! يَقْضِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ، وَيَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ؟

قَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي حَرَامٍ أَيَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرٌ، فَكَذَلِكَ إِذَا جَعَلَهَا فِي حَلَالٍ يَكُونُ لَهُ بِهَا أَجْرٌ)).

إِذَنْ؛ كُلُّ مَا تَأْتِي وَكُلُّ مَا تَدَعْ، كُلُّ مَا تَفْعَلُهُ وَكُلُّ مَا لَا تَفْعَلُهُ، كُلُّ مَا تَتَحَرَّكُ فِيهِ وَكُلُّ مَا تَسْكُنُ عَنْهُ؛ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ صَارَ عِبَادَةً للهِ، حَتَّى إِنَّ الْعُلَمَاءَ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يَجْعَلُونَ الِانْكِفَافَ عَنِ الذِّكْرِ عِبَادَةً للهِ، كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: ((إِنِّي لِأُمْسِكُ عَنِ الذِّكْرِ بَعْضَ الْوَقْتِ إِجْمَامًا لِنَفْسِي؛ لِأَسْتَعِدَّ بِذَلِكَ لِذِكْرٍ آخَرَ)).

بَلْ إِنَّ النَّوْمَ يَكُونُ عِبَادَةً، إِذَا نَوَيْتَ عِنْدَ الْمَنَامِ أَنْ تَتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ لِنَفْسِكَ وَلِمَنْ تَعُولُ، وَأَيْضًا لِتَتَقَوَّى عَلَى عِبَادَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ فَنَوْمُكُ عِبَادَةٌ للهِ.

أَكْلُكَ وَشُرْبُكَ يَكُونُ عِبَادَةً للهِ، كَلَامُكَ وَصَمْتُكُ يَكُونُ عِبَادَةً للهِ، فَالْحَيَاةُ كُلُّهَا تُصْرَفُ للهِ، وَمِنْ أَجْلِ اللهِ، وَفِي طَرِيقِ اللهِ.

وَالزَّوَاجُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ، جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ زَوْجَيْنِ، مِنَ الْجَمَادِ، وَمِنَ النَّبَاتِ، وَمِنَ الْحَيَوَانِ وَالْحَشَرَاتِ، وَمِنَ الْأَنَاسِيِّ، فَإِذَا نَوَى الْإِنْسَانُ بِالزَّوَاجِ أَنْ يُنْفِذَ السُّنَّةَ الْكَوْنِيَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي هَذَا الْكَوْنِ فَهَذِهِ عِبَادَةٌ، وَأَنْ يُنْفِذَ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

وَالزَّوَاجُ مِنْ سُنَّتِهِ ﷺ، قَالَ: ((وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ -أَيْ وَأَتَزَوَّجُ النّسَاءَ- فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)).

ثُمَّ يَنْوِي أَنْ يُعِفَّ نَفْسَهُ بِالزَّوَاجِ، وَأَنْ تَعِفَّ بِهِ وَاحِدَةٌ مِنْ بَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ الْوَلَدَ الصَّالِحَ الَّذِي يَكُونُ امْتِدَادًا لَهُ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَ الْحَيَاةَ، وَيَنْوِي -أَيْضًا- أَنْ يُحَصِّلَ فِي بَيْتِهِ مَنْ تُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَأَنْ يُكَثِّرَ الْأُمَّةَ، إِذْ هُوَ مَقْصُودُ الرَّسُولِ ﷺ.

فَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ عِبَادَةً للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

يَقْضِي وَطَرَهُ، يُحَصِّلُ لَذَّتَهُ وَشَهْوَتَهُ؛ وَيَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، ((اللُّقْمَةُ يَجْعَلُهَا فِي فِي -أَيْ فِي فَمِ- امْرَأَتِهِ؛ يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ)) كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ.

فَأَنْعِمُوا عَيْنًا بِهَذَا الدِّينِ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعِيشُونَ مَا يَعِيشُونَ مِنَ الْأَعْوَامِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَلَا يَأْتِي فِي خَاطِرِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُدُّهَا نِعْمَةً! هُوَ لَا يَعْرِفُهَا نِعْمَةً أَصْلًا! وَمَا نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ هَذِهِ؟!

هَذِهِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ، أَعْظَمُ نِعْمَةٍ يُنْعِمُ اللهُ بِهَا عَلَيْكَ هِيَ نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ، اصْطَفَاكَ وَجَعَلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ أُمَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ، مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ، فَهَذَا أَعْظَمُ فَضْلٍ تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْكَ، فَاحْمَدِ اللهَ عَلَيْهِ؛ حَتَّى يَزِيدَكَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُثَبِّتَكَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَلْقَى وَجْهَهُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَضِلُّونَ، قَدْ يَضِلُّ الْمَرْءُ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، ((وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ)).

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاهُ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  هل كان موسى عليه السلام عميلًا لفرعون؟ هل كان الحسن البصري عميلًا للحجاج؟!
  سِر الهجمة الشرسة على شيخِ الإسلامِ ابن تيمية
  حقق عقيدتك أوَّلًا حتى تعرف ربك وتعرف دينك وتعرف عقيدتك
  مقطع تاريخي : حول تعامل الإعلام مع أحداث البطرسية
  هَلْ تَعْلَمُ أَنَّكُ إِنْ تَسَتَّرْتَ عَلَى مُجْرِمٍ خَارِجِيٍّ تَكْفِيرِيٍّ فَأَنْتَ ملعون؟
  حكم خلع المرأة ثيابها في غير بيتها
  فَلْنَرْحَمْ أَنْفُسَنَا مِنْ مَعَاصِينَا!
  الناسُ في غفلةٍ عما يُراد بِهم
  حال المؤمن عند الأمر وعند الإخبار
  ألا تخشى سوء الخاتمة
  التحليل السياسي الفكري
  حَذَارِ أخي أنْ يُؤتَى الإسلامُ مِن قِبَلِكَ!!
  ‫كونوا كما أرادكم الله
  ما معنى أن تكون مسلمًا؟
  أنواع الحج
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان