((هَلْ يَتَعَارَضُ الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ مَعَ الدِّينِ؟))
هل يصح الاعتماد على العلم الطبيعي في معرفة كل الحقائق؟!!
هل الدين والْعِلْمَ الطبيعي أَمْرَان متناقِضَانِ لا يمكن للعاقلِ أن يَجْمَعَ بينهما؟!!
هل مِن الممكنِ أنْ يُسْتَعْمَلَ منهجُ الْعِلْمِ الطبيعيِّ فِي كل المجالات التي يحتاج إِلَيْها الناس؟!!
هل يستطيع الْعِلْم المادي أن يبين لنا الهدف من حياة الناس على هذا الكوكب الأرضي؟!!
هل يستطيع الْعِلْم المادي أن يبين لنا ما يصير إِلَيْهِ الناس بعد هذه الحياة؟!!
حقائق:
*الدين ليس مقابلًا للعلم الطبيعي..
*الْعِلْمُ الطبيعي ليس وسيلةً إِلَى كل المعارف..
*هُنَالكَ معارف لا تدرك إلا بالرواية.. إلا بالخبر..
*من وسائل المعرفة ومن طرقها: العقل والحِس، وكذَلِكَ الرواية والخبر.
*الناس فِيهم جوعٌ فطري إِلَى التعبد للإله الْحَقّ.
*بطلان ادعاء التخلي عن الدين بسبب قيام حروب من أجله؛ فقد قامت حروب بِسَبَب الاختلافات اللَّوْنية والانتماءات العنصرية؛ فهل يتخلى الناس عَنْ ألوانهم وأجناسهم؟!!
والحرب شرٌّ ما فِي ذَلِكَ شك، لَكِنَّ هذا الشَّرَّ قد يكون عملًا صالحًا إِذَا كَانَ وسيلة وحيدة للدفاع عَن الْحَقّ، أو لدرءِ شر أكبر.
*مِن الأَسْبَابِ التي أَدَّتْ إِلَى الْإِلْحَاد: أنَّ الْمُلْحِدِينَ اتبعوا طريقةً خَدَّاعَةً؛ هي: أن يضعوا الدين فِي مقابل الْعِلْم الطبيعي، ثم يتكلموا عَنِ المزايا التي يمتاز بها منهجه الْعِلْمي، وعن الثمار التي جناها الناس من المخترعات التي قامت على أساسه، وعن توسيعه لدائرة معارف الناس بالكون، وقضائه بذَلِكَ على كثير من الخرافات المتعلقة بطبيعة الكون أو طبيعة الأَسْبَاب الفاعلة فِيه، إِلَى غير ذَلِكَ.
ثم يَقُولون: أَنَّهُ لهذا كلِّه ينبغي أن يكون الاعتماد على الْعِلْم الطبيعي إِلَى الدين فِي معرفة الْحَقائق.
وهذه الحجة كَانَت تصلح لو أن الدين والْعِلْمَ الطبيعي كَانَا أَمْرَيْنِ متناقِضَيْنِ لا يمكن للعاقلِ أن يَجْمَعَ بينهما.
وربما كَانَت تَصْلُحُ هذه الحجةُ لو أَنَّهُ كَانَ مِن الممكنِ أنْ يُسْتَعْمَلَ منهجُ الْعِلْمِ الطبيعيِّ فِي كل المجالات التي يحتاج إِلَيْها الناس، بما فِي ذَلِكَ –مثلًا-: الهدفُ من حياتهم على هذا الكوكب الْأَرْضي؛ فهل يستطيع الْعِلْم المادي أن يبين لنا هذا الهدف؟!!
وكذَلِكَ ما يصير إِلَيْهِ الناس بعد هذه الحياة.
وكذَلِكَ القِيَمُ التي يَسْتَهْدُونَ بها فِي حياتهم؛ لَكِنَّ الْعِلْمَ الطبيعي بطبيعة منهجه وكذَلِكَ باعتراف أساطينه لا يستطيع أن يَفْصِلَ لنا فِي هذه الأمور.
فالذي يَقُول للناس -والحالُ هذه-: خذوا الْعِلْم الطبيعي واتركوا الدين؛ هو كَإنسانٍ يَقُول لك: إن الناس يتفقون على ما يشاهدون بحواسهم أكثرَ من اتفاقهم على ما يستنتجون بعقولهم.
فإذا ما وافقته على ذَلِكَ؛ مَضَى لِيقول: إِذن؛ فِيجب أن نعتمد على الحواس ونترك العقل جانبا!!
فالقياس واحد.
وأنه لا تناقض بين الاعتماد على الحس فِي معرفة ما مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْرَفَ بها –أي: بالحواسِّ-، والاعتمادِ على العقلِ فِي معرفة ما لا يُعْرَفُ إلا به.
إنه لا تَقَابُل بين الْعِلْم الطبيعي والدين؛ بل إن الدين الْحَقّ يعترف بالمنهج الْعِلْمي الطبيعي وسيلةً إِلَى المعرفة؛ بل إن المنهج التجريبي وَضَعَهُ علماؤنا المسلمون، فأوَّلُ مَنْ وَضَعَ المنهجَ التجريبي هو «شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-»، وسُرِقَ منه، ثم رُوِّجَ فِي الغرب على أَنَّهُ من ابتكار فلان وفلان فِي البحث الْعِلْمي!! ولَكِن الثابت الَّذِي لا يقبل المجادلة ولا النقض: أن أولَ من وضع أسس المنهج التجريبي هو «شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله تعالى-».
إذن؛ فالدين ليس مقابلًا للعلم الطبيعي؛ ولَكِنه يَقُول –أي الدينُ الْحَقُّ الَّذِي يَعْتَرِفُ بالْعِلْمِ الطبيعي-: أَنَّهُ ليس وسيلةً –يعني: الْعِلْمَ الطبيعي– إِلَى كل المعارف؛ فأنت لا تستطيع بالْعِلْم الطبيعي أنْ تَصِلَ إِلَى كل المعارف؛ بل هُنَالكَ معارف لا تدرك إلا بالرواية، إلا بالخبر، كما مر ذَلِكَ فِي كلام شيخ الإسلام وغيره عنْد النظر فِي رسالة العلامة السعدي رحمه الله.
بل هُنَالِكَ أَيْضًا معارف لا تُدرك إلا بالاستنتاج العقلي.
فهذه كلها من وسائل المعرفة ومن طرقها: العقل والحِس، وكذَلِكَ الرواية والخبر.
وأيضا هُنَالِكَ ما لا يمكن معرفته إلا من طريق الرسل، وهو بالخبر الصادق، فالعاقل هو الَّذِي يستفيد من كل هذه الوسائل بحسب نوع المعرفة التي يريدها، ومَن لا عَقْلَ له يَحْصُرُ نفسَه فِي بعضِها، ويُنْكِرُ غيرَه؛ لِذَلِكَ فإن الناس لشدة حاجتهم إِلَى تلك المعارف التي لا يُوصِلُهُمُ الْعِلْمُ الطبيعيُّ إِلَيْهِا؛ يفضلون التعلق بأي دين؛ ولو رأوا فِيه بعض الأباطيل؛ لِأَنَّهُ يُلَبِّي شيئا من حاجتهم إِلَى هذه المعارف؛ لأن الناس فِيهم جوعٌ فطري إِلَى التعبد للإله الْحَقّ، وهم يتطلعون إِلَى شيء باطل.
الْعِلْم الطبيعي لا يمكن أن يُشْبِعَ هذه الحاجات، ولا أنْ يَسُدَّ تلك الجَوعات، وحينئذ يتعلق الناس بأي دين يأتي لهم ولو بالخرافات؛ ولَكِن يتكلم عَنْ أمثال هذه المعاناة الباطنة التي يجدها الكائن الإنساني فِي نفسه.
كذَلِكَ من المقالات الْمُفْتَعِلَةُ؛ بل هي مضحكةٌ فِي حد ذاتها: ما قَالَه الفيلسوف «بُوبَرْ» الَّذِي اسْتَشْهَدَ به «وَايِنْبِيرْج»: «إنه من البديهي جدًا أنَّ اللاعقلانية، لا العقلانية، هي المسؤولة عَنْ كل الحروب والعداوات القومية قبل الحروب الصليبية وبعدها؛ ولَكِنني لا أعرف حربا أُشْعِلَتْ لغايةٍ علمية، أو بإِيعَازٍ من الْعِلْماء».
هذا ما قَالَه ذَلِكَ الفيلسوف!!
فيقال له: كذَلِكَ لم تَقُم حروب بِسَبَب الاختلافات الأدبية والأذواق الفنية؛ لَكِنَّ المتحاربين –متدينين كَانَوا أو غير متدينين– يستفيدون مما يعرفون من علمٍ بالدنيا فِي حروبهم؛ فلئن لم تقم الحروب باسم هذا الْعِلْم –وقد كَانَ خادما مسخَّرًا فِيها-؛ فأيُّ فضلٍ له على الدين فِي ذَلِكَ؟!!
ويقال له: إنَّهُ قد قامت حروب بِسَبَب الاختلافات اللَّوْنية والانتماءات العنصرية؛ فهل يتخلى الناس عَنْ ألوانهم وأجناسهم؟!!
ويقال أَيْضًا: إنَّ الحرب شرٌّ ما فِي ذَلِكَ شك؛ ولِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ للمؤمنين: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسألوا اللَّهَ العَافِيَةَ». كما فِي «الصحيحين».
لَكِنَّ هذا الشَّرَّ قد يكون عملًا صالحًا إِذَا كَانَ وسيلة وحيدة للدفاع عَن الْحَقّ، أو لدرءِ شر أكبر.
من سلسلة: ((الرد على الملحدين)) - الشيخ محمد بن سعيد رسلان.