تفريغ مقطع : الحثُّ على قَوْلِ الخيرِ أو الصَّمت
((الحثُّ على قَوْلِ الخيرِ أو
الصَّمت))
فإن النبيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم-
بَيَّنَ لنا قاعدةً كليةً عامَّةً؛ مَن أخذ بهَا والتزَمَها؛ نجَّاه اللهُ مِن
آفاتِ اللسَان كلِّهَا؛ وهِيَ: قولُه -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رواهُ أبو هريرة
-رضي الله تعالى عنه- عنهُ والحديث في ((الصحيحين)): ((مَن كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ
الآخرِ فَليَقُل خيرًا أو لِيصمُت)).
قولُه -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((مَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر)) فليفعل كذا وكذا، يدلُّ على أنَّ هذه
الخصال من خصالِ الإيمان، والأعمالُ تدخلُ في الإيمان، وأعمالُ الإيمانِ تارةً
تتعلقُ بحقوقِ الله؛ كأداءِ الواجبات، وتركِ المحرَّمات ومن ذلك قولُ الخيرِ
والصمتُ عن غيرِه، وتارةً تتعلقُ بحقوقِ عبادِهِ؛ كإكرامِ الضيف، وإكرامِ الجار،
والكفِّ عن أذاه.
فهذه ثلاثةُ أشياء يُؤمرُ بها المؤمن:
أحدُها قولُ الخيرِ والصَّمْتُ عمَّا سواه.
وقد ورد أنَّ استقامةَ اللسانِ مِن خصالِ
الإيمان، فعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ)). أخرجهُ أحمد، وَحَسَّنَهُ الألبانيُّ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ صَمَتَ نَجَا)). أخرجه أحمد والترمذيُّ وهو حديثٌ صحيح.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- فيما أخرجهُ
الشيخان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنَّ الرجلَ ليتكلم بالكلمةِ ما
يتبين ما فيها يَزِلُّ بها في النارِ أبعدَ ما بين المشرقِ والمغربِ)).
وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((فَليقُل خيرًا أو ليصمت)) أمرٌ بقولِ الخيرِ وبالصمتِ عمَّا عَدَاه,
وهذا يدلُّ على أنه ليس هناك كلامٌ يستوي قولهُ والصمتُ عنه, بل إمَّا أنْ يكونَ
خيرًا فيكونَ مأمورًا به, وإمَّا أن يكونَ غيرَ خيرٍ فيكونَ مأمورًا بالصمتِ عنه.
وقد رُوِيَ عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-
قال: ((إياكم وفضولَ الكلام، حَسْبُ امرئٍ ما
بلغَ حاجتَهُ)).
وعن النخعي قال: ((يَهْلِكُ الناسُ في فضولِ المالِ
والكلام)).
وأيضًا فإنَّ الإكثارَ من الكلام الذي لا
حاجةَ إليه يُوجبُ قساوةَ القلب.
قال عمر -رضي الله عنه-: ((من كَثُرَ كلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، ومَنْ
كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَت ذُنوبُهُ؛ ومَنْ كَثُرَت ذُنوبُهُ كانت النَّارُ أَوْلَى بِه)).
وقال محمد بن عجلان: ((إنما الكلامُ أربعة؛ أنْ تذكرَ الله،
وتقرأَ القرآن، وتُسأل عن علمٍ فتُخبر به، أو تَكلَّمَ فيما يعنيك مِن أمرِ دنياك)).
وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يأخذ
بلسانه ويقول: ((هذا أوردني الموارد)).
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ((والله الذي لا إله إلا هو ما على الأرضِ
أحقُّ بطولِ سَجْنٍ من اللسان)).
والمقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
أمرَ بالكلامِ بالخيرِ والسكوتِ عمَّا ليسَ بخير.
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنَّ
رجلًا قال: يا
رسول الله؛ عَلِّمْني عِلمًا يدخلني الجنة... فذكر الحديث وفيه قال: ((فأطعم الجائع, واسق الظمآن, وأمر
بالمعروف, وانه عن المنكر, واسكت عن الشرِّ فإن لم تطق ذلك؛ فكُفَّ لسانك إلا من
خير)). أخرجهُ أحمد، وصحَّحَهُ الألبانيُّ وغيرُهُ.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك