انْحِرَافِ الشَّبَابِ.. الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ
*انْتِشَارُ الْعَقَائِدِ الْكُفْرِيَّةِ وَالْإِلْحَادِ فِي هَذَا الْعَصْرِ:
إِنَّ أَعْدَاءَ دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا يُرِيدُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاحِلِ الصِّدَامِ الْأُولَى مَعَهُمْ؛ لَا يُرِيدُونَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ, كَثِيرٌ مِنَ الْمِسْلِمِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ يُرِيدُونَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دِينِهِمْ, هَكَذَا بَدَأَ؟!
لَا, وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ تَشْتِيتَ الْمُسْلِمِ فِي عَقِيدَتِهِ، وَفِي حَيَاتِهِ، وَعِبَادَتِهِ، وَفِي مُعَامَلَاتِهِ، وَفِي أَخْلَاقِهِ، وَفِي سُلُوكِهِ؛ لِكَيْ لَا يَصِيرَ لَا مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا.
هُمْ يُرِيدُونَ الْمُسِلَمَ خَارِجًا مِنْ إِطَارِ إِسْلَامِهِ إِلَى شَيْءٍ لَا يَمُتُّ لِلْإِسْلَامِ بِسَبَبٍ وَثِيقٍ, وَلِذَلِكَ يَغْزُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَقَائِدِهِمْ وَتَنْتَشِرُ تِلْكَ الْأَفْكَارُ الْإِلْحَادِيَّةُ الْكَافِرَةُ الْفَاجِرَةُ: مِنْ (الْقَادْيَانِيَّةِ)، وَ(التِّيجَانِيَّةِ)، ومِنْ (دِينِ الرَّوَافِضِ)، وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ الْفَاسِدَةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ زَيَّنُوا لِفِئَامٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (عِبَادَةَ الشَّيْطَانِ)، حَتَّى وُجِدَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ!!
فَهُمْ يُرِيدُونَ الْمُسْلِمِينَ مُشَتَّتِينَ، وَالْعِصْمُةُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ أَنْ يَعْرِفَ الْمُسْلِمُ عَقِيدَتَهُ، فَهِيَ طَوْقُ النَّجَاةِ فِي يَمِّ الْحَيَاةِ, فَالْعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ طَوْقُ النَّجَاةِ فِي يَمِّ الْحَيَاةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى وَلَا أَنْ يَلْحَقَهُ غَرَقٌ, وَلَا أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ مَا دَامَتْ عَقِيدَتُهُ مَعَهُ, وَهَذَا هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
النَّبِيُّ ﷺ يَعْلَمُ بِعِلْمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِي عَلَّمَهُ؛ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ قَلْبٌ وَلَهُ رُوحٌ وَجَسَدٌ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لِقَلْبِهِ مُتَطَلَّبَاتٌ، وَلِرُوحِهِ كَذَلِكَ حَاجَاتٌ، وَلِجَسَدِهِ مَا يَقُوتُهُ وَيَحْيَا بِهِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونُوا وَسَطًا؛ لِأَنَّهُمْ وَسَطٌ فِي الْأُمَمِ، فَعَقِيدَتُهُمُ الْوَسَطُ الَّذِي لَا يَزِيغُ وَلَا يَنْحَرِفُ، فَلَا غُلُوَّ وَلَا تَقْصِيرَ، لَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ.
يَسْرِي الْيَوْمَ كَسَرِيَانِ السَّرَطَانِ فِي الْجَسَدِ الْحَيِّ أَفْكَارٌ كُفْرِيَّةٌ مِنْهَا:
*مَا يَتَسَلَّلُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الطَّيِّبِينَ, يَقُولُ: الْأَدْيَانُ كُلُّهَا حَقٌّ وَكُلٌّ يَعْبُدُ رَبَّهُ, وَالْمَعْبُودُ فِي الْمُنْتَهَى هُوَ الْمَعْبُودُ, فَسَوَاءٌ كَانَ الْعَابِدُ مُسْلِمًا أَمْ كَانَ عَابِدًا عَلَى أَيِّ نِحْلَةٍ تَكُونُ؛ فَهُوَ عَابِدٌ لِخَالِقِ الْكَوْنِ، لِمَالِكِهِ، لِلَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَهُ، هَكَذَا؟!!
هَذَا كُفْرٌ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، هَذَا كُفْرٌ بِدِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَكَثِيرٌ مِنْ دُوَلِ الْعَالَمِ الْغَرْبِيِّ وَالشَّرْقِيِّ تُعَانِي مِنْ نَزْعَةٍ إِلْحَاديةٍ عَارِمَةٍ، جَسَّدَتْهَا الشُّيُوعِيَّةُ الْمُنْهَارَةُ، وَتُجَسِّدُهَا الْعَلْمَانِيَّةُ الْمُخَادِعَةُ.
وَالْإِلْحَادُ بِدْعَةٌ جَدِيدَةٌ لَمْ تُوجَدْ فِي الْقَدِيمِ إِلَّا فِي النَّادِرِ فِي بَعْضِ الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ.
الْإِلْحَادُ -فِي هَذَا الْعَصْرِ- لَهُ مَوَاقِعُ، وَلَهُ كُتُبٌ، وَلَهُ نَشْرَاتٌ، وَلَهُ مَرَاكِزُ، وَهُمْ يَرَوِّجُونَهُ بَيْنَ الشَّبَابِ، وَالشَّبَابُ قَدْ فُرِّغَ مِنْ ثَقَافِتِهِ بَلْ فُرِّغَ مِنْ عَقِيدَتِهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ هَذِهِ الشُّبَهَاتِ عَنْ نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا صَدَّقَ أَنَّهَا مِنَ الْحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْجِدَالَ، مَعَ أَنَّهَا أَوْهَامٌ فِي أَوْهَامٍ.
يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تُحَصِّنَ نَفْسَكَ، ثُمَّ يَنْبَغِي عَلَيْكَ كَمُسْلِمٍ سُنِّيٍّ؛ يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَنْقِذَ إِخْوَانَكَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أَمْثَالَ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ، وَهَذَا الْأَمْرُ يَتَفْشَّى الْآن، بَلْ يَنْتَشِرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ الْمُسْلِمِ كَالنَّارِ فِي الْهَشِيمِ!!
نَحْنَ فِي هَذَا الْعَصْرِ نَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنْفُسِنَا؛ فَلِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يَثْبُتُوا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي فَطَرَهُمُ اللهُ عَلَيْهِ، أَوْ لِمَنْ انْحَرَفَ عَنِ الْقَصْدِ فَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِ الشًّبُهَاتُ حَتَّى وَقَعَ في شُبْهَةٍ مِنَ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُخْرِجُهُ مِنَ الْجَادَّةِ إِلَى الْإِلْحَادِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.
فَالْمُسْلِمُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْحِيَلِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي يَنْطِقُ بِهَا مَنْ يَنْطِقُ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَيُلْقُونَهَا فِي أَسْمَاعِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ أنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ.
*انْتِشَارُ عَقِيدَةِ الْخَوَارِجِ وَالتَّكْفِيرِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَيْنَ الشَّبَابِ:
عِبَادَ اللهِ! لَا شَكَّ أَنَّ عَقِيدَةَ الْخَوَارِجِ مُنْتَشِرَةٌ بَيْنَ الشَّبَابِ، وَانْتِشَارُ مَظَاهِرِ الْفَسَادِ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَالسَّمَاحُ لِدُعَاةِ الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ بِالتَّعَدِّي وَالظُّهُورِ وَالتَّحَدُّثِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ, عَلَانِيَةً, مَعَ انْتِشَارِ مَظَاهِرِ الِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ.
هَذِهِ كُلُّهَا لَا شَكَّ شَجَّعَتْ عَلَى رُدُودِ الْفِعْلِ لَدَى الشَّبَابِ, فَوَجَبَ إِزَالَتُهَا وَالسَّعْيُ لِتَطْبِيقِ شَرِيعَةِ اللهِ, وَجَعْلُ الدِّينِ الْمُسَيْطِرِ عَلَى الْحَيَاةِ, وَبِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إِنْشَاءُ الْمُوَاطِنِ الصَّالِحِ.
*وَمِنْ أَسْبَابِ انْحِرَافِ الشَّبَابِ وَتَدْمِيرِهِمْ: الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانُ:
يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْمُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ﷺ؛ الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ، وَكُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُغيِّبَ الْوَعْيَ أَوْ يُذْهِبَهُ، أَوْ يُضْعِفَ الْعَقْلَ أَوْ يَحْجُبَهُ، بَلْ يَدْخُلُ الْمُتَعَاطِي لِلْمُخَدِّرَاتِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِهَا، وَبِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهَا؛ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهُ، إِذْ يُضَيِّعُ الْمُدْمِنُ نَفْسَهُ وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ، بَلْ يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، وَيُفرِّطُ فِي عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!
فَمِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ؛ تَضْيِيعُ شَبَابِ الْأُمَّةِ وَشِيبِهَا، وَإِهْدَارُ ثَرْوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَتَضْيِيعُ الذُّرِّيَّةِ وَالْأَهْلِ، وَالتَّفْرِيطُ فِي حَقِّ الدِّينِ، وَحَقِّ الوَطَنِ.
*مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ الَّتِي أَصَابَتْ شَبَابَ الْأُمَّةِ: تَفْرِيغُ الشَّبَابِ ثَقَافِيًّا، وَتَغْرِيبُهُمْ:
إِنَّ الْأَجْيَالَ الْمُسْلِمَةَ قَدْ تَتَابَعَ عَلَيْهَا تَفْرِيغٌ ثَقَافِيٌّ، فُرِّغَتْ أَجْيَالُنَا مِنْ ثَقَافَتِهَا، مِنْ لُغَتِهَا، وَلَمْ تُتْرَكْ مُفَرَّغَةً، وَإِنَّمَا حُشِيَتْ جَهْلًا وَمُلِئَتْ مَكْرًا، وَأُحِيطَ بِهَا كَيْدَا وَسُخْرًا -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
إِنَّ كُلَّ مَنْ آتَاهُ اللهُ فِطْرَةً سَلِيمَةً، وَحَفِظَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ فِطْرَتَهُ مِنَ التَّشَوُّهِ وَالْفَسَادِ؛ يَجِدُ هَذَا الْإِحْسَاسَ؛ إِحْسَاسَ التَّمَزُّقِ بَيْنَ مَاضِيهِ وَمَوْرُوثِهِ، وَعَقِيدَتِهِ وَدِينِهِ، وَإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ، وَمَا يُرَادُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ، كَمَا تَرَى فِي تِلْكَ الْمُسُوخِ الْمُشَوَّهَةِ الَّتِي مَلَأَتِ الْأَصْقَاعِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَالَّتِي مَاجَتْ بِهَا الدُّنْيَا وَفَاضَتْ بِهَا الْحَيَاةُ، وَهِيَ لَا تُغْنِي عَنْ أُمَّتِهَا شَيْئًا، وَهِيَ لَا تَعِي مِنْ مَوْرُوثِهَا وَلَا مِنْ حَضَارَتِهَا شَيْئًا؛ بَلْ إِنَّهَا لَا تَحْمَلُ لِمَوْرُوثِهَا وَلِقَدِيمِهَا وَلِدِينِهَا وَعَقِيدَتِهَا سِوَى الْحِقْدَ، وَسِوَى الِاحْتِقَارَ، وَسِوَى الِازْدِرَاء، وَحَدِّثْ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَلَا حَرَج.
أَمْرٌ مُفْجِعٌ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُطْوَى الْقَلْبُ عَلَى أَحْزَانِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي الْكَبِدِ النَّصْلُ الْمَسْمُومُ مَغْرُوزًا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكٍ؛ حَتَّى يَرَى الْمَرْءُ طَرِيقَهُ، وَحَتَّى تَسْتَقِيمَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ قَدَمَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاقِعٌ فِي حَيْرَةٍ مُطْبِقَةٍ، وَفِي ظُلْمَةٍ عَاتِيَةً إِذَّا أَخْرَجَ يَدَهُ فِيهَا لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، ثُمَّ هُوَ مُسْتَلَبٌ مُغَيَّبٌ!!
ثُمَّ هُوَ مُفَرَّغٌ مَمْلُوءٌ فِي آنٍ، مُفَرَّغٌ مِنْ مَاضِيهِ...مِنْ تُرَاثِهِ...مِنْ انْتِمَائِهِ...مِنْ حَضَارَتِهِ...مِنْ قَدِيمِهِ...مِنْ تُرَاثِ أَجْدَادِهِ وَآبَائِهِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَمَمْلُوءٌ بِتِلْكَ النِّفَايَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ وَاسْتَقَرَّتْ فِي ضَمِيرِهِ وَنَفْسِهِ، مِنْ تِلْكَ الْمَدَنِيَّةِ الْفَاجِرَةِ الْعَاهِرَةِ الَّتِي مَاجَتْ بِهَا دِيَارُ الْغَرْبِ، وَالَّتِي لَمْ تَسْمُ بِقِيمَةٍ وَلَمْ تَرْتِفَعْ بِمِثَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّوحِ وَالْقَلْبِ وَالضَّمِيرِ.
وَإِنَّمَا هِيَ مَادِيَّةٌ مُتَبَرِجَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ عَاهِرَةٌ سَافِرَةٌ، تَتَكَالَبُ عَلَى الْمَلَذَّاتِ، مُرِيقَةٌ لِلدِّمَاءِ، لَيْسَ لَهَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّمَاءِ، مِنْ الِاتِّصَالِ الَّتِي تَسْعَى إِلَيْهِ الرُّوحِ، وَالَّذِي يَهْفُو إِلَيْهِ الضَّمِيرُ، وَالَّذِي لَا يَعِيشُ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا حَقِيقِيًّا إِلَّا بِهِ، بِجُوعِ بَاطِنٍ إِلَى اتِّصَالِهِ بِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَلَقِّي وَحْيِهِ الَّذِي يُصَافِحُ فِطْرَتَهُ بِفِطْرَتِهِ؛ إِذْ هُوَ الْفِطْرَةُ مُصَفَّاةٌ مِنْ كُلِّ شَوْبٍ، مُبَرَأَّةٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ.
إِنَّ الَّذِينَ اسْتُلِبُوا وَفُرِّغُوا وَمُلِئُوا؛ فَهَؤُلَاءِ يَمْلَؤُونَ الشَّوَارِعَ وَالْأَصْقَاعَ، وَتَمُوجُ بِهِمُ النَّوَاحِي وَالْأَقْطَارُ، وَهُمُ الْغُثَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ فِي حَدِيثِهِ، فِي قُلُوبِهِمُ الْوَهْن، وَبَادِيَةٌ عَلَى أَسَارِيرِ وُجُوهِهِمْ مَذَلَّةٌ حَاضِرَةٌ، وَاسْتِخْزَاءٌ ذَمِيمٌ، وَهُمْ تَبَعٌ لِكُلِّ نَاعِقٍ فِي كُلِّ سَبِيلٍ.
*تَدْمِيرُ الشَّبَابِ بِمُحَارَبَتِهِمْ بِالْفَوَاحِشِ:
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْمُجْتَمَعَ إِذَا مَا انْهَارَتْ أَخْلَاقُهُ، وَإِذَا مَا سَقَطَتْ أَخْلَاقُهُ فِي الْحَمْأَةِ الْوَبِيلَةِ، الْمُجْتَمَعُ إِذَا ظَهَرَتْ فِيهِ الْفَاحِشَةُ؛ انْهَارَ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ عَلِمَ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ فِي دَاخِلٍ وَخَارِجٍ؛ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا بِالْمُوَاجَهَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ذَا بَالٍ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ التَّرْكِيزُ كُلُّهُ عَلَى بَثِّ الشُّبُهَاتِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى إِثَارَةِ نَوَازِعِ الْعَصَبِيَّةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَبِإِثَارَةِ الشَّهَوَاتِ وَبَعْثِ النَّزَوَاتِ مِنْ مَكَامِنِهَا، فَإِذَا انْهَارَتِ الْأَخْلَاقُ؛ انْهَارَ الْمُجْتَمَعُ لَا مَحَالَةَ.
وَالْآنَ يَعْكُفُ النَّاسُ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-- فِي الْأَصْبَاحِ وَفِي الْأَمْسَاءِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَفِي السَّحَرِ الْأَعْلَى، وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، عَلَى مُشَاهَدَةِ الْعُهْرِ وَالْخَنَا، وَتَبَلَّدَتِ الْأَخْلَاقُ، وَانْمَحَقَتِ الْغَيْرَةُ!!
الرَّجُلُ تَكُونُ امْرَأَتُهُ بِجِوَارِه تَتَطَلَّعُ إِلَى رَجُلٍ عَارٍ، لَا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُكْشَفَ غِطَاءٌ، وَلَرُبَّمَا كُشِفَ حَتَّى تَرَى الْمَرْأَةُ مُوَاقَعَةً، وَمُبَاشَرَةً وَاقِعَةً، وزَوْجُهَا -وَقَدْ خَرَجَ لَهُ قَرْنَانِ عَظِيمَانِ- بِجِوَارِهَا يَنْظُرُ، وَرُبَّمَا يَضْحَكُ!!
وابْنَتُهُ يَأْتِي إِلَيْهَا في خِدْرِهَا بِالْخَنَا، وَيَأْتِي لَهَا فِي خِدْرِهَا مَا يُعَلِّمُهَا بِهِ الْفُجُورَ!! ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ؛ لَامَ النَّاسَ، وَلَامَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي حَفَرَ بِظِلْفِهِ قَبْرَهُ، فَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ؛ حَتَّى تَتَنَزَّلَ عَلَيْنَا الرَّحَمَاتُ؛ فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ يُحْجَبُ بِهَا خَيْرٌ كَبِيرٌ.
*الْعِلَاجُ النَّافِعُ لِانْحِرَافَاتِ الشَّبَابِ الْمُسْلِمِ:
تَعَلَّمُوا -عِبَادَ اللهِ-، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، وَتَمَسَّكُوا بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، احْفَظُوا مَنْطِقَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ أَنْ تُوَاقِعَ الْحَرَامَ، لَا تَجْلِسُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَمَامَ تِلْكَ الشَّاشَاتِ الَّتِي تُخَرِّبُ عَلَيْكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، تُدَمِّرُ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ، وتُفْسِدُ عَلَيْكُمْ بُيُوتَكُمْ، فَلْتَكُنْ بُيُوتُكُمْ كَبُيُوتِ الْأصْحَابِ -عِبَادَ اللهِ-.
يَا أَيُّهَا الشَّبَابُ الْمُسْلِمُ! حِمَايَتُكُمْ مِنَ الضَّلَالِ, حِمَايَتُكُمْ مِنَ الْفَسَادِ, حِمَايَةُ أَبْنَائِكُمْ مِنْ الِانْحِرَافِ, حِمَايَتُكُمْ مِنَ الشُّبُهَاتِ, حِمَايَةُ أَجْسَادِكُمْ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تَفْتِكُ فِي أَهْلِ الْبَاطِلِ الَّذِينَ لَا تَحْجِزُهُمْ عَقِيدَةٌ سَوِيَّةٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الِانْحِرَافَاتِ الْجَسَدِيَّةِ.
حِمَايَتُكُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ, وَنَجَاتُكُمْ مِنَ الدَّمَارِ وَالضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ، وَالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالزَّيْغِ، وَنَجَاتُكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّارِ, كُلُّ ذَلِكَ بِأَنْ تَعْرِفُوا وَأَنْ تَعْلَمُوا وَأَنْ تُحَقِّقُوا الْعَقِيدَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ؛ نَبِيُّكُمْ ﷺ.
وَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ أَنْ يُصِيبَكَ جَهْلٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَهَذَا وَاقِعٌ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ فَلَا يُحِيطُ بِالسُّنَّةِ إِلَّا النَّبِيُّ ﷺ، لَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ، وَأَنْ نَعْرِفَ أَنَّ هُنَالِكَ أُصُولًا ثَابِتَةً وَقَوَاعِدَ رَاسِخَةً, وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهَا بَصِيرًا، وَبِهَا مُلِّمًا، وَعَلَيْهَا قَائِمًا، وَلَهَا مُحَصِّلًا.
تِلْكَ الْأُنْفُسُ الطَّاهِرَةُ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ تَسْتَطِيعُ إِنْ اسْتَقَامَتْ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ أَنْ تَقْلَعَ الْجِبَالَ مِنْ أَمَاكِنِهَا, وَأَنْ تُزَلْزِلَهَا مِنْ نَوَاحِيِها، وَكُلُّ ذَلِكَ بِـ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ)).
يَا لَهُ مِنْ دِينٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ.
فَتَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ، وَتَحَقَّقُوا بِالِاتِّبَاعِ الْمَتِينِ خَلْفَ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ.
يَا أُمَّتِي!
يَا أُمَّتِي الْمَرْحُومَة!
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ!
يَا لَمَكَانِكِ بَيْنَ نُجُومِ السَّمَاءِ عَالِيًا فَوْقَ الذُّرَى!
لَوْ عَرَفْتِ مَكَانَكِ، لَوْ حَقَّقَتِ وُجُودَكِ, لَوْ تَمَسَّكْتِ بِمِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ...
تَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ وَعَلِّمُوهَا يُحْمَى الْمُجْتَمَعُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ الشَّاذَّةِ, وَالنِّحَلِ الْبَاطِلَةِ, وَالدِّيَانَاتِ الْوَافِدَةِ, فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَكَ, وَيُرِيدُونَ أَبْنَاءَكَ, وَيُرِيدُونَ حَفَدَتَكَ, وَيُرِيدُونَ إِخْوَانَكَ, وَيُرِيدُونَ جِيرَانَكَ, يُرِيدُونَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَخَاكَ وَأُخْتَكَ، وَعَمَّتَكَ وَعَمَّكَ، وَخَالَتَكَ وَخَالَكَ, يُرِيدُونَ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا وَإِنَّمَا تَائِهًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِكُلِّ ضَالٍّ فِي الْأُمَّةِ نَصِيبٌ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ إِلَى الْحَقِّ رَدًّا جَمِيلًا.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر: دَوْرُ الشَّبَابِ فِي بِنَاءِ الْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ