أَسْمَى الْآمَالِ الرَّجَاءُ فِي رَحْمَةِ اللهِ


 ((أَسْمَى الْآمَالِ الرَّجَاءُ فِي رَحْمَةِ اللهِ))

إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَلَّا يَقْنُطُوا مِنْ رَحْمَتِهِ, عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَمِّلُوا فِي رَوْحِ اللهِ، وَأَلَّا يَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا مِنْ وَسِيعِ رَحْمَتِهِ.

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

يُخْبِرُ اللهُ عِبَادَهُ الْمُسْرِفِينَ بِوَسِيعِ كَرَمِهِ، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَيَحْثُّهُمْ عَلَى الْإِنَابَةِ قَبْلَ أَلَّا يُمْكِنَهُمْ ذَلِكَ.

فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولَ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ مُخْبِرًا لِلْعِبَادِ عَنْ رَبِّهِمْ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} بِاتِّبَاعِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالسَّعْيِ فِي مَسَاخِطِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ.

{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}: لَا تَيْأَسُوا مِنْهَا فَتُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَتَقُولُوا قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُنَا، وَتَرَاكَمَتْ عُيُوبُنَا، فَلَيْسَ لَهَا طَرِيقٌ يُزِيلُهَا، وَلَا سَبِيلٌ يَصْرِفُهَا، فَتَبْقُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُصِرِّينَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُتَزَوِّدِينَ مَا يُغْضِبُ عَلَيْكُمُ الرَّحْمَنَ.

وَلَكِنْ اعْرِفُوا رَبَّكُمْ بِأَسْمَائِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَرَمِهِ وَجُودِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا مِنَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ، وَالزِّنَا وَالرِّبَا، وَالظُّلْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ.

{إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}: أَيْ وَصْفُهُ الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ وَصْفَانِ لَازِمَانِ ذَاتِيَّانِ لَا تَنْفَكُّ ذَاتُهُ عَنْهُمَا أَبَدًا، وَلَمْ تَزَلْ آثَارُهُمَا سَارِيَةً فِي الْوُجُودِ، مَالِئَةً لِلْمَوْجُودِ، تَسِحُّ  يَدَاهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيُوَالِي النِّعَمَ عَلَى الْعِبَادِ وَالْفَوَاضِلَ فِي السِّرِّ وَالْجَهَارِ، وَالْعَطَاءُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَنْعِ، وَالرَّحْمَةُ سَبَقَتِ الْغَضَبُ وَغَلَبَتْهُ.

وَلَكِنْ لِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَنَيْلِهِمَا أَسْبَابٌ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْعَبْدُ؛ فَقَدْ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا، بَلْ لَا سَبَبَ لَهَا غَيْرُهُ؛ الْإِنَابَةُ إِلَى اللهِ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ، وَالتَّأَلُّهُ وَالتَّعَبُّدُ، فَهَلُمَّ إِلَى هَذَا السَّبَبِ الْأَجَلِّ، وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ.

وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى بِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهِا، فَقَالَ: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} بِقُلُوبِكُمْ، {وَأَسْلِمُوا لَهُ} بِجَوَارِحِكُمْ.

إِذَا أُفْرِدَتِ الْإِنَابَةُ؛ دَخَلَتْ فِيهَا أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ، وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ كَانَ الْمَعْنَى -كَمَا مَرَّ-.

وَفِي قَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّكُـمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} دَلِيلٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ، وَأَنَّهُ مِنْ دُونِ إِخْلَاصٍ لَا تُفِيدُ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ شَيْئًا.

{مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ} مَجِيئًا لَا يُدْفَعُ، {ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَا هِيَ الْإِنَابَةُ وَالْإِسْلَامُ، وَمَا جُزْئِيَّاتُهَا وَأَعْمَالُهَا؟

فَأَجَابَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم} مِمَّا أَمَرَكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ كَمَحَبَّةِ اللهِ وَخَشْيَتِهِ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالنُّصْحِ لِعِبَادِهِ، وَمَحْبَّةِ الْخَيْرِ لَهُمْ، وَتَرْكِ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّدَقَةِ، وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا.

فَالْمُتَتَبِّعُ لِأَوَامِرِ رَبِّهِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَنَحْوِهَا هُوَ الْمُنِيبُ الْمُسْلِمُ، {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55]. 

وَكُلُّ هَذَا حَثٌّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ، وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ)) .

عَنْ شَطْبٍ الطَّوِيلِ: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ؛ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً -وَالْحَاجَةُ هِيَ الْحَاجَةُ الصَّغِيرَةُ، وَالدَّاجَةُ: هِيَ الْحَاجَةُ الْكَبِيرَةُ- أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟

 فَقَالَ: ((أَسْلَمْتَ؟)).

 قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: ((فَافْعَلِ الْخَيْرَاتِ، وَاتْرُكِ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلْهَا اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهَا)).

قَالَ: وَغَدَرَاتي وَفَجَرَاتِي؟

قَالَ: ((نَعَمْ)).

قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَالَ -فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ--: ((إنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ, ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ, فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً, فَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ, وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً, وَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)) .

زَادَ فِي رِوَايَةٍ: ((أَوْ مَحَاهَا، وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إلَّا هَالِكٌ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

مَعَ هَذَا الْحِسَابِ لِلْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إلَّا هَالِكٌ!!

مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً, وَإنْ هُوَ عَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ!!

وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ حَسَنَةً كَامِلَةً, وَإِنْ هُوَ هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً أَوْ مَحَاهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَيَقُولُ: ((وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلَّا هَالِكٌ)). فَإِنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَعَ هَذَا الْكَرَمِ فِي الْحِسَابِ إِلَّا الْهَالِكُ -نَسْألُ اللهَ الْعَافِيَةَ-.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا, فَإنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً.

وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً؛ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةٍ)) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً, وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ, وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ)).

وَفِي أُخْرىَ -أَيْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ- قَالَ: عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْهَا, فَإِنْ عَمِلَهَا فَإِنِّي أَكْتُبُهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, وَإذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا, فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَة، فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاي))؛ أَيْ: تَرَكَهَا لِأَجْلِي.

عَنْ مَعْنِ بنِ يَزِيدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ أَبِي (يَزِيدُ) أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ, فَجِئْتُ فَأخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا, فَقَالَ: وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ, فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: ((لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ, وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ)) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَسُبْحَانَ رَبِّيَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي عَمَّتْ رَحْمَتُهُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَوَسِعَتْ جَمِيعَ الْخَلْقِ فِي كُلِّ الآنَاتِ وَاللَّحَظَاتِ.

وَسَعَةُ رَحْمَتِهِ  تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ تَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ، فَإِنَّهُ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ، لَا يَخْرُجُ عَنْ دَائِرَةِ رَحْمَتِهِ إِلَّا الْأَشْقِيَاءُ الْمَحْرُومُونَ، وَلَا أَشْقَى مِمَّنْ لَمْ تَسَعْهُ رَحْمَتُهُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.

يَكْفِيكَ مَنْ وَسِعَ الْخَلَائِقَ رَحْمَةً   =   وَكِفَايَةً ذُو الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- -وَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ-: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54].

وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ، وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَلَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ، وَهُوَ خَبَرٌ مِنْهُ لِعِبَادِهِ، وَهُوَ صَادِقُ الْمَقَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَخَيْرُ الرَّاحِمِينَ.

وَرَحْمَتُهُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، أَرْحَمُ بِنَا مِنْ كُلِّ رَاحِمٍ، أَرْحَمُ بِنَا مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَنْفُسِنَا.

فَكُلُّ رَاحِمٍ  لِلْعَبْدِ؛ فَاللهُ أَرْحَمُ بِهِ مِنْهُ، إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، لَوْ جُمِعَتْ رَحَمَاتُ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ؛ لَكَانَتْ رَحْمَةُ اللهِ أَشَدَّ وَأَعْظَمَ، وَمَا تَبْلُغُ هَذِهِ الرَّحْمَاتُ مِنْ رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟!!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَمَعَهُ صَبِيٌّ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ؛ رَحْمَةً بِهِ، وَحَنَانًا وَبِرًّا.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:  ((أَتَرْحَمُهُ؟)).

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: ((فَاللهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ بِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)). وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

أَرْحَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْخَلْقِ بِالْخَلْقِ الْأُمُّ بِوَلَدِهَا، فَإِنَّ رَحْمَةَ الْأُمِّ وَلَدَهَا لَا يُسَاوِيهَا شَيْءٌ مِنْ رَحْمَةِ النَّاسِ أَبَدًا، حَتَّى الْأَبُ لَا يَرْحَمُ أَوْلَادَهُ مِثْلَ أُمِّهِمْ فِي الْغَالِبِ.

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَحْلِبُ تَسْقِي؛ إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟)).

قُلْنَا: لَا.

فَقَالَ: ((اللهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَأَيْنَ تَقَعُ رَحْمَةُ الْوَالِدَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَهُوَ أَرْحَمُ بِالْعَبْدِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا الرَّفِيقَةِ بِهِ فِي حَمْلِهِ وَرَضَاعِهِ وَفِصَالِهِ.

 

المصدر:الْأَمَلُ

 

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  دِينُ الرَّحْمَةِ وَالْأَخْلَاقِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى التَّوْحِيدِ
  الْحَثُّ عَلَى الْإِيجَابِيَّةِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ
  خُلُقُ التَّوَاضُعِ فِي الْحَجِّ، وَالنَّبِيُّ ﷺ سَيِّدُ الْمُتَوَاضِعِينَ
  لَا يُفِيدُ الصِّيَامُ شَيْئًا مَعَ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ بِالرَّحْمَةِ
  الْعُلُومُ وَالْأَعْمَالُ النَّافِعَةُ الْعَصْرِيَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ
  الْمَعْنَى الْحَقُّ لِاسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ
  الْمِعْرَاجُ وَبَذْلُ الْحُبِّ وَالْوُدِّ
  إِذَا انْهَارَتِ الْأَخْلَاقُ انْهَارَ الْمُجْتَمَعُ
  المَوْعِظَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : ((الْقُرْآنُ سَبِيلُ الْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ لِلْأُمَّةِ))
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ
  الْخَوْفُ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ
  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  التَّرْهِيبُ مِنَ الْعُقُوقِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان