((عِلَاجُ طُولِ الْأَمَلِ))
مِنْ عِلَاجَاتِ طُولِ الْأَمَلِ: الْحِكْمَةُ، وَالْفِكْرُ الصَّافِي فِي الْمَصِيرِ وَالْمَآلِ:
عِلَاجُ طُولِ الْأَمَلِ: بِأَنْ يَقِيسَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ كَمَا يَحْمِلُ جَنَازَةَ غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تُحْمَلَ جَنَازَتُهُ، وَكَمَا يَدْفِنُ غَيْرَهُ فِي قَبْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُدْفَنَ هُوَ فِي قَبْرِهِ.
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ: لَعَلَّ اللَّبِنَ -يَعْنِي ذَلِكَ الطُّوبَ النَّيْئَ الَّذِي تُبْنَى بِهِ الْمَقَابِرُ، أَوْ يَنْبَغِي أَنْ تُبْنَى بِهِ الْمَقَابِرُ؛ لِأَنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَلَّا يَدْخُلَ فِي الْمَقَابِرِ شَيْءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ- الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَوْ حَتَّى يَظُنَّ ظَنَّا غَالِبًا أَنَّ الطُّوبَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي قَبْرِهِ، أَوِ الَّذِي يُوضَعُ عِنْدَهُ فِي لَحْدِهِ لَعَلَّهُ قَدْ ضُرِبَ وَفُرِغَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي.
فَإِذَنْ؛ التَّسْوِيفُ جَهْلٌ مَحْضٌ.
الْأَكْفَانُ الَّتِي يُكَفَّنُ فِيهَا الْإِنْسَانُ لَعَلَّهَا قَدْ نُسِجَتْ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَمُعَدَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي لَرُبَّمَا مَاتَ الْآنَ، أَوْ مَاتَ بَعْدَ حِينٍ قَرِيبٍ، فَأَكْفَانُهُ مَنْسُوجَةٌ وَمُعَدَّةٌ لَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي، وَلَكِنِ الْإِنْسَانُ لَا يُفَكِّرُ فِي هَذَا وَيَسْتَبْعِدُهُ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ.
إِذَا عَرَفْنَا أَنَّ سَبَبَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْجَهْلُ وَحُبُّ الدُّنْيَا فَالْعِلَاجُ هُوَ دَفْعُ السَّبَبِ، فَالْجَهْلُ نَدْفَعُهُ بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالْفِكْرِ الصَّافِي فِي الْمَآلِ، وَفِي الْمَعَادِ، وَفِي الْمَنْشَأِ، وَفِي الْمَصِيرِ، وَفِيمَا سَيَكُونُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ.
وَنَقِيسُ الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ، وَالْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ، وَكَمَا يَكُونُ مَوْتُنَا، وَحَمْلُنَا، وَدَفْنُنَا، وَعِقَابُنَا، وَجَزَاؤُنَا بِالْخَيْرِ أَوْ بِالشَّرِّ؛ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لَنَا غَيْبًا فَنَحْنُ نَقِيسُهُ عَلَى مَا نُشَاهِدُهُ، مِنْ مَوْتِ مَنْ نُحِبُّ، وَمِنْ غُسْلِهِمْ، وَمِنْ تَكْفِينِهِمْ، وَمِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ حَمْلِهِمْ، وَمِنْ وَضْعِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ، وَمِنَ الِانْصِرَافِ عَنْهُمْ وَنَحْنُ نُحِبُّهُمْ، وَمِنْ عَدَمِ قُدْرَتِنَا عَلَى نَفْعِهِمْ بِشَيْءٍ إِلَّا بِالدُّعَاءِ الصَّالِحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ.
*وَمِنْ عِلَاجَاتِ طُولِ الْأَمَلِ: إِخْرَاجُ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا مِنَ الْقَلْبِ:
وَحُبُّ الدُّنْيَا يُعَالِجُهُ الْإِنْسَانُ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ لِلدُّنْيَا الزَّائِلَةِ مِنْ قَلْبِهِ، وَلَكِنْ هَذَا شَدِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ الَّذِي أَعْيَا الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ عِلَاجُهُ.
لَا عِلَاجَ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْعُقُوبَةِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ، وَمَهْمَا حَصَلَ لِلْإِنْسَانِ الْيَقِينُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرْتَحِلُ عَنْ قَلْبِهِ حُبُّ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ الْكَبِيرِ يُذْهِبُ حُبَّ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ.
فَإِذَا أَحَبَّ الْإِنْسَانُ الْآخِرَةَ، وَأَحَسَّ حَقَارَةَ الدُّنْيَا، وَإِذَا أَحَسَّ الْإِنْسَانُ نَفَاسَةَ وَقِيمَةَ الْآخِرَةِ، وَأَحَسَّ بِقِلَّةِ شَأْنِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْأَعْلَى يُذْهِبُ الْأَدْنَى، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَيَتَرَسَّخُ فِي الْقَلْبِ حُبُّ الْآخِرَةِ مَعَ الْإِيمَانِ بِهَا.
وَأَمَّا إِذَا مَا ظَلَّ الْإِنْسَانُ هَكَذَا فَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا يَقْوَى فِي قَلْبِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَضْعُفَ حُبُّ الْآخِرَةِ تَبَعًا؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ نَقِيضَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ.
المصدر:الْأَمَلُ