((الْعِبَادَةُ الثَّابِتَةُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ))
عِبَادَ اللهِ! مَا هُنَالِكَ مِنَ الْعِبَادَةِ -فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ- فَقَدْ وضَّحَهَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ: «إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
وَإِذَنْ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ الْجَلِيلَةَ الَّتِي يَحْرِصُ عَلَيْهَا الْمَرْءُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ وَفِي كُلِّ لَيَالِي الْعَامِ؛ بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحْظَاتِ الْعُمُرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هِبَةً لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ فِي دُنْيَاهُ؛ يَحْرِصُ الْإِنْـسَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُبَرَّءًا مِنَ الشِّرْكِ مُنَزَّهًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- قَدْ مَضَتْ مَشِيئَتُهُ بِأَلَّا يَغْفِرَ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ, فَلَا يَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ شِيْئًا -وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا- وَلَا يَسِيرَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
إِلَّا أَنَّ الْمَرْءَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرَ الجَنَانِ، مُبَرَّأَ الْأَرْكَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِيمَا يُغْضِبُ الْعَزِيزَ الدَّيَّانَ, بَلْ يَكُونُ بَاحِثًا عَنْ مَرْضَاةِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ.
عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي الْخَلَاصِ مِنَ الشِّرْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ مِمَّا يَعْلَقُ بِهِ مِنَ الشَّوَائِبِ، وَمَا يَجُرُّ إِلَيْهِ الشِّرْكُ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ الْقَذِرَةِ بِالحَمْئَةِ الْمَسْنُونَةِ؛ مِنْ تِلْكَ الشَّحْنَاءِ بِالْبَغْضَاءِ، بِالْغِلِّ، بِالْحَسَدِ.
وَيَا لله! هَلْ تَجِدُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَقِيَّ الْفِطْرَةِ سَوِيَّ الطَّوِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يَنْطَوِيَ بَاطِنُهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا القَذَرِ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟!
«وَلَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ .
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم إِيمَانًا صَحِيحًا كَامِلًا مُعْتَبَرًا فِي مِيزَانِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ, فَكَيْفَ بِتِلْكَ الْمَادَّةِ الْقَذِرَةِ مِنَ الشَّحْنَاءِ, مِنَ الحِقْدِ, مِنَ الْغِلِّ, مِنَ الْحَسَدِ, مِنَ الْبَغْضَاءِ, تَنْطَوِي عَلَيْهَا نَفْسٌ مُشَوَّهَةٌ حَتَّى يَتَشَوَّهَ الظَّاهِرُ تَبَعًا؟!!
وَيَا للهِ! وَاللهِ لَوْ كُشِفَ الْحِجَابُ لَرَأَيْتَ هُنَاكَ نُفُوسًا وَرَاءَ تِلْكَ الْمَادَّةِ الْعَظْمِيَّةِ الْجِلْدِيَّةِ اللَّحْمِيَّةِ نُفُوسًا سَبُعِيَّةً وَنُفُوسًا كَلْبِيَّةً, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانَاتِ, كُلٌّ عَلَى حَسَبِ مَا صَارَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْمِيزَاتِ الَّتِي تَمَيَّزَتْ بِهَا تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ, فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُطَهِّرَنَا مِنَ المَعَائِبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
الْعِبَادَةُ الْعَظِيمَةُ -عِبَادَ اللهِ- فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ إِنَّمَا هِيَ بِتَخْلِيَةِ الْقَلْبِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُبَرَّءًا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ, مُنَزَّهًا مِنْ كُلِّ شِرْكٍ, مُوَحِّدًا رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- تَوْحِيدًا صَحِيحًا بِالِانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ, وَبِالِانْطِرَاحِ عَلَى عَتَبَاتِ رَحَمَاتِهِ رَاجِيًا مَا عِنْدَهُ مِنَ الْفَضْلِ, خَائِفًا مِمَّا لَدَيْهِ مِنَ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ أَنْ يَنْزِلَ بِسَاحَتِهِ, رَاجِيًا وَخَائِفًا, مُقْبِلًا لَا مُدْبِرًا, مُتْقَصِّيًا أَثَرَ نَبِيِّهِ ﷺ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا, بَعِيدًا عَنْ كُلِّ حِقْدٍ وَغِشٍّ وَحَسَدٍ, مُنَقِّيًا لِذَاتِهِ مِنْ دَاخِلِهَا, مَخْمُومَ الْقَلْبِ كَمَا قَالَ رَسُولُ الرَّبِّ مُحَمَّدٌ ﷺ: «أَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ كَانَ صَدُوقَ اللِّسَانِ مَخْمُومَ الْقَلْبِ, الَّذِي لَا يَنْطَوِي عَلَى إِثْمٍ وَلَا بَغْيٍ, التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ, وَلَا غِلَّ فِيهِ وَلَا حِقْدَ وَلَا حَسَدَ» .
هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ نَبِيِّكُمْ ﷺ يُوَضِّحُ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ وَأَكْرَمَ النَّاسِ فِي مِيزَانِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَنْ هَذَّبَ النَّفْسَ وَصَفَّاهَا, وَرَقَّ الْقَلْبَ وَأَعْلَاهُ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كِتَابًا وَسُنَّةً, وَأَمَّا مَنْ دَسَّاهَا فَقَدْ خَابَ كَمَا قَرَّرَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ.
عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُصْلِحَ مَا أَفْسَدَهُ, وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَصِلَ مَا قَطَعَهُ, وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقِّيًا حَذِرًا.
المصدر:مَا صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ