تفريغ محاضرة بيان حول حادث المنيا الإرهابي

بيان حول حادث المنيا الإرهابي

الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

فَالحَادِثُ الَّذِي وَقَعَ الْيَوْمَ جَرِيمَةٌ بَشِعَةٌ، فِيهَا هَتْكٌ لِحُرَمَاتِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومَةِ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ، هَتْكٌ لِحُرْمَةِ الْأَنْفُسِ الْمَعْصُومَةِ، هَتْكٌ لِحُرْمَةِ الْأَمْوَالِ، وَهَتْكٌ لِحُرَمَاتِ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، فِيهَا اعْتِدَاءٌ عَلَى حَيَاةِ الْآمِنِينَ الْمُطْمَأْنِّينَ، فِيهَا هَتْكٌ لِلْمَصَالِحِ العَامَّةِ الَّتِي لَا غِنَى لِلنَّاسِ فِي حياتهم عَنْهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ مُبَاشِرٍ وَطَرِيقٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.
))
حُرمةُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالمُعَاهَدِينَ وَالمُسْتَأْمَنِينَ((
الْأَنْفُسَ المَعْصُومَةَ فِي حُكْمِ شَرِيعَةِ الإِسْلَامِ هِيَ كُلُّ مسْلِمٍ وَكُلُّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُسْلِمِينَ أَمَانٌ، كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي حَقِّ غير المسلم فِي حُكْمِ قَتْلِ الخَطَأ: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92]، فَإِذَا كَانَ غَيْرُ المُسْلِمِ الَّذِي لَهُ أَمَانٌ إِذَا قُتِلَ خَطَأً فِيهِ الدِّيَةُ وَالكَفَّارَةُ؛ فَكَيْفَ إِذَا قُتِلَ عَمْدًا؟!! لَا شَكَّ أَنَّ الجَرِيمَةَ تَكُونُ أَعْظَمَ، وَأَنَّ الإِثْمَ يَكُونُ أَكْبَرَ.
وَقَد صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وسَلَّمَ- كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- الَّذِي أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ»: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا؛ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ».
لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِمُسْتَأْمَنٍ بِأَذَى، فَضْلًا عَن قَتْلِهِ كَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الجَرِيمَةِ الكَبِيرَةِ النَّكْرَاءِ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِن الكَبَائِرِ المُتَوَعَّدِ عَلَيْهَا بِعَدَمِ دُخُولِ القَاتِلِ الجَنَّةَ، نعوذ بالله من الخذلان.
العَمَلُ الإِجْرَامِيُّ الَّذِي وَقَعَ اليَوْمَ، وَرَاحَ ضَحِيَّتَهُ مَنْ قُتِلَ مِن الأَقْبَاطِ، وَكَذَلِكَ مَنْ جُرِحَ، وَرُبَّمَا يُؤَدِّي جُرْحُهُ إِلَى وَفَاتِهِ؛ يَتَضَمَّنُ أَنْوَاعًا مِنَ المُحَرَّمَاتِ فِي الإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ:
فِيهِ غَدْرٌ وَخِيَانَةٌ، وَفِيهِ بَغْيٌ وَعُدْوَانٌ، وَإِجْرَامُ آثِمٌ، وَتَرْوِيعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكُلُّ هَذِهِ قَبَائِحُ مُنْكَرَةٌ يَأْبَاهَا وَيُبْغِضُهَا اللهُ، وَيَأْبَاهَا وَيُبْغِضُهَا رَسُولُ اللهِ ، وَيَأْبَاهَا وَيُبْغِضُهَا المُؤْمِنُونَ.

))اسْتِمْرَارُ الْمُؤَامَرَةِ الْخَبِيثَةِ عَلَى مِصْرَ((
وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ هُنَالِكَ مِمَّنْ شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ مَنْ يَسْتَطِيلُ فِي الدِّمَاءِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَجَاوِزًا لِكُلِّ حَدٍّ، فَمِثْلُ هَذِهِ الجَرَائِمِ كَأَنَّهَا جَرَائِمُ سِيَاسِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِجَرَائِمَ عَقَدِيَّةٍ؛ لِأَنَّ المُرَادَ مِنْهَا: هَزُّ اسْتِقْرَارِ هَذَا الْبَلَدِ، وَهَدْمُ نِظَامِهِ مِنْ أَجْلِ الوصُولِ إِلَى النَّتِيجَةِ الَّتِي مَا تَزَالُ المُؤَامَرَةُ سَاعِيَةً لِلْوُصُولِ إِلَيْهَا.
وَهَذَا الشَّعْبُ شَعْبٌ لَمْ يَعْهَدْ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِذَا يَنْسَى سَرِيعًا، وَكَأَنَّ شَيْئًا مَا كَانَ!! وَكَأَنَّ الْأَحْدَاثَ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ فَرَوَّعَتْهُ، وَآذَتْهُ، وَأَرَاقَتْ دِمَاءَهُ، وَهَتَكَتْ عِرْضَهُ، وَوَقَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَذَى بِسَبَبِهَا عَلَيْهِم؛ كَأَنَّ هَذِهِ الْأَحْدَاثَ لَمْ تَكُنْ، صَارَتْ نَسْيًا مَنْسِيًّا!! وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ؛ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَوْعُوظًا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَذَى عَلَيْهِ؟!!
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»، وَقَدْ لُدِغَ هَذَا الشَّعْبُ الآمِنُ؛ لُدِغَ مَرَّةً، ثُمَّ هُوَ يُلْدَغُ مَرَّةً وَمَرَّةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُفِيقُ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَفِيقَ!!
لَمَّا كَانَ هَذَا الشَّعْبُ عَلَى شِبْهِ إِجْمَاعٍ نَحْوَ تِلْكَ التَّنْظِيمَاتِ الإِجْرَامِيَّةِ الَّتِي إِنَّمَا أُنْشِئَتْ عَلَى التَّكْفِيرِ فِي أَصْلِهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ تَحْتَ عَبَائَتِهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ خَرَجُوا فَعَاثُوا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، مِنْ أَجْلِ إِحْيَاءِ سُنَّةِ الْخَوَارِجِ المُتَقَدِّمِينَ، لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ؛ جَاءَ شِبْهُ إِجْمَاعٍ مِنْ هَذَا الشَّعْبِ عَلَى مَوْقِفٍ نَفْسِيٍّ وَاجْتَمَاعِيٍّ وَعَمَلِيٍّ فِعْلِيٍّ تِجَاهَ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَدَخَلُوا حِينَئِذٍ فِي الجُحُورِ؛ بَلْ دَخَلُوا فِي أَقْمَاعِ السِّمْسِمِ، ثُمَّ هَا هُم الْآنَ يَخْرُجُونَ، وَالْأَمْرُ يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْل أَحْدَاثِ الخَامِسِ وَالعِشْرِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا؛ لِأَنَّ المُؤَامَرَةَ لَمْ تَنْتَهِ، وَلَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى بُغْيَتِهَا وَإِلَى غَايَتِهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا، وَالخُطَطُ البَدِيلَةُ مَوْجُودَةٌ، فَإِذَا فَشِلَتْ خُطَّةٌ جِيءَ بِأُخْتِهَا؛ مِنْ أَجْلِ الوُصُولِ إِلَى الغَايَةِ المُتَغَيَّاةِ مِنْ هَذِهِ المُؤَامَرَةِ الدَّنِيئَةِ.
وَلَوْ نَظَرْتُمْ إِلَى الْأَحْدَاثِ الَّتِي تَقَعُ فِي المَغْرِبِ الْآنَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ فَفِيهَا أَيْضًا فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ هَذِهِ المُؤَامَرَةِ مِنْ أَجْلِ تَقْسِيمِ المَغْرِبِ، تَمَامًا كَمَا يُرِيدُونَ فِي مِصْرَ، وَتَمَامًا كَمَا صَنَعُوا فِي بَعْضِ الدُّوَلِ، وَالْآن السَّعْيُ الحَثِيثُ مِنْ أَجْلِ تَقْسِيمِ اليَمَنِ.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ العِرَاقِ؛ فَقَدْ كَادَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَاقِعِيًّا، أُمُورٌ عَظِيمَةٌ، خُطَطُهَا مَعْلُومَةٌ، لَيْسَتْ بِغَيْبٍ يُتَكَهَّنُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاقِعٌ يُعْلَمُ وَيُشَاهَدُ وَيُنْظَرُ؛ لَكِنَّ النَّاس فِي غَفْلَةٍ، يَنْظُرُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ!! وَيُكَلَّمُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ!! مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرٌ مَصِيرِيٌّ، وَلَوْ أَنَّنَا نَظَرْنَا إِلَى مَا يَحْدُثُ حَوْلَنَا؛ مَا يَحْدُثُ فِي لِيبيَا، وَمَا يَحْدُثُ فِي سُورِيَّا، وَمَا يَحْدُثُ فِي اليَمَنِ، وَمَا سَبَقَ فِي العِرَاقِ، وَمَا يَقَعُ أَيْضًا فِي تُونُسَ الَّتِي بَدَأَتْ مِنْهَا شَرَارَةُ هَذِهِ المُؤَامَرَةِ، حَتَّى اسْتَشْرَى مَا اسْتَشْرَى مِنَ النِّيرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَكَادَ يَعُمُّ المَنْطِقَةَ كُلَّهَا.
))
أَهْدَافُ المُؤَامَرَةِ الخَبِيثَةِ عَلَى مِصْرَ((
لَوْ أَنَّنَا نَظَرْنَا فِي أَحْوَالِ هَؤلَاءِ النَّاسِ؛ فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَّعِظَ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ لَنَا وَضْعًا خَاصًّا، فَإِنَّ عَدَدَنَا كَبِير، وَأَرْضُنَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- لَيْسَ فِيهَا مِنَ التَّضَارِيسِ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي أَمْثَالِ تِلْكَ البُلْدَانِ، فَإِذَا وَقَعَت الفَوْضَى لَدَيْنَا؛ فَنَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى السَّلَامَةَ وَالعَافِيَةَ؛ سَيَكُونُ الْأَمْرُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَلَكِنْ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَنْحَاءِ التَّصَوُّرِ.
الَّذِي يَقَعُ فِي مِصْرَ؛ المُرَادُ مِنْهُ: إِحْدَاثُ الفَوْضَى فِيهَا، إِنَّمَا هُوَ اعْتِدَاءٌ عَلَى النِّظَامِ مِنْ أَجْلِ إِزَالَتِهِ، إِنَّمَا هُوَ اعْتِدَاءٌ عَلَى الحَرْثِ وَالنَّسْلِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَشِيعَ فِي الْأَرْضِ الفَسَادُ، هَذَا مِنْ الحِرَابَةِ، هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الشَّرْعِيِّ، وَلَكِنْ هُمْ كَالأَشْبَاحِ إِنَّمَا يَخْرُجُونَ هَاهُنَا وَهُنَالِكَ، كَمَا يَحْدُثُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عِنْدَمَا يَقَعُ حَادِثٌ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الحَوَادِثِ، مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الكَنَائِسِ أَوْ عَلَى الحَافِلَاتِ الَّتِي تُقِلُّ النَّصَارَى، فَيُعْتَدَى عَلَيْهَا كَمَا وَقَعَ اليَوْمَ؛ مِنْ أَجْلِ مَاذَا؟!!
أَهَؤلَاءِ مِنْ المُحَارِبِينَ؟!!
أَهَؤلَاءِ يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ عَلَى المُسْلِمِينَ؟!!
إِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهَا بِنَظْرَةٍ غَيْرِ سَطْحِيَّةٍ، وَإِنَّمَا بِنَظْرَةٍ مُتَعَمِّقَةٍ، كُلُّ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ تَصُبُّ فِي النِّهَايَةِ فِي نَهْرٍ وَاحِدٍ؛ مِنْ أَجْلِ إِزَالَةِ النِّظَامِ، وَمِنْ أَجْلِ هَزِّ بَلْ هَدْمِ أَرْكَانِ الدَّوْلَةِ، وَمِنْ أَجْلِ إِحْدَاثِ الفَوْضَى فِي البِلَادِ؛ لِأَنَّ مِصْرَ بِفَضْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَانَتْ سَبَبًا فِي إِحْبَاطِ المُؤَامَرَةِ الكَوْنِيَّةِ الَّتِي أُرِيدَ لَهَا أَنْ تَعْمَلَ فِي هَذِهِ المَنْطِقَةِ مِنْ أَجْلِ إِعَادَةِ تَقْسِيمِهَا عَلَى نَحْوٍ جَدِيدٍ؛ بِإِحْدَاثِ مَا يُسَمَّى بِالفَوْضَى الخَلَّاقَةِ، ثُمَّ بِإِعَادَةِ التَّرْكِيبِ بَعْدَ التَّفْكِيكِ عَلَى الْأَجِنْدَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْكَافِرَةِ، مِنْ أَجْلِ إِعْلَاءِ شَأْنِ اليَهُودِ فِي الْأَرْضِ.
وَلَوْ أَنَّكُمْ نَظَرْتُمْ إِلَى الرُّمُوزِ المَاسُونِيَّةِ؛ لَوَجَدَتْمُوهَا قَدْ تَغَلْغَلَتْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فِي أَغْطِيَةِ الزُّجَاجَاتِ الَّتِي فِيهَا المِيَاهُ الغَازِيَّةُ، لَوْ أَنَّكُمْ نَظَرْتُمْ لَرَأَيْتُمْ فِيهَا النَّجْمَةَ السُّدَاسِيَّةَ مَعَ الرُّمُوزِ المَاسُونِيَّةِ فِيمَا تَشْرَبُونَ، وَفِيمَا تَأْكُلُونَ، وَفِيمَا تَلْبَسُونَ، وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ، وَأَحْدَاثٌ تَحْدُثُ كَهَذَا الحَدَثِ الَّذِي وَقَعَ اليَوْمَ؛ فَيَقَعُ التَّضْيِيقُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْكَرَاهِيَةَ لِلْحُكْمِ القَائِمِ؛ لِأَنَّ المُغَالَاةَ فِي مُعَالَجَةِ انْحِرَافٍ تُوَلِّدُ انْحِرَافًا آخَرَ.
))
الْهَدَفُ مِنْ هَذِهِ الْجَرَائِمِ تَشْوِيهُ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ((
الْأَمْرُ وَاضِحٌ، دِينُ الْإِسْلَامِ يُرَادُ لَهُ أَنْ يُصَوَّرَ عَلَى أَنَّهُ دِينُ إِرْهَابٍ وَقَتْلٍ، وَقَدْ أَخَذَ مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، وَمِنْ غَيْرِهَا، وَمِنْ لَا شَيْء؛ حَتَّى إِنَّ بَعْضَ المُسْلِمِينَ قَدْ وَصَلَ بِهِ الحَالُ إِلَى أَنْ يَقُولَ: إِنَّ فِي القُرْآنِ مِن الْآيَاتِ مَا يَدْعُو إِلَى الْإِرْهَابِ!! وَبَعْضُهُم يَقُولُ: إِنَّهُ صَارَ يَسْتَحِي أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ مُسْلِمٌ!! مِنْ أَجْلِ مَاذَا؟!! وَمَا الَّذِي نَسْتَفِيدُهُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ؟!!
إِنَّ اللهَ حَرَّمَهَا، وَإِنَّ الدِّينَ جَرَّمَهَا، وَإِنَّهَا لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا تُؤَدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى التَّضْييقِ عَلَى الدَّعْوَةِ إَلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ بَلْ إِنَّ الْأَمْرَ يَصِلُ إِلَى هَزِّ أَرْكَانِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَغْييرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ إِلَى ارْتِكَابِ نَوَاقِضِ الْإِسْلَامِ، وَمُحَارَبَةِ مَنْ يُصَحِّحُ ذَلِكَ أَوْ يَدْعُو إِلَى تَصْحِيحِهِ.
أُمُورٌ عَظِيمَةٌ، وَكُلُّهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الرُّعُونَاتِ؛ وَلَكِنِّي لَا أَقُولُ حَقِيقَةً وَأَنَا مُعْتَقِدٌ: إِنَّهَا رُعُونَات، إِنَّمَا هِيَ خُطَّةٌ قَدْ دُبِّرَتْ وَخُطِّطَتْ بِلَيْلٍ، ثُمَّ هَا هِيَ تَظْهَرُ فِي الْعَلَنِ، فَهَذَا إِنَّمَا قَدْ دُبِّرَ مِنْ قَبْل، ثُمَّ هُوَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ يَظْهَرُ فِي الوجُودِ؛ مِنْ أَجْلِ الوصُولِ إِلَى الهَدَفِ المَنْشُودِ؛ وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْلَمُوا؛ بَلْ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْمَعُوا، وَإِذَا سَمعِوُا لَمْ يَفْهَمُوا، وَإِذَا فَهِمُوا لَمْ يَنْفَعِلُوا، وَإِذَا انْفَعَلُوا لَمْ يَأْتِ مِنْهُم عَمَلٌ إِيجَابِيٌّ، أَمِثْلُ هَؤلَاءِ يَحْتَاجُونَ السَّلَامَةَ حِينَئِذٍ؟!!
هَلْ نَحْنُ نَسْتَحِقُّ أَوْطَانَنَا الَّتِي أَكْرَمَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ بِأَنْ نَشَأْنَا عَلَيْهَا، شَرِبْنَا مِنْ مِياهِهَا، وَاسْتَنْشَقْنَا هَوَاءَهَا، وَاسْتَظْلَلْنَا بِسَمَائِهَا، وَعِشْنَا عَلَى تُرَابِهَا، نَأْكُلُ مِنْ خَيْرَاتِهَا، ثُمَّ نُدْفَنُ فِي هَذَا التُّرَابِ، هَلْ نَحْنُ نَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْأَوْطَانَ وَنَحْنُ نَفْعَلُ بِهَا هَذِهِ الْأَفْعَالَ؟!!
مِنْ أَجْلِ أَيِّ شَيْءٍ تُرْتَكَبُ هَذِهِ الجَرَائِمُ المُتَنَوِّعَةُ الَّتِي أَصْبَحَتْ لَا هَدَفَ لِفَاعِلِيهَا إِلَّا أَنْ يُوقِعُوهَا، إِلَّا أَنْ يُنْزِلُوا الرُّعْبَ فِيمَنْ يَكُونُونَ فِي مُحِيطِهِم، وَهَذَا مِنَ الضَّلَالِ المُبِينِ وَالْإِثْمِ الْعَظِيمِ.
الْوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَتَعَاوَنُوا فِيمَا بَيْنَهُم؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، كَمَا أَنَّ فَقْدَهُ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].
الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ يُفَكِّرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ أَنْ يَنْظُرَ فِي العَوَاقِبِ: لِمَصْلَحَةِ مَنْ يُعْمَلُ هَذَا العَمَلَ؟!!
مَنِ الَّذِي يَسْتَفِيدُ مِنْ هَذِهِ الْحَوَادِثِ؟!!
إِنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ مِنْهَا إِلَّا أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ.
هَلْ هَذِهِ الحَوَادِثُ تُحَقِّقُ أَمْنًا، أَوْ تَزِيدُ الْعَيْشَ رَغَدًا، أَوْ تَرْتَفِعُ بِهَا كِفَّةُ الدِّينِ وَالتَّدَيُّنِ؟!!
أَمْ أَنَّ هَذِهِ الحَوَادِثَ مَدْعَاةٌ لِأَنْ يُلْصَقَ بِالمُتَدَيِّنِينَ وَالدِّينِ تُهَمٌ هُمْ مِنْهَا بُرَآء، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ رُعُونَةِ هَؤلَاءِ المُقْدِمِينَ عَلَى هَذِهِ المُنْكَرَاتِ، وَحَمَاقَتِهِم، وَاسْتِشْرَاءِ شَرِّهِمْ.
إِنَّ احْتِرَامَ دِمَاءِ النَّاسِ، وَاحْتِرَامَ أَمْوَالِهِمْ أَمْرٌ قَرَّرَتْهُ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ، وَحُرْمَةُ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ شَرَائِعُ اللهِ كُلُّهَا، وَأَكْمَلُهَا شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].
وَفِي الحَدِيثِ: «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».
احْتِرَامُ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَالسَّعيُ فِي زَعْزَعَةِ أَمْنِ الأُمَّةِ إِنَّمَا يَصْدُرُ مِنْ أُنَاسٍ فَهِمُوا الْإِسْلَامَ عَلَى غَيْرِ فَهْمِهِ الشَّرْعِيِّ، وَجَاءَهُمْ الشَّيْطَانُ وَزَيَّنَ لَهُمْ البَاطِلَ، فَظَنُّوهُ حَقًّا، وَذَلِكَ مِنْ قُصُورٍ فِي الْعِلْمِ وَفِي الْإِيمَانِ وَفِي الدِّينِ.
وَمَا أَرَادُوهُ إِلَّا لِكَيْدِ الْأُمَّةِ، وَالنَّيْلِ مِنْهَا، وَزَعْزَعَةِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ، وَمَحَبَّةِ إِظْهَارِ الْفَوْضَى فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَهَؤلَاءِ جَهَلَةٌ خُدِعُوا وَغُرِّرَ بِهِم، لَيْسَ عِنْدَهُم مِنَ الْعِلْمِ مَا يَحْمِلُهُم عَلَى اتِّقَاءِ هَذِهِ المَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ.
فَأَعْدَاءُ الْأُمَّةِ سَاعُونَ فِي الْإِضْرَارِ بِالْأُمَّةِ بِكُلِّ مَا أُوتُوا؛ بِالمَكَائِدِ مِنْ قِيلَ وَقَالَ، وَأَرَاجِيفَ وَإِشَاعَاتٍ بِاطَلَة، وَمِنْ إِيحَاءٍ لِضِعَافِ الْبَصَائِرِ لِيَسْتَغِلُّوهُم فِي بَاطِلِهِمْ، وَيَجْعَلُوهُمْ سَبَبًا لِحُصُولِ مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّكْبَاتِ لِلْأُمَّةِ.
فَلْيَحْذَرِ المُسْلِمُ أَنْ يَكُونَ مَطِيَّةً لِأَعْدَائِهِ، يُوَجِّهُهُ الْأَعْدَاءُ كَيْفَ شَاءُوا، وَلْيَكُن عَلَى ثِقَةٍ بِدِينِهِ، وَلْيَسْتَقِمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَلْيَتَعَاونِ المُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلْيَحْذَرِ المُسْلِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا لِكُلِّ مُجْرِمٍ، وَلِكُلِّ مُفْسِدٍ، فَإِنَّهَا تُخِلُّ بِالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
أَمْنُ هَذَا الْبَلَدِ مَسْئُولِيَّةُ كُلُّ فَرْدٍ مِنَّا -حَمَى اللهُ بِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، وَجَنَّبَهَا المَهَالِكَ، وَكَفَاهَا شَرَّ الْأَعْدَاءِ، وَبَصَّرَ الْأُمَّةَ فِي دِينِهَا-.
((عَقِيدَةُ التَّكْفِيرِيِّينَ أَنَّ جُنُودَ الجَيْشِ وَالشُّرْطَةِ مُرْتَدُّونَ!!((
وَكَمَا قَدْ مَرَّ- يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِوُضُوحٍ؛ أَنَّ عَقِيدَةَ التَّكْفِيرِيِّينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الجَيْشَ وَالشُّرْطَةَ فِي سَيْنَاءَ؛ هِيَ عَقِيدَةُ الَّذِينَ يَسْتَهْدِفُونَ الأَقْبَاطَ فِي كلِّ مكان, عَقِيدَةُ هَؤلَاءِ جَمِيعًا؛ أَنَّ المُسْلِمِينَ مُرْتَدِّينَ, وَهُمْ أَكْفَرُ مِنَ اليَّهُودِ وَالنَّصَارَى!!
وَمِنْ عَقِيدَتِهِم أَنَّهُ إِذَا قَاتَلَ اليَهُودُ الجَيْشَ المِصْرِيَّ؛ فَهُم مَعَ اليَهُودِ ضِدَّ الجَيْشِ المِصْرِيِّ؛ لِأَنَّ اليَهُودَ عِنْدَهُم -وَكَذِلَكَ النَّصَارَى- أَهْلُ كِتَابٍ, وَأَمَّا الجَيْشُ عِنْدَهُم فَكَافِرٌ مُرْتَدٌّ, وَالمُرْتَدُّ أَشَدُّ كُفْرًا مِنَ الكِتَابِيِّ.
وَعَلَيْهِ...
فَاسْتِهْدَافُ النَّصَارَى لَيْسَ لِأَنَّهُم كُفَّارٌ عِنْدَهُم فَقَطْ, فَالمُسْلِمُونَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَشَدُّ كُفْرًا, وَلَكِنْ يَسْتَهْدِفُونَهُمْ لِأَجْلِ مَا يَنْتُجُ عَنْ اسْتِهْدَافِ هؤلاء وَقَتَلِ الأَبْرِيَاءِ مِنْهم مِنْ رِدَّةِ فِعْلٍ فِي الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ بِالدَّرَجَةِ الأُولَى عَلَى الدَّوْلَةِ المِصْرِيَّةِ، وَهِيَ المُسْتَهْدَفَةُ بِالقَصْدِ الأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ الْأَمْرُ سُوءًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ كَذَلِكَ- بِالْاعِتْقَادِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْاقْتِصَادِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ فِي الْأُمُورِ المَعِيشِيَّةِ.
القَصْدُ الأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الأَحْدَاثِ كُلِّهَا, وَمَا يَنْتُجُ عَنْهَا مِنَ الآثَارِ السَّيِاسِيَّةِ وَالاقْتِصَادِيَّةِ وَالأَمْنِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ؛ هُوَ إِسْقَاطُ الدَّوْلَةِ المِصْرِيَّةِ.
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا وَاضِحًا فِي أَذْهَانِ المُسْلِمِينَ، وَفِي أَذْهَانِ الْأَقْبَاطِ عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنَّهُم لَا يَسْتَهْدِفُونَ الْأَقْبَاطَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُم كُفَّارٌ، فَالمُسْلِمُونَ عِنْدَهُم أَشَدُّ كُفْرًا، وَلَوْ أَنَّهُم كَانُوا يَقْتُلُونَ مِنْ أَجْلِ الكُفْرِ لَبَدَءُوا بِالمُسْلِمِينَ قَبْلَ غَيْرِهِم مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ زَعْزَعَةَ أَرْكَانِ هَذَا الوَطَنِ، وَهَدْمِ الدَّوْلَةِ المْصِرِيَّةِ مِنْ أَجْلِ إِحْدَاثِ الفَوْضَى، وَالوُصُولِ إِلَى مَا يُسَمَّى بِالفَوْضَى الخَلَّاقَةِ؛ بِتَفْكِيكِ المُجْتَمَعِ، ثُمَّ بِإِعَادَةِ تَرْكِيبِهِ عَلَى الْأَجِنْدَةِ الغَرْبِيَّةِ الكَافِرَةِ، وَبِإِعَادَةِ تَقْسِيمِ المَنْطِقَةِ إِلَى دُوَيْلَاتٍ طَائِفِيَّةٍ مُتَنَاحِرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنْ تَعْلُو كِفَّةُ اليَهُودِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْكُمُوا العَالَمَ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْتِي المَسِيحُ الدَّجَّالُ.
المُغَالَاةُ فِي مُعَالَجَةِ انْحِرَافٍ تُوَلِّدُ انْحِرَافًا آخَرَ، لَا مَجَالَ لِلْمُزَايَدَةِ عَلَى أَحَدٍ، لَا عَلَى الجَيْشِ وَلَا عَلَى الشُّرْطَةِ، فَهَا هُمْ يُقْتَلُونَ لِيَمْنَعُوا قَتْلَ غَيْرِهِم، وَالتَّفْجِيرُ ظَاهِرَةٌ عَالَمِيَّةٌ لَمْ تَنْجُ مِنْهُ دَوْلَةٌ، وَمَا وَقَعَ فِي (مَانْشِسْتَر) قَرِيبٌ قَرِيبٌ، وَهُوَ تَفْجِيرٌ أَيْضًا وَتَدْمِيرٌ وَقَتْلٌ وَتَرْوِيعٌ، وَلَا يُوجَدُ جِهَازٌ أَمْنِيٌّ فِي العَالَمِ كُلِّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوقِفَ أَمْثَالَ هَؤلَاءِ عِنْدَ حَدِّهِم، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بِرَحْمَةِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ- عِنْدَ يَقَظَةِ هَذَا الشَّعْبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا مَا انْتَبَهُوا وَتَيَقَّظُوا، كَانَ هُنَاكَ مَا يُعْرَفُ بِـ (الضَّغْطِ الْاجْتِمَاعِيِّ)، فَهَؤلَاءِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ عَلَى المُسْتَوَى العَامِّ بِحَقٍّ؛ لَا بِبَاطِلٍ، بِمَعْنَى أَنْ يُوجَدَ انْحِرَافٌ يُعَالَجُ بِمُغَالَاةٍ فِي مُعَالَجَتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ الْأَمْرُ سُوءًا.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْأَنْفُسَ المَعْصُومَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَرَبَ مِنْ دِمَائِهَا، وَلَا مِنْ أَبْشَارِهَا، وَلَا مِنْ أَمْوَالِهَا، وَلَا مِنْ عِرْضِهَا، وَالنَّبِيُّ لَمَّا أَجَارَتْ أُمُّ هَانِئ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- رَجُلًا مُشْرِكًا عَامَ الْفَتْحِ، وَأَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يَقْتُلَهُ، ذَهَبَت لِرَسُولِ اللهِ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ : «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَالمَقْصُودُ أَنَّ المُقِيمِينَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِم لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ، وَلَا الْاعْتِدَاءُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَلَا عَلَى أَعْرَاضِهِمْ.
لَا يَدْرِي الْمَرْءُ مَا يَقُولُ!! هَذِهِ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهَذِهِ خُطْوَةٌ إِلَى الْأَمَامِ مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إِلَى النِّهَايَةِ المَحْتُومَةِ إِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ لَا يَزْدَادُ إِلَّا سُوءًا، وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ غَافِلَةٍ، وَأَشَدُّ مِنَ الْخَطَرِ أَلَّا يُحِسَّ مَنْ هُوَ فِي خَطَرٍ بِالخَطَرِ الَّذِي يَكْتَنِفُهُ وَيُحِيطُ بِهِ، فَهَذَا أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنَ الخَطَرِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَبَهَ لَاتَّخَذَ العُدَّةَ مِنْ أَجْلِ صَدِّ هَذَا الخَطَرِ وَذَوْدِهِ عَنْهُ، وَلَكِنْ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- المُشْتَكَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيل.
وَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَى وَطَنِنَا بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالسَّلَامِ، وَأَنْ يُعِيدَ هَؤلَاءِ إِلَى رُشْدِهِمْ أَوْ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِم مَنْ لَا يَرْحَمُهُم، فَإِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.
))
مِصْرُ مُهَدَّدَةٌ مِنْ خَارِجِهَا وَمِنْ دَاخِلِهَا((
وَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ أَنْ يُلْهِمَ وُلَاةَ الْأُمُورِ الرُّشْدَ فِي التَّعَامُلِ مَعَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ حَتَّى لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مَا يُرِيدُونَ مِنْ بَثِّ الْكَرَاهِيَةِ بَيْنَ جَمَاهِيرِ الشَّعْبِ وَبَيْنَ حُكَّامِهِ وَرِئَاسَتِهِ وَنِظَامِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ مُرَادٌ، وَهُمْ يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُرِيدُونَ أَمْرًا آخَرَ وَنَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَ هَذَا الْوَطَنَ وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
يُرِيدُونَ اسْتِجْلَابَ الخَارِجِ إِلَى الدَّاخِلِ، لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- يَجْتَمِعُ مَنْ يَجْتَمِعُ فِي الجَمْعِيَّةِ العَامَّةِ لِلْأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، ثُمَّ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إِلَى مَجْلِسِ الْأَمْنِ، وَيُصَوَّتُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْقُوَّةِ مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ الْأَقَلِيَّاتِ كَمَا يَقْضِي بِذَلِكَ النِّظَامُ العَامُّ، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ التَّدَخُّلُ فِي شُئُونِ مِصْرَ حَفِظَهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ وَرَعَاهَا-، فَإِنَّ هَذَا مُرَادٌ، وَهَؤلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مُتَوَاطِئُونَ مَعَ الخَارِجِ، وَمَعَ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ الوصُولِ إِلَى مَا يُرِيدُونَ.
وَمِصْرُ مُهَدَّدَةٌ مِنْ خَارِجِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ-، فَإِنَّ حُدُودَهَا مِنَ الغَرْبِ وَمِنَ الجَنُوبِ وَمِنَ الشَّمَالِ الشَّرْقِيِّ وَمِنْ سَوَاحِلِهَا؛ مُهَدَّدَةٌ تَهْدِيدًا عَظِيمًا بِتَهْرِيبِ السِّلَاحِ، وَبِدُخُولِ المُجْرِمِينَ التَّكْفِيرِيِّينَ، وَكَذَلِكَ بِتَهْرِيبِ المُخْدِّرَاتِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَنَوْعٍ، مِنْ أَجْلِ الوصُولِ بِأَبْنَاءِ هَذَا الوَطَنِ إِلَى حَالَةٍ مِنْ تَغْيِيبِ الوَعْيِ، مِنْ أَجْلِ التَّمَكُّنِ مِنْهُمْ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يُلْقُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْدَائِهِمْ بِمَقَادَتِهِمْ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقُودُوهُمْ إِلَى المَهَالِكِ وَالمَعَاطِبِ.
مِصْرُ مُهَدَّدَةٌ أَيُّهَا المِصْرِيُّونَ مِنْ دَاخِلِهَا وَمِنْ خَارِجِهَا، وَكَثِيرٌ مِنْ أَبْنَائِهَا لَا يُحِسُّ بِذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يُصَدِّقَهُ، وَلَا يَسْعَى إِلَّا فِي تَحْصِيلِ مَلَذَّاتِ نَفْسِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَالنَّبِيُّ ضَرَبَ لَنَا المِثَالَ، فَقَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا فِي سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا أَرَادُوا يَسْتَقُوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّنَا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، فَنَسْتَقِي مِنْ غَيْرِ أَنْ نَمُرَّ عَلَى مَن فَوْقَنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُؤْذِيَهُمْ»؛ فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيمَا يَمْلِكُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا مَلَكْتَهُ لَكَ الحُرِيَّةُ فِي أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ بِحُدُودٍ وِإِلَى حَدٍّ مَحْدُودٍ.
يَقُولُ رَسُولُ اللهِ : «فلو أنهم تركوهم لهَلَكُوا جَمِيعًا، وَلَوْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ لَنَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا».
((أَمْنُ مِصْرَ هُوَ أَمْنُ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ((
عَلَى الحُكَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ، عَلَى البُصَرَاءِ أَنْ يَهْدُوا العُمِيَ إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، عَلَى مَنْ آتَاهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ الحِكْمَةَ أَنْ يَبْذلَهَا لِهَؤَلَاءِ المُغَفَّلِينَ، حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى رُشْدِهِمْ، وَحَتَّى تَنْتَبِهَ جُمُوعُ جَمَاهِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَقَعُ عَلَيْهَا مَا يَسُوءُهَا، وَمَا يَسُوءُهَا يَسُوءُ الْإِسْلَامَ الْعَظِيمَ؛ لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَضَى وَقَدَّرَ أَنْ يَكُونَ أَمْنُ مِصْرَ أَمْنًا لِلْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، مَا زَالَتْ صَخْرَةً صَامِدَةً قَوِيَّةً، تَصُدُّ الْأَمْوَاجَ العَاتِيَةَ، وَتَنْحَسِرُ عَلَيْهَا تِلْكَ الْعَوَاصِفُ المُدَمِّرَةُ، وَهِيَ تَحْمِي أُمَّةَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، فَلَوْ انْهَارَتْ نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ- لَاسْتُبِيحَتْ أَعْرَاضٌ، وَلَانْتُهِكَتْ، وَلَاعْتُدِيَ عَلَى مُحَرَّمَاتٍ، وَلَذَهَبَ تَارِيخٌ، وَلَعُبِثَ بِتُرَاثٍ، وَلَوَقَعَتْ أَحْدَاثٌ لَا يَدْرِي مَا يَحْدُثُ مِنْ وَرَائِهَا وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
حَمَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِصْرَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَجَمَعَ أَبْنَاءَهَا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلَهُمْ فِي وِجْهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَصَفَّهُمْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِرَحْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ خَلْفَ قِيَادَتِهِمْ، مِنْ أَجْلِ الخُرُوجِ مِنْ هَذَا المَأْزَقِ وَالمَضِيقِ.
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ عَلَى مِصْرَ وَجَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  مَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ رَبِّهِمْ
  فَضَائِلُ عْشَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ، وَفِقْهُ الْمَقَاصِدِ
  القنوط من رحمة الله
  الرد على الملحدين: من الأدلة العقلية على وجود الخالق
  تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة وَحُقُوقُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ
  الْأَمَل
  مسألة اختلاف المطالع
  ثورة الحرائر وإهانة المصاحف !!
  مظاهر التوحيد في عبادة الحج
  الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان