قِصَّةُ الذَّبِيحِ وَمَظَاهِرُ الِاسْتِسْلَامِ للهِ فِي الْحَجِّ

قِصَّةُ الذَّبِيحِ وَمَظَاهِرُ الِاسْتِسْلَامِ للهِ فِي الْحَجِّ

((قِصَّةُ الذَّبِيحِ وَمَظَاهِرُ الِاسْتِسْلَامِ للهِ فِي الْحَجِّ))

((خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى 1438هـ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الِاسْتِسْلَامُ للهِ -جَلَّ وَعَلَا- شَاخِصًا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ))

فَإِنَّ الْمَشَاعِرَ وَمَوَاضِعَ الْأَنْسَاكِ -فِي الْحَجِّ- مِنْ جُمْلَةِ الْحِكَمِ فِيهَا؛ أَنَّ فِيهَا تَذْكِيرَاتٌ بِمَقَامَاتِ الْخَلِيلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فِي عِبَادَاتِ رَبِّهِمْ، وَإِيمَانًا بِاللهِ وَرُسُلِهِ، وَحَثًّا عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ الدِّينِيَّةِ، وَكُلُّ أَحْوَالِ الرُّسُلِ دِينِيَّةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].

قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: لَمَّا وَهَبَ مَلِكُ مِصْرَ لِسَارَّةَ؛ هَاجَرَ -وَهِيَ جَارِيَةٌ قِبْطِيَّةٌ-، وَكَانَتْ سَارَّةُ عَاقِرًا مُنْذُ كَانَتْ شَابَّةً، فَوَهَبَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ لِإِبْرَاهِيمَ لِيَتَسَرَّرَهَا لَعَلَّ اللهَ يَرْزُقُهُ مِنْهَا وَلَدًا، فَأَتَتْ هَاجَرُ بِإسْمَاعِيلَ عَلَى كِبَرِ إِبْرَاهِيمَ، فَفَرِحَ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلَكِنَّ سَارَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَدْرَكَتْهَا الْغَيْرَةُ فَحَلَفَتْ أَنْ لَا يُسَاكِنَهَا بِهَا، وَذَلِكَ لِمَا يُرِيدُه اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ لِذَهَابِه بِهَا إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَقَرَّرٌ عِنْدَهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

فَذَهَبَ بِهَا وَبِابْنِها إِسْمَاعِيلَ إِلَى مَكَّةَ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ فِيهَا سَكَنٌ وَلَا مَسْكَنٌ وَلَا مَاءٌ وَلَا زَرْعٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَزَوَدَهُمَا بِسِقَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَجِرَابٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَوَضَعَهُمَا عِنْدَ دَوْحَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ مَحِلِّ بِئْرِ زَمْزَم، ثُمَّ قَفَّى عَنْهُمَا، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّنِيَّةِ بِحَيْثَ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا دَعَا اللهَ تَعَالَى، فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم : 37] إِلَى آخِرِ الدُّعَاءِ.

ثُمَّ اسْتَسْلَمَتْ لِأَمْرِ اللهِ، وَجَعَلَتْ تَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى نَفِدَا، فَعَطِشَتْ ثُمَّ عَطِشَ وَلَدُهَا، فَجَعَلَ يَتَلَوَّى مِنَ الْعَطَشِ، ثُمَّ ذَهَبَتْ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَعَلَّهَا تَرَى أَحَدًا أَوْ تَجِدُ مُغِيثًا، فَصَعِدَتْ أَدْنَى جَبَلٍ مِنْهَا وَهُوَ الصَّفَا، وَتَطَلَّعَتْ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، ثُمَّ ذَهَبَتْ إِلَى الْمَرْوَةِ فَصَعَدَتْ عَلَيْهِ فَتَطَلَّعَتْ، فَلَمْ تَرَ أحدًا.

ثُمَّ جَعَلَتْ تَتَرَدَدُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهِيَ مَكْرُوبَةٌ مُضْطَرَّةٌ مُسْتَغِيثَةٌ بِاللهِ لَهَا وَلِابْنِها، وَهِيَ تَمْشِي وَتَلْتَفِتُ إِلَيْهِ خَشْيَةَ السِّبَاعِ عَلَيْهِ، فَإِذَا هَبَطَتِ الْوَادِي سَعَتْ حَتَّى تَصْعَدَ مِنْ جَانِبِهِ الِآخَرِ؛ لِئَلَّا يَخْفَى عَلَى بَصَرِهَا ابْنُهَا.

وَالْفَرَجُ مَعَ الْكَرْبِ، وَالْعُسْرُ يَتْبَعُهُ الْيُسْرُ، فَلَمَّا تَمَّتْ سَبَعَ مَرَّاتٍ تَسَمَّعَتْ حِسَّ الْمَلَكِ، فَبَحَثَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ زَمْزَمُ فَنَبَعَ الْمَاءُ، فَاشْتَدَّ فَرَحُ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ بِهِ.

فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، وَحَمِدَتِ اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْكُبْرَى، وَحَوَّطَتْ عَلَى الْمَاءِ لِئَلَّا يَسِيحَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَحِمَ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ مَاءَ زَمْزَمٍ -أَيْ: لَمْ تَحُطْهُ-؛ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا -أَيْ مَاءً ظَاهِرًا-». وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي «الصَّحِيحِ».

 ثُمَّ عَثَرَ بِهَا قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُمْ (جُرْهُمُ)، فَنَزَلُوا عِنْدَهَا وَتَمَّتْ عَلَيْهَا النِّعْمَةُ، وَشَبَّ إِسْمَاعِيلُ شَبَابًا حَسَنًا، وَأَعْجَبَ الْقَبِيلَةَ بَأَخْلَاقِهِ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَكَمَالِه، فَلَمَّا بَلَغَ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ امْرَأَةً، فَفِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَاتَتْ أُمُّهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

وَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بِغَيْبَةِ إِسْمَاعِيلَ يَتَصَيَّدُ -مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً-.

فَلَمَّا عَادَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ فَوَجَدَ إِسْمَاعِيلَ يَبْرِي نَبْلًا عِنْدَ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ وَالْوَلَدُ الشَّفِيقُ.

فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللهَ أَمَرَني أَنْ أَبْنيَ هَاهُنَا بَيْتًا يَكُونُ مَعْبَدًا لِلْخَلْقِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: سَأُعِينُكَ عَلَى ذَلِكَ، فَجَعَلَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 127 -129].

فَلَمَّا تَمَّ بُنْيَانُهُ، وَتَمَّ لِلْخَلِيلِ هَذَا الْأَثَر الْجَلِيلِ؛ أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يَدْعُو النَّاسَ وَيُؤَذِّنُ فِيهِمْ بِحَجِّ هَذَا الْبَيْتِ، فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ وَهُمْ يَفِدُونَ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ؛ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَيَسْعَدُوا وَلِيَزُولَ عَنْهُمْ شَقَاؤُهُمْ.

وَفِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ حِينَ تَمَكَّنَ حُبُّ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَلْبِهِ، وَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَمْتَحِنَ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ لِتَقْدِيمِ مَحَبَّةِ رَبِّهِ وَخُلَّتِهِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمُشَارَكَةَ وَالْمُزَاحَمَةَ، فَأَمَرَهُ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَذْبَحَ إِسْمَاعِيلَ، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ مِنَ اللهِ، فَقَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.

 {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أَيْ: خَضَعَا لِأَمْرِ اللهِ، وَانْقَادَا لِأَمْرِهِ تَعَالَى، وَوَطَّنَا أَنْفُسُهُمَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمُزْعِجِ الَّذِي لَا تَكَادُ النُّفُوسُ تَصْبِرُ عَلَى عُشْرِ مِعْشَارِهِ.

{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} نَزَلَ الْفَرَجُ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يا إِبْرَاهِيمُ} {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 102 -105].

فَحَصَلَ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى هَذِهِ الْمِحْنَةِ وَالْبَلْوَى الشَّاقَّةِ الْمُزْعِجَةِ، وَحَصَلَتِ الْمُقَدِّمَاتُ وَالْجَزْمُ الْمُصَمِّمُ، وَتَمَّ لَهُمَا الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ، وَحَصَلَ لَهُمَا الشَّرَفُ وَالْقُرْبُ وَالزُّلْفَى مِنَ اللهِ، وَمَا ذَلِكَ مِنْ أَلْطَافِ الرَّبِ بِعَزِيزٍ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 105 -107].

وَأيُّ ذِبْحٍ أَعْظَمُ مِنْ كَوْنِهِ حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا يُشْبِهُهَا عِبَادَة، وَصَارَ سُنَّةً فِي عَقِبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ، وَيُدْرَكُ بِهِ ثَوَابُهُ وَرِضَاهُ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 108 و109].

ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَتَمَّ النِّعْمَةَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَرَحِمَ زَوْجْتَهُ سَارَّةَ عَلَى الْكِبَرِ وَالْعُقْمِ وَالْيَأْسِ بِالبِشَارَةِ بِالِابْنِ الْجَلِيلِ وَهُوَ إِسْحَاقُ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ.

*التَّسْلِيمُ للهِ مُجَسَّدًا فِي عِبَادَةِ الْحَجِّ:

نَبِيُّكُمْ ﷺ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ))، وَإِنَّ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَزَمَ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، وَهُوَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ الْإِيمَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ بَادِيًا، فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْإِيمَانِ، يَقُولُ لِلْعَبْدِ: اتْرُكْ أَهْلَكَ.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

يَقُولُ لِلْعَبْدِ: غَادِرْ وَطَنَكَ.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

يَقُولُ لِلْعَبْدِ: اخْلَعْ ثَوْبَكَ.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

يَقُولُ لِلْعَبْدِ: طُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

يَقُولُ لِلْعَبْدِ: اسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

يَقُولُ لِلْعَبْدِ: انْحَرْ هَدْيَكَ.

يَقُولُ: نَعَمْ.

يَقُولُ لِلْعَبْدِ: احْلِقْ رَأْسَكَ.

يَقُولُ: نَعَمْ.

يَجْعَلُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَمْرَ هَكَذَا، وَعَلَى اسْتِجَابَةٍ مِنْ عَبْدِهِ هَكَذَا.

النَّبِيَّ ﷺ حَجَّ فِي الْإِسْلَامِ حَجَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَدْ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ ﷺ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.

وَقَدْ عَلَّلَ الْعُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- ذَلِكَ بِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَلَاعَبُونَ بِالشُّهُورِ، وَكَانَ النَّسَأَةُ يُؤَخِّرُونَ وَيُقَدِّمُونَ؛ فَاخْتَلَّ مِيزَانُ السَّنَةِ عَمَّا جَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ حَجَّةَ أَبِي بَكْرٍ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَقَعَتْ فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ.

فَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ ﷺ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَشَهِدَ الْمَوْسِمَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، وَأَخْبَرَ ((أَنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)).

وَالنَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ بِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ أَعَادَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَعْدَلَ أَحْوَالِهَا كَمَا خَلَقَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّ زَمَانَ التَّلَاعُبِ بِالْأَشْهُرِ قَدْ مَضَى وَلَنْ يَعُودَ.

النَّبِيُّ ﷺ يُذَكِّرُنَا حَجُّهُ بِمَا كَانَ قَبْلُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَبِالْبَيْتِ الْحَرَامِ وَبِالْمَشَاعِرِ وَالْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَيُعْلِنُ التَّوْحِيدَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُقَبِّلُ حَجَرًا، وَيَرْجُمُ حَجَرًا، وَفِي هَذَا كُلِّهِ يُطِيعُ رَبَّهُ وَيَدْعُو إِلَى دِينِهِ مُتَمَسِّكًا بِهُ، صَابِرًا عَلَى الْأَذَى فِيهِ.

فَالْحَجُّ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَاسْتِجَابَةٌ لِنِدَائِهِ، وَهَذِهِ الِاسْتِجَابَةُ، وَهَذَا الِامْتِثَالُ تَتَجَلَّى فِيهِمَا الطَّاعَةُ الْخَالِصَةُ وَالْإِسْلَامُ الْحَقُّ.

((حَجَّةُ النَّبِيِّ ﷺ كَأَنَّكَ تَرَاهَا))

حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، وَأَعْلَنَ فِي النَّاسِ أَنِّي حَاجٌّ؛ فَتَوَافَدَ النَّاسُ عَلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِيَأْتَمُّوا بِهِ فِي الْمَوْسِمِ، وَلِيَتَعَلُّمُوا مِنْهُ الْمَنَاسِكَ ﷺ.

وَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ وَكَانَ قَارِنًا، فَاعْتَمَرَ ﷺ.

 ثُمَّ إِنَّهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ تَحَرَّكَ النَّبِيُّ ﷺ مُتَوَجِّهًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنَى، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَصَلَاةَ الصُّبْحِ، فِي كُلِّ ذَلِكَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا وَيَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ.

وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ -وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ- تَحَرَّكَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى وَادِي عُرَنَةَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي ذَلِكَ يُكَبِّرُ رَبَّهُ، وَيُعَظِّمُهُ، وَيُهَلِّلُهُ، وَيَدْعُوهُ، وَيَسْتَغْفِرُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ ﷺ خَطَبَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ خُطْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَكُلُّ خُطَبِهِ عَظِيمَةٌ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ تَعَدَّدَتْ خُطَبُهُ فِي حَجِّةِ الْوَدَاعِ، فَخَطَبَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ خُطْبَتَهُ الْعَظِيمَةَ الْمَشْهُورَةَ، وَخَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَأَعَادَ بَعْضًا مِمَّا قَالَهُ فِي خُطْبَتِهِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّفْرِ وَهُوَ أَوْسَطُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَفِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ كَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا فِي مَوْقِفِي هَذَا أَبَدًا)).

النَّبِيُّ ﷺ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ الْعَظِيمَةِ -وَهِيَ حَجَّتُهُ الْمُنْفَرِدَةُ الْفَرِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا ﷺ- كَانَ يُوَدِّعُ النَّاسَ فَوَصَّاهُمْ وَأَبْلَغَ لَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ، وَوَعَظَهُمْ، وَأَعْظَمَ لَهُمْ فِي الْمَوْعِظَةِ، وَآتَاهُمْ بِأُصُولِ دِينِ الْإِسْلَامِ مُرَكَّزَةً مُصَفَّاةً فِي نِقَاطِ حَدَّدَهَا ﷺ.

ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَصَلَاةَ الْعَصْرِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ يَقْصُرُ فِي الصَّلَاتَيْنِ، ثُمَّ دَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخْرَاتِ، فَجَعَلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- دَاعِيًا إِلَى أَنْ سَقَطَ الْقُرْصَ، ثُمَّ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَقَدْ أَرْدَفَ خَلْفَهُ ﷺ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.

ثُمَّ ذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْمُزْدَلِفَةَ، إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ يَمُدُّهَا يَقُولُ: ((السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ))، فَلَمَّا نَزَلَ الْمُزْدَلِفَةَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا مَعَ التَّأْخِيرِ وَقَصْرِ الْعِشَاءِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ، ثُمَّ قَامَ ﷺ لَمَّا دَنَى الْفَجْرُ، فَصَلَّى الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ إِنَّهُ ﷺ تَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَدَعَا رَبَّهُ دُعَاءً طَوِيلًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا.

ثُمَّ أَرْدَفَ خَلْفَهُ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَدَفَعَ ﷺ مِنَ الْمُزْدَلِفَةَ، مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِلَى مِنَى.

ثُمَّ ذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ؛ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ نَحَرَ هَدْيَهُ، ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى مَكَّةَ ﷺ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مِنَى فَبَقِيَ فِيهَا ﷺ أَيَّامَ مِنَى -وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ-.

ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ يَوْمِ النَّفْرِ الثَّانِي، خَرَجَ مِنْ مِنَى إِلَى خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، فَبَاتَ فِيهِ لَيْلَتَهُ، ثُمَّ لَمَّا أَصْبَحَ ﷺ تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ، فَطَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ ﷺ، وَلَمْ يَمْضِ بَيْنَ إِنْزَالِ الْآيَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَوْتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ سِوَى وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا، ثُمَّ لَحِقَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى ﷺ.

((دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ))

*اضْمحِلَالُ الشِّرْكِ وَإِعْلَاءُ رَايَةِ التَّوْحِيدِ:

النَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا هَذِه الْحَجَّةَ، وَقَدْ قَدَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَيْنَ هَذِهِ الْحَجَّةِ الْعَظِيمَةِ الْأَذَانَ مِنْهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَبْرَؤُونَ وَيَتَبَرَّؤُونَ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَمِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي تَلْكَ الْحَجَّةِ أَعْلَنَ اضْمِحْلَالَ الشِّرْكِ فِي هَذَا الْوُجُودِ، وَأَعْلَنَ ﷺ رَفْعَ رَايَةِ التَّوْحِيدِ.

*كُلُّ النَّاسِ لِآَدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ!!

النَّبِيُّ ﷺ فِي فِقْرَةِ مِنْ فِقْرَاتِ خُطْبَةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضٍ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى غَيْرِهِ)).

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْخَرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَولَئِكَ الْمُفْتَخِرِينَ كَالْجُعَلِ -وَهِيَ دُوَيْبَةٌ كَالْخُنْفِسَاءِ- الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخُرْأَ بِفِيهِ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ)).

*دَرْسٌ لِلْأُمَّةِ الْيَوْمَ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ:

فَدَلَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى وَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجْعَلُهُمْ سَوَاسِيَةً كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، وَلَكِنَّ الْقُدُرَاتِ وَمَا أَعْطَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلنَّاسِ مِنَ الْعَطِيَّاتِ، فَذَلِكَ شَيْءٌ يَرْفَعِ اللهُ بِهِ بَعْضَ النَّاسِ فَوْقَ بَعْضٍ؛ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتُّقَى، مِنَ الْعِلْمِ وَالْهُدَى، مِمَّا آتَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْضَ النَّاسِ مِنْ عَظِيمِ الْخِلَالِ وَمَوْفُورِ الصِّفَاتِ.

إِنَّ نَبِيَّنَا ﷺ قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَامِعَةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَلْبٌ يَنْبِضُ فِي أَجْسَادِ شَتَّى،  بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْعَظِيمَ قَدْ وَحَّدَ الْمُسْلِمِينَ بِتَوْحِيدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ.

*حُرْمَةُ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ:

النَّبِيُّ ﷺ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ -وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ النَّفَرِ- ﷺ خَطَبَ النَّاسُ خُطْبَةً عَظِيمَةً عِنْدَ الْجَمَرَاتِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو بَكْرَةٍ كَمَا فِي ((صَحِيحَيِّ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ))، يَقُولُ لِلنَّاسِ: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ، وَأَعْرَاضُكُمْ، وَدِمَاؤُكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الْأَمْوَالِ، وَبَيَّنَ حُرْمَةَ الْأَعْرَاضِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ، لَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ تَغْلِيظَ تَحْرِيمِهَا، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَفِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحَرَمِ، هَذِهِ الْأُمُورِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ عَظِيمَ حُرْمَتِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ جُمْلَةً مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ: ((أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، لَقَدْ أَيِسَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِيمَا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ دَمًا وَعِرْضًا وَمَالًا، لَقَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بِيْنَهُمْ.

 ((دِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَالِدُ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَالِدُ، لَا دِينَ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِوَاهُ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُوَ إِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكُلُّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ جَاءُوا بِهَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ، فَكُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ.

وَأَمَّا النَّبِيُّ ﷺ فَجَاءَ فَوْقَ ذَلِكَ بِالشَّرِيعَةِ الْخَاتِمَةِ، وَأَمَّا الْعَقِيدَةُ فَوَاحِدَةٌ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَجْمَعِينَ {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} [هود: 84]، ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرَائِعِ فَتَخْتَلِفُ.

فَالدِّينُ دِينُ اللهِ، هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَاللهُ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَى دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

 ((يَوْمُ النَّحْرِ عِيدُنَا وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ))

وَالْيَوْمُ يَعُودُ عَلَيْنَا هَذَا الْعِيدُ فِي يَوْمٍ هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ هَذَا هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَقَعُ فِيهِ كُبْرِيَاتُ أَعْمَالِ الْحَجِّ، فَفِي هَذَا الْيَوْمِ رَجْمُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى، وَفِيهِ نَحْرُ الْهَدْيِ، وَفِيهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَفِيهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَهَذِهِ أَكْبَرُ أَعْمَالِ الْحَجِّ، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِي بِهَا مَجْمُوعَةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ أَيَّامِ الْعَامِ.

*مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَعِيرَةِ الْأُضْحِيَّةِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى:

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَنَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْعِيدِ مِمَّا هُوَ خَاصٌّ بِهِ وَهُوَ الْأُضْحِيَّةُ، وَبَيَّنَ لَنَا ﷺ شُرُوطَهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُضَحِّي، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ التَّضْحِيَةِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِالْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَخُلُّوِهَا مِنَ الْعُيُوبِ.

فَهَذَا الَّذِي يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ هُوَ الْأُضْحِيَّةُ، يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ أَنَّهَا -كَمَا بَيَّنَ الْقُرْآنُ- إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مِنْ ضَأْنِهَا وَمَعْزِهَا، وَبَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ سِنَّهَا، فَالْإِبِلُ مَا بَلَغَ خَمْسَ سِنِينَ، وَالْبَقَرُ مَا بَلَغَ سَنَتَيْنِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ: فَالْمَعْزُ مَا بَلَغَ سَنَةً، وَأَمَّا الضَّأْنُ فَمَا بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، لَا يُجْزِئُ مَا دُونَ ذَلِكَ.

وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ، مِنَ الْعَوَرِ الْبَيِّنِ، وَمِنَ الْعَرَجِ الْبَيِّنِ، وَمِنَ الْمَرَضِ الْبَيِّنِ، وَمِنَ الْعَجَفِ الَّذِي لَا يُنْقِي كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ، فَلَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةٌ فِيهَا عَيْبٌ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، فَضْلًا عَمَّا فَوْقَهَا مِنَ الْعَمَى وَالْكُسَاحِ وَمَا أَشْبَهَ، وَكَذَلِكَ إِذَا مَا تَقَدَّمَ بِهَا لِرَبِّهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي بَيَّنَهُ الرَّسُولُ ﷺ.

وَمِنَ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْعِيدِ أَنْ يُعَجَّلَ بِالصَّلَاةِ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ الْخُطْبَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ شَهِدَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْهَدْهَا، لِمَاذَا؟

لِكَيْ يَتَعَجَّلُوا وَيُعَجِّلُوا إِلَى نَحْرِ الْأَضَاحِي ((اللهم مِنْكَ وَإِلَيْكَ، بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ)). اللهم مِنْكَ وَإِلَيْكَ، مِنْكَ تَفَضُّلًا وَجُودًا، مِنْكَ كَرَمًا وَإِكْرَامًا، وَإِلَيْكَ إِخْلَاصًا وَإِخْبَاتًا، ((اللهم مِنْكَ وَإِلَيْكَ، اللهم هَذَا عَنْ فُلَانٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ)).

قَالَ تَعَالَى: {لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج: 37].

لَنْ تُرْفَعَ إِلَى اللهِ لُحُومُ هَذِهِ الذَّبَائِحِ وَلَا دِمَاؤُهَا، فَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَعَنْ عِبَادَتِكُمْ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ أَنْ تَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِذَبْحِهَا لِحَاجَتِهِ إِلَى لُحُومِهَا وَدِمَائِهَا، وَلَكِنْ تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَمَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

فَسَارِعُوا إِلَى ذَبْحِ الْأَضَاحِيِّ، وَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ وَأَخْلِصُوا لَهُ وَأَنِيبُوا إِلَيْهِ.

*أَظْهِرُوا التَّكْبِيرَ -شَعِيرَةَ الْإِسْلَامِ- فِي هَذَا الْعِيدِ:

عِبَادَ اللهِ! تَكْبِيرُ هَذَا الْعِيدِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَقَبِ الصَّلَاةِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، تَكْبِيرٌ بِعَقِبِ الصَّلَوَاتِ وَتَكْبِيرٌ مُطْلَقٌ، تَكْبِيرٌ مُطْلَقٌ فِي الشَّوَارِعِ، فِي الْبُيُوتِ، فِي الْأَسْوَاقِ، فِي كُلِّ مَكَانٍ يُكَبِّرُونَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

عِبَادَ اللهِ! أَظْهِرُوا شَعِيرَةَ اللهِ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ وَارْجِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ، وَأَرُوا رَبَّكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ نِيَّةً صَالِحَةً وَتَوْبَةً صَادِقَةً.

هَذِهِ الْأَعْيَادُ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهَا، فَعَلَيْنَا أَنْ نَفْرَحَ فِيهَا، الْفَرَحُ يَوْمُ الْعِيدِ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨].

تَصَدَّقُوا -عِبَادَ اللهِ- وَتَوَاصَلُوا، وَتَرَاحَمُوا، وَتَوَادُّوا، وَتَنَاصَرُوا، وَتَحَابُّوا، هَذَا عِيدُكُمْ -عِبَادَ اللهِ-، لَقَدْ قَالَ نَبِيِّكُمْ ﷺ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) بِسَنَدِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلَيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ)).

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُبَيِّنُ لِلْمُسْلِمِينَ لِيُبَيِّنُوا لِلْأُمَّةِ حَتَّى يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا أَنَّ نِعْمَةَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمْ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْأَعْيَادِ؛ إِنَّمَا هِيَ فِي التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَدَائِهِمْ لِطَاعَاتِ كَثِيرَةٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

النَّبِيُّ ﷺ أَخْرَجَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((مُسْنَدِهِ))، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: ((يَوْمُ الْفِطْرِ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلِ الْإِسْلَامِ)).

فَهَذِهِ الْأَيَّامُ أَيَّامُ أَعْيَادٍ ذَكَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَدَّدَهَا، وَبَيَّنَ نِعْمَةَ اللهِ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا، وَلَكِنَّكَ تَلْحَظُ مَلْحَظًا دَقِيقًا فِي قَوْلِهِ ﷺ: ((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ)).

فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ؛ جَعَلَهُ مُقْدِّمَةً وَتَوْطِئَةً لِمَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَهُوَ ذِكْرُ اللهِ، فَكَأَنَّهُ يُومِئُ ﷺ وَيُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَغْفُولِ عَنِ الطَّاعَةِ للهِ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى ذِكْرِ اللهِ.

*مُخَالَفَاتٌ مُشْتَهِرَةٌ يَوْمَ الْعِيدِ:

وَنَحْرِصُ -إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى أَلَّا نَأْتِي بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ نَبِيِّنَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ مِنَ التَّزَيُّنِ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّجَالِ!! وَمُصَافَحَةِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ, وَالتَّشَبُّهِ بِالكُفَّارِ وَالْغَرْبِيِّينَ فِي الْمَلَابِسِ, وَاسْتِمَاعِ الْمَعَازِفِ, وَتَبَرُّجِ النِّسَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اتِّخَاذِ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ يَقُولُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنهُمُ».

فَالنَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ التَّبَرُّجِ، وَنَهَى عَنِ الِاخْتِلَاطِ، وَنَهَى عَنْ كُلِّ مَا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ أَوْ يُؤَدِّي إِلَى إِثَارَةِ الشَّهْوَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

*تَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بِدْعَةٌ:

وَتَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ لَيْسَ مِنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الْمَرْذُولَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ؛ لَا مِنَ الْكِتَابِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ.

 ((الْجَمَاعَاتُ الْخَارِجِيَّةُ الْإِرْهَابِيَّةُ وَإِضْعَافُ الْأُمَّةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْخَوَارِجَ يَعُودُونَ فِي الْمُنْتَهَى إِلَى الْقِتَالِ مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا يَنْفِسُونَ عَلَى حُكَّامِهِمْ اسْتِئْثَارَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالدُّنْيَا كَمَا فَعَلَ أَبُوهُمُ الَّذِي تَنَاسَلُوا مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ الْخَارِجِيُّ الْأَوَّلُ الَّذِي نَقَمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قِسْمَةَ الذُّهَيْبَةِ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ قِسْمَةٌ لَمْ يُرَدْ بِهَا وَجْهُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

فَقَالَ: ((وَيْحَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِل)).

فَكَانَ هَذَا إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ.

*هَلْ الْحَاكِمُ يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالطَّاعَاتِ؟!!   

لَقَدْ جَاءَ خَارِجِيٌّ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يُرِيدُ أَنْ يَحْرِفَهُ عَنِ الْحَقِّ وَعَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: ((أَخْبِرْنِي هَلْ يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّلَاةِ وَمِنْ شُهُودِهَا جَمَاعَةً؟ هَلْ يَمْنَعُكَ مِنَ الصِّيَامِ؟ هَلْ يَمْنَعُكَ مِنَ الصِّيَامِ؟))

هَلْ الْحَاكِمُ يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّلَاةِ وَمِنْ شُهُودِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَمِنَ التَّعْيِيدِ فِي الْمُصَلَّيَاتِ؟!!

هَلْ الْحَاكِمُ يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّوْمِ؟!!

هَلْ يَمْنَعُكَ مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟!!

هَلْ يَمْنَعُكَ مِنَ الْحَجِّ؟!!

قَالَ: لَا.

قَالَ: إِنَّمَا خَرَجْتَ تُرِيدُ الدُّنْيَا.

وَكَذَلِكَ هُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ إِنَّمَا يُرِيدُونَ الدُّنْيَا وَيَعِيثُونَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.

*أُمَّتُكُمْ فِي خَطَرٍ! وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اسْتَبَدَلَكُمُ اللهُ!!  

أُمَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَنُوشُهَا الرِّيَاحُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَتَتَجَمَّعُ عَلَيْهَا الْأَكَلَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ كَمَا أَخْبَرَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)).

قَالُوا: أَوْمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: ((لَا، أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعِنَّ اللهُ الْهَيْبَةَ مِنْكُمْ مِنْ صُدُورِ أَعْدَائِكُمْ وَلَيَقْذِفِنَّ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ)) الضَّعْفُ وَالْعَجْزُ، وِالِالْتِصَاقُ بِالْأَرْضِ، وَضَعْفُ الْهِمَمِ بَلْ مَوْتُهَا، وَالْحِرْصُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الشَّخْصِيَّةِ دُونَ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ الْعُلْيَا كَمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَحْرِصُونُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ، وَلَكِنْ {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38].

إِنَّمَا هُوَ التَّمْحِيصُ وَمَنْ لَمْ يُثَبِّتْهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَلَكَ وَضَاعَ وَسَيْأَتِي اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، سَيَسْتَبْدِلُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَقْوَامًا حَادُوا عَنْ دِينِهِ، وَغَيَّرُوا مَنْهَجَهُ، وَتَلَاعَبُوا بِشَرِيعَتِهِ، سَيَسْتَبْدِلُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَيْرًا مِنْهُمْ مِمَّنْ يَأْخُذُ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، وَيَدْعُو إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ.

إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَنَقُولُ فِي مَهَابِّ الرِّيَاحِ الْأَرْبَع، وَلَكِنَّهَا تُنَادِي أَبْنَاءَهَا أَنْ يَفِيئُوا إِلَى ظِلِّهَا، وَأَنْ يَعُودُوا إِلَيْهَا لِيَحْمُوهَا مِنْ أَعْدَائِهَا.

إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ إِلَّا تَكُنْ بِكُمْ تَكُنْ بِغَيْرِكُمْ، ثُمَّ لَا تُحَصِّلُونَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا.

دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَا كَانَ بِغَيْرِنَا وَيَخْسَرُ مَنْ يَخْسَرُ فِي ذَلِكَ، فَسَارِعُوا إِلَى نُصْرَةِ دِينِ رَبِّكُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ، وَمِنْهَاجِ نُبُوَّةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ.

*التَّحْذِيرُ مِنْ مَنَاهِجِ الْجَمَاعَاتِ الْمُبْتَدِعَةِ الْخَارِجِيَّةِ:    

عِبَادَ اللهِ! إِيَّاكُمْ وَمَنَاهِجَ الْخَوَارِجِ الضَّالِّينَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَأَنَّهُمْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَهُوَ شَرُّ قَتِيلٍ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ فَهُوَ خَيْرُ قَتِيلٍ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، إِيَّاكُمْ وَمَنَاهِجَ الْخَوَارِجِ الْمُنْحِرِفِينَ مِنَ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنَ الْقُطْبِيِّينَ، وَمِنَ السُّرُورِيِّينَ، وَمِنَ الْمُتَسَلِّفِينَ الَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِالسِّيَاسَةِ يَجْعَلُونَهَا أَمْرًا يَدْعُو إِلَى اللهِ بِزَعْمِهِمْ وَحِفَاظًا عَلَى الشَّرِيعَةِ كَمَا يُكَذِّبُونَ ذَلِكَ بِمُخَرَّصَاتِ مِنْ ظُنُونِهِمْ.

إِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ فَإِنَّهُمْ كَالْجَرَبِ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَقْتَرِبُوا مِنْهُمْ.

((اتَّقُوا اللهَ فِي صَخْرَتَيِ الْإسْلَامِ -مِصْرَ وَبِلَادِ الْحَرَمَيْنِ-))

اتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي أُمَّتِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي أَوْطَانِكُمْ، حَافِظُوا عَلَيْهَا، حَافِظُوا عَلَى أَوْطَانِ الْإِسْلَامِ -عِبَادِ اللهِ- وَلَا تَجْعَلُوهَا نَهْبًا لِلتَّمَزُّقِ، نَهْبًا لِلتَّشَرْذُمِ، نَهْبًا لِلتَّقْسِيمِ.

وَتَأَمَّلُوا حَوْلَكُمْ -أَيَّهُا الْمِصْرِيُّونَ- لِتَعْرِفُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ، تَأَمَّلُوا حَوْلَكُمْ وَمَا يَجْرِي فِي لِيبيَا، وَمَا يَجْرِي فِي سُورِيَّةَ، وَمَا يَجْرِي فِي الْعِرَاقِ، وَمَا يَجْرِي فِي الْيَمَنِ، هَلْ تَرَوْنَ إِلَّا أَنْهَارًا مِنَ الدِّمَاءِ مَسْفُوحَةً؟!!

هَلْ تَرَوْنَ إِلَّا أَجْسَادًا قَدْ أَنْتَنَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ مَنْ يُوَارِيهَا التُّرَابُ؟!! هَلْ تَرَوْنَ إِلَّا أَعْرَاضًا مُنْتَهِكَةً، وَأَمْوَالًا مَسْلُوبَةً، وَفَوْضَى عَارِمَةً، هَلْ تَرَوْنَ إِلَّا تَهْجِيرًا لِلْحَرَائِرِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنْ فِي خُدُورِهِنَّ، لَا تَقَعُ عَلَيْهِنَّ عَيْنٌ نَاظِرَةٌ وَلَا مُقْلَةٌ بَاصِرَةٌ، فَصِرْنَ يُبَعْنَ فِي أَسْوَاقِ النِّخَاسَةِ وَالرَّقِيقِ؟!! اتَّقُوا اللهَ إِنَّهُنَّ أَخَوَاتُكُمْ.

اتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي حَرِيمِكُمْ، اتَّقُوا اللهَ فِي أَرْضِكُمْ، اتَّقُوا اللهَ فِي مُسْتَقْبَلِكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَمْنَ مِصْرَ مِنْ أَمْنِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، بِذَلِكَ قَضَى اللهُ فِيمَا تَرَاهُ كُلُّ عَيْنٍ نَاظِرَةٍ، وَيجِدُهُ كُلُّ قَلْبٍ مُوقِنٍ، وَتُحِسُّهُ كُلُّ بَصِيرَةٍ نَافِذَةٍ.

أَمْنُ مِصْرَ هُوَ أَمْنُ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، لَمْ تَبْقَ إِلَّا هَذِهِ الصَّخْرَةُ الْعَاتِيَةُ الَّتِي يَنْحَطُّ عَنْهَا السَّيْلُ، لَمْ تَبْقَ إِلَّا هَذِهِ الصَّخْرَةُ الْعَاتِيَةُ الَّتِي تُضِيءُ كَالْمَنَارَةِ فِي اللَّيْلِ، تَنْحَسِرُ عِنْدَ أَقْدَامِهَا مَوْجَاتُ كُلُّ خَارِجِيٍّ ضَالٍّ، وَكُلُّ كَافِرٍ أَثِيمٍ، وَكُلُّ مُشْرِكٍ مُعْتَدٍ، وَكُلُّ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، كَمَا انْحَسَرَتْ أَمْوَاجُ التَّتَارِ مِنْ قَبْلُ، وَكَمَا انْحَسَرَتْ أَمْوَاجُ الصَّلِيبِيِّينَ.

اتقوا الله فيها؛ إنها أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ، وَإِسْلَامُهَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ، هَذَا قَدَرُكُمْ قَدْ خُلِقْتُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فِي هَذَا الزَّمَانِ، أَنْ جَعَلَكُمْ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَشْهَدُونَ هَذِهِ الْمَلْحَمَةَ الْعُظْمَى بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، اعْرِفُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ، وَكَبِّرُوهُ، وَوَحِّدُوهُ، وَهَلِّلُوهُ، وَارْجِعُوا إِلَيْهِ، وَمُرُوا مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ بِالْتِزَامِ دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

*مُؤَامَرَاتُ الْمَجُوسِ عَلَى بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ:

إِنَّ الْمَجُوسَ هُمُ الْفُرْسُ بِأَحْقَادِهِمُ الْقَدِيمَةِ، لَا دِينَ وَلَا شَيْءَ، يُرِيدُونَ إِعَادَةَ الْمَجْدِ السَّلِيبِ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِذَبْحِكُمْ، بِذَبْحِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بِذَبْحِ الْعَرَبِ، بِإِبَادَةِ تِسْعَةِ أَعْشَارِ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ، كَمَا فِي كُتُبِهِمُ الْمُعْتَمَدَةِ.

رَوَى الْمَجْلِسِيُّ: ((أَنَّ الْقَائِمَ يَهْدِمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى أَسَاسِهِ وَالْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ إِلَى أَسَاسِهِ)).

وَبَيَّنَ الْمَجْلِسِيُّ: ((أَنَّ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ الْقَائِمُ؛ يُخْرِجُ هَذَيْنِ -يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- مِنْ قَبْرَيْهِمَا رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ وَيُذَرِّيهِمَا فِي الرِّيحِ بَعْدَ حَرْقِهِمَا، وَيَكْسِرُ الْمَسْجِدَ -يَكْسِرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ-)).

وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، إِنْ لَمْ تُفِيقُوا فَهُوَ الذَّبْحُ!!

حَافِظُوا عَلَى دِينِكُمْ، تَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، دَعُوكُمْ مِنَ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ، مِنَ الْإِخْوَانِ الْمُجْرِمِينَ، وَمِنَ الزَّائِغِينَ الضَّالِّينَ، الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى التَّقَارُبِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، هَؤُلَاءِ خَوَنَةٌ، يَخُونُونَ اللهَ وَالرَّسُولَ وَالْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ.

فَاتَّقُوا اللهَ, اتَّقُوا اللهَ فِي دِينِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أَعْرَاضِكُمْ، اتَّقُوا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كَعْبَتِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ فِي مَسْجِدِ نَبِيِّكُمْ ﷺ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفِظَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.

 ((نَصِيحَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ))

كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ لِلرِّجَالِ؛ تَوَجَّهَ إِلَى النِّسَاءِ يَعِظُهُنَّ، يَقُولُ: ((اتَّقِينَ اللهَ؛ فَإِنِّي اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَوَجَدْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ)).

قَالَ: ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ، فَوَجَدْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، يَكْفُرْنَ)).

فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟

قَالَ: ((لَا، يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، إِنَّ إِحْدَاكُنَّ لَوْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ أَسَاءَ إِلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ قَالَتْ: مَا وَجَدْتُ مِنْكَ إِحْسَانًا قَطُّ)).

عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي نَفْسِهَا، فِي عِرْضِهَا، فِي لَحْمِهَا، فِي دَمِهَا، فِي بَيْتِهَا، فِي زَوْجِهَا، فِي أَبْنَائِهَا، فِي دِينِهَا وَأُمَّتِهَا، فِي وَطَنِهَا، أَلَّا تَكُونَ مَثَارَ فِتْنَةٍ تَضِيعُ بِسَبَبِهَا الْأَعْمَارُ، وَتُهْدَرُ بِسَبَبِهَا الْقُوَى.

أَيُّتَهَا النِّسْوَةُ! اتَّقِينَ اللهَ، تَمَسَّكْنَ بِدِينِهِ، دَعْنَ التَّبَرُّجَ، احْتَشِمْنَ بِدِينِ رَبِّكُنَّ، وَارْجِعْنَ إِلَيْهِ، وَعَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمُ الْفَضِيلَةَ؛ فَإِنَّكُنَّ مَصْنَعُ الرِّجَالِ، وَالْأُمُّ مَدْرَسَةٌ؛ فَيَا أَيَّتُهَا الْمَدْرَسَةُ لَا تَكُونِي مَكَانًا لِتَعْلِيمِ الْجَهْلِ وَالرَّذِيلَةِ وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

احْمِلْنَ أَيُّهَا النِّسَاءُ -مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ- مَسْؤُولِيَّتَكُنَّ، احْمِلْنَهَا حَمْلًا صَحِيحًا، وَانْظُرْنَ إِلَى حَالِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّابِعِيَّاتِ بَعْدَهُنَّ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، مِنْ أَهْلِ الْحِشْمَةِ وَالْإِخْلَاصِ، مِنْ أَهْلِ الْوَفَاءِ، انْظُرْنَ إِلَيْهِنَّ، وَاقْتَدِينَ بِهِنَّ وَاللهُ يَرْعَاكُنَّ.    

 أَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُحْسِنَ لَنَا الْخِتَامَ أَجْمَعِينَ، وَإِذَا أَرَادَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً أَنْ يَقْبِضَنَا إِلَيْهِ غَيْرَ فَاتِنِينَ، وَلَا مَفْتُونِينَ، وَلَا خَزَايَا وَلَا مَحْزُونِينَ، وَلَا مُغَيِّرِينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ، إِنَّهُ هُوَ الْجَوَادُ الرَّحِيمُ.            

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.  

 

المصدرقِصَّةُ الذَّبِيحِ وَمَظَاهِرُ الِاسْتِسْلَامِ للهِ فِي الْحَجِّ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَمُجْتَمَعِيٌّ
  بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ رُؤْيَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِنْسَانِيَّةٌ
  إرهاب الطابور الخامس
  الْمَفْهُومُ الْأَوْسَعُ لِلصَّدَقَةِ
  خِدْمَةُ الْمُجْتَمَعِ بَيْنَ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ وَالْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ وَالْعَيْنِيِّ
  مصر وحروب الجيل الرابع
  الدِّينُ وَالْوَطَنُ مَعًا.. بِنَاءٌ لَا هَدْمَ
  حُرْمَةُ المَالِ العَامِّ وَخطُورَةُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا
  قِيمَةُ الِاحْتِرَامِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان