((الْحُقُوقُ وَالْحُرُمَاتُ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ))
مُخْتَصَرٌ مِنْ خُطْبَةِ:
((مَعَالِمُ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعِظَمُ أَجْرِ صِيَامِهِ))
فَفِي الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ يَومٌ عَظِيمٌ قَدْرُهُ، جَلِيلٌ أَثَرُهُ؛ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.
أَخرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) بسَنَدِهِ، عَنْ عَائشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، عَن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَة، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)).
وَفِي الْحَدِيثِ إِثبَاتُ صِفَةِ النُّزُولِ لِلرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا- فِي يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَهُوَ نُزُولٌ حَقِيقِيٌّ علَى مَا يَلِيقُ بِالرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-.
وَأخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) بسَنَدِهِ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنّْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعدَهُ)).
وَفِي لَفظٍ: سُئلَ عَنْ صَومِ يَومِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالسَّنَةَ الْبَاقِيَةَ)).
وَتَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ لَا يَكُونُ لِلْكَبَائرِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَلَا يَكُونُ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ لِحُقُوقِ الْعِبَادِ؛ فَإِنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تُؤَدَّى، فَإِنَّمَا يُكَفَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يُكَفَّرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ.
وَلَا يَقَعُ الصَّومُ -كَمَا هُوَ مَعلُومٌ- مِن أَحَدٍ بَعْدَ الْمَعْصُومِ ﷺ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ، وَكَمَا يُحِبُّهُ الْعَبْدُ الْمُؤمِنُ لِنَفسِهِ أَنْ يَقَعَ؛ فَيَكُونُ فِيهِ مِنَ التَّقصِيرِ مَا فِيهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ عَلَى حَسَبِ مَا أَتَى بِهِ مِنَ الْيَقِينِ وَالِاحْتِسَابِ، ((إِيمَانًا وَاحتِسَابًا)): إِيمَانًا بِالَّذِي شَرَعَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَاحْتِسَابًا عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْأَجْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ، وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ فِي الصِّيَامِ.
وَيَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَا صَامَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّوُرِ وَلَا الْعَمَلَ بِهِ، وَأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ وَإِنَّمَا الصِّيَامُ عَنِ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ.
فَإِذَا أَمْسَكَ عَمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَهُ، وَأَخَذَ فِي أَثنَاءِ صِيَامِهِ عَمَّا أُحِلَّ لَهُ؛ يَأْتِي بِمَا حُرِّمَ عَلَيهِ -صَائِمًا وَمُفْطِرًا- مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- حَرَامًا فِي كُلِّ حِينٍ وَآنٍ؛ فَمَا هَذَا بصَائمٍ!!
فَلْيَعْزِمِ الْمَرءُ وَلْيَنوِ أَنْ يَصُومَ يَومَ عَرَفَةَ -إِنْ لَمْ يَكُنْ صَائمًا فِي الْعَشْرِ-، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ فَيَنبَغِي عَلَيهِ أَلَّا يُفَوِّتَ هَذِهِ الفُرصَةَ العَظِيمَةَ.
وَلْيَجتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فِي وَقتِ النُّزولِ الإِلَهِيِّ، وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ المَغفِرَةَ، وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ الرَّحمَةَ، وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- مَا أَبَاحَهُ مِنَ الْمَسَائلِ.
لَا يَدْعُو بِإِثْمٍ وَلَا قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَلَا يَعْتَدِي فِي الدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا يُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيَأْخُذُ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَمَا قَالَ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)) .
فَهَذَا خَيرُ مَا يُقَالُ فِي يَومِ عَرَفَةَ.
يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ فِيهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ فِيهِ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ؛ فَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَاشَ بَعْدَهَا وَاحِدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا.
قَالَ الْبَغَوِيُّ : ((فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَعْيَ رَسُولِ اللهِ ﷺ )).
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ الْيَهُودِ- نَزَلَتْ؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا.
قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟
قَالَ: قَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.
فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ)).
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ؛ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ)) .
((الْحُقُوقُ وَالْحُرُمَاتُ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ))
النَّبِيُّ ﷺ -عِبَادَ اللهِ- لَمْ يَحُجَّ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ قَدَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَيْنَ هَذِهِ الْحَجَّةِ الْعَظِيمَةِ الْأَذَانَ مِنْهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَبْرَؤُونَ وَيَتَبَرَّؤُونَ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَمِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي تَلْكَ الْحَجَّةِ أَعْلَنَ اضْمِحْلَالَ الشِّرْكِ فِي هَذَا الْوُجُودِ، وَأَعْلَنَ ﷺ رَفْعَ رَايَةِ التَّوْحِيدِ.
وَحَضَّ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْفِعْلِ وَبِالْقَوْلِ عَلَى اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ، وَحَذَّرَ مِنْ تَفْرِقَةِ صُفُوفِهَا وَأَبْنَائِهَا، فَإِنَّ أَعْظَمَ مَظْهَرٍ يَتَجَلَّى فِيهِ وَحْدَةُ الْمُسْلِمِينَ وَاجْتِمَاعُهُمْ مَا يَكُونُ مِنَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي صَعِيدِ عَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ عَرَفَاتٍ.
فَهَذَا مَظْهَرٌ عَمَلِيٌّ صَارِخٌ وَدَامِغٌ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَأَنْ يُشَتِّتَ جُهُودَ أَبْنَائِهَا.
وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَلَّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مُوَدِّعًا لِلْأُمَّةِ، وَمُرْسِيًا لِلْأُسُسِ وَالْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَكْفُلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْأُمَّةِ -إِنْ تَمَسَّكَتْ بِهَا- عِزَّهَا وَمَجْدَهَا، وَظُهُورَهَا وَارْتِفَاعَهَا.
((بَيَانُ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ))
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ دُرُوسِ النَّبِيِّ ﷺ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: بَيَانُ عِظَمِ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ؛ فَفِي خُطَبِ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ أَعْلَنَ ﷺ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مُحَرَّمَةٌ تَحْرِيمًا أَبَدِيًّا، فَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)) .
فَهُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ، لَا يَحِلُّ أَبَدًا لِمُسْلِمٍ دَمُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؛ أَنْ يَجْرَحَهُ أَوْ يَقْطَعَ مِنْهُ عُضْوًا، أَوْ أَنْ يُرِيقَ دَمَهُ، إِلَّا بِمَا أَحَلَّهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ ذَلِكَ.
أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي ((صَحِيحِهِ)) ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ -يَعْنِي: نَشَرَهُمْ وَبَعَثَهُمْ فِي الْآفَاقِ-، فَيَقُولُ -وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ؛ يَعْنِي: يَقُولُ لَهُمْ حَالَ بَثِّهِ إِيَّاهُمْ-: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ.
قَالَ: فَيَخْرُجُ هَذَا -وَفِيهِ إيجَازٌ بِالْحَذْفِ، وَهَا هُنَا فَجْوَةٌ فِي السِّيَاقِ مَعْلُومَةٌ، كَأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ: فَيَذْهَبُونَ، فَيُخَذِّلُونَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَسْأَلُهُمْ سَيِّدُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ إِبْلِيسُ- فَيَخْرُجُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ.
وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَبَرَّ، وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيَجِيءُ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى زَنَى فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ».
فِي يَوْمٍ النَّحْرِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ الرَّسُولُ ﷺ: ((إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ، فَأَمَّا الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَوَالِيَاتُ: فَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَأَمَّا الشَّهْرُ الْفَرْدُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)).
ثُمَّ أَقْبَلَ الرَّسُولُ ﷺ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ شَهِدَ الْمَوْسِمَ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ ((أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟))
فَقَالَ الْأَصْحَابُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِه.
قَالَ: ((أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟)).
قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ:((أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)).
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
قَالَ:((أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟)).
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:((أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)).
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ:((أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ ؟)).
وَالْبَلْدَةُ اسْمٌ لِمَكَّةَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
((أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ ؟)).
قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ- وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي يَوْمِكُمْ هَذَا)) أَوْ: ((كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)) .
النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ مُخَاطِبًا الْكَعْبَةَ: ((((مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا)).
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّهُ «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ -لَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ- اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ».
لَا جَرَمَ؛ فَالنَّبِيُّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّ زَوَالَ الدُّنْيَا جَمِيعِهَا بِمَا فِيهَا وَمَنْ فِيهَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَا فِي بَطْنِ أَرْضِهَا، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: هَذَا كُلُّهُ أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ إِهْرَاقِ دَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
هَكَذَا مِنْ غَيْرِ مَا تَحْدِيدٍ لِنَوْعِيَّةِ هَذَا الدَّمِ.
اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَرَّمَ الدِّمَاءَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحَقُّهَا مَعْلُومٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
بَيَانُ عِظَمِ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ:
لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْأَمْوَالَ حَرَامٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْ صَاحِبِهَا - كَمَا فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَه))- فَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا؛ أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)).
فَحَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ الْغِشَّ، وَحَرَّمَ الِاحْتِكَارَ، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ السَّرِقَةَ وَالْغَصْبَ، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ الرِّشْوَةَ وَالْخِيَانَةَ، وَكُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ يَدُلُّكُمْ -عِبَادَ اللهِ- عَلَى سُبُلِ الرَّشَادِ، وَهُوَ ﷺ يَقُولُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا حَلَفَ يَمِينًا وَأَقْسَمَ قَسَمًا عَلَى أَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحُوزَهُ، فَحَازَهُ وَتَمَلَّكَهُ بِالْيَمِينِ إِذَا مَا طُلِبَتْ مِنْهُ، ((الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)).
فَإِذَا مَا أَتَى بِالْيَمِينِ فَحَازَ شَيْئًا مِنْ مَالِ أَخِيهِ فَأَدْخَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -إِذَنِ- النَّارَ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ».
وَلَوْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ سُوَاكٍ؟!!
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرْعُ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ قِيمَةً؟!!
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَجْرَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْبَيَانِ النِّهَائِيِّ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فِي مِنًى، فِي خُطْبَتِهِ ﷺ: ((وَإِنَّ اللهَ مُسَائِلُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا))، أَوْ قَالَ: ((ضُلَّالًا)).
اللَّفْظَتَانِ الثِّنْتَانِ فِي ((الصَّحِيحِ)).
قَالَ ﷺ: ((فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا)) أَوْ قَالَ: ((ضُلَّالًا))، أَوْ قَالَ: ((كُفَّارًا ضُلَّالًا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)) .
إِذَنْ؛ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَمَا وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْكَبِيرِ الْعَظِيمِ فِي تِلْكَ الْحُرْمَةِ الْمُثَلَّثَةِ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ الطَّاهِرِ ﷺ تَنْبِيهٌ أَكِيدٌ عَلَى حُرْمَةِ الدِّمَاءِ، وَحُرْمَةِ الْأَمْوَالِ، وَحُرْمَةِ الْأَعْرَاضِ.
*مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: عِظَمُ حُرْمَةِ الْأَعْرَاضِ:
((أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، حَتَّى تَلْقَوا رَبَّكُمْ)).
حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ أَعْرَاضَ الْمُسْلِمِينَ؛ أَنْ يَنْتَهِكَ أَحَدٌ عِرْضَ أَخِيهِ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ بِاعْتِدَاءٍ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمَ عِنْدَ اللهِ مِنْ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ يَقُولُ ﷺ وَهُوَ طَائِفٌ بِالْكَعْبَةِ: ((أَلَا مَا أَعْظَمَكِ! وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-!، وَلَحُرْمَةُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ حُرْمَتِكِ)) .
فَحَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَعْرَاضَ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، فَلَا يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلَّا بِمَا أَذِنَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِ.
((نَبْذُ وَهَدْمُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ))
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ -فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ- بَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّرَابُطِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُحِ، وَالتَّشَاوُرِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِالتَّقْوَى: ((فَلَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا عَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)) .
وَالتَّقْوَى هِيَ الْمِيزَانُ الَّذِي بِهِ التَّفَاضُلُ، وَهِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ.
*اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- كَرَّمَ بَنِي آدَمَ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ تَفْضِيلًا عَظِيمًا؛ فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
*اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَ النَّاسَ جَمِيعًا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ أَرْفَعَهُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَتْقَاهُمْ لَهُ؛ فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لحجرات: 13].
لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَلَا فَضْلَ لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَطَاعَتِهِ.
وَأَعْلَنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)).
وَأَشْهَدَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْبَلَاغِ الْمُبِينِ: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)).
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.
يَرْفَعُ إِصْبَعَهُ السَّبَّاحَةَ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُتُهَا إِلَيْهِمْ: ((اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ)) .
فَبَلَّغَ النَّبِيُّ ﷺ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ.
وَأَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى يَدَيْهِ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَصَارُوا عَابِدِينَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُوَحِّدِينَ.
وَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي ((مُسْنَدِهِ)) : ((أَيُّهَا النَّاسُ! كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَى دَعَائِمَ الدِّينِ، وَأَقَامَ أَسَاسَ الْمِلَّةِ الْمَتِينَ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَأِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ، بَعْدَ أَنْ أَرْسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَعَالِمَ الْمِلَّةِ الْغَرَّاءِ.
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَحَجَّةَ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).
وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْظَمِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَنَادَى النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ أَجْمَعِينَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ!))، فَتَوَجَّهَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْخِطَابِ إِلَى النَّاسِ، وَمَا كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَكِنَّهُ ﷺ كَأَنَّمَا يُشِيرُ أَنَّهُ لَا فَلَاحَ لِلْبَشَرِيَّةِ وَلَا سَعَادَةَ لَهَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ نَهْجِهِ ﷺ.
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، ((مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ)) .
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ((أَنَّ الْمُسْلِمَ لِلْمُسْلِمِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا -وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ﷺ-)) .
*تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنَ النَّبِيِّ الرَّشِيدِ ﷺ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ:
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ حَذَّرَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ((مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، وَيَقْتُلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ)) .
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ مُنْتِنَةٌ، وَأَنَّهَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا)) ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ لَعَّابًا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ -كَسَعَهُ: أَيْ ضَرَبَهُ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ عَلَى عَجِيزَتِهِ بِيَدِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ بِعُرْضِ سَيْفِهِ-، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَى الْقَوْمُ.
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!
وَسَمِعَهَا النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: ((مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟)).
فَلَمَّا أُخْبِرَ ﷺ، قَالَ: ((دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)).
((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَكَفَى بِالْمُسْلِمِ إِثْمًا أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)) .
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ لُحْمَةً وَسُدًى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ شِعَارُهُمْ الَّذِي يَتَعَصَّبُونَ حَوْلَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ.
*نَهْيُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْفَخْرِ بِالْأَنْسَابِ:
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَنَا: ((أَنَّ أَقْوَامًا سَيَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ))، فَبَيَّنَ ﷺ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا ((هُوَ كَالْجُعَلِ يُدَهْدِهُ الْخُرْءَ بِفِيهِ)).
فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْزِلَتَهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ كَالْجُعَلِ؛ وَهُوَ الْجِعْرَانُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، ((يُدَهْدِهُ)): أَيْ يُدَحْرِجُ الْخُرْءَ -أَعَزَّكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- ((بِفِيهِ))؛ مِنْ وَضَاعَتِهِ وَحَقَارَتِهِ.
((لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، وَإِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ عِنْدَ اللهِ أَهْوَنَ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخُرْءَ بِفِيهِ)) .
بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ خُطُورَةَ الْعَصَبِيَّةِ، وَخُطُورَةَ الِانْتِمَاءِ إِلَى الشَّعَارَاتِ الْحِزْبِيَّةِ، وَإِلَى الِانْتِمَاءَاتِ الضَّيِّقَةِ الرَّدِيَّةِ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تُكَنُّوهُ)).
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: ((فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا)) .
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مَنِ انْتَمَى أَوِ انْتَسَبَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ عَصَبِيَّةً بِشِعَارٍ مِنْ شِعَارَاتِ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَذَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ، ((فَأَعِضُّوهُ -فَأَمِصُّوهُ- بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوهُ))، هَكَذَا ظَاهِرًا، وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْعَى لِفُحْشٍ، وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا هُنَالِكَ مِنْ قُبْحِ الْعَصَبِيَّةِ بِانْتِمَائِهَا.
لَا انْتِمَاءَ إِلَّا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، أَعَزَّنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَمِي إِلَى عَائِلَةٍ وَلَا قَبِيلَةٍ وَلَا شَعْبٍ وَلَا وَطَنٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ أَنْسَابِنَا مَا نَصِلُ بِهِ أَرْحَامَنَا، فَقَالَ: ((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ)) ، وَلَكِنْ لَا عَصَبِيَّةَ، وَلَا انْتِمَاءَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِالْعَصَبِيَّةِ.
وَإِنَّمَا الِانْتِمَاءُ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ؛ لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ كُلُّ النَّاسِ أَنَّهُمْ لِآدَمَ، وَأَنَّ آدَمَ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ، وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ، إِلَّا بِطَاعَةِ اللهِ .
وَنَبِيُّكُمْ ﷺ يُخْبِرُكُمْ مُنْذِرًا وَمُحَذِّرًا، فَيَقُولُ ﷺ: ((مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)) .
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الِانْتِمَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، سَوَّى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَيْنَنَا جَمِيعًا فِي الْحُقُوقِ، وَرَفَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ دَرَجَاتٍ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَنْ كَانَ تَقِيًّا -وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا-؛ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَوْقَ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ -وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا قُرَشِيًّا-.
((إِبْطَالُ الرِّبَا الْمُدَمِّرِ لِلْمُجْتَمَعِ))
لَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعًا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَأَهْدَرَ النَّبِيُّ ﷺ دِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَهْدَرَ النّبِيُّ ﷺ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى قَرَارِهِ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، تَابِعَةً لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي الْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَالْإِرْشَادِ.
إِنَّ الرِّبَا يُوَلِّدُ فِي النَّاسِ حُبَّ الذَّاتِ، فَلَا يَعْرِفُ الْمَرْءُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يُهِمُّهُ إِلَّا مَصْلَحَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ، وَبِذَلِكَ تَنْعَدِمُ رُوحُ التَّضْحِيَةِ وَالْإِيثَارِ، وَتَنْعَدِمُ مَعَانِي حُبِّ الْخَيْرِ لِلْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَتَحُلُّ مَحَلَّهَا رُوحُ حُبِّ الذَّاتِ، وَالْأَثَرَةِ، وَالْأَنَانِيَةِ، وَتَتَلَاشَى الرَّوَابِطُ الْأَخَوِيَّةُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَخِيهِ الْإِنْسَانِ.
((الْإِحْسَانُ وَالرَّحْمَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ))
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيَّنَ أَنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الرَّحْمَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِهَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا دَيْدَنَهُ، فَقَالَ ﷺ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ ((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)) .
وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا سَأَلَهُ مَنْ سَأَلَهُ أَنَّهُ يَرْحَمُ الشَّاةَ عِنْدَ ذَبْحِهَا، فَقَالَ: ((وَالشَّاةَ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ)) ؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ السَّلَفِ: ((إِنَّ اللهَ لَيَرْحَمُ بِرَحْمَةِ الْعُصْفُورِ))؛ يَعْنِي إِنْ رَحِمْتَهُ رَحِمَكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَكَانَتْ رَحْمَتُكَ إِيَّاهُ سَبَبًا لِرَحْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِيَّاكَ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَقَدْ أَضْجَعَ ذَبِيحَتَهُ، وَجَعَلَ قَدَمَهُ عَلَى صِحَافِهَا، وَهُوَ يَسُنُّ مُدْيَتَهُ، وَيَحُدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ!! فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟)) .
عِبَادَ اللهِ! هَذَا بَلَاغُ نَبِيِّكُمْ ﷺ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ، وَهَذِهِ ظِلَالٌ، بَلْ هَذَا ظِلٌّ مُفْرَدٌ يَسِيرٌ قَلِيلٌ بِجَانِبِ الظِّلَالِ الْمُتَمَاوِجَاتِ فِي حَرِّ هَجِيرِ الْإِنْسَانِيَّةَ لِخُطْبَةِ الْوَدَاعِ الْعَظِيمَةِ.
وَيَا لَهَذِهِ الْخُطْبَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ ذَاتِ أَفْيَاءٍ وَذَاتِ ظِلَالٍ؛ إِنَّ لَهَا لَظِلًّا ظَلِيلًا لَوْ فَزِعَتِ الْإِنْسَانِيَّةُ كُلُّهَا، وَلَوْ ذَهَبَتِ الْبَشَرِيَّةُ كُلُّهَا إِلَى فَيْءِ ظِلٍّ وَاحِدٍ مِنْ ظِلَالِ هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْعَظِيمَةِ، لَوَسِعَهَا هَذَا الظِّلُّ الْبَارِدُ مِنْ ذَلِكَ السَّعِيرِ الْمُتَّقِدِ، وَمِنْ هَذَا الْأَتُّونِ الْمُلْتَهِبِ، وَمِنْ هَذَا الْحَرِّ اللَّاغِبِ فِي صَحَرَاءِ الِانْفِلَاتِ مِنْ قَيْدِ مَنْهَجِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
((جُمْلَةٌ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ))
فَإِنَّ مِمَّا تُخْتَصُّ بِهِ أَيَّامُ عِيدِ الْأَضْحَى: الْأُضْحِيَّةُ؛ وَهِيَ مَا يُذْبَحُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَيَّامَ عِيدِ الْأَضْحَى بِسَبَبِ الْعِيدِ؛ تَقَرُّبَا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهِيَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْمَشْرُوعَةِ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
وَفِي ((الصَّحيِحَيْنِ)) - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)).
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَقَدْ ضَحَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَضَحَّى أَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ؛ يَعْنِي: طَرِيقَتَهُمْ.
وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلُ النَّبِيِّ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَامٌ كَانَ فِي النَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((الذَّبْحُ فِي مَوْضِعِهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهِ)).
**وَيُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ سِتَّةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ وَهِيَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ -ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا-.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمَحْدُودَ شَرْعًا.
وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ: مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ.
وَمِنَ الْبَقَرِ: مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ.
وَمِنَ الْغَنَمِ: مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ.
وَالْجَذَعَةُ مِنَ الضَّأْنِ: مَا تَمَّ لَهُ نِصْفُ سَنَةٍ.
الثَّالِثُ مِنَ الشُّرُوطِ لِلْأُضْحِيَّةِ: أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْعَوَرُ الْبَيِّنُ -أَيِ الظَّاهِرُ-، وَالْمَرَضُ الْبَيِّنُ، وَالْعَرَجُ الْبَيِّنُ، وَالْهُزَالُ الْمُزِيلُ لِمُخِّ الْعِظَامِ.
الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الْأُضْحِيَّةِ: أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِلْمُضَحِّي، أَوْ مَأذُونًا لَهُ فِيهَا مِنْ قِبَلِ الشَّرعِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ.
الْخَامِسُ مِنْ شُرُوطِهَا: أَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَلَا تَصِحُّ بِالْمَرْهُونِ.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ شَرْعًا؛ وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشرِيقِ -وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ-.
وَيُشْرَعُ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، وَيُهْدِي، وَيَتَصَدَّقُ؛ لِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36].
فَالْقَانِعُ: السَّائِلُ الْمُتَذَلِّلُ.
وَالْمُعْتَرُّ: الْمُتَعَرِّضُ لِلْعَطِيَّةِ بِدُونِ سُؤَالٍ.
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْإِطْعَامُ يَشْمَلُ الْهَدِيَّةَ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى- فِي مِقْدَارِ مَا يَأْكُلُ وَيُهْدِي وَيَتَصَدَّقُ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ.
وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثًا، وَأَنْ يُهْدِيَ ثُلُثًا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ، وَمَا جَازَ أَكْلُهُ مِنْهَا جَازَ ادِّخَارُهُ وَلَوْ بَقِيَ مُدَّةً طَوِيلَةً؛ إِذَا لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدٍّ يَضُرُّ أَكْلُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَامُ عَامَ مَجَاعَةٍ فَلَا يَجُوزُ الِادِّخَارُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
((جُمْلَةٌ مِنْ سُنَنِ الْعِيدِ))
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ((مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟)).
قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ)) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
فَهَذَانِ هُمَا عِيدَا الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، ومِنْ شَعَائِرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: الْفَرَحُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، وَجَعَلَ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ بِعَقِبِ عِبَادَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، وَفَرْضَيْنِ جَلِيلَيْنِ مِنْ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ الْكَرِيمِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ)) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْأَوْسَطِ))، وَجَوَّدَهُ -أَيْ: جَوَّدَ إِسْنَادَهُ- الْأَلْبَانِيُّ، وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْأَحْمَرَ الْمُصْمَتَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ نَهَى عَنْ لُبْسِهِ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمْرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) .
وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ)) . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
*وَيُسْتَحَبُّ مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ يَوْمَ الْعِيدِ؛ فَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعُ فِي آخَرَ:
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ؛ خَالَفَ الطَّرِيقَ)).
عَلَيْنَا أَنْ نُكَبِّرَ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ الذَّهَابِ إِلَى الْمُصَلَّى بِصَوْتٍ عَالٍ، لَا نَسْتَحِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا نَسْتَحِي مِنَ التَّكْبِيرِ.
*التَّكْبِيرُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى:
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- التَّكْبِيرُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ». أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «تَمَامِ الْمِنَّةِ».
*وَمِنْ صِيَغِ التَّكْبِيرِ الثَّابِتَةِ: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ»؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» .
وَمِنْ صِيَغِ التَّكْبِيرِ أَيْضًا: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا».
يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَ الْمُطْلَقَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَصْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا إِلَّا فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلًّا لِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى.
وَيُكَبَّرُ تَكْبِيرٌ مُقَيَّدٌ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ غَيْرِ مَا تَوَاطُئٍ وَلَا اجْتِمَاعٍ مُتَعَمَّدٍ عَلَى التَّكْبِيرِ.
اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَإِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ عُمَّارًا وَحُجَّاجًا.
اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَإِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ عُمَّارًا وَحُجَّاجًا.
اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَإِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ حُجَّاجًا وَمُعْتَمِرِينَ.
المصدر:الْحُقُوقُ وَالْحُرُمَاتُ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ