احْذَرْ مِنَ الْقِمَارِ بِكُلِّ صُوَرِهِ!

احْذَرْ مِنَ الْقِمَارِ بِكُلِّ صُوَرِهِ!

((احْذَرْ مِنَ الْقِمَارِ بِكُلِّ صُوَرِهِ!))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ مِنْ صِفَاتِ الْمُحْسِنِينَ))

فَقَدْ وَصَفَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ -وَالَّذِينَ أَحْسَنُوا هُمُ الَّذِينَ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ الْإِحْسَانُ؛ فَهُمُ الْمُحْسِنُونَ، وَالْمُحْسِنُونَ يُحِبُّهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ-؛ وَصَفَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِصِفَةٍ عَظِيمَةٍ مَجِيدَةٍ، يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَيْهَا، وَأَنْ نُعَوِّلَ عَلَيْهَا، وَأَلَّا نَغْفَلَ عَنْهَا أَبَدًا.

يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31].

فَيَقُولُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِمْ فَقَالَ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32].

فَإِذَنْ؛ مِنْ صِفَاتِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا: أَنَّهُمْ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ، كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ لَا يَقْرَبُونَهَا، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَجْتَنِبُونَهَا، وَيَفِرُّونَ مِنْهَا، {إِلَّا اللَّمَمَ}: وَهُوَ الصَّغَائِرُ -كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ-؛ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْهُ إِلَّا الْمَعْصُومُ، وَلَا مَعْصُومَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

إِذَنْ؛ مِنْ صِفَاتِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا: أَنَّهُمْ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ.

وَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي قَضِيَّةٍ شَرْطِيَّةٍ إِذَا مَا أَتَيْتَ بِالشَّرْطِ تَحَصَّلْتَ عَلَى النَّتِيجَةِ فِيهَا: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31].

إِذَا مَا اجْتَنَبْتُمْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ -يَعْنِي: كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ-؛ فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ تَبَعًا، وَقَدْ تَبَدَّى مِنْ هَذَا النَّصِّ أَنَّ السَّيِّئَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ هِيَ سِوَى الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا، يَقُولُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}، فَأَنْتُمْ تَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْن عَنْهُ، فَلَا تَقَعُونَ فِي الْكَبَائِرِ؛ وَلَكِنْ تَقَعُونَ فِي السَّيِّئَاتِ، وَالسَّيِّئَاتُ هَاهُنَا عِنْدَمَا تُقَابَلُ بِالْكَبَائِرِ تُسَمَّى بِالصَّغَائِرِ -كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ-، وَهَذِهِ لَا يَخْلُو مِنْهَا إِلَّا الْمَعْصُومُ، وَلَا مَعْصُومَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

إِذَا مَا اجْتَنَبْتُمْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ جَاءَ التَّكْفِيرُ لِلصَّغَائِرِ، وَالصَّغَائِرُ -أَيِ: السَّيِّئَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ- هِيَ بِعَيْنِهَا اللَّمَمُ الَّذِي ذُكِرَ فِي آيَةِ (النَّجْم): {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، وَهُنَا يَقُولُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}.

إِذَنْ؛ هُنَاكَ أَمْرٌ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَنَا أَنْ نَجْتَنِبَ كَبَائِرَ مَا نُنْهَى عَنْهُ، أَنْ نَبْتَعِدَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا مَا ابْتَعَدْنَا عَنِ الْكَبَائِرِ كَفَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنَّا الصَّغَائِرَ، إِذَا مَا اجْتَنَبْنَا كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ، وَوَقَعْنَا فِي اللَّمَمِ -يَعْنِي: فِي الصَّغَائِرِ-؛ فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -إِكْرَامًا لِمَنِ اجْتَنَبَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ- يَكْتُبُهُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَيَجْعَلُ إِحْسَانَهُ عِنْدَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ اللَّمَمَ وَصَغَائِرَ الذُّنُوبِ.

((مَعْنَى الْكَبَائِرِ))

إِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ مَا هِيَ الْكَبَائِرُ؛ لِأَنِّي إِذَا كُنْتُ مَأْمُورًا بِاجْتِنَابِ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَأَنَا لَا أَعْرِفُهَا؛ فَكَيْفَ أَجْتَنِبُ أَمْرًا مَجْهُولًا بِالنِّسْبَةِ لِي؟!! وَقَدْ أَقَعُ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ يَكُونُ كَبِيرَةً عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلَا أَحْسَبُهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ أُؤَاخَذُ عِنْدَئِذٍ عَلَى عَدَمِ بَحْثِي فِيمَا قَدْ نَهَانِي رَبِّي عَنْهُ.

فَالْكَبَائِرُ -عِبَادَ اللهِ- مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَهَانَا عَنِ الْكَبَائِرِ، وَالْكَبِيرَةُ مُتَعَارَفَةٌ فِي كُلِّ ذَنْبٍ تَعْظُمُ عُقُوبَتُهُ، كُلُّ ذَنْبٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَقَابٌ شَدِيدٌ؛ مِثْلَ أَنْ أَتْبَعَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ، أَوْ عَذَابٍ مُهِينٍ، أَوْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، أَوْ بِلَعْنٍ -يَعْنِي: لَعَنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَاعِلَهُ-، أَوْ تَوَعَّدَ فَاعِلَهُ بِالنَّارِ؛ فَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ.

وَلِذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ تَعَارِيفِ الْكَبِيرَةِ؛ مَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْإِمَامُ فِي ((الْمُفْهِمِ)) -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: ((كُلُّ ذَنْبٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، أَوْ عَظِيمٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَابِ -إِذَا تَوَعَّدَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى ذَنْبٍ بِشَدِيدِ الْعِقَابِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ-، أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ -يَعْنِي: مَنْ فَعَلَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِّ كَذَا وَكَذَا؛ مِثْلَ مَا تَوَعَّدَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الزِّنَى مِنَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ، وَكَذَلِكَ بِالرَّجْمِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَهُوَ عِنْدَئِذٍ كَبِيرَةٌ-، أَوْ شُدِّدَ النَّكِيرُ فِيهِ -إِذَا مَا شُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَى الذَّنْبِ فَقَدْ عَظُمَ وَكَبُرَ حَتَّى صَارَ كَبِيرَةً، مَنْ تَوَرَّطَ فِيهِ فَقَدْ تَوَرَّطَ فِي إِثْمٍ عَظِيمٍ-)).

((مَعْنَى الْقِمَارِ أَوِ الْمَيْسِرِ))

لَعِبُ الْقِمَارِ هُوَ الْمَيْسِرُ: وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ طَرَفَيْنِ فِي نَوْعٍ مَا مِنَ السِّبَاقِ، ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِصَاحِبِهِ: إِنْ سَبَقْتُكَ فَلِي كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ كَذَا.

قَالَ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الْمَيْسِرُ: هُوَ كُلُّ الْمُغَالَبَاتِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مِنَ النَّرْدِ وَالشَّطْرَنْجِ، وَكُلُّ مُغَالَبَةٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ بِعِوَضٍ؛ سِوَى مُسَابَقَةِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسِّهَامِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ؛ لِكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى الْجِهَادِ، فَلِهَذَا رَخَّصَ فِيهَا الشَّارِعُ)).

هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ..

وَرَأْيُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَيْسِرَ مُرَادِفٌ لِلْقِمَارِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ثَمَّةَ فَرْقٌ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: ((الْمَيْسِرُ هُوَ الْقِمَارُ)).

مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ جَعَلَ الْقِمَارَ أَعَمَّ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُغَالَبَةٍ وَمُخَاطَرَةٍ تَقَعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَجَعَلَ الْمَيْسِرَ أَخَصَّ مِنْهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ فَجَعَلَ الْمَيْسِرَ أَعَمَّ؛ فَهُوَ كُلُّ مُخَاطَرَةٍ وَمُغَالَبَةٍ عَلَى رِهَانٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْقِمَارُ فَأَخَصُّ، فَيَكُونُ مُخَاطَرَةً وَمُغَالَبَةً عَلَى مَالٍ.

فَالْمَيْسِرُ أَعَمُّ -جَعَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ-: كُلُّ مُخَاطَرَةٍ وَمُغَالَبَةٍ عَلَى رِهَانٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهَا، الْقِمَارُ: مُخَاطَرَةٌ وَمُغَالَبَةٌ عَلَى مَالٍ فَقَطْ.

((حُرْمَةُ الْقِمَارِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

إِنَّ الْإِسْلَامَ يُرِيدُ مِنَ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتْبَعَ سُنَنَ اللهِ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ، وَأَنْ يَطْلُبَ النَّتَائِجَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا، وَيَأْتِيَ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَالْقِمَارُ يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَمَانِيِّ الْفَارِغَةِ، لَا عَلَى الْعَمَلِ وَالْجِدِّ، وَالْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا.

وَالْإِسْلَامُ يَجْعَلُ لِمَالِ الْإِنْسَانِ حُرْمَةً، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهُ إِلَّا عَنْ طَرِيقَةِ مُبَادَلَةٍ مَشْرُوعَةٍ، أَوْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَمَّا مَا أُخِذَ بِالْقِمَارِ فَهُوَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الْمَيْسِرِ نُصُوصٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219].

((أَيْ: يَسْأَلُكَ -يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ- الْمُؤْمِنُونَ عَنْ أَحْكَامِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَقَدْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِيهِمَا إِشْكَالٌ؛ فَلِهَذَا سَأَلُوا عَنْ حُكْمِهِمَا، فَأَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- نَبِيَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَنَافِعَهُمَا وَمَضَارَّهُمَا؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً لِتَحْرِيمِهِمَا وَتَحْتِيمِ تَرْكِهِمَا.

فَأَخْبَرَ أَنَّ إِثْمَهُمَا وَمَضَارَّهُمَا وَمَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَالْمَالِ، وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَكْبَرُ مِمَّا يَظُنُّونَهُ مِنْ نَفْعِهِمَا؛ مِنْ كَسْبِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ بِالْخَمْرِ، وَتَحْصِيلِهِ بِالْقِمَارِ، وَالطَّرَبِ لِلنُّفُوسِ عِنْدَ تَعَاطِيهِمَا.

وَكَانَ هَذَا الْبَيَانُ زَاجِرًا لِلنُّفُوسِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يُرَجِّحُ مَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَتُهُ، وَيَجْتَنِبُ مَا تَرَجَّحَتْ مَضَرَّتُهُ؛ وَلَكِنْ لَمَّا كَانُوا قَدْ أَلِفُوهُمَا، وَصَعُبَ التَّحْتِيمُ بِتَرْكِهِمَا أَوَّلَ وَهْلَةٍ؛ قَدَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ مُقَدِّمَةً لِلتَّحْرِيمِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ..} إِلَى قَوْلِهِ: {..مُنْتَهُونَ}، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((انْتَهَيْنَا، انْتَهَيْنَا)).

فَأَمَّا الْخَمْرُ: فَهُوَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَامَرَ الْعَقْلَ وَغَطَّاهُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، وَأَمَّا الْمَيْسِرُ: فَهُوَ كُلُّ الْمُغَالَبَاتِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مِنَ النَّرْدِ وَالشَّطْرَنْجِ، وَكُلُّ مُغَالَبَةٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ بِعِوَضٍ؛ سِوَى مُسَابَقَةِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسِّهَامِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ؛ لِكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى الْجِهَادِ، فَلِهَذَا رَخَّصَ فِيهَا الشَّارِعُ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90-91].

 ((يَذُمُّ -تَعَالَى- هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْقَبِيحَةَ، وَيُخْبِرُ أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّهَا رِجْسٌ، {فَاجْتَنِبُوهُ} أَيِ: اتْرُكُوهُ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: فَإِنَّ الْفَلَاحَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَرْكِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ؛ خُصُوصًا هَذِهِ الْفَوَاحِشَ الْمَذْكُورَةَ، وَهِيَ الْخَمْرُ، وَهِيَ: كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، أَيْ: غَطَّاهُ بِسُكْرِهِ، وَالْمَيْسِرُ، وَهُوَ: جَمِيعُ الْمُغَالَبَاتِ الَّتِي فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ؛ كَالْمُرَاهَنَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْأَنْصَابُ الَّتِي هِيَ: الْأَصْنَامُ وَالْأَنْدَادُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا يُنْصَبُ وَيُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالْأَزْلَامُ الَّتِي يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ نَهَى اللَّهُ عَنْهَا وَزَجَرَ، وَأَخْبَرَ عَنْ مَفَاسِدِهَا الدَّاعِيَةِ إِلَى تَرْكِهَا وَاجْتِنَابِهَا.

فَمِنْهَا: أَنَّهَا رِجْسٌ، أَيْ: نَجِسٌ خَبَثٌ مَعْنًى؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَجِسَةً حِسًّا، وَالْأُمُورُ الْخَبِيثَةُ مِمَّا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهَا، وَعَدَمُ التَّدَنُّسِ بِأَوْضَارِهَا.

وَمِنْهَا: أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ الَّذِي هُوَ أَعْدَى الْأَعْدَاءِ لِلْإِنْسَانِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعَدُوَّ يُحْذَرُ مِنْهُ، وَتُحْذَرُ مَصَايِدُهُ وَأَعْمَالُهُ؛ خُصُوصًا الْأَعْمَالَ الَّتِي يَعْمَلُهَا لِيُوقِعَ فِيهَا عَدُوَّهُ؛ فَإِنَّهَا فِيهَا هَلَاكُهُ، فَالْحَزْمُ كُلُّ الْحَزْمِ الْبُعْدُ عَنْ عَمَلِ الْعَدُوِّ الْمُبِينِ، وَالْحَذَرُ مِنْهَا، وَالْخَوْفُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْفَلَاحُ لِلْعَبْدِ إِلَّا بِاجْتِنَابِهَا؛ فَإِنَّ الْفَلَاحَ هُوَ: الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ الْمَحْبُوبِ، وَالنَّجَاةُ مِنَ الْمَرْهُوبِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَانِعَةٌ مِنَ الْفَلَاحِ، وَمُعَوِّقَةٌ لَهُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ مُوجِبَةٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالشَّيْطَانُ حَرِيصٌ عَلَى بَثِّهَا؛ خُصُوصًا الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ؛ لِيُوقِعَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ؛ فَإِنَّ فِي الْخَمْرِ مِنَ انْغِلَابِ الْعَقْلِ وَذَهَابِ حِجَاهُ مَا يَدْعُو إِلَى الْبَغْضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ خُصُوصًا إِذَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنَ السِّبَابِ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَوْصَلَ إِلَى الْقَتْلِ، وَمَا فِي الْمَيْسِرِ مِنْ غَلَبَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَأَخْذِ مَالِهِ الْكَثِيرِ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةٍ مَا هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَصُدُّ الْقَلْبَ وَيَتْبَعُهُ الْبَدَنُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ اللَّذَيْنِ خُلِقَ لَهُمَا الْعَبْدُ، وَبِهِمَا سَعَادَتُهُ، فَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ يَصُدَّانِهِ عَنْ ذَلِكَ أَعْظَمَ صَدٍّ، وَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ وَيَذْهَلُ لُبُّهُ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِمَا، حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.

فَأَيُّ مَعْصِيَةٍ أَعْظَمُ وَأَقْبَحُ مِنْ مَعْصِيَةٍ تُدَنِّسُ صَاحِبَهَا، وَتَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْخُبْثِ، وَتُوقِعُهُ فِي أَعْمَالِ الشَّيْطَانِ وَشِبَاكِهِ، فَيَنْقَادُ لَهُ كَمَا تَنْقَادُ الْبَهِيمَةُ الذَّلِيلَةُ لِرَاعِيهَا، وَتَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ فَلَاحِهِ، وَتُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ؟!! فَهَلْ فَوْقَ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ شَيْءٌ أَكْبَرُ مِنْهَا؟!!

وَلِهَذَا عَرَضَ -تَعَالَى- عَلَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ النَّهْيَ عَنْهَا عَرْضًا بِقَوْلِهِ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ -إِذَا نَظَرَ إِلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ- انْزَجَرَ عَنْهَا، وَكَفَّتْ نَفْسُهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى وَعْظٍ كَثِيرٍ وَلَا زَجْرٍ بَلِيغٍ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].

(({وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أَيْ: لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ، وَأَصْلُ الْبَاطِلِ الشَّيْءُ الذَّاهِبُ، وَالْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ أَنْوَاعٌ؛ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالنَّهْبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ اللَّهْوِ؛ كَالْقِمَارِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّي وَنَحْوِهِمَا، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ وَالْخِيَانَةِ، {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} أَيْ: تُلْقُوا أُمُورَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَرْبَابِهَا إِلَى الْحُكَّامِ، وَأَصْلُ الْإِدْلَاءِ: إِرْسَالُ الدَّلْوِ وَإِلْقَاؤُهُ فِي الْبِئْرِ، يُقَالُ: أَدْلَى دَلْوَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ، وَدَلَاهُ يَدْلُوهُ إِذَا أَخْرَجَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَيَجْحَدُ الْمَالَ وَيُخَاصِمُ فِيهِ إِلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ أَثِمَ بِمَنْعِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا تُخَاصِمْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا}: طَائِفَةً {مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ}: بِالظُّلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَقْطَعُ بِهَا مَالَ أَخِيهِ {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: أَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ)).

وَكَمَا نَهَى رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- عَنِ الْمَيْسِرِ فِي كِتَابِهِ وَحَذَّرَ مِنْهُ، كَذَلِكَ نَهَى عَنْهُ نَبِيُّنَا ﷺ فِي سُنَّتِهِ وَرَهَّبَ عَنْهُ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ، وَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

((السَّبَقُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الْجِهَادِ وَمَا يُعِينُ عَلَى الْجِهَادِ؛ وَلِذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: ((لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- )).

((الْقِمَارُ مِنَ الْكَبَائِرِ))

مِنَ الْمَحَاذِيرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ: مَحْذُورُ الْمَيْسِرِ وَالْغَرَرِ؛ فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ فِي كِتَابِهِ الْمَيْسِرَ، وَقَرَنَهُ بِالْخَمْرِ، وَذَكَرَ مَضَارَّ ذَلِكَ وَمَفَاسِدَهُ.

وَالْمَيْسِرُ يَدْخُلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْمُغَالَبَاتِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُرَاهَنَاتِ وَالْمُقَامَرَاتِ وَتَوَابِعَهَا مِنَ الْمَيْسِرِ، فَالْبُيُوعُ الَّتِي فِيهَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَاتٌ وَجَهَالَاتٌ دَاخِلَةٌ فِي الْمَيْسِرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ﷺ كَلِمَةً جَامِعَةً: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ». كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)).

مَا يُوقِعُ الْمُتَسَابِقِينَ فِي الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ -سَوَاءٌ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ طَرَفٍ ثَالِثٍ- فَلَيْسَ مِنَ الْمُتَسَابِقِينَ -أَيْ: هَذَا الطَّرَفُ الثَّالِثُ لَيْسَ مِنَ الْمُتَسَابِقِينَ-؛ فَهُوَ السَّبَقُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّبَقَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الْجِهَادِ وَمَا يُعِينُ عَلَى الْجِهَادِ؛ وَلِذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: ((لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

((لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ))، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ.

وَجَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَالْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-- أَخْذَ السَّبَقِ عَلَى مَسَائِلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجِهَادِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى الْمَنْعِ.

يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90-91].

وَجْهُ كَوْنِ الْمَيْسِرِ أَوِ الْقِمَارِ مِنَ الْكَبَائِرِ: أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَرَنَهُ بِالْخَمْرِ، وَالْأَنْصَابِ، وَالْأَزْلَامِ، وَهَذِهِ كَبَائِرُ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ}.. وَذَكَرَ الْقِمَارَ أَوِ الْمَيْسِرَ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، فَذَكَرَ الْمَيْسِرَ -وَهُوَ الْقِمَارُ- مَقْرُونًا بِالْخَمْرِ، وَالْأَنْصَابِ، وَالْأَزْلَامِ، وَهِيَ كَبَائِرُ؛ وَلِذَلِكَ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ -وَمِنْهُمُ الذَّهَبِيُّ- مِنَ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ عَدَّهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ فِي ((الدُّرُوسِ الْمُهِمَّةِ لِعَامَّةِ الْأُمَّةِ)) مِنَ الْكَبَائِرِ -أَيْضًا-.

فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَإِذَا اقْتَضَى مُطْلَقُ الْقَوْلِ طَلَبَ الْكَفَّارَةِ بِالصَّدَقَةِ؛ فَمَا ظَنُّكَ بِالْفِعْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ؟!

((مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ))، هَذِهِ كَفَّارَةُ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِذَا اقْتَضَى مُطْلَقُ الْقَوْلِ طَلَبَ الْكَفَّارَةِ بِالصَّدَقَةِ؛ فَمَا ظَنُّكَ بِالْفِعْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ؟!

فَمِنَ الْكَبَائِرِ لَعِبُ الْقِمَارِ، وَهُوَ الْمَيْسِرُ.

((حُرْمَةُ كُلِّ صُوَرِ الْقِمَارِ وَمَفَاسِدُهُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ))

إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- حَرَّمَ الْقِمَارَ حُرْمَةً شَدِيدَةً، وَجَعَلَهُ اللهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخـَمْرُ وَالْـمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَوَالميْسِرُ هُوَ القِمَارُ، فَالْقِمَارُ خَطِيرٌ؛ بَلْ وَرِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، يَسْتَقْذِرُهُ كُلُّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ.

وَرُبَّمَا عَرَفَ النَّاسُ القِمَارَ فِي صُورَتِهِ الْمَادِّيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَاجْتَنَبُوهُ وَنَفَرُوا مِنْهُ؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ -تَعَالَى-؛ لَكِنَّ الْقِمَارَ الْيَوْمَ فِي عَالَمِ الْفَضَاءِ الْإِلِكْتِرُونِيِّ بَدَأَ يَتَّخِذُ صُوَرًا جَدِيدَةً مُسْتَحْدَثَةً؛ حَيْثُ تَسَلَّلَتْ إِلَى عَادَاتِ بَعْضِ النَّاسِ قَضِيَّةُ الْمُرَاهَنَاتِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ وَالْقِمَارِ الْإِلِكْتِرُونِيِّ؛ فَقَدْ تَكُونُ مُبَارَيَاتٍ افْتِرَاضِيَّةً، وَقَدْ تَكُونُ أَلْعَابًا إِلِكْتِرُونِيَّةً تَقُومُ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ وَالْمُرَاهَنَةِ؛ حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْمَوَاقِعِ قَدْ يُقَدِّمُ ثَلَاثِينَ مُرَاهَنَةً لِلْحَدَثِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْقِمَارُ بِعَيْنِهِ؛ فِي خُطُورَتِهِ، وَفِي تَدْمِيرِهِ لِأَمْوَالِ الْإِنْسَانِ وَنَفْسِيَّتِهِ، وَفِي آثَارِهِ بَالِغَةِ الخُطُورَةِ الَّتِي تُدَاعِبُ حُلْمَ الشَّابِّ بِالثَّرَاءِ السَّرِيعِ، فَيَنْدَفِعُ وَيَنْحَرِفُ، وَيَنْتَهِي الْحَالُ بِهَذِهِ الْمُقَامَرَةِ أَنْ تَدْفَعَ أَحَدَهُمْ أَنْ يَبِيعَ مَنْزِلَهُ، وَتَدْفَعَ أَحَدَهُمْ لِسَرِقَةِ مُجَوْهَرَاتِ أُسْرَتِهِ، وَأَحَدُهُمْ تُحَاصِرُهُ خَسَائِرُ هَذَا الْقِمَارِ الإِلِكْتِرُونِيِّ الْمَلْعُونِ، وَتُثْقِلُهُ الضُّغُوطُ وَالِابْتِزَازُ فَيَنْتَحِرُ، مَعَ دُيُونٍ وَإِفْلَاسٍ وَكَوَارِثَ أُخْرَى.

أَلَا إِنَّ القِمَارَ بِكُلِّ صُوَرِهِ حَرَامٌ، المادِّيُّ وَالإِلِكْتِرُونِيُّ سَوَاءٌ؛ فَحَذِّرُوا مِنْهُ كُلَّ مَنْ تَعْرِفُونَ وَتُحِبُّونَ.

هُنَاكَ مَفَاسِدُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ كَثِيرَةٌ تَتَرَتَّبُ مِنْ مُمَارَسَةِ الْمَيْسِرِ وَالْقِمَارِ، وَمِنْهَا:

* أَنَّ فِي الْمَيْسِرِ إِثْمًا كَبِيرًا، قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219].

يَسْأَلُكَ الْمُسْلِمُونَ -يَا رَسُولَ اللهِ- عَنْ حُكْمِ تَعَاطِي الْخَمْرِ شُرْبًا وَبَيْعًا وَشِرَاءً -وَالْخَمْرُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَامَرَ الْعَقْلَ وَسَتَرَهُ وَغَطَّاهُ؛ مَشْرُوبًا كَانَ أَوْ مَأْكُولًا.

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ حُكْمِ الْقِمَارِ -وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ أَوْ إِعْطَاؤُهُ بِالْمُقَامَرَةِ، وَهِيَ الْمُغَالَبَاتُ الَّتِي فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ-، يَسْأَلُونَكَ عَنْ ذَلِكَ، قُلْ لَهُمْ: فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وِزْرٌ عَظِيمٌ، وَضَرَرٌ كَبِيرٌ، فَمُرْتَكِبُهُمَا مُرْتَكِبُ إِثْمٍ كَبِيرٍ؛ فَالْخَمْرُ عَدُوُّ الْعَقْلِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْلِ ارْتَكَبَ كُلَّ قَبِيحٍ، وَالْمَيْسِرُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَمَا يَجْرِي بَيْنَ مُتَعَاطِيهِمَا مِنَ الشَّتْمِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُعَادَاةِ، وَتَضْيِيعِ الطَّاقَاتِ، وَإِهْدَارِ الْأَوْقَاتِ.

وَفِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْبَحُونَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ، وَيَأْخُذُونَ الْمَالَ بِغَيْرِ كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ فِي الْمَيْسِرِ، وَيَتْرُكُونَهُ لِلْمُحْتَاجِينَ وَالْفُقَرَاءِ.

وَضَرَرُهُمَا الَّذِي يَجْلِبَانِهِ لِمُرْتَكِبِهِمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا الْمُقْتَضِي إِبَاحَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَصُدَّانِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَيُوقِعَانِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَانَ هَذَا تَمْهِيدًا لِتَحْرِيمِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْعِهِ يَبْتَعِدُ عَنْهُ أَهْلُ الْفِكْرِ الثَّاقِبِ وَالرَّأْيِ الْحَصِيفِ.

* مِنْ مَفَاسِدِ الْمَيْسِرِ الْخَطِيرَةِ وَأَضْرَارِهِ الْجَسِيمَةِ: أَنَّ الْمَيْسِرَ قَرِينُ الشِّرْكِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ مِمَّا يَزِيدُ قُبْحَهُ شَرْعًا، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: 90].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ}: وَهِيَ: كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَغَطَّاهُ، مَشْرُوبًا كَانَ أَوْ مَأْكُولًا أَوْ مَشْمُومًا، {وَالْمَيْسِرُ}: هُوَ: الْقِمَارُ وَيَشْمَلُ كُلَّ كَسْبٍ بِطَرِيقِ الْحَظِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُصَادَفَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، {وَالْأَنْصَابُ}: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَنْصِبُونَهَا لِلْعِبَادَةِ، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا تَقَرُّبًا لِلْأَصْنَامِ، {وَالْأَزْلَامُ}: هِيَ الْأَقْدَاحُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ أَوِ الْإِحْجَامِ عَنْهُ.

* وَمِنْ مَفَاسِدِ الْمَيْسِرِ: أَنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ}: إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجَسٌ مَعْنَوِيٌّ فِي السُّلُوكِ أَوْ الِاعْتِقَادِ مِنْ دَرَكَةِ كَبَائِرِ الْإِثْمِ أَوْ مِنْ دَرَكَةِ الْإِشْرَاكِ بِاللهِ.

* وَالْمَيْسِرُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، قَالَ -تَعَالَى- فِي وَصْفِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ.

وَإِذَا كَانَ تَنَاوُلُ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ رِجْسًا وَمِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَكُونُوا عَلَى جَانِبٍ مِنْهَا بِالِابْتِعَادِ الْكُلِّيِّ عَنْ مَوَاقِعِهَا؛ رَغْبَةَ أَنْ تَكُونُوا مِنَ النَّاجِينَ مِنَ النَّارِ، الْفَائِزِينَ بِالْجَنَّةِ.

* مِنْ مَفَاسِدِ الْمَيْسِرِ: أَنَّهُ يُوقِعُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: 91].

 إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَكُمُ الشَّيْطَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَلُعْبَ الْقِمَارِ؛ إِرَادَةَ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ الْمُعْلَنَةَ وَالْبَغْضَاءَ الْمُسْتَكِنَّةَ فِي الْقُلُوبِ بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ.

* مِنْ مَفَاسِدِ الْمَيْسِرِ الْقَبِيحَةِ: أَنَّهُ يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ } [المائدة: 91].

بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ يَشْغَلُكُمُ الشَّيْطَانُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ.

وَإِذَا كُنْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ مَضَارَّ، وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنْ شَحْنَاءَ وَبَغْضَاءَ، وَمَا يُفْسِدَانِ بِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ أَفَأَنْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مُنْتَهُونَ عَنْهُمَا، تَارِكُونَ لَهُمَا، أَمْ أَنَّكُمْ مَا زِلْتُمْ فِي غَيِّكُمْ تَعْمَهُونَ، سَادِرِينَ عَنْ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟! فَانْتَهُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ.

* مِنْ مَفَاسِدِ الْقِمَارِ وَمَخَاطِرِهِ: أَنَّهُ أَكْلٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللهِ وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ! لَا يَأْخُذْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْحَرَامِ الَّذِي لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ؛ كَالرِّبَا، وَالْقِمَارِ، وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَجْهِ الْبَاطِلِ وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ.

نَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يُطَهِّرَنَا مِنَ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا.

اللهم طَهِّرْنَا مِنَ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا.

اللهم اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، عَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا، عَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: احْذَرْ مِنَ الْقِمَارِ بِكُلِّ صُوَرِهِ!

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  حُقُوقُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَحُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْمَدَنِيِّينَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ
  تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَأَثَرُهَا فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَبِنَاءِ الدُّوَلِ
  عيد الفطر لعام 1437هـ .. اتقوا الظلم
  الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ
  تَضَرُّعٌ وَمُنَاجَاةٌ
  عَفْوُ اللهِ الْكَرِيمِ
  إِيمَانُ وَوَحْدَةُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ سَبِيلُ عِزَّتِهَا وَحِمَايَةِ مُقَدَّسَاتِهَا
  عُلُوُّ الْهِمَّةِ سَبِيلُ الْأُمَمِ الْمُتَحَضِّرَةِ
  الْمَرَافِقُ الْعَامَّةُ بَيْنَ تَعْظِيمِ النَّفْعِ وَمَخَاطِرِ التَّعَدِّي
  مَاذَا بَعْدَ الْحَجِّ؟
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان