حَقُّ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ وَرِعَايَتُهُ

حَقُّ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ وَرِعَايَتُهُ

((حَقُّ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ وَرِعَايَتُهُ))

الْجُمُعَةُ 6 مِنْ شَعْبَانَ 1445هـ / 16-2-2024م.

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الضَّرُورِيَّاتُ وَالْحَاجِيَّاتُ وَالتَّحْسِينِيَّاتُ فِي الْإِسْلَامِ))

((فَالْمَقَاصِدُ الَّتِي يُرَادُ حِفْظُهَا بِالشَّرَائِعِ لَا تَعْدُو ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ:

* الْمَقَاصِدُ الضَّرُورِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حَيَاةُ النَّاسِ الدِّينِيَّةُ أَوِ الدُّنْيَوِيَّةُ، بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتِ اخْتَلَّتِ الْحَيَاةُ فِي الدُّنْيَا، وَفَاتَ النَّعِيمُ وَحَلَّ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ.

وَتَنْحَصِرُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى خَمْسَةِ أُمُورٍ: هِيَ الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالْعَقْلُ، وَالنَّسْلُ، وَالْمَالُ.

 وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لِإِصْلَاحِ الْخَلْقِ لَا تُهْمِلُ الْمُحَافَظَةَ عَلَى هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ بِحَالٍ.

وَتَتَّجِهُ التَّكَالِيفُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ وِجْهَتَيْنِ:

الْأُولَى: إِقَامَةُ هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ بِتَحْقِيقِ أَرْكَانِهَا وَتَثْبِيتِ قَوَاعِدِهَا.

وَالثَّانِيَةُ: دَرْءُ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ أَوِ الْمُتَوَقَّعِ فِيهَا.

فَأُصُولُ الْعِبَادَاتِ؛ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ شُرِعَتْ لِإِقَامَةِ الدِّينِ.

وَالْعَادَاتُ؛ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَلْبَسِ، وَالْمَسْكَنِ شُرِعَتْ لِإِقَامَةِ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ.

وَالسَّعْيُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَالْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَبْضَاعِ أَمْ بِالْأَعْيَانِ أَوْ بِالْمَنَافِعِ شُرِعَتْ لِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَالْمَالِ، وَلِإِقَامَةِ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ بِوَاسِطَةِ الْعَادَاتِ.

وَالْعُقُوبَاتُ شُرِعَتْ لِدَرْءِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ أَوِ الْمُتَوَقَّعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ فَشُرِعَ الْجِهَادُ، وَعُقُوبَةُ الرِّدَّةِ، وَعُقُوبَةُ الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِي إِلَى بِدْعَتِهِ؛ لِدَرْءِ الضَّرَرِ عَنِ الدِّينِ.

وَشُرِعَ الْقَصَاصُ وَالدِّيَاتُ؛ لِدَرْءِ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ.

وَشُرِعَ حَدُّ الشُّرْبِ؛ لِدَرْءِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَقْلِ.

وَشُرِعَ حَدُّ الزِّنَا؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّسْلِ.

وَشُرِعَ تَضْمِينُ قِيَمِ الْأَمْوَالِ، وَقَطْعُ الْيَدِ؛ لِدَرْءِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَالِ -وَهَكَذَا-.

* الْمَقَاصِدُ الْحَاجِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا النَّاسُ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ، وَدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ، وَإِذَا فُقِدَتْ لَا تَخْتَلُّ بِفَقْدِهَا حَيَاتُهُمْ كَمَا يَقَعُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ، بَلْ يُصِيبُهُمْ مِنْ فَقْدِ الْحَاجِيَّاتِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ لَا يَبْلُغَانِ مَبْلَغَ الْفَسَادِ الْمُتَوَقَّعِ فِي فَقْدِ الضَّرُورِيَّاتِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ: الرُّخَصُ الْمُخَفِّفَةُ عِنْدَ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ بِالْمَرَضِ أَوِ السَّفَرِ.

وَفِي الْعَادَاتِ: إِبَاحَةُ الصَّيْدِ، وَإِبَاحَةُ التَّمَتُّعِ بِمَا أُحِلَّ مِنْ لَذَّةِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْكَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَفِي الْمُعَامَلَاتِ: إِبَاحَةُ السَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِهَا، وَإِبَاحَةُ الطَّلَاقِ؛ دَفْعًا لِضَرَرِ الزَّوْجِيَّةِ الْفَاسِدَةِ.

وَفِي الْعُقُوبَاتِ: تَضْمِينُ الصُّنَّاعِ، وَدَرْءُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْقَسَامَةُ، وَدَرْءُ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَمَّا الْمَقَاصِدُ التَّحْسِينِيَّةُ: فَهِيَ مَا لَا يَدْخُلُ فِي النَّوْعَيْنِ السَّابِقَيْنِ -يَعْنِي: لَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَلَا فِي الْحَاجِيَّاتِ-، بَلْ يَرْجِعُ إِلَى اجْتِنَابِ مَا تَأْنَفُهُ الْعُقُولُ الرَّاجِحَاتُ، وَإِلَى الْأَخْذِ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، وَمَا تَقْتَضِيهِ الْمُرُوءَاتُ، وَيَجْمَعُ ذَلِكَ قِسْمُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَرِعَايَةُ أَحْسَنِ الْمَنَاهِجِ فِي الْعَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ: وُجُوبُ التَّطَهُّرِ مِنَ النَّجَاسَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَوُجُوبُ سَتْرِ الْعَوْرَاتِ، وَأَخْذُ الزِّينَةِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَالتَّقَرُّبُ بِنَوَافِلِ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالْقُرُبَاتِ.

وَفِي الْعَادَاتِ: الْأَخْذُ بِآدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَتَجَنُّبُ الْإِسْرَافِ، وَتَرْكُ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ النَّجِسَةِ وَالْخَبِيثَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَفِي الْمُعَامَلَاتِ: الِامْتِنَاعُ عَنْ بَيْعِ النَّجَاسَاتِ، وَفَضْلِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَفِي الْعُقُوبَاتِ: مَنْعُ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَمَنْعُ الْمُثْلَةِ وَالْغَدْرِ، وَمَنْعُ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالرُّهْبَانِ فِي الْجِهَادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَدَلِيلُ انْحِصَارِ مَصَالِحِ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ -وَهِيَ الضَّرُورِيَّاتُ وَالْحَاجِيَّاتُ وَالتَّحْسِينِيَّاتُ- اسْتِقْرَاءُ مَصَالِحِ النَّاسِ، وَتَبَيُّنُ رُجُوعِ كُلِّ مَصْلَحَةٍ مِنْهَا إِلَى نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ قَدْ يَتَرَدَّدُ الْبَاحِثُ فِي إِلْحَاقِ شَيْءٍ مِنْهَا بِأَحَدِ الْأَنْوَاعِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَرَدَّدُ فِي عَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِحَالٍ)).

((حُقُوقُ الطِّفْلِ بَيْنَ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ وَالتَّحْسِينِيَّاتِ))

الْمُتَأَمِّلُ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ يَجِدُ أَنَّهَا أَوْلَتْ إِعْدَادَ الْإِنْسَانِ عِنَايَةً خَاصَّةً؛ بِدَايَةً مِنْ تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ، مُرُورًا بِمَرَاحِلِ الْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعَةِ، فَكَفَلَتْ لِلطِّفْلِ حَقَّهُ فِي الرَّضَاعَةِ الطَّبِيعِيَّةِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، دُونَ أَنْ يُزَاحِمَهُ آخَرُ خِلَالَ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ حِفَاظًا عَلَى حَقِّهِ فِي التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُسَاعِدَ عَلَى بِنَاءِ جَسَدِهِ بِنَاءً قَوِيًّا.

يَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].

وَتَتَنَوَّعُ حُقُوقُ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ بَيْنَ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ وَالتَّحْسِينِيَّاتِ.

* فَالضَّرُورِيَّاتُ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قِيَامِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ كَحَقِّ الطِّفْلِ فِي تَعَلُّمِ الدِّينِ، وَالتَّرْبِيَةِ عَلَيْهِ، وَتَعْظِيمُهُ فِي نَفْسِهِ، وَكَحَقِّهِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمَا لَا تَقُومُ الْحَيَاةُ إِلَّا بِهِ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي ((الْكُبْرَى))، وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ ﷺ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

* وَأَمَّا الْحَاجِيَّاتُ فَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَى فَقْدِهَا الْوُقُوعُ فِي الْمَشَقَّةِ؛ كَحَقِّ الطِّفْلِ فِي التَّعَلُّمِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، فَالْجَهْلُ يَضُرُّ بِحَيَاةِ الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَدِّبِ ابْنَكَ فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ؛ مَاذَا أَدَّبْتَهُ، وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ)).

* وَأَمَّا التَّحْسِينِيَّاتُ: فَهِيَ مَا يَتِمُّ بِهِ اكْتِمَالُ وَتَجْمِيلُ أَحْوَالِ النَّاسِ وَسُلُوكِيَّاتِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ، وَمِنْهَا: حَقُّ الْأَبْنَاءِ فِي حُسْنِ بِنَاءِ شَخْصِيَّاتِهِمْ.

 ((حُقُوقُ الطِّفْلِ وَرِعَايَتُهُ وَطُرُقُ تَرْبِيَتِهِ))

الطَّرِيقَةُ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ وَتَرْبِيَتِهِمْ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَأَوْكَدِهَا.

وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ، وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ.

وَصِيَانَتُهُ: بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ أَبُوهُ، وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَمَهْمَا رَأَى فِيهِ مَخَايِلَ التَّمْيِيزِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ: ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ، حَتَّى يَرَى بَعْضَ الْأَشْيَاءِ قَبِيحًا وَمُخَالِفًا لِلْبَعْضِ، فَصَارَ يَسْتَحِي مِنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، فَهَذِهِ هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- إِلَيْهِ، وَبِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ، وَهَذَا الْحَيِّيُّ مُبَشر بِكَمَالِ الْعَقْلِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ، بَلْ يُسْتَعَانُ عَلَى تَأْدِيبِهِ بِحَيَائِهِ وَتَمْيِيزِهِ.

وَالصَّبِيُّ إِذَا أُهْمِلَ فِي ابْتِدَاءِ نَشْأَتِهِ خَرَجَ فِي الْأَغْلَبِ رَدِيءَ الْأَخْلَاقِ، كَذَّابًا، حَسُودًا، سَرُوقًا، نَمَّامًا لَحُوحًا، ذَا فَضُولٍ، وَضَحِكٍ، وَكَيْدٍ، وَمُجُونٍ.

وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِحُسْنِ التَّأْدِيبِ، ثُمَّ يُشْغَلُ فِي الْمَكْتَبِ فَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ، وَأَحَادِيثَ الْأَخْيَارِ، وَحِكَايَاتِ الْأَبْرَارِ وَأَحْوَالَهُمْ؛ لِيَنْغَرِسَ فِي نَفْسِهِ حُبُّ الصَّالِحِينَ.

 ثُمَّ مَهْمَا ظَهَرَ مِنَ الصَّبِيِّ خُلُقٌ جَمِيلٌ وَفِعْلٌ مَحْمُودٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَمَ عَلَيْهِ وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يُفْرِحُهُ، وَأَنْ يُمْدَحَ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ.

فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهُ أَبُوهُ، وَلَا يَهْتِكَ سِتْرَهُ، وَلَا يُكَاشِفَهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَاجْتَهَدَ فِي إِخْفَائِهِ.

وَإِنْ عَادَ ثَانِيَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعَاتَبَ سِرًّا، وَأَنْ يُقَالَ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمِثْلِ هَذَا فَتُفْتَضَحَ بَيْنَ النَّاسِ.

وَلَا تُكْثِرِ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِالْعِتَابِ فِي كُلِّ حِينٍ؛ فَإِنَّ إِكْثَارَ الْعِتَابِ عَلَى الطِّفْلِ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ سَمَاعَ الْمَلَامَةِ وَرُكُوبَ الْقَبَائِحِ، وَيُسْقِطُ وَقْعَ الْكَلَامِ مِنْ قَلْبِهِ، وَلْيَكُنْ حَافِظًا هَيْبَةَ الْكَلَامِ مَعَهُ، فَلَا يُوَبِّخُهُ إِلَّا أَحْيَانًا، وَالْأُمُّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ.

وَيُعَوَّدُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ الْمَشْيَ وَالْحَرَكَةَ وَالرِّيَاضَةَ؛ حَتَّى لَا يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ.

وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَخِرَ عَلَى أَقْرَانِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ أَبُوهُ، بَلْ يُعَوَّدُ التَّوَاضَعَ، وَإِكْرَامَ كُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ، وَالتَّلَطُّفَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُ.

وَيُعَلَّمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي الْإِعْطَاءِ لَا فِي الْأَخْذِ، وَأَنَّ الْأَخْذَ لُؤْمٌ وَخِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ يُعَلَّمُ أَنَّ الطَّمَعَ وَالْأَخْذَ مَهَانَةٌ وَذِلَّةٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ!

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ الطِّفْلُ أَلَّا يَبْصُقَ فِي مَجْلِسِهِ، وَلَا يَتَمَخَّضَ، وَأَلَّا يَتَثَاءَبَ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَدْبِرَ غَيْرَهُ، وَلَا يَضَعَ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ، وَلَا يَضَعَ كَفَّهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ، وَأَلَّا يَعْتَمِدَ بِرَأْسِهِ عَلَى سَاعِدِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْكَسَلِ.

وَيُعَلَّمُ الطِّفْلُ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسِ، وَيُمْنَعُ كَثْرَةَ الْكَلَامِ، وَيُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوَقَاحَةِ.

وَيُمْنَعُ مِنَ الْحَلَفِ رَأْسًا صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا؛ حَتَّى لَا يَعْتَادَ ذَلِكَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنَ الْأَيَّامِ.

وَيُمْنَعُ أَنْ يَبْتَدِأَ بِالْكَلَامِ، وَيُعَوَّدُ أَلَّا يَتَكَلَّمَ إِلَّا جَوَابًا وَبِقَدْرِ السُّؤَالِ, وَأَنْ يُحْسِنَ الِاسْتِمَاعَ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا.

وَأَنْ يَقُومَ لِمَنْ فَوْقَهُ، وَيُوَسِّعَ لَهُ الْمَكَانَ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

وَيُمْنَعُ مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ وَفُحْشِهِ، وَمِنَ اللَّعْنِ وَالسَّبِّ، وَمِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ يَجْرِي عَلَى  لِسَانِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ -أَيْ: مِنَ اللَّعْنِ وَالسَّبِّ-؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْرِي -لَا مَحَالَةَ- مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ وَمُعَلِّمِهِ وَمُؤَدِّبِهِ وَكُلِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا مِنْ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ.

وَمَهْمَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ يَنْبَغِي أَلَّا يُسَامَحَ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَيُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ رَمَضَانَ، فَأَوَائِلُ الْأُمُورِ هِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ بِجَوْهَرِهِ خُلِقَ قَابِلًا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يَمِيلَانِ بِهِ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، قَالَ ﷺ: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

((عَوَاقِبُ سُوءِ التَّرْبِيَةِ عَلَى الْأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ))

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)).

وَلَا شَكَّ أَنَّ أَكْبَرَ خَسَارَةٍ يَخْسَرُهَا الْمَرْءُ هُوَ أَنْ يَخْسَرَ نَفْسَهُ وَيَخْسَرَ أَهْلَهُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15].

وَسُوءُ التَّرْبِيَةِ لَهُ أَثَرٌ مُدَمِّرٌ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَالْوَالِدَيْنِ وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ، بَلْ وَعَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا.

قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((أَمَّا إِهْمَالُ الْأَوْلَادِ فَضَرَرُهُ كَبِيرٌ وَخَطَرُهُ خَطِيرٌ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ بُسْتَانٌ فَنَمَّيْتَهُ حَتَّى اسْتَتَمَّتْ أَشْجَارُهُ، وَأَيْنَعَتْ ثِمَارُهُ، وَتَزَخْرَفَتْ زُرُوعُهُ وَأَزْهَارُهُ، ثُمَّ أَهْمَلَتْهُ؛ فَلَمْ تَحْفَظْهُ، وَلَمْ تَسْقِهِ، وَلَمْ تُنَقِّهِ مِنَ الْآفَاتِ، وَتُعِدَّهَ لِلنُّمُوِّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، أَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَأَبْلَغِ الْحُمْقِ، فَكَيْفَ تُهْمِلُ أَوْلَادَكَ الَّذِينَ هُمْ فِلْذَةُ كَبِدِكَ، وَثَمَرَةُ فُؤَادِكَ، وَنُسْخَةُ رُوحِكَ، وَالْقَائِمُونَ مَقَامَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، الَّذِينَ بِسَعَادَتِهِمْ تَتِمُّ سَعَادَتُكَ، وَبِفَلَاحِهِمْ وَنَجَاحِهِمْ تُدْرِكُ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ، {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269])).

((أَهَمُّ الْمُهِمَّاتِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ))

يَجِبُ الِاهْتِمَامُ وَالْعِنَايَةُ بِتَعْلِيمِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مَا يَنْفَعُهُمَا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَأَهَمُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ غَرْسُ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ فِي نَفْسِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ، وَحَثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَمُصَاحَبَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَتَحْذِيرُهُمْ مِنَ الشَّرِّ وَرُفْقَةِ السُّوءِ، وَتَعْوِيدُهُمُ الصَّلَاةَ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} [طه: 132].

وَفِي الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)).

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ آدَابٍ: أَمْرُهُمْ بِهَا -أَيْ: بِالصَّلَاةِ-، وَضَرْبُهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ.

وَالصَّبِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَوَلِيُّهُ مُكَلَّفٌ، لَا يَحِلُّ لَهُ تَمْكِينُهُ مِنَ الْمُحَرَّمِ؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ يَعْتَادُهُ، وَيَعْسُرُ فِطَامُهُ عَنْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ حَرَامًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلَمْ يُحَرِّمْ لُبْسَهُ لِلْحَرِيرِ كَالدَّابَّةِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَإِنَّهُ مُسْتَعِدٌّ لِلتَّكْلِيفِ، وَلِهَذَا لَا يُمَكَّنُ مِنَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَا مِنَ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا وَنَجِسًا، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَعِبِ الْقِمَارِ، وَاللِّوَاطِ.

فَإِذَا صَارَ ابْنَ عَشْرٍ ازْدَادَ قُوَّةً وَعَقْلًا وَاحْتِمَالًا لِلْعِبَادَاتِ، فَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، وَهَذَا ضَرْبُ تَأْدِيبٍ وَتَمْرِينٍ، وَعِنْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ يَتَجَدَّدُ لَهُ حَالٌ أُخْرَى يَقْوَى فِيهَا تَمْيِيزُهُ وَمَعْرِفَتُهُ؛ وَلِذَلِكَ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ جِدًّا، وَإِنْ رُفِعَ عَنْهُ قَلَمُ التَّكْلِيفِ بِالْفُرُوعِ فَإِنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ آلَةَ مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ، وَالْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، وَتَمَكَّنَ مِنْ نَظَرِ مِثْلِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ كَمَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فَهْمِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي الْكُفْرِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، مَعَ أَنَّ أَدِلَّةَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ وَصِنَاعَةٍ يَتَعَلَّمُهَا.

وَعَلَيْهِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغْرَسَ فِي قَلْبِ الصَّبِيِّ الْإِيمَانُ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهَذَا الْإِيمَانُ هُوَ أَطْيَبُ وَأَكْمَلُ وَأَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَجْرِ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِيمَا يَغْرِسُهُ الْأَبُ وَتَغْرِسُهُ الْأُمُّ فِي قَلْبِ الْوَلَدِ، وَهُوَ فَاتِحَةُ كُلِّ خَيْرٍ، وَأَسَاسُ كُلِّ طَاعَةٍ وَبِرٍّ، وَهُوَ أَصْلٌ أَصِيلٌ فِي اسْتِقَامَةِ الْمَرْءِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَبْنَاءِ.

وَهَذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ يُبَيِّنُ لِابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ يُرْدِفُهُ خَلْفَهُ قَالَ: ((يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ- عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ: ((وَمَنْ حَفِظَ اللهَ فِي صِبَاهُ وَقُوَّتِهِ حَفِظَهُ اللهُ فِي حَالِ كِبَرِهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِ، وَمَتَّعَهُ بِسَمْعِهِ، وَبَصَرِهِ، وَحَوْلِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَعَقْلِهِ.

فَامْتِلَاءُ الْقَلْبِ عُبُودِيَّةً للهِ، وَتَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ للهِ، وَغَرْسُ ذَلِكَ فِي الْأَبْنَاءِ هُوَ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَمِنْ إِرْشَادِهِمْ إِلَى الْخَيْرِ، فَهَذَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْعِبَادِ آبَاءً وَأَبْنَاءً فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ)).

وَمِنْ حُقُوقِ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَتَحْذِيرُهُمْ مَسَاوِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْلَاقَ لَهَا مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ فِي الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- -ذَاكِرًا لَنَا قَوْلَ لُقْمَانَ لِابْنِهِ-: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 17-19].

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَمِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الطِّفْلُ غَايَةَ الِاحْتِيَاجِ: الِاعْتِنَاءُ بِأَمْرِ خُلُقِهِ؛ فَإِنَّهُ يُنَشَّئُ عَلَى مَا عَوَّدَهُ الْمُرَبِّي فِي صِغَرِهِ؛ مِنْ حَرَدٍ وَغَضَبٍ، وَلَجَاجٍ وَعَجَلَةٍ وَجِدَالٍ، وَخِفَّةٍ مَعَ هَوَاهُ، وَطَيْشٍ وَحِدَّةٍ وَجَشَعٍ، فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ فِي كِبَرِهِ تَلَافِي ذَلِكَ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ صِفَاتٍ وَهَيْئَاتٍ رَاسِخَةً لَهُ، فَلَوْ تَحَرَّزَ مِنْهَا غَايَةَ التَّحَرُّزِ فَضَحَتْهُ -وَلَا بُدَّ- يَوْمًا مَا.

وَلِهَذَا تَجِدُ أَكْثَرَ النَّاسِ مُنْحَرِفَةً أَخْلَاقُهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ قِبَلِ التَّرْبِيَةِ الَّتِي نَشَؤُوا عَلَيْهَا.

وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُجَنَّبَ الصَّبِيُّ إِذَا عَقَلَ مَجَالِسَ اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ، وَالْغِنَاءَ، وَسَمَاعَ الْفُحْشِ، وَالْبِدَعَ، وَمَنْطِقَ السُّوءِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا عَلِقَ بِسَمْعِهِ عَسُرَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ فِي الْكِبَرِ، وَعَزَّ عَلَى وَلِيِّهِ اسْتِنْقَاذُهُ مِنْهُ، فَتَغْيِيرُ الْعَوَائِدِ -أَيِ: الْعَادَاتِ- مِنْ أَصْعَبِ الْأُمُورِ، يَحْتَاجُ صَاحِبُهُ إِلَى اسْتِجْدَادِ طَبِيعَةٍ ثَانِيَةٍ، وَالْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ الطَّبِيعَةِ عَسِرٌ جِدًّا.

وَأَنْ يُجَنِّبَهُ الْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ أَعْظَمَ مِمَّا يُجَنِّبُهُ السُّمَّ النَّاقِعَ؛ فَإِنَّهُ مَتَى سَهَّلَ لَهُ سَبِيلَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ أَفْسَدَ عَلَيْهِ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحَرَمَهُ كُلَّ شَيْءٍ فِيهِ خَيْرٌ.

وَيُجَنِّبُهُ الْكَسَلَ وَالْبَطَالَةَ وَالدَّعَةَ وَالرَّاحَةَ، بَلْ يَأْخُذُهُ بِأَضْدَادِهَا.

وَيُعَوِّدُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ وَقْتُ قَسْمِ الْغَنَائِمِ وَتَفْرِيقِ الْجَوَائِزِ؛ فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ وَمَحْرُومٌ، فَمَتَى اعْتَادَ ذَلِكَ صَغِيرًا سَهُلَ عَلَيْهِ كَبِيرًا)).

((وَأَوْلَى النَّاسِ بِبِرِّكَ وَأَحَقُّهُمْ بِمَعْرُوفِكَ: أَوْلَادُكَ؛ فَإِنَّهُمْ أَمَانَاتٌ جَعَلَهُمُ اللهُ عِنْدَكَ، وَوَصَّاكَ بِتَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً صَالِحَةً لِأَبْدَانِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ، وَكُلُّ مَا فَعَلْتَهُ مَعَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا فَإِنَّهُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْكَ، وَمِنْ أَفْضَلِ مَا يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ؛ فَاجْتَهِدْ فِي ذَلِكَ، وَاحْتَسِبْهُ عِنْدَ اللهِ، فَكَمَا أَنَّكَ إِذَا أَطْعَمْتَهُمْ وَكَسَوْتَهُمْ وَقُمْتَ بِتَرْبِيَةِ أَبْدَانِهِمْ فَأَنْتَ قَائِمٌ بِالْحَقِّ مَأْجُورٌ؛ فَكَذَلِكَ -بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ- إِذَا قُمْتَ بِتَرْبِيَةِ قُلُوبِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَالْمَعَارِفِ الصَّادِقَةِ، وَالتَّوْجِيهِ لِلْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ ضِدِّهَا.

فَالْآدَابُ الْحَسَنَةُ خَيْرٌ لِلْأَوْلَادِ حَالًا وَمَآلًا مِنْ إِعْطَائِهِمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَأَنْوَاعِ الْمَتَاعِ الدُّنْيَوِيِّ؛ لِأَنَّ بِالْآدَابِ الْحَسَنَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ يَرْتَفِعُونَ، وَبِهَا يَسْعَدُونَ، وَبِهَا يُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَبِهَا يَجْتَنِبُونَ أَنْوَاعَ الْمَضَارِّ، وَبِهَا يَتِمُّ بِرُّهُمْ لِوَالِدِيهِمْ)).

 

((إِهْمَالُ التَّرْبِيَةِ سَبَبُ فَسَادِ الْأَوْلَادِ))

((وَكَمْ مِمَّنْ أَشْقَى وَلَدَهُ وَفِلْذَةَ كَبِدِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِإِهْمَالِهِ، وَتَرْكِ تَأْدِيبِهِ، وَإِعَانَتِهِ عَلَى شَهَوَاتِه، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُكْرِمُهُ وَقَدْ أَهَانَهُ، وَأَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَقَدْ ظَلَمَهُ، فَفَاتَهُ انْتِفَاعُهُ بِوَلَدِهِ، وَفَوَّتَ عَلَيْهِ حَظَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِذَا اعْتَبَرْتَ الْفَسَادَ فِي الْأَوْلَادِ رَأَيْتَ عَامَّتَهُ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ)).

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَأَكْثَرُ الْأَوْلَادِ إِنَّمَا جَاءَ فَسَادُهُمْ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ وَإِهْمَالِهِمْ لَهُمْ، وَتَرْكِ تَعْلِيمِهِمْ فَرَائِضَ الدِّينِ وَسُنَنَهُ، فَأَضَاعُوهُمْ صِغَارًا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَنْفَعُوا آبَاءَهُمْ كِبَارًا، كَمَا عَاتَبَ بَعْضُهُمْ وَلَدَهُ عَلَى الْعُقُوقِ فَقَالَ: يَا أَبَتِ! أَنْتَ عَقَقْتَنِي صَغِيرًا فَعَقَقْتُكَ كَبِيرًا، وَأَضَعْتَنِي وَلِيدًا فَأَضَعْتُكَ شَيْخًا كَبِيرًا)).

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

((سَبَبُ الْكَلَامِ عَنْ حُقُوقِ الْأَطْفَالِ وَرِعَايَتِهِمْ))

فَلِمَاذَا الْكَلَامُ عَنْ حَقِّ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ، وَوُجُوبِ رِعَايَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَهْلِ؟

ذَلِكَ لِمَا يَلِي:

* امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11].

وَلِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

وَفِي ((الدُّرِّ الْمَنْثُورِ)): ((أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي ((الْمَدْخَلِ)) عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ: ((عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ، وَأَدِّبُوهُمْ)).

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ: ((اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللهِ، وَأْمُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالذِّي يُنْجِيكُمُ اللهُ مِنَ النَّارِ)).

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قال: ((أَدِّبُوا أَهْلِيكُمْ)))).

وَفِي ((الْأَضْوَاءِ -أَضْوَاءِ الْبَيَانِ-)): ((وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَ أَهْلَهُ بِالْمَعْرُوفِ؛ كَزَوْجَتِهِ، وَأَوْلَادِهِ وَنَحْوِهِمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)))).

* وَلِأَنَّ الْأَبْنَاءَ مِنْ كَسْبِ الرَّجُلِ وَمِنْ عَمَلِهِ، وَتَنْقَطِعُ الصِّلَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَابْنِهِ إِذَا عَمِلَ سَيِّئًا غَيْرَ صَالِحٍ، فَيَصْدُقُ عَلَى هَذَا الِابْنِ وَصْفُ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46].

* وَلِأَنَّهُ يُرْجَى الدُّعَاءُ مِنَ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

* وَقِيَامًا لِوَاجِبِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))، وَقَالَ: ((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)).

وَعَنْ عَوْنِ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً -يَعْنِي: لَا تَعْتَنِي بِهَيْئَتِهَا-، فَقَالَ لَهَا: ((مَا شَأْنُكِ؟)).

قَالَتْ: ((أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا)).

فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لِسَلْمَانَ طَعَامًا، فَقَالَ سَلْمَانُ: ((كُلْ)).

فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ((إِنِّي صَائِمٌ)).

قَالَ: ((مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ)).

فَأَكَلَ وَتَرَكَ صِيَامَهُ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ: قَالَ سَلْمَانُ: ((نَمْ)).

 فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: ((نَمْ)).

فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: ((قُمِ الْآنَ))، فَصَلَّيَا.

فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: ((إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)).

فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((صَدَقَ سَلْمَانُ)).

* وَلِأَنَّ الْأَبْنَاءَ عِمَادُ الْمُسْتَقْبَلِ وَبُنَاتُهُ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى-، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ))، وَفِي رِوَايَةٍ: ((لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

* وَالْعِنَايَةُ بِالْأَبْنَاءِ وَرِعَايَةُ حُقُوقِهِمْ مَجْلَبَةٌ لِلرَّاحَةِ، وَحُسْنِ الْحَيَاةِ، وَهَنَاءَةِ الْعَيْشِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ حَقَّقَ لِنَفْسِهِ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ، وَهَنَاءَةَ الْعَيْشِ، وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ اللهَ وَلَمْ يَمْتَثِلْ أَوَامِرَهُ عَاشَ حَيَاةً نَكِدَةً، قَالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه: 124].

* وَنَعْتَنِي بِذَلِكَ؛ حَتَّى لَا نُوقِعَ أَنْفُسَنَا فِي الْإِثْمِ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: ((كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ: ((أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟)).

قَالَ: ((لَا)).

قَالَ: ((فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ)).

قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي ((الْكُبْرَى))، وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)))).

((نِعْمَةُ الْأَوْلَادِ مِنْحَةٌ وَمِحْنَةٌ))

((فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعْمَةِ الْأَوْلَادِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ فِتْنَةٌ لِلْعَبْدِ وَاخْتِبَارٌ.

- فَإِمَّا مِنْحَةٌ تَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، سُرُورٌ لِلْقَلْبِ، وَانْبِسَاطٌ لِلنَّفْسِ، وَعَوْنٌ عَلَى مَكَابِدِ الدُّنْيَا، وَصَلَاحٌ يَحْدُوهُمْ إِلَى الْبِرِّ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، اجْتِمَاعٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَاجْتِمَاعٌ فِي الْآخِرَةِ فِي دَارِ كَرَامَةِ اللهِ، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].

وَمِنْ أَسْبَابِ هَذِهِ الْمِنْحَةِ: أَنْ يَقُومَ الْوَالِدَانِ مِنْ أُمٍّ وَأَبٍ -وَالْأَبُ هُوَ الْمَسْؤُولُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- أَنْ يَقُومَ كُلٌّ مِنَ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَبْنَاءِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ رِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ، وَتَرْبِيَةٍ صَالِحَةٍ؛ لِيُخَلِّفَ بَعْدَهُ ذُرِّيَّةً صَالِحَةً تَنْفَعُهُ وَتَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ مَتَى أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَصْلَحَ اللهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَمَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَاللُّجُوءِ إِلَى اللهِ يَحْصُلُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ وَالتَّرْبِيَةُ الصَّالِحَةُ.

قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِي وَصْفِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

فَوَاللَّهِ! مَا سَأَلُوا ذَلِكَ وَقَعَدُوا عَنْ فِعْلِ الْأَسْبَابِ؛ فَإِنَّ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّكَ إِذَا سَأَلْتَ اللهَ شَيْئًا فَلَا بُدَّ أَنْ تَفْعَلَ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِهِ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوْ سَأَلَ اللهَ رِزْقًا لَسَعَى فِي أَسْبَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، وَلَوْ سَأَلَ اللهَ ذُرِّيَّةً لَسَعَى فِي حُصُولِ الزَّوْجَةِ؛ِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُ أَوْلَادًا، وَهَكَذَا إِذَا سَأَلَ اللهَ صَلَاحَ ذُرِّيَّتِهِ، وَأَنْ تَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْعَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ؛ لِتَكُونَ نِعْمَةُ الْأَوْلَادِ مِنْحَةً.

- أَمَّا الشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ نِعْمَةِ الْأَوْلَادِ؛ فَأَنْ تَكُونَ مِحْنَةً وَعَنَاءً، وَشَقَاءً وَشُؤْمًا عَلَى أَهْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ، وَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَقُمْ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ لَهُمْ مِنْ رِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ وَتَرْبِيَةٍ صَالِحَةٍ، أَهْمَلَهُمْ فَلَمْ يُبَالِ بِهِمْ، أَكْبَرُ هَمِّهِ نَحْوَ أَوْلَادِهِ حِينَ كَانُوا شَهْوَةً قَذْفُهَا فِي رَحِمِ الْأُمِّ، أَضَاعَ حَقَّ اللهِ فِيهِمْ فَأَضَاعُوا حَقَّ اللهِ فِيهِ، لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهِمْ بِالتَّرْبِيَةِ فَلَمْ يُحْسِنُوا إِلَيْهِ بِالْبِرِّ؛ {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 26]، فَفَاتَهُ نَفْعُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَلَيَكُونَنَّ مِنَ النَّادِمِينَ، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15])).

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَنَا، وَأَنْ يُصْلِحَ أَوْلَادَنَا وَجَمِيعَ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: حَقُّ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ وَرِعَايَتُهُ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  رَكَائِزُ الْأَمْنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  الرد على الملحدين:الدليل الخُلُقي ودلالته على وجود الخالق
  وَأَعِدُّوا ‌لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
  فروضُ الكِفَايَات ودَوْرُهَا في تحقيقِ التَّوَازُنِ المُجْتَمَعِيِّ
  مفتاح دعوة المرسلين
  عقائد الكفر تغزو الشباب
  الْجَارُ مَفْهُومُهُ وَحُقُوقُهُ
  حَقُّ الْوَطَنِ وَالْمُشَارَكَةُ فِي بِنَائِهِ
  مَاذَا عَنْ شَوَّالٍ؟
  حِمَايَةُ الشَّأْنِ الْعَامِّ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان