تفريغ مقطع : اتَّقُوا اللَّهَ وَكُلُوا مِنْ حَلَالٍ، وَصَلُّوا فِي الصَّفِّ الأَخِيرِ
الانحرافَ لم يدَع مكانًا لم يدخلهُ، في المخادع على المحصنات، في الشوارع، في المدارسِ، في المعاهدِ، في الكليات، في وسائلِ الإعلامِ من منظورٍ ومسموعٍ ومتلوٍّ مقروء.
لَقَدْ رَأَى أَحَدُ الصَّالِحِينَ مِنْ سَلَفِنَا السَّابِقِينَ النَّاسَ يَتَدَافَعُونَ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُم يَتَدَافَعُونَ إِلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ.
وَكَانَت تِلْكَ القَرْيَةُ أَوْ تِلْكَ المَدِينَةُ أَوْ تَلْكَ المَحَلَّةُ يَكْثُرُ فِيهَا أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَيُحَصَّلُ فِيهَا المَالُ مِنْ حَرَامٍ، فَقَامَ فِيهِم صَائِحًا: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُلُوا مِنْ حَلَالٍ، وَصَلُّوا فِي الصَّفِّ الأَخِيرِ.
العِبْرَةُ لَيْسَت فِي هَذَا، العِبْرَةُ لَيْسَتْ مَظْهَرًا يُظْهَرُ، وَإِنَّمَا العِبْرَةُ فِي مَظْهَرٍ يُظْهَرُ عَلَى حَقِيقَةٍ قَائِمَةٍ، لَا عَلَى وَهْمٍ مَوْهُومٍ وَلَا خَيَالٍ يَتَخَيَّلُهُ مَنْ يَتَخَيَّلُ الخَيَالَاتِ وَيَسْرِي وَرَاءَ الظُّنُونِ.
اتَّقُوا اللَّهَ.
مَا الَّذِي يَبْقَى لِي وَلَكَ؟
إِنْ هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ، أَسَابِيعُ، أَشْهُرٌ، أَعْوَامٌ، كَمَا مَرَّ مَا مَرَّ سَيَمُرُّ مَا هُوَ آت، وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ نِهَايَتَهُ مَتَى تَكُونُ وَلَا كَيْفَ تَكُون، وَرُبَّمَا لَا يُحْسَنُ لِلْمَرْءِ الخِتَام، يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الأَلَمُ فِي المَرَضِ قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى يَكْفُرَ بِرَبِّهِ، فَلَا يَلْقَى رَبَّهُ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى السَّوِيَّةِ وَالإِسْلَامِ!!
بَلْ دَعْكَ مِنْ هَذَا؛ بِلَا مَرَضٍ إِنَّمَا هِيَ السَّكَرَاتُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ لهَا تَحَمُّلًا، وَهُوَ لَا يَبْغِي لهَا دَفْعًا لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ قَائِمَةٌ، فَمَا تَزَالُ بِهِ تُعَذِّبُهُ وَتُضْنِيهِ, وَتُعْلِيهِ وَتُسْفِلُهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا.
كَمَا قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ لَوَلَدِهِ يَصِفُ المَوْتَ: ((كَأَنِّي فِي تَابُوتٍ مِنْ حَدِيدٍ، سُمِّرَ بِمَسَامِير، وَكَأَنِّي أَتَنَفَّسُ مِنْ سَمِّ الخِيَاطِ –يَعْنِي مِنْ عَيْنِ الإِبْرَةِ-)), يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ يَمُوتُ!!
كَانَ حَاذِقًا، فَكَانَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَا نَزَلَ: ((لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَكِيمًا عَاقِلًا وَصَفَ لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ مَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ المَوتِ وَمِنْ أَحْوَالِهِ)), فَلَمْ يَجِدْ حَكِيمًا عَاقِلًا، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ هُوَ الوَفَاةُ، ذَكَّرَهُ وَلدُهُ عَبْدُ اللَّهِ بِمَا كَانَ يَقُولُ: يَا أَبَتِ، كُنْتَ تَقُولُ لَنَا كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ابْتَغَيْتَ، فَقُلْ لَنَا الآنَ مَا تَجِد.
قَالَ: ((يَا بُنَيَّ كَأَنَّ أَبَاكَ فِي تَابُوتٍ مِنْ حَدِيدٍ، سُمِّرَ بِمَسَامِير, وَكَأَنِّي أَتَنَفَّسُ مِنْ سَمِّ الخِيَاطِ)).
ثُمَّ يَأْتِي مَا يَقْطَعُ سَمَّ الخِيَاطِ وَيَصِيرُ مَا للَّهِ للَّهِ وَمَا لِلتُّرَابِ لِلتُّرَابِ.
اتَّقُوا اللَّهَ، اضْبِطُوا بِيُوتَكُم مَا اسْتَطَعْتُم، فَإِنَّ الانْحِرَافَ لَمْ يَدَعْ مَكَانًا لَمْ يَدْخُلْهُ، فِي المَخَادِعِ عَلَى المُحْصَنَاتِ، فِي الشَّوَارِعِ، فِي المَدَارِسِ، فِي المَعَاهِدِ، فِي الكُليَّاتِ، فِي وَسَائِلِ الإِعْلَامِ مِنْ مَنْظُورٍ وَمَسْمُوعٍ وَمَتْلُوٍّ مَقْرُوءٍ، يُؤْتَى بِالمَرْأَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ شَبَكَةً تُصْطَادُ بِهَا القُلُوب.
اتَّقُوا اللَّهَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَبْنَائِكُم وَفِي بِيُوتِكُم مَا اسْتَطَعْتُم، بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ يَدْفَعُ اللَّهُ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَمِيعَ الكُرُبَاتِ، وَيُفَرِّجُهَا رَبُّ الأَرْبَابِ بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَوْلِهِ وَطَوْلِهِ وَمِنَّتِهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك