((الْآدَابُ وَالْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِلْمُجْتَمَعِ وَأَثَرُهَا فِي رُقِيِّهِ وَبِنَاءِ حَضَارَتِهِ))
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((تَعْلِيمُ النَّبِيِّ ﷺ الْأُمَّةَ كُلَّ مَا يَنْفَعُهَا))
فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَلَهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِكُلِّ مَا يَنْفَعُنَا؛ يَأْمُرُنَا بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الدِّينِ.
وَأَرْسَلَهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مُحَذِّرًا وَمُنْذِرًا مِنَ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, وَمِنَ اتِّخَاذِ سُبُلِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مَنْهَجًا وَطَرِيقًا وَسَبِيلًا.
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ سَعَادَةُ الْعَبْدِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَمِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ.
فَقَدْ قِيلَ لِسَلْمَانَ -قَالَ لَهُ حَبْرٌ يَهُودِيٌّ-: عَلَمَّكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ -يَعْنِي: حَتَّى كَيْفَ يَقْضِي الْإِنْسَانُ حَاجَتَهُ-؟!!
قَالَ: ((نَعَمْ, أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَلَّا نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَلَا نَسْتَدْبِرَهَا -يَعْنِي: عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ-, وَأَلَّا نَسْتَجْمِرَ بِعَظْمٍ وَلَا بِرَجِيعٍ)).
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كَيْفَ يَقْضِي الإِنْسَانُ حَاجَتَه, أَفَيُبَيِّنُ هَذَا وَيَتْرُكُ مَا هُوَ فَوْقَهُ مِنْ أُمُورِ الِاعْتِقَادِ، وَمِنْ أُمُورِ الْعِبَادَةِ، وَمِنْ أُمُورِ الْمُعَامَلَةِ، وَمِنْ أُمُورِ الْأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِ؟!!
هَذَا مِمَّا لَا يَقْبَلُهُ عَقْلٌ!!
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ, وَكُلَّمَا اسْتَكْثَرَ الْمَرْءُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؛ زَادَ فَلَاحُهُ وَقَلَّ طَلَاحُهُ, وَازْدَادَ خَيْرُهُ وَانْتَفَى شَرُّهُ.
وَهَذَا كَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ؛ فَعَكْسُهُ عَلَى عَكْسِهِ وَضِدِّهِ!!
((الْإِسْلَامُ حَدَّدَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ))
إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامَ دِينٌ كَامِلٌ؛ كَامِلٌ فِي عَقِيدَتِهِ, وَكَامِلٌ فِي شَرِيعَتِهِ, وَكَامِلٌ فِي بَيَانِ الْأَخْلَاقِ الْمَطْلُوبَةِ مِنَ الْعَبْدِ, وَكَامِلٌ فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ, كَمَا قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِيمَا أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
إِنَّ الْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ، الْإِنْسَانُ مَخْلُوقٌ بِفِطْرَةٍ مَغْرُوزَةٍ فِيهِ، هِيَ أَنَّهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ، لَا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ إِخْوَانِهِ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّرْعَ الْأَغَرَّ قَدْ حَدَّدَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَخِيهِ، وَحَدَّدَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَمُجْتَمَعِهِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْإِنْسَانُ دِينَ رَبِّهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ وَاجِبَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَاهِلًا مُتَخَبِّطًا.
وَالنَّبِيُّ ﷺ رَاعَى حُقُوقَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَالْآدَابُ الَّتِي بَيَّنَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَوَضَّحَهَا رَسُولُهُ ﷺ كَثِيرَةٌ, عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَعْلُّمِهَا وَالتَّخَلُّقِ بِهَا, مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَنْدُوبٌ.
((آدَابُ الِاسْتِئْذَانِ))
لَقَدْ حَفَلَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِالْعَدِيدِ مِنَ النُّظُمِ وَالْآدَابِ الْعَامَّةِ الَّتِي تُسْهِمُ فِي رُقِيِّ الْمُجْتَمَعِ وَتَقَدُّمِهِ وَازْدِهَارِهِ؛ فَمِنَ الْآدَابِ الَّتِي عَلَّمَنَاهَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَوَضَّحَهَا لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ: ((آدَابُ الِاسْتِئْذَانِ))، وَهِيَ -أَيْضًا- مِنَ الْآدَابِ الْمَهْجُورَةِ الْمَنْسِيَّةِ؛ فَمِنْهَا:
آدَابُ دُخُولِ الْبُيُوتِ: قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]
كَيْفِيَّةُ الِاسْتِئْذَانِ بَيَّنَهَا لَنَا النَّبِيُّ ﷺ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
هَذَا أَدَبٌ إِسْلَامِيٌّ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَصَدَ أَخَاهُ بِغَيْرِ مَوْعِدٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ بَدَلَ الثَّلَاثِ ثَلَاثِينَ, وَيَأْبَى أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَّا إِذَا دَخَلَ، هَذَا لَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ!!
بَلْ إِنَّهُ لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ -يَعْنِي: إِذَا اسْتَأْذَنَ فَقِيلَ: مَنْ؟ فَقَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ, لَا يَقُولُ: أَنَا! وَإِنَّمَا يَقُولُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ- إِذَا قِيلَ لَهُ: ارْجِعْ؛ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَأَلَّا يَجِدَ فِي نَفْسِهِ، مَا دَامَ قَدْ أَتَى بِغَيْرِ مَوْعِدٍ, ثُمَّ جَاءَ مُسْتَأْذِنًا فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ؛ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ, وَأَلَّا يُرَاجِعَ فِي شَيْءٍ، بَلْ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَلَّا يَجِدَ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ارْجِعْ؛ يَرْجِعُ، بِذَلِكَ أَمَرَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ؛ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ أَيْضًا.
عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: ((أَلِجُ؟))؛ يَعْنِي: أَدْخُلُ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِخَادِمِهِ: ((اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟)).
فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَلَمْ يَنْتَظِرْ خُرُوجَ الْخَادِمِ مُعَلِّمًا، وَإِنَّمَا قَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟))، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَدَخَلَ.
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
إِذَا جَاءَ مُسْتَأْذِنًا، أَيْنَ يَقِفُ؟
كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقِفُ فِي فَتْحَةِ الْبَابِ, بَلْ رُبَّمَا أَدْخَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ: أَأَدْخُلُ؟!!
لَقَدْ دَخَلْتَ!!
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ, وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ، وَيَقُولُ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
إِذَا سُئِلَ الْمُسْتَأْذِنُ عَنِ اسْمِهِ، مَاذَا يَقُولُ؟
عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ, وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ, قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَقَالَ: ((مَنْ هَذِهِ؟)).
فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ.
فَقَالَ: ((مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
يَقُولُ: أَنَا فُلَانٌ، لَا يَقُولُ: أَنَا أَنَا!!
عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ((مَنْ ذَا؟)).
فَقُلْتُ: أَنَا.
فَقَالَ: ((أَنَا أَنَا!!))؛ كَأَنَّهُ كَرِهَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِنْسَانٌ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ -أَيْ: فَرَمَيْتَهُ، فَحَذَفْتَهُ- بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ؛ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ))؛ أَيْ: لَيْسَ فِيهَا دِيَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
هَذَا دِينُ رَبِّنَا, وَيَا لَهُ مِنْ دِينٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ!! يَحْفَظُ عَلَيْكَ عِرْضَكَ وَخُصُوصِيَّتَكَ, يَحْفَظُ عَلَيْكَ بَيْتَكَ وَأَهْلَكَ وَمَالَكَ، يَحْفَظُ عَلَيْكَ عِرْضَكَ وَنَفْسَكَ.
هَذَا دِينُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ الْمُسْلِمُ حَقِيقَةَ الدِّينَ حَتَّى يَعْلَمَهُ، حَتَّى يَعْرِفَهُ, وَحَتَّى يَعْمَلَ بِهِ, وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا بِهَذَا الدِّينِ لَكَانُوا أَسْعَدَ أُمَّةٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ, هُمْ مُوَحِّدُونَ، لِلهِ عَابِدُونَ, وَتَعَامُلُهُمْ عَلَى وَفْقِ شَرِيعَةِ رَبِّهِمْ, وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهَا السُّنَّةُ.
ذَكَرَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- بَابًا فِي الِاسْتِئْذَانِ فَعَقَدَهُ لِذَلِكَ، قَالَ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا} [النور: 27].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 59].
قَالَ: وَرُوِّينَا فِي ((صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ)) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ؛ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ)).
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ)).
قَالَ: وَرُوِّينَا ((الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ)) مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ, وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ -أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ- فَيَقُومَ عِنْدَ الْبَابِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إِلَى مِنْ فِي دَاخِلِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ قَالَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا, فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ انْصَرَفَ.
لَا أَنْ يَبْقَى مُلَازِمًا عِنْدَ الْبَابِ, ثُمَّ يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ حَقًّا وَيَقُولُ: لِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْوَقْتِ وَأَنَا أَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لِي!! أَنْتَ مُخْطِئٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ, كَانَ يَنْبَغِي عَلَيْكَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَنْ تَنْصَرِفَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ أَمَرَكَ بِذَلِكَ ﷺ.
وَيَنْبَغِي إِذَا اسْتَأْذَنَ عَلَى إِنْسَانٍ بِالسَّلَامِ أَوْ بِدَقِّ الْبَابِ, فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ أَنْ يَقُولُ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ, أَوْ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ, أَوْ فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا, أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ, وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَا, أَوِ: الْخَادِمُ, أَوْ: بَعْضُ الْغِلْمَانِ, أَوْ: أَنَا بَعْضُ الْمُحِبِّينَ, أَوْ: الْمُذْنِبُ, أَوْ مَا أَشْبَهَ!! فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُخَالِفُ السُّنَّةَ.
عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الْمَشْهُورِ, قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((ثُمَّ صَعِدَ بِي جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ, فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ, وَيُقَالُ فِي بَابِ كُلِّ سَمَاءٍ: مَنْ هَذَا؟
فَيَقُولُ: جِبْرِيلُ)).
فَكَانَ جِبْرِيلُ يَسْتَأْذِنُ, وَكَانَ يَسْتَأْذِنُ لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِ اللهِ ﷺ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ مَنْ مَعَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ, فَيُقَالُ: وَأُذِنَ لَهُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَأَمْرُ الِاسْتِئْذَانِ كَبِيرٌ كَأَمْرِ السَّلَامِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ!!
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): حَدِيثُ أَبِي مُوسَى لَمَّا جَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى بِئْرِ الْبُسْتَانِ وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ, فَقَالَ: ((مَنْ؟)).
قَالَ: أَبُو بَكْرٍ.
ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ، فَقَالَ: ((مَنْ؟)).
قَالَ: عُمَرُ.
ثُمَّ عُثْمَانُ كَذَلِكَ.
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ: ((مَنْ ذَا؟)).
فَقُلْتُ: أَنَا.
فَقَالَ: ((أَنَا أَنَا!!))؛ كَأَنَّهُ كَرِهَهَا ﷺ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ بِغَيْرِهِ, وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُورَةُ تَبْجِيلٍ لَهُ؛ بِأَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ, أَوْ يَقُولَ: أَنَا الْمُفْتِي فُلَانٌ، أَوِ الْقَاضِي، أَوِ الشَّيْخُ فُلَانٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ؛ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُهُ الْمُسْتَأْذَنُ عَلَيْهِ إِلَّا بِهِ، أَمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّكَبُّرِ أَوِ الْخُيَلَاءِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ.
((آدَابُ السَّلَامِ))
عِبَادَ اللهِ! هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ آدَابِ السَّلَامِ, بَيَّنَهَا لَنَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ, وَوَضَّحَهَا لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ فِي سُنَّتِهِ الْمُشَرَّفَةِ.
فَأَمَّا فَضْلُ السَّلَامِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟
فَقَالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ, وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ, وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
فَهَذِهِ بَعْضُ النُّصُوصِ فِي فَضْلِ هَذَا الْأَدَبِ الْعَظِيمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شِعَارًا لِهَذَا الدِّينِ الْكَرِيمِ.
وَأَمَّا صِفَتُهُ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)), فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ, ثُمَّ جَلَسَ, فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((عَشْرٌ)).
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ)), فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ, فَقَالَ: ((عِشْرُونَ)).
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ)), فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ, فَقَالَ: ((ثَلَاثُونَ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَ((عَشْرٌ, وَعِشْرُونَ, وَثَلَاثُونَ))؛ يَعْنِي مِنَ الْحَسَنَاتِ.
وَعَنْ فَضْلِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ؛ جَاءَ حَدِيثُ رَسُولُ اللهِ ﷺ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ, يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا, وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ))؛ أَيْ: مَنْ بَدَأَ النَّاسَ بِالسَّلَامِ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ وَضَعَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ نِظَامًا يَتَعَلَّقُ بِالسَّلَامِ؛ مَنِ الَّذِي يَبْدَأُ، وَمَنِ الَّذِي لَا يَبْدَأُ، وَكَيْفَ يَكُونُ السَّلَامُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
فَالْأَوْلَى بِالسَّلَامِ كَمَا بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ, وَقَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْعَلُهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ شَرَعَ لَنَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- السَّلَامَ عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ، فَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61].
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27].
وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ, ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عِنْدَ الْخُرُوجِ كَمَا سَلَّمَ عِنْدَ الدُّخُولِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ, فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ, وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَلَا يَنْحَنِي لِأَحَدٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي لَهُ؟
قَالَ: ((لَا)).
قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟
قَالَ: ((لَا)).
قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟
قَالَ: ((نَعَمْ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ, وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَهَذَا مِمَّا خُولِفَ كَثِيرًا حَتَّى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ! فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كُلَّمَا لَقِيَ أَخَاهُ الْتَزَمَهُ وَقَبَّلَهُ, وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا هَذَا -أَعْنِي: الِالْتِزَامَ, وَأَنْ يُقَبِّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ- إِذَا كَانَ قَادِمًا مِنْ سَفَرٍ, أَمَّا أَنْ يَرَاهُ فِي كُلِّ حِينٍ ثُمَّ يَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؛ فَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ.
وَأَمَّا فَضْلُ الْمُصَافَحَةِ؛ فَقَدْ بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَعَنِ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ, وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَأَمَّا مَتَى تَكُونُ الْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ؟
فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ إِذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا, وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا)). أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْأَوْسَطِ)), وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).
وَأَمَّا صِفَةُ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْغَائِبِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ! هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ)).
فَقَالَتْ: ((وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, تَرَى مَا لَا أَرَى)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
كَذَلِكَ إِذَا وَرَدَ إِلَيْكَ خِطَابٌ مِنْ أَخِيكَ فِيهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّ السَّلَامَ حَتَّى عَلَى هَذَا الْمَكْتُوبِ.
وَإِذَا حَمَلَ إِلَيْكَ أَحَدٌ سَلَامَ أَحَدٍ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّ السَّلَامَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْكَ وَبَلَغَكَ.
السَّلَامُ أَمْرُهُ كَبِيرٌ.
((آدَابُ الطُّرُقِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ))
لَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ لِلطَّرِيقِ حُقُوقًا يَنْبَغِي أَنْ تُؤَدَّى؛ وَمَا أَحْوَجَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ تَارِيخِهِمْ إِلَى مَعْرِفَةِ الْآدَابِ الَّتِي دَلَّهُمْ عَلَيْهَا دِينُهُمْ, وَأَرْشَدَتْهُمْ إِلَيْهَا سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ ﷺ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ)).
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا.
فَقَالَ: ((فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ)).
قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((غَضُّ الْبَصَرِ, وَكَفُّ الْأَذَى, وَرَدُّ السَّلَامِ, وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَقَّ الطَّرِيقِ.
فَإِذَا أَرَادَ الْمُسْلِمُ الْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ؛ فَإِنَّهُ يُرَاعِي الْآدَابَ الْآتِيَةَ:
غَضُّ الْبَصَرِ: فَلَا يُرْسِلُ بَصَرَهُ فِي مَارَّةٍ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ, أَوْ وَاقِفَةٍ بِبَابِهَا, أَوْ مُسْتَشْرِفَةٍ عَلَى شُرُفَاتِ مَنْزِلِهَا, أَوْ مُطِلَّةٍ عَلَى نَافِذَتِهَا لِحَاجَةٍ.
كَمَا لَا يُرْسِلُ نَظَرَهُ حَاسِدًا لِأَحَدٍ, أَوْ زَارِيًا مُحْتَقِرًا أَحَدًا, وَأَنْ يَكُفَّ أَذَاهُ عَنِ الْمَارَّةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ, فَلَا يُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهِ شَاتِمًا أَوْ عَائِبًا مُقَبِّحًا, وَلَا بِيَدِهِ ضَارِبًا لَاكِمًا, وَلَا سَالِبًا مَالَ غَيْرِهِ غَاصِبًا, وَلَا مُعْتَرِضًا فِي الطَّرِيقِ صَادًّا الْمَارَّةَ قَاطِعًا سَبِيلَهُمْ.
وَأَنْ يَرُدَّ سَلَامَ كُلِّ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَارَّةِ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ وَاجِبٌ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
وَأَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ تُرِكَ أَمَامَهُ وَأُهْمِلَ شَأْنُهُ وَهُوَ يُشَاهِدُهُ؛ إِذْ هُوَ مَسْئُولٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ عَنِ الْأَمْرِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْقُطُ إِلَّا بِالْقِيَامِ بِهِ أَوِ الْعَجْزِ عَنْهُ.
وَمِثَالُهُ: أَنْ يُنَادَى لِلصَّلَاةِ وَلَا يُجِيبُ الْحَاضِرُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَجْلِسِ, فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِجَابَةِ الْمُنَادِي لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْمَعْرُوفِ, فَلَمَّا تُرِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ.
وَمِثَالٌ آخَرُ: أَنْ يَمُرَّ جَائِعٌ أَوْ عَارٍ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَكْسُوَهُ إِنْ قَدَرَ, وَإِلَّا أَمَرَ بِإِطْعَامِهِ أَوْ كِسْوَتِهِ؛ إِذْ إِطْعَامُ الْجَائِعِ وَكِسْوَةُ الْعَارِي مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ إِذَا تُرِكَ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْهَيَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ يُشَاهِدُهُ يُرْتَكَبُ أَمَامَهُ؛ إِذْ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَظِيفَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ؛ لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
وَمِثَالُهُ: أَنْ يَبْغِيَ أَمَامَهُ أَحَدٌ عَلَى آخَرَ, فَيَضْرِبُهُ أَوْ يَسْلُبُهُ مَالَهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ, فَيَقِفُ فِي وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي حُدُودِ طَاقَتِهِ وَوُسْعِهِ.
وَعَلَى الَّذِي يَجْلِسُ فِي الطُّرُقَاتِ أَنْ يُرْشِدَ الضَّالَّ, فَلَوِ اسْتَرْشَدَهُ أَحَدٌ فِي بَيَانِ مَنْزِلٍ, أَوْ هِدَايَةٍ إِلَى طَرِيقٍ, أَوْ تَعْرِيفٍ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ الْمَنْزِلَ, أَوْ يَهْدِيَهُ الطَّرِيقَ, أَوْ يُعَرِّفَهُ بِمَنْ يُرِيدُ مَعْرِفَتَهُ.
كُلُّ هَذَا مِنْ آدَابِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ؛ كَأَنْ يَجْلِسَ أَمَامَ الْمَنْزِلِ، أَوْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ.
وَأَمَّا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: ((كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))؛ فَلَا يَذْهَبَنَّ أَحَدٌ إِلَى شَجَرَةٍ لَهَا ظِلٌّ يَفِيءُ إِلَيْهِ النَّاسُ, ثُمَّ يَقُولُ: لَئِنْ قَطَعْتُ هَذِهِ فَلَأَتَحَصَّلَنَّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ, بَلْ إِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا.
إِنَّ مِمَّا يَحْرُمُ فِعْلُهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ: الْبَوْلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ».
وَ((الرَّاكِدُ)): السَّاكِنُ الَّذِي لَا يَجْرِي.
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَسَائِرِ مَسَائِلِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ مِنْ مَحَاسِنِهِ، فَالنَّبِيُّ ﷺ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الشَّأْنُ مَعَ الْمَاءِ الْجَارِي، الْإِنْسَانُ لَا يُلَوِّثُ الْمَوَارِدَ، وَكَمَا سَيَأْتِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَاعِنِ الَّتِي يَتَّقِيهَا الْإِنْسَانُ مِنْ ظِلِّ النَّاسِ وَطَرِيقِهِمْ وَمَوَارِدِهِمْ -مَوَاضِعِ شُرْبِهِمْ-.
هَذَا شَيْءٌ مُهِمٌّ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ -أَيْضًا- بِالنَّظَافَةِ الْعَامَّةِ، وَمُتَعَلِّقٌ -أَيْضًا- بِالثِّقَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ، فَالْمَرْأَةُ مَثَلًا مَسْئُولَةٌ عَنْ إِعْدَادِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهِيَ لَا تُتَابَعُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَكُونُ وَحْدَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى دَرَجَةٍ بِوَعْيٍ يَقِظٍ فِي اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَمْ تُؤْمَنْ أَنْ تُبَاشِرَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ تَضَعَ يَدَهَا الَّتِي بَاشَرَتِ النَّجَاسَةَ فِي طَعَامِ أَوْلَادِهَا وَزَوْجِهَا، وَهَلْ يَرَاهَا مِنْ أَحَدٍ سِوَى اللهِ؟!
وَأَمَّا الْتِزَامُ السُّنَّةِ فَشَيْءٌ آخَرُ.. هَذَا مُهِمٌّ!
يَحْرُمُ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ الْبَوْلُ أَوِ الْغَائِطُ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الظِّلِّ، أَوْ فِي الْحَدَائِقِ الْعَامَّةِ، أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، أَوْ مَوَارِدِ الْمِيَاهِ.. لِمَا رَوَى مُعَاذٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ)).
مَا الَّذِي أَتَى بِهِ أَهْلُ الْعَصْرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَهُ؟!!
نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الدُّنْيَا النَّظَافَةَ..
وَنَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الدُّنْيَا النِّظَامَ..
وَمَا عِنْدَ الْآخَرِينَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ؛ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِمَّا أَخَذُوهُ مِنَّا..
نَحْنُ عَلَّمْنَا الدُّنْيَا كُلَّهَا النَّظَافَةَ وَالنِّظَامَ..
وَعَلَّمْنَا الدُّنْيَا كُلَّهَا هَذِهِ الْأُصُولَ الْعَامَّةَ الَّتِي يَسْلَمُ الْإِنْسَانُ بِهَا فِي الْحَيَاةِ..
((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ -وَهِيَ طُرُقُ الْمَاءِ-، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ -قَارِعَةُ الطَّرِيقِ: وَسَطُهَا-، وَالظِّلِّ)).
وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ)).
قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟
اللَّاعِنَانِ: الْأَمْرَانِ الْمُوجِبَانِ لِلَّعْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا لُعِنَ وَشُتِمَ، فَصَارَ هَذَا سَبَبًا، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهِمَا الْفِعْلُ فَكَانَا كَأَنَّهُمَا اللَّاعِنَانِ، وَإِنَّمَا هُمَا مُسْتَجْلِبَانِ لِلَّعْنِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لُعِنَ وَشُتِمَ.
((قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!))؛ وَمَا الْأَمْرَانِ الْمُسْتَجْلِبَانِ لِلَعْنِ مَنْ فَعَلَهُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟!!
قَالَ ﷺ: ((الَّذِي يَتَخَلَّى –أَيْ: يَقْضِي حَاجَتَهُ- فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ))، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ لَعَنُوا فَاعِلَهُ وَشَتَمُوهُ وَسَبُّوهُ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ)).
وَقَالَ ﷺ: ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)).
هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْآدَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّرِيقِ, فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَهَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا إِذَا خُولِفَتْ وَقَعَ الْمُسْلِمُ بِمُخَالَفَتِهَا فِي الْحَرَامِ, فَأَكْثَرُهَا مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللهُ وَأَوْجَبَهُ رَسُولُهُ ﷺ.
((آدَابُ النَّظَافَةِ))
إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ دِينُ الطَّهَارَةِ، دِينُ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ عَلَى السَّوَاءِ.
أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَنْفُسِ، وَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْكِنَةِ.
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا طَهَارَةَ الْبَاطِنِ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْمَعَاصِي، وَطَهَارَةَ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ بِالْمَاءِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي كَلِمَةٍ جَامِعَةٍ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)).
النَّظَافَةُ شَطْرُ الدِّينِ.
وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)).
النَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَظِيفَ الْجِسْمِ وَالثِّيَابِ، يَغْتَسِلُ الْمُسْلِمُ الَّذِي يُرِيدُ الْإِسْلَامَ شَامَةً بَيْنَ النَّاسِ؛ لِكَيْ يَكُونَ نَظِيفَ الْجَسَدِ نَظِيفَ الثَّوْبِ، كَمَا أَنَّهُ نَظِيفُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالضَّمِيرِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَنَا بِهَذَا الْأَمْرِ: ((اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ)).
وَبَلَغَ مِنْ شِدَّةِ حَضِّهِ عَلَى النَّظَافَةِ بِالِاسْتِحْمَامِ وَالِاغْتِسَالِ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَاجِبٌ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ -وَهُوَ الْحَقُّ- فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا؛ يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ».
أَيُّ دِينٍ هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ!!.
((الْمُسْلِمُ الْحَقُّ نَظِيفٌ فِي ثَوْبِهِ وَجَوْرَبِهِ، يَتَفَقَّدُ ثِيَابَهُ وَجَوْرَبَهُ بَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ؛ لَا يَرْضَى أَنْ تَفُوحَ مِنْ أَرْدَانِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ رَائِحَةٌ مُنَفِّرَةٌ، وَيَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِالطِّيبِ أَيْضًا.
وَيَتَعَهَّدُ الْمُسْلِمُ الْوَاعِي فَمَهُ، فَلَا يَشُمُّ أَحَدٌ مِنْهُ رَائِحَةً مُؤْذِيَةً كَرِيهَةً، وَذَلِكَ بِتَنْظِيفِ أَسْنَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِالسِّوَاكِ مَرَّاتٍ، وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْمُطَهِّرَاتِ وَالْمُنَظِّفَاتِ.
يَتَفَقَّدُ فَمَهُ وَيَعْرِضُهُ عَلَى الْمُخْتَصِّ بِعِلَاجِهِ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلَى مَنْ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأَسْنَانِهِ مِمَّنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْفَمِ وَالْحَنْجَرَةِ وَالْأَمْرَاضِ الْبَطْنِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ رَائِحَةِ الْفَمِ قَدْ تَكُونُ نَاشِئَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مِنْ بَعْضِهَا؛ فَإِنِ احْتَاجَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى مَنْ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ؛ حَتَّى يَبْقَى فَمُهُ نَقِيًّا مُعَطَّرَ الْأَنْفَاسِ.
تَرْوِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ لَا يَرْقُدُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَيَسْتَيْقِظُ إِلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَتَبْلُغُ عِنَايَةُ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ بِنَظَافَةِ الْفَمِ حَدًّا يَجْعَلُهُ يَقُولُ: ((لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ ﷺ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ فَقَالَتْ: ((السِّوَاكُ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: ((مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟!)).
فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَظْهَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْمَلَأِ بِثِيَابٍ وَسِخَةٍ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى غَسْلِهَا وَتَنْظِيفِهَا؛ إِشْعَارًا مِنْهُ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ- لِلْمُسْلِمِ بِأَنْ يَكُونَ دَوْمًا نَظِيفَ الثِّيَابِ حَسَنَ الْمَظْهَرِ مُحَبَّبَهُ.
الْإِسْلَامُ يَحُضُّ أَبْنَاءَهُ جَمِيعًا فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى النَّظَافَةِ؛ يُرِيدُ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا نَظِيفِينَ دَوْمًا، تَضَوَّعُ مِنْهُمْ رَائِحَةُ الطِّيبِ، وَتَفُوحُ مِنْ أَجْسَامِهِمُ الرَّوَائِحُ الْعَطِرَةُ، وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فيِ ((صَحِيحَيْهِمَا)) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((مَا شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ وَلَا مِسْكًا وَلَا شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ ﷺ)).
أَخْرَجَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ)).
وَإِكْرَامُ الشَّعْرِ فِي الْإِسْلَامِ يَكُونُ بِتَنْظِيفِهِ.. بِتَمْشِيطِهِ.. بِتَطْيِيبِهِ.. بِتَحْسِينِ شَكْلِهِ وَهَيْئَتِهِ، بِغَيْرِ إِغْرَاقٍ؛ فَإِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَتَرَجَّلَ غِبًّا؛ أَيْ: يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالتَّرَجُّلِ غِبًّا؛ أَيْ: يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ جَاءَ بِالْوَسَطِ الْخِيَارِ ﷺ.
كَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَدَعَ الْإِنْسَانُ شَعْرَهُ مُرْسَلًا مُهْمَلًا شَعِثًا مَنْفُوشًا بِحَيْثُ يَبْدُو لِلْأَعْيُنِ كَأَنَّهُ الْغُولُ الْهَائِجُ، وَشَبَّهَهُ الرَّسُولُ ﷺ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ بِالشَّيْطَانِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) مُرْسَلًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِإِصْلَاحِ شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ثَائِرُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ؟!)).
وَوَاضِحٌ أَنَّ فِي تَشْبِيهِ النَّبِيِّ ﷺ الْمُنْتَفِشَ الشَّعْرِ بِالشَّيْطَانِ.. أَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْبِيرًا عَنْ شِدَّةِ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِحُسْنِ الْمَنْظَرِ وَجَمَالِ الْهَيْئَةِ، وَفِيهِ إِنْكَارُهُ التَّبَذُّلَ وَقُبْحَ الْمَنْظَرِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ دَائِمَ التَّنْبِيهِ إِلَى هَذِهِ الْمَلَاحِظِ الْجَمَالِيَّةِ فِي هَيْئَةِ الْإِنْسَانِ؛ مَا رَأَى رَجُلًا رَدِيءَ الْهَيْئَةِ مُهْمِلًا شَعْرَهُ إِلَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ إِهْمَالَهُ وَتَقْصِيرَهُ وَزِرَايَتَهُ بِنَفْسِهِ.
رَوَى الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: ((مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ؟!)) ﷺ.
حُسْنُ الْهَيْئَةِ مِمَّا يُعْنَى بِهِ دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمُ.
الْمُسْلِمُ الْحَقُّ يُعْنَى بِلِبَاسِهِ وَهِنْدَامِهِ فِي غَيْرِ مَا غُلُوٍّ وَلَا إِسْرَافٍ؛ فَتَرَاهُ حَسَنَ الْهَيْئَةِ نَظِيفًا فِي قَصْدٍ مِنْ غَيْرِ مَا مُغَالَاةٍ وَلَا إِسْرَافٍ.
فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)).
فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا؟
كَأَنَّهُ يُرِيدُ: أَيُعَدُّ هَذَا مِنَ الْكِبْرِ؟
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ))».
فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا شَامَاتٍ بَيْنَ النَّاسِ بِقَصْدٍ لَا إِفْرَاطَ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطَ، وَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَى اللهِ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْأَنْفُسِ وَاسْتِقَامَةَ الْفِطْرَةِ تَنْضَحُ عَلَى الْوُجُوهِ.
((آدَابُ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلَامِ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! مِنَ الْآدَابِ الَّتِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَهَا وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِهَا: آدَابُ الْحِوَارِ؛ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وَجَادِلْهُم بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَدَبًا وَتَهْذِيبًا وَقَوْلًا وَفِكْرًا، وَتَابِعْ دَعْوَةَ مَنْ لَمْ تُثْبِتِ التَّجْرِبَةُ الطَّوِيلَةُ أَنَّهُمْ مَيْئُوسٌ مِنَ اسْتِجَابَتِهِمْ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ وَحْدَهُ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ضَلَالًا غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِاسْتِعْدَادٍ مِنْ عُمْقِ نَفْسِهِ بِالِاسْتِجَابَةِ لِدَعْوَةِ الْحَقِّ بَعْدَ حِينٍ، وَهُوَ وَحْدَهُ أَعْلَمُ بِمَنْ لَدَيْهِ اسْتِعْدَادٌ لِأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}؛ أَيْ: كَلِّمُوهُمْ طَيِّبًا، وَلِينُوا لَهُمْ جَانِبًا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
فَالْحَسَنُ مِنَ الْقَوْلِ: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَحْلُمُ وَيَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا قَالَ اللهُ، وَهُوَ كُلُّ خُلُقٍ حَسَنٍ رَضِيَهُ اللهُ».
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].
وَقُلْ يَا رَسُولَ اللهِ لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا دَوَامًا الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا يَنْطِقُونَ بِهِ.
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْقَوْلَ الطَّيِّبَ الْحَسَنَ لَا يَذْهَبُ سُدًى، وَلَا يَضِيعُ بَدَدًا، بَلْ صَاحِبُهُ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ مُثَابٌ عَلَى قَوْلِهِ، فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».
وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ)).
فَالْفَاحِشُ الْبَذِيءُ مَبْغُوضٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَعَنْ أُسَامَةَ بَنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ فَاحِشٍ مُتَفَحِّشٍ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ الْجَامِعِ)).
وَالْفَاحِشُ: ذُو الْفُحْشِ فِي كَلَامِهِ وَفَعَالِهِ.
وَالْمُتَفَحِّشُ: الَّذِي يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدُهُ.
مِنَ الْآدَابِ -عِبَادَ اللهِ-: مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأَدُّبِ فِي الْمُحَاوَرَةِ؛ فَالْمُسْلِمُ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الْمُتَأَدِّبِ الْوَقُورِ, يُنْصِتُ إِلَى كَلَامِ الْمُتَحَدِّثِينَ مَا لَمْ يَتَحَدَّثُوا بِإِثْمٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ, وَلَا يُقَاطِعُ أَحَدًا أَثْنَاءَ حَدِيثِهِ.
وَإِذَا تَحَدَّثَ كَانَ كَلَامُهُ لَطِيفًا, فَيَسْمَعُ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ, قَالَ تَعَالَى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].
وَإِذَا عَرَضَ الْمُسْلِمُ رَأْيَهُ عَرَضَهُ بِهُدُوءٍ وَوُضُوحٍ حَتَّى يَفْهَمَهُ النَّاسُ, فَإِذَا رَأَى أَنْ يُعِيدَ كَلَامَهُ لِيَفْهَمَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ أَعَادَهُ, وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا)) كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ))؛ حَتَّى يَفْهَمَهَا الْمُسْتَمِعُ.
وَقَدْ وَصَفَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَلَامَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِقَوْلِهَا: ((كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ: ((أَيْ: لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَمِعُ عَدَّ كَلِمَاتِهِ أَوْ حُرُوفِهِ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِسُهُولَةٍ, وَمِنْهُ أُخِذَ أَنَّ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَلَّا يَسْرُدَ الْكَلَامَ سَرْدًا, بَلْ يُرَتِّلُهُ تَرْتِيلًا, وَيَتَمَهَّلُ لِيَتَفَكَّرَ فِيهِ هُوَ وَسَامِعُهُ, وَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَسْأَلَةٍ أَوْ فَصْلٍ سَكَتَ قَلِيلًا لِيَتَكَلَّمَ مَنْ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ)).
قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((لَمْ يَكُنْ ﷺ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).
وَمِنَ الْآدَابِ الَّتِي عَلَى الْمُسْلِمِ مُرَاعَاتُهَا: أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْآخَرِينَ, وَاحْتِرَامِ رَأْيِ جُلَسَائِهِ, وَلَا يُطِيلُ الْكَلَامَ وَيَسْتَأْثِرُ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْبَعْضُ -هَدَاهُمُ اللهُ- حَتَّى لَا يَمَلَّ النَّاسُ حَدِيثَهُ وَمَجْلِسَهُ.
((أَدَبُ التَّعَامُلِ مَعَ الْأَخْبَارِ وَالشَّائِعَاتِ))
عِبَادَ اللهِ! مَنْ نَظَرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خَاصَّةً, وَفِي التَّارِيخِ عَامَّةً؛ يَعْلَمُ يَقِينًا مَا لِلشَّائِعَاتِ مِنْ خَطَرٍ عَظِيمٍ، وَأَثَرٍ بَلِيغٍ، فَالشَّائِعَاتُ تُعْتَبَرُ مِنْ أَخْطَرِ الْأَسْلِحَةِ الْفَتَّاكَةِ وَالْمُدَمِّرَةِ لِلْمُجْتَمَعَاتِ وَالْأَشْخَاصِ.
وَكَمْ أَقْلَقَتِ الْإِشَاعَةُ مِنْ أَبْرِيَاءَ, وَحَطَّمَتْ عُظَمَاءَ، وَهَزَمَتْ مِنْ جُيُوشٍ، وَهَدَمَتْ مِنْ وَشَائِجَ، وَتَسَبَّبَتْ فِي جَرَائِمَ, وَفَكَّكَتْ مِنْ عَلَاقَاتٍ وَصَدَاقَاتٍ، وَأَخَّرَتْ مِنْ سَيْرِ أَقْوَامٍ!!
لِخَطَرِهَا وَجَدْنَا الدُّوَلَ تَهْتَمُّ بِهَا، وَالْحُكَّامَ يَرْقُبُونَهَا، مُعْتَبِرينَ إِيَّاهَا مِقْيَاسَ مَشَاعِرِ الشَّعْبِ نَحْوَ الْإِدَارَةِ صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَبَانِينَ عَلَيْهَا تَوقُّعَاتِهِمْ لِأَحْدَاثٍ مَا, سَوَاءٌ عَلَى الْمُسْتَوَى الْمَحَلِّيِّ أَوِ الْمُسْتَوَى الْخَارِجِيِّ.
وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((مُقَدِّمَةِ الصَّحِيحِ)).
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: «اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)).
وَأَثَرُ الشَّائِعَاتِ سَيِّئٌ جِدُّ سَيِّئٍ, وَيَنْتُجُ عَنْهَا غَالِبًا آثَارٌ أُخْرَى أَسْوَءُ مِنْهَا.
وَالَّذِي يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ سَمَاعِهِ الْإِشَاعَاتِ وَالْأَخْبَارِ:
*يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَأَنْ يَتَرَوَّى فِي تَلَقِّي الْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا, وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّنْقِيطِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَقَدْ دَلَّتْ هَذهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ الْفَاسِقَ إِنْ جَاءَ بِنَبَإٍ مُمْكِنٍ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ، وَهَلْ مَا قَالَهُ فِيهِ الْفَاسِقُ حَقٌّ أَوْ كَذِبٌ، فَإِنَّه يَجِبُ فِيهِ التَّثَبُّتُ.
وَالثَّانِي: هُوَ مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِهَا أَهْلُ الْأُصُولِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} يَدُلُّ بِدَليلِ خِطَابِهِ -أَعْنِي مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ- أَنَّ الْجَائِيَ بِنَبَإٍ إِنْ كَانَ غَيْرَ فَاسِقٍ بَلْ عَدْلًا لَا يَلْزَمُ التَّبَيُّنُ فِي نَبَئِهِ عَلَى قِرَاءَةِ: {فَتَبَيَّنُوا}، وَلَا التَّثَبُّتُ عَلَى قِرَاءَةِ: {فَتَثَبَّتُوا}، -قَالَ:- وَهُوَ كَذَلِكَ)).
*وَأَنْ يُقَدِّمَ حُسْنَ الظَّنِّ بِأَخِيِهِ الْمُسْلِمِ، وَأَنْ يُنْزِلَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَنْزِلَتِهِ.
*وَأَلَّا يَتَحَدَّثَ بِمَا سَمِعَهُ وَلَا يَنْشُرَهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّائِعَاتِ لَمَاتَتْ فِي مَهْدِهَا، وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُحْيِيهَا إِلَّا مِنَ الْمُنَافِقِينَ: {ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16].
*وَأَنْ يُرَدَّ الْأَمْرُ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَلَا يُشِيعُ النَّاسُ بَيْنَ النَّاسِ الشَّائِعَاتِ، فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي كُلِّ الْأَخْبَارِ الْمُهِمَّةِ، وَالَّتِي لَهَا أَثَرُهَا الْوَاقِعِيُّ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا} [النساء: 83].
*وَتَعَامَلَ الْقُرْآنُ مَعَ الْإِشَاعَةِ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ تَرْدِيدِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَوْ وَعْيٍ وَإِحَاطَةٍ بِأَبْعَادِهَا وَأَهْدَافِهَا: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور: 15-17].
*وَتُعَامَلُ الشَّائِعَاتُ بِالصَّمْتِ، وَعَدَمِ الْخَوْضِ فِيهَا: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
فَالْإِنْسَانُ لَا يَخْسَرُ بِالسُّكُوتِ شَيْئًا، كَمَا يَخْسَرُ حِينَ يَخُوضُ فِيمَا لَا يُحْسِنُهُ أَوْ يَتَدَخَّلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَالسَّلَامَةُ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ.
وَفِي «الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ»: عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «لَا تَكُونُوا عُجُلًا مَذَايِيعَ بُذْرًا، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ بَلَاءً مُبَرِّحًا مُبْلِحًا، وَأُمُورًا مُتَمَاحِلَةً رُدُحًا». وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
أَيْ: لَا تَسْتَعْجِلُوا فِي إِذَاعَةِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَخْبَارِ وَالْفَوَاحِشِ، وَلَا تُفْشُوا الْأَسْرَارَ، فَهُنَاكَ بَلَاءٌ شَدِيدٌ شَاقٌّ يَنْتَظِرُكُمْ، وَفِتَنٌ ثَقِيلَةٌ تَتَرَقَّبُكُمْ، فَلَا تُسْهِمُوا فِي صُنْعِ الْفِتَنِ وَالرَّزَايَا.
فَحَذَارِ أَنْ تَكُونُوا عَيَّابِينَ بِإشَاعَةِ وَإِفْشَاءِ الْأَسْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يَصْعُبُ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَلَا تَزْدَادُ الْفِتَنُ بِهَا إِلَّا تَوَقُّدًا وَشِدَّةً.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقِّيًا، فَلَا يُصَدِّقُ كُلَّ مَا يَسْمَعُ، فَمَا أَكْثَرَ الْكَذِبَ فِي النَّاسِ!
وَمَا أَحْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِ الْفِتَنِ بِالْتِزَامِ هَذَا النَّهْجِ الشَّرِيفِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ مُقْتَبِسٌ.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَثَبَّتَ، وَلَا يَقُولَ وَلَا يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «مُقَدِّمَةِ الصَّحِيحِ»، وَأَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ».
«وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُشِيعُونَ كُلَّ مَا يَسْمَعُونَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَدُورُونَ بِهِ عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ وَالنَّوَادِي، بَلْ إِنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ قَدْ غُنُوا عَنْ بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْعَصْرِ لَمَّا سَبَقَتِ الشِّقْوَةُ عَلَيْهُمْ.
فَإِنَّ الْوَاحِدَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْوَتِهِ مُخَاطِبًا الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَيَنْشُرُ الْأَكَاذِيبَ، وَيُشِيعُ الْفَاحِشَةَ فِي الدُّنْيَا بِأَرْجَائِهَا عَنْ طَرِيقِ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ فِي الْمَعْلُومَاتِ وَالِاتِّصَالَاتِ».
((أَدَبُ خَفْضِ الصَّوْتِ))
مِنَ الْآدَابِ الْعَامَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ: خَفْضُ الصَّوْتِ -إِلَّا إِذَا كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ ضَرُورِيًّا-، قَالَ تَعَالَى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].
وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُسْتَمِعِينَ، إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى رَفْعِهِ مِنْ صِفَاتِ الْحَمِيرِ، فَلَا تَكُنْ يَا بُنَيَّ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْحَمِيرِ الَّتِي تَنْهَقُ فَتَرْفَعُ أَصْوَاتَهَا الْمُنْكَرَةَ، إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ وَأَكْثَرَهَا تَنْفِيرًا لِلْأَسْمَاعِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ، لَا تَرْفَعْهُ رَفْعًا يُؤْذِي، إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ فِي ارْتِفَاعِ أَصْوَاتِهَا.
وَنَدَبَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى خَفْضِ الصَّوْتِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَحَثَّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3].
إِنَّ الَّذِينَ يَخْفِضُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَيُلَيِّنُونَهَا؛ إِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا لَهُ، أُولَئِكَ الْفُضَلَاءُ ذَوُو الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ الَّذِينَ اخْتَبَرَ اللهُ قُلُوبَهُمُ الَّتِي هِيَ مَنْبَعُ إِرَادَاتِهِمْ، فَانْتَهَى الِامْتِحَانُ بِالنَّتِيجَةِ الَّتِي قُرِّرَتْ لَهُمْ وَهِيَ التَّقْوَى.
وَهُمْ قَوْمٌ أَثْبَتُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ تَعْمُرُ قُلُوبَهُمْ؛ إِذِ امْتَثَلُوا مَا أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمُ اللهُ عَنْهُ، لَهُمْ مِنَ اللهِ مَغْفِرَةٌ وَاسِعَةٌ لِذُنُوبِهِمْ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ وَهُوَ الْجَنَّةُ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذَا الْأَدَبِ الرَّاقِي: أَنَّ مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: تَجَنُّبَ الصَّخَبِ بِالْأَسْوَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ، فَهَذَا يَتَنَافَى مَعَ الْوَقَارِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَقَدْ سُئِلَ عَنْ وَصْفِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: ((أَجَلْ؛ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ:... لَا فَظٌّ، وَلَا غَلِيظٌ، وَلَا صَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ -وَأَيْضًا بِالسِّينِ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ بَيْنَ السِّينِ وَالصَّادِ، وَهُمَا بِمَعْنًى: وَلَا سَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ-)). وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
إِنَّ التَّلَوُّثَ السَّمْعِيَّ الَّذِي يَشْكُو مِنْهُ الْخَلْقُ -بَلْ يَشْكُو مِنْهُ الْعَالَمُ- الْيَوْمَ، نَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الرَّسُولُ ﷺ يَتْلُو عَلَيْنَا آيَاتِ رَبِّنَا فِي قَوْلِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي وَصِيَّةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِابْنِهِ: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}، ثُمَّ أَتْبَعَهَا وَشَفَعَهَا بِالتَّنْفِيرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَجْعَلُ النَّفْسَ الصَّالِحَةَ.. وَالَّذِي يَجْعَلُ الْعَقْلَ السَّوِيَّ وَالْبَدَنَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ عَلَى سَنَنِ الْحَيَوَانَاتِ، بَلْ عَلَى سَنَنٍ أَقْبَحَ مِنْ أَقْبَحِهَا، يَأْتِي هَذَا التَّفْسِيرُ فِي التَّعْقِيبِ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- لَمَّا سَاقَ الْوَصِيَّةَ: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}، عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].
فَلْيَكُنْ صَوْتُكَ عَلَى قَدْرِ سَمَاعِ سَامِعِكَ، لَا يَتَعَدَّاهُ، فِي صَوْتِكَ الَّذِي هُوَ صَوْتُكَ، وَفِي صَوْتِكَ الَّذِي لَيْسَ بِصَوْتِكَ بَلْ أَنْتَ مُتَحَكِّمٌ فِيهِ؛ مِنْ مِذْيَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْمُسْتَحْدَثَاتِ، فَهُوَ صَوْتُكَ؛ لِأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي بِهِ تَتَحَكَّمُ وَفِيهِ.
((مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ:
إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَإِعَانَةُ الضُّعَفَاءِ وَذَوِي الِاحْتِيَاجَاتِ الْخَاصَّةِ))
((لَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ, وَيَدْخُلُ فِيهِ: الْإِحْسَانُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ, وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ النَّافِعِ.
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: قَضَاءُ حَوَائِجِ النَّاسِ؛ مِنْ تَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِمْ، وَإِزَالَةِ شِدَّاتِهِمْ, وَعِيَادَةِ مَرْضَاهُمْ, وَتَشْيِيعِ جَنَائِزِهِمْ, وَإِرْشَادِ ضَالِّهِمْ, وَإِعَانَةِ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا، وَالْعَمَلِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَمَلَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ.
وَيَدْخُلُ فِي الْإِحْسَانِ -أَيْضًا-: الْإِحْسَانُ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى)).
قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
وَأَحْسِنُوا الْعَمَلَ مَعَ اللهِ تَعَالَى؛ بِالْقِيَامِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، وَصِدْقِ النِّيَّةِ.
وَأَحْسِنُوا الْعَمَلَ مَعَ خَلْقِ اللهِ؛ بِالْبِرِّ، وَالْعَفْوِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُكُمْ نَفَقَتُهُ.
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّهُ اللهُ أَكْرَمَهُ، وَأَدْخَلَهُ فِي رَحْمَتِهِ.
وَالرَّسُولُ ﷺ يُرَغِّبُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، وَيُبيِّنُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَحْسَنَ إِلَى أَخِيهِ أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْهِ، وَإِذَا مَا سَعَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقْضِي حَوَائِجَهُ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ كُرْبَةِ الدُّنْيَا وَكُرْبَةِ الْآخِرَةِ، فَهَذَا عَطَاءٌ مِنْ صَاحِبِ الْعَطَاءِ وَالْفَضْلِ: «فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَزَالُ اللهُ فِي حَاجَةِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ».
وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ».
قِيلَ: أَرَأيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟
قَالَ: «يَعْتَمِلُ بِيَدِهِ؛ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ».
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟
قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ».
قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟
قَالَ: «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الخَيْرِ».
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟
قَالَ: «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ».
وَقَدْ ((حَضَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْإِيثَارِ، وَهُوَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْجُودِ، وَهُوَ الْإِيثَارُ بِمَحَابِّ النَّفْسِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، وَبَذْلُهَا لِلْغَيْرِ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، بَلْ مَعَ الضَّرُورَةِ وَالْخَصَاصَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ خُلُقٍ زَكِيٍّ))؛ فَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
الْأَنْصَارُ الَّذِينَ تَوَطَّنُوا الْمَدِينَةَ وَاتَّخَذُوهَا سَكَنًا، وَأَسْلَمُوا فِي دِيَارِهِمْ، وَأَخْلَصُوا فِي الْإِيمَانِ، وَتَمَكَّنُوا فِيهِ مِنْ قَبْلِ هِجْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُنْزِلُونَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَيُشَارِكُونَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَزَازَةً وَغَيْظًا وَحَسَدًا مِمَّا أُعْطِيَ الْمُهَاجِرُونَ مِنَ الْفَيْءِ دُونَهُمْ؛ عِفَّةً مِنْهُمْ، وَشُعُورًا بِحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ الْفَقْرُ بِسَبَبِ الْهِجْرَةِ.
ويُؤثِرُ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ فَاقَةٌ وَحَاجَةٌ إِلَى مَا يُؤْثِرُونَ بِهِ.
وَذَكَرَ اللهُ أَنَّ إِطْعَامَ أَحْوَجِ النَّاسِ مِنْ صِفَاتِ الْأَبْرَارِ مِنْ عِبَادِ اللهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9].
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}؛ أَيْ: وَهُمْ فِي حَالٍ يُحِبُّونَ فِيهَا الْمَالَ وَالطَّعَامَ، لَكِنَّهُمْ قَدَّمُوا مَحَبَّةَ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ نُفُوسِهِمْ، وَيَتَحَرَّوْنَ فِي إِطْعَامِهِمْ أَوْلَى النَّاسِ وَأَحْوَجَهَمْ: {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
وَيَقْصِدُونَ بِإِنْفَاقِهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُونَ بِلِسَانِ الْحَالِ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}؛ أَيْ: لَا جَزَاءً مَالِيًّا، وَلَا ثَنَاءً قَوْلِيًّا.
وَقَالَ ﷺ: ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: «... بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ».
وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَلَّا يَسْتَصْغِرَ أَوْ يَحْتَقِرَ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ عَمَلٍ يَقْبَلُهُ اللهُ؛ فَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ جَابِرٍ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُحْتَبٍ فِي بُرْدَةٍ، وَإِنَّ هُدَّابَهَا لَعَلَى قَدَمَيْهِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي.
قَالَ: «عَلَيْكَ بِاتِّقَاءِ اللهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ لِلْمُسْتَسْقِي مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ، أَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ)).
((مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ:
تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ))
إِنَّ مِنْ مُقْتَضَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ يُوَقِّرَ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، لِوُجُودِ حُسْنِ الْخُلُقِ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ عَقَلَ مَا لَا يَعْقِلُ الصَّغِيرُ، وَعَلِمَ مَا لَا يَعْلَمُ الصَّغِيرُ، فَتَرَاهُ يَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ بِالتَّعْلِيمِ، أَوْ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِفَكِّ كُرْبَتِهِ، وَعَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِ إِنْ زَلَّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
لَقَدْ أَعْطَى الْإِسْلَامُ الْكَبِيرَ حَقَّهُ مِنَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّوْقِيرِ؛ لِمَا خُصَّ بِهِ مِنَ السَّبْقِ فِي الْوُجُودِ وَتَجْرِبَةِ الْأُمُورِ.
وَإِجْلَالُ الْكَبِيرِ هُوَ حَقُّ سِنِّهِ؛ لِكَوْنِهِ تَقَلَّبَ فِي الْعُبُودِيَّةِ لِلهِ فِي أَمَدٍ طَوِيلٍ، وَرَحْمَةُ الصَّغِيرِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى رفَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ ﷺ: «فَلَيْسَ مِنَّا»؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا، أَوْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنَّا.
*مِنْ مَظَاهِرِ احْتِرَامِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ.
مِنْ إِجْلَالِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذَا أَمْكَنَ التَّوْسِيعُ لَهُ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ مِنَ الشُّيُوخِ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ، أَوْ ذَا عِلْمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَبِيرَ قَوْمٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ -وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ كَمَا فِي «السِّلْسلَةِ الصَّحِيحَةِ»-: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمٌ فَأَكْرِمُوهُ».
وَمِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ -الْمُسِنِّينَ- فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: إِكْرَامُهُمْ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «إِنَّ مِنَ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ». وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ -أَيْضًا- أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا.
«إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ»؛ أَيْ: مِنْ تَبْجِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
«إِكْرَامَ ذَيِ الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»: تَعْظِيمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَامِ بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ، وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى؛ لِحُرْمَةِ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ.
فَالَّذِي يَتَدَبَّرُ مُتَأَمِّلًا يَرَى أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَيَعْلَمُ سُمُوَّ مَنْزِلَتِهَا؛ فَإِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -تَعَالَى- ومِنْ تَعْظِيمِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ حَقَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ.
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: تَأْكِيدٌ نَبَوِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى تَوْقِيرِ الْكِبَارِ، وَإِجْلَالِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ بِحُقُوقِهِمْ، وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
وَفِيهَا: بَيَانُ فَضِيلَةِ وَأَسَاسِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، مَعَ بَيَانِ الْخَيْرِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُجْتَمَعُ الْفَاضِلُ؛ لِأَنَّ خَلَلًا عَظِيمًا جِدًّا يَحْدُثُ فِي مُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا لَا يُعْرَفُ لِلْكَبِيرِ حَقُّهُ، وَالنَّبِيُّ ﷺ شَدَّدَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
*وَمِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: أَنْ نُقَدِّمَهُمْ عِنْدَ الْكَلَامِ؛ فَالْبَدْءُ بِالْكَلَامِ لِلْأَكْبَرِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ، إِلَّا إِذَا كَانَ الصَّغِيرُ أَعْلَمَ وَأَقْدَرَ مِنَ الْكَبِيرِ عَلَى الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ.
((مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ و-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- -وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافِ وَالْغِنَى فِي الْعِلْمِ- مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ: أَنَّهُمْ يُرَاعُونَ الْمَصَالِحَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ؛ يُقَدِّمُونَ مَصْلَحَةَ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْفَرْدِيَّةِ لَا يَعْتَبِرُونَهَا وَلَا يُبَالُونَ بِهَا، وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ.
وَمِثَالُ مُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ الْعُلْيَا: اسْتِغْلَالُ الزِّيَادَةِ السُّكَّانِيَّةِ؛ فَالزِّيَادَةُ السُّكَّانِيَّةُ ثَرْوَةٌ بَشَرِيَّةٌ وَنِعْمَةٌ بِاسْتِثْمَارِهَا، وَالشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْكَامِلَةُ جَاءَتْ بِالْحَثِّ عَلَى تَعَاطِي أَسْبَابِ الْوِلَادَةِ, وَكَثْرَةِ النَّسْلِ لِلْأُمَّةِ، قَالَ ﷺ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»؛ وَلِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُمَّةِ عِزٌّ لَهَا، وَإِيَّاكَ وَقَوْلَ الْمَادِّيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ كَثْرَةَ الْأُمَّةِ يُوجِبُ الْفَقْرَ وَالْبَطَالَةَ!
فَكَثْرَةُ الْأُمَّةِ عِزٌّ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ أَرْضُهُمْ قَابِلَةً لِلْحِرَاثَةِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهَا مَوَادُّ خَامٌ لِلصِّنَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ -وَاللهِ- كَثْرَةُ الْأُمَّةِ سَبَبًا لِلْفَقْرِ وَالْبَطَالَةِ أَبَدًا.
قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أُحِبُّ أَنْ تَبْقَى زَوْجَتِي شَابَةً، فَلَا أُحِبُّ أَنْ تَلِدَ.
فَنَقُولُ: هَذَا غَرَضٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنَّ الْوِلَادَةَ أَوْ كَثْرَةَ الْأَوْلَادِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أُنَظِّمَ النَّسْلَ، بِمَعْنَى أَنْ أَجْعَلَ امْرَأَتِي تَلِدُ كُلَّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً، فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟
قَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْجَوَابُ: هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ (ض3) يَعْزِلُونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهَذَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْعَزْلُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْحَمْلِ غَالِبًا.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُرْزَقْ وَلَدًا، فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دُعَاءِ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْوَلَدَ الصَّالِحَ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ، فَقَدْ أَصْلَحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمَرْأَةَ الْعَقِيمَ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَرَزَقَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي يُظَنُّ أَلَّا يُنْجِبَ.
وَإِذَا أَخَذَ الْإِنْسَانُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَابْتَهَلَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِدُعَاءِ زَكَرِيَّا (سلم)، وَأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح: 10-12]، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَعَسَى أَنْ يَمُنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالْوَلَدِ الصَّالِحِ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ.
((تَطْبِيقُ آدَابِ الْإِسْلَامِ وَأَثَرُهُ فِي رُقِيِّ الْمُجْتَمَعِ))
إِنَّ حَيَاةَ الْمُسْلِمِ كُلَّهَا خَاضِعَةٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ أَمْرًا وَنَهْيًا, وَدِينُ الْإِسْلَامُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِ الْحَيَاةِ.
هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْآدَابِ, وَدِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمُسْلِمِ؛ فَمَاذَا أَفَادَ الْمُسْلِمُ مِنْهُ؟!!
إِنَّمَا أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْقُرْآنَ لِيُعْمَلَ بِهِ, وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ إِنَّمَا نَطَقَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ لِتُلْتَزَمَ, حَتَّى إِنَّ الشَّافِعِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا رَوَى حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ عُرْضِ الْمَجْلِسِ: أَتَقُولُ بِهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: أَتَأْخُذُ بِهِ-؟!!
غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: ((وَيْحَكَ! أَرَأَيْتَنِي خَارِجًا مِنْ كَنِيسَةٍ؟ أَرَأَيْتَ فِي عُنُقِي صَلِيبًا؟ أَرَأَيْتَ عَلَى وَسَطِي زُنَّارًا؟ أَأَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.. وَلَا أَعْمَلُ بِهِ؟!!)).
وَالْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا عَلِمَ حَدِيثًا ثَابِتًا عَنِ الرَّسُولِ أَلَّا يَعْمَلَ بِهِ, فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ الرَّسُولِ, وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ.
وَالْمُسْلِمُ يُعْرَفُ بِسَمْتِهِ, يُعْرَفُ بِكَلَامِهِ, يُعْرَفُ بِحَرَكَاتِهِ, يُعْرَفُ بِنَظَرَاتِهِ, يُعْرَفُ بِطَرِيقَتِهِ وَأُسْلُوبِهِ فِي الْحَيَاةِ, مِنْ أَجْلِ أَنْ تَتَحَوَّلَ التَّعَالِيمُ عِنْدَهُ إِلَى وَاقِعٍ يَعِيشُهُ.
أَمَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيُخَالِفَ؛ فَهَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ, هَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ الْخَالِصِينَ الْمُخْلِصِينَ, وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ, هُمْ يَعْلَمُونَ الْكَلَامَ وَيُخَالِفُونَهُ.
وَمَا الَّذِي يَمْنَعُ الْمُسْلِمَ إِذَا عَلِمَ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَأْمُرُهُ بِهِ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْهُ أَنْ يَمْتَثِلَ الْأَمْرَ وَأَنْ يَجْتَنِبَ النَّهْيَ؟!!
مَا الَّذِي يَمْنَعُهُ؟!!
إِنَّكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُفِيدَ إِفَادَةً حَقِيقِيَّةً مِنْ كَلَامِ اللهِ؛ لَا بُدَّ أَنْ تُنَزِّلَ نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ, فَكَأَنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مُخَاطِبًا إِيَّاكَ, يَقُولُ: يَا فُلَانُ! افْعَلْ كَذَا وَلَا تَفْعَلْ.
لَوْ أَنَّكَ كُنْتَ كَذَلِكَ، أَيَسَعُكَ أَنْ تُخَالِفَ أَمْرَ رَبِّكَ, أَوْ أَنْ تَرْتَكِبَ نَهْيَهُ؟!!
وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ مَعَ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ، إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُفِيدَ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ ﷺ إِفَادَةً صَحِيحَةً؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تُمَثِّلَ نَفْسَكَ بَيْنَ يَدَيِ نَبِيِّكَ ﷺ, يَقُولُ لَكَ: يَا فُلَانُ يَا ابْنَ فُلَانٍ! افْعَلْ كَذَا وَلَا تَفْعَلْ كَذَا! أَكَانَ يَسَعُكَ أَلَّا تَمْتَثِلَ أَمْرَهُ؟!!
أَكَانَ يَسَعُكَ أَنْ تُخَالِفَهُ إِذَا نَهَاكَ فَتَقَعَ فِي النَّهْيِ الَّذِي نُهِيتَ عَنْهُ؟!! فَكَذَلِكَ إِذَا جَاءَ الْحَدِيثُ؛ عَلَيْكَ أَنْ تَأْخُذَهُ هَذَا الْمَأْخَذَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْفَعَكَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ.
وَلِتَطْبِيقِ هَذِهِ الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْعَظِيمَةِ ثَمَرَاتٌ وَأَثَرٌ فِي رُقِيِّ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ وَبِنَاءِ حَضَارَتِهِ؛ وَمِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ: النَّظَافَةُ وَالنِّظَامُ فِي رُبُوعِ الْوَطَنِ الْمُسْلِمِ؛ فَالْأَمْرُ بِالنَّظَافَةِ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ حَدِّ الْأَمْرِ بِالنَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ نَظَافَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ، بَلْ وَصَلَ الْأَمْرُ إِلَى التَّوْجِيهِ بِتَنْظِيفِ الْبِيئَةِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا الْإِنْسَانُ وَيَتَفَاعَلُ مَعَهَا.
قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبِيئَةُ طَرِيقَهُ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ، أَوْ مَدْرَسَتَهُ أَوْ جَامِعَتَهُ الَّتِي يَتَعَلَّمُ فِيهَا، أَوْ مَكَانًا عَامًّا يَقْضِي مِنْ خِلَالِهِ مَصَالِحَهُ أَوْ يَتَنَزَّهُ فِيهِ.
وَقَدْ عُنِيَ الْإِسْلَامُ عِنَايَةً خَاصَّةً بِتَنْظِيفِ الطُّرُقِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَإِزَالَةِ الْأَذَى عَنْهَا، وَجَعَلَهَا بَابًا وَاسِعًا مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ؛ فَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ صَدَقَةٌ.
وَأَمَّا النِّظَامُ؛ فَهَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ دِينُ الْتِزَامٍ وَنِظَامٍ، لَا مَدْخَلَ لِلْفَوْضَى فِيهِ بِحَالٍ، بَلْ إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْزَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ؛ لِتَضْبِطَ حَرَكَةَ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ مُنْذُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ إِلَى أَنْ يَنَامَ بِانْضِبَاطٍ كَامِلٍ لَا مُيُوعَةَ فِيهِ وَلَا فَوْضَى تَحْتَوِيهِ وَلَا تَعْتَرِيهِ.
وَمِنْ ثَمَرَاتِ تَطْبِيقِ الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ: الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَبِرَحْمَةِ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ، وَتَوْقِيرِ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ؛ يَحْصُلُ التَّآلُفُ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَالـتَّآخِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ اللَّهِ، لَا مِنْ أَجْلِ الْأَنْسَابِ وَالْأَحْسَابِ، وَلَا لِلْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ رَجَاءُ ثَوَابِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
الْمُجْتَمَعُ لَا يَكُونُ سَعِيدًا إِلَّا إِذَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِهِ التَّوَاصُلُ وَالتَّوَادُّ وَالتَّرَاحُمُ وَالْمَحَبَّةُ الشَّرْعِيَّةُ.
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ بَحَّاثَةً عَنِ الْخَيْرِ, وَأَنْ يَكُونَ دَءُوبًا فِي مَعْرِفَةِ مَا يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَيُسْعِدُهُ فِي الْآخِرَةِ.
عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأَنْ يُحِيطَ عِلْمًا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تَمَسُّهُ فِي جَسَدِهِ وَفِي نَفْسِهِ وَفِي بَيْتِهِ وَفِي مُجْتَمَعِهِ.
عَلَى الْإِنْسَانِ أَلَّا يَحْرِمَ نَفْسَهُ مِنَ الْخَيْرِ, وَأَنْ يَتَعَلَّمَ الْآدَابَ الَّتِي دَلَّهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ، كَآدَابِ الطَّرِيقِ, وَآدَابِ السَّلَامِ, وَآدَابِ الْمَجْلِسِ, إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْآدَابِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ نَبِيَّنَا لَنَا أُسْوَةً حَسَنَةً.
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ, وَأَنْ نَكُونَ عَلَى أَثَرِهِ, وَكَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ نَبِيِّنَا ﷺ.
لَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْتَزَمَ هَذِهِ الْآدَابَ لَآتَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَضْلًا عَظِيمًا، وَحَبَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ فَشُؤْمٌ لَا يَتَأَتَّى مِنْ وَرَائِهَا إِلَّا كُلُّ شَرٍّ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا التَّوْحِيدَ وَالِاتِّبَاعَ، إِنَّهُ -تَعَالَى- هُوَ الْبَرُّ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى أَنْ يُؤَدِّبَنَا بِآدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ, وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُتَّبِعِينَ لِنَبِيِّنَا ﷺ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَنْ يَقْبِضَنَا عَلَى ذَلِكَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر: الْآدَابُ وَالْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِلْمُجْتَمَعِ وَأَثَرُهَا فِي رُقِيِّهِ وَبِنَاءِ حَضَارَتِهِ