((خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1443هـ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((هَلْ غَيَّرَ فِيكَ رَمَضَانُ شَيْئًا؟!!))
فَإِنَّ رَمَضَانَ قَدْ مَضَى وَانْقَضَى، مَضَتْ أَيَّامُهُ وَانْقَضَتْ لَيَالِيهِ؛ فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ مَضَى مَنْصُورًا مُظَفَّرًا أَمْ مَضَى مُنْهَزِمًا مَكْسُورًا؟!!
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ شَرَعَ الصِّيَامَ؛ لِيُخْرِجَ الْإِنْسَانَ مِنْ مَأْلُوفِ عَادَاتِهِ، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلصِّيَامِ أَثَرًا فِي النَّفْسِ يُؤَثِّرُ فِيهَا، وَيُعْلِي مِنْ قِيَمِهَا، وَيُزَكِّيهَا، فَإِذَا كَانَ الصِّيَامُ قَدْ جَاءَ لِيُخْرِجَ الْإِنْسَانَ مِنْ قَبِيحِ الْعَادَاتِ؛ فَهَلِ انْقَضَى رَمَضَانُ وَمَضَى وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِنْسَانَ مِنْ قَبِيحِ عَادَاتِهِ؟!! أَمْ إِنَّهُ قَدْ عَادَتْ تِلْكَ الْعَادَاتُ دِينًا مَشْرُوعًا وَمِلَّةً مُتَّبَعَةً؟!!
((دِينُ اللهِ حَاكِمٌ عَلَى الْخَلْقِ))
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْدَ نَبِيِّنَا ﷺ مِنْ نَبِيٍّ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدِّينَ حَاكِمًا لَا مَحْكُومًا، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدِّينَ نَافِذًا وَمُؤَثِّرًا، لَا مُؤَثَّرًا عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ؛ أُشَوِّهُ صُورَةَ الْإِسْلَامِ!
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَأْذِنُ الدِّينَ لِأَهْدِمَ الدِّينَ!
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ نَاطِقٌ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ!
وَإِنَّمَا جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ دِينَهُ حَاكِمًا عَلَى الْخَلْقِ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي أَرْضِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ نَفْسِهِ نَاطِقًا رَسْمِيًّا بِاسْمِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ!
((صَائِمُونَ فِي النَّارِ!!))
إِنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- جَعَلَ الصِّيَامَ مَدْرَسَةً، وَهَذِهِ الْمَدْرَسَةُ يَبْدُو مِنْهَا الْيَوْمَ -فِي جُمْلَةِ مَا يَبْدُو فِي حَيَاةِ النَّاسِ- الصَّائِمُونَ الْمُفْلِسُونَ، وَيَبْدُو مِنْهَا الْيَوْمَ صَائِمُو الْفِتْنَةِ، وَيَبْدُو مِنْهَا الْيَوْمَ صَائِمٌ فِي النَّارِ!!
جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ دِينَهُ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ بِالْهِدَايَةِ، وَأَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَبِيَّهُ ﷺ مُبَلِّغًا وَهَادِيًا وَمُرْشِدًا وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا ﷺ.
صَائِمُو الْفِتْنَةِ.. أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ أَقْوَامًا يَخْرُجُونَ، وَأَنَّهُمْ يُدْمِنُونَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ -حَتَّى الْأَصْحَابَ- يَحْقِرُ أَحَدُهُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فِي النَّارِ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَعِّرُونَ الْفِتَنَ، وَيُشْعِلُونَ نِيرَانَهَا فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَبْنَاءِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَوْمًا جَالِسًا يَقْسِمُ قِسْمَةً، وَجَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، فَقَالَ: ((يَا مُحَمَّدُ! اعْدِلْ)).
فَقَالَ: ((وَيْحَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟!!)).
فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((ائْذِنْ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللهِ)).
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ))؛ يَعْنِي: لَا يُحَصِّلُونَ مِنَ الْعِبَادَةِ شَيْئًا، وَلَا تُؤَثِّرُ عَلَيْهِمُ الْعِبَادَةُ بِشَيْءٍ.
صَائِمُو الْفِتْنَةِ؛ مَعَ مَبْلَغِ الصِّيَامِ الْعَظِيمِ فِي حَيَاتِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْإِدْمَانُ وَمِنْ حَيْثُ الْأَخْذُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْحَالَاتِ، وَالصَّلَاةُ الَّتِي تَجْعَلُ مِثْلَ رُكَبِ الْبُعْرَانِ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّنَا نُحَصِّلُ الضَّلَالَةَ مَوْفُورَةً؛ بَلْ نُحَصِّلُ الْعَذَابَ مَوْفُورًا إِذَا قَادَ الْمَسِيرَةَ رَجُلٌ أَبْيَضُ الثَّوْبِ أَسْوَدُ الْقَلْبِ، إِذَا قَادَ الْمَسِيرَةَ رَجُلٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَمِثْلِ رُكْبَةِ الْبَعِيرِ، وَانْطَوَى قَلْبُهُ عَلَى مِثْلِ جُحُودِ وَغَضَبِ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيهِ خَيْرٌ أَبَدًا، وَإِنَّمَا دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقَةٌ مُتَأَلِّقَةٌ، دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَخْلَاقٌ فَاضِلَةٌ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يُخْبِرُ عَنِ الصَّائِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي النَّارِ، فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟)).
قَالُوا: ((الْمُفْلِسُ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ)).
فَقَالَ: ((الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وَقَدْ ضَرَبَ هَذَا، وَشَتَمَ هَذَا، وَسَبَّ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).
لَوْ تَأَمَّلْتَ الْأَفْعَالَ الَّتِي جَاءَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: قَذَفَ، وَشَتَمَ، وَضَرَبَ، وَسَبَّ، وَسَفَكَ؛ تَخَيَّلْتَ -حِينَئِذٍ- لَا إِنْسَانًا آدَمِيًّا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، مِنْ عَضَلٍ وَعَصَبٍ، وَإِنَّمَا تَتَخَيَّلُ أَمَامَكَ -أَمَامَ عَيْنَيْكَ- صُورَةَ ثَوْرٍ هَائِجٍ قَدْ أَخَذَ يَخْبِطُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الْإِنْسَانِيَّةِ شَيْءٌ، وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ مَعَ الْقَذْفِ، وَالسَّبِّ، وَالضَّرْبِ، وَالطَّعْنِ، وَالسَّفْكِ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّسُولُ ﷺ مَتَى كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَصُومُ، وَمَتَى كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يُصَلِّي؟!!
الصَّائِمُونَ الْمُفْلِسُونَ..
((الشِّعَارَاتُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي))
الدِّينُ حَقِيقَةٌ..
وَالدِّينُ خُلُقٌ..
وَالدِّينُ إِصْلَاحٌ لِوَجْهِ الْحَيَاةِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ، لَا عَلَى مَا يَفْتَعِلُهُ الْعَبْدُ مِنْ فِكْرِهِ، وَلَا مَا يَأْتِي بِهِ النَّاسُ مِنْ مَنَاهِجِهِمْ، وَإِنَّمَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ.
إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَبَدًا أَنْ يَصِحَّ لَنَا دِينٌ إِذَا مَا الْتَفَتْنَا إِلَى صِحَّةِ الشِّعَارِ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّ الشِّعَارَ الصَّحِيحَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الشِّعَارِ الصَّحِيحِ حَقِيقَةٌ صَحِيحَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مَنْ رَفَعَ الشِّعَارَ الصَّحِيحَ فِي الْمَكَانِ الصَّحِيحِ، وَفِي الزَّمَانِ الصَّحِيحِ.
الشِّعَارَاتُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي، لَا يَكْفِي أَنْ تَكُونَ قَائِمًا تَحْتَ رَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رَافِعًا لِشِعَارٍ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ رَفَعُوا شِعَارًا صَحِيحًا، لَا حَقِيقَةَ صَحِيحَةٌ تَحْتَهُ، فِي الزَّمَانِ غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَالْمَكَانِ غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَأَتَوْا بِكَلِمَةِ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، وَأُرِيقَتِ الدِّمَاءُ أَنْهَارًا، وَسُفِكَتِ الْأَعْرَاضُ, وَاسْتُحِلَّتِ الدِّمَاءُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا حَكَمَ إِلَّا اللهُ، وَهِيَ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ؛ فَأَيْنَ الْحَقِيقَةُ الصَّحِيحَةُ تَحْتَ الشِّعَارِ الصَّحِيحِ؟!!
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُغْنِ وُجُودُهُ فِي الْأُمَّةِ وَمَعَهُ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.. لَمْ يُغْنِ وُجُودُهُ، مَعَ أَنَّ الشِّعَارَ الْمَرْفُوعَ كَانَ صَحِيحًا.. صَحِيحًا صِحَّةً مُطْلَقًةً، وَمَعَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الَّتِي كَانَتْ هُنَالِكَ كَانَتْ صَحِيحَةً صِحَّةً مُطْلَقَةً، لَمْ يُغْنِ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَمَا لَمْ يُوجَدِ الْمَكَانُ الصَّحِيحُ فِي رَفْعِ الشِّعَارِ الصَّحِيحِ بِالْحَقِيقَةِ الصَّحِيحَةِ؛ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ فِي (أُحُدٍ) كَانَ مَكَانُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ -مِنْ جَبَلِ الرُّمَاةِ-، لَا يَنْزِلُونَ، وَلَا يُفَارِقُونَ، وَلَا يُغَادِرُونَ وَلَوْ قَتَلَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا جَاءَ النَّصْرُ أَوَّلًا، وَغَادَرَ الرُّمَاةَ مَوَاقِعَهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ، الشِّعَارُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَايَتُهُ رَايَتُهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ -حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ- كَانَتْ هُنَالِكَ قَائِمَةً فِي نَفْسِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي نَفْسِ الْأَصْحَابِ، الشِّعَارُ وَحْدَهُ لَا يُغْنِي، الشِّعَارُ وَحْدَهُ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا صِحَّةً مُطْلَقَةً حَتَّى يُرْفَعَ فِي الْمَكَانِ الصَّحِيحِ، وَفِي الزَّمَانِ الصَّحِيحِ؛ وَإِلَّا فَهِيَ الْفَوْضَى، وَإِلَّا فَهُوَ الدَّمَارُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْخَرَابُ.
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَأْذِنُ الْإِسْلَامَ لِأَهْدِمَ الْإِسْلَامَ!
لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَسْمِحُ الْإِسْلَامَ لِأُشَوِّهَ صُورَةَ الْإِسْلَامِ!
لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مِحْرَاكَ فِتْنَةٍ، وَلَا بَاعِثًا عَلَى فِتْنَةٍ، وَإِنَّمَا الرَّايَةُ الصَّحِيحَةُ مُسَلَّمَةٌ؛ وَلَكِنْ فِي الْمَكَانِ الصَّحِيحِ وَالزَّمَانِ الصَّحِيحِ؛ وَإِلَّا فَهِيَ الْفِتْنَةُ بِاسْمِ الدِّينِ، وَالدِّينُ لَا يَحْمِلُ الْفِتْنَةَ، بَلْ إِنَّ الدِّينَ يَئِدُ الْفِتْنَةَ، وَيَقْتُلُ الْفِتْنَةَ.
الدِّينُ لَيْسَ مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَاكِمٌ عَلَى جَمِيعِ مَظَاهِرِ الْحَيَاةِ، فَحَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلُوا الْإِسْلَامَ فِي حَارَةٍ مَسْدُودَةٍ، وَأَنْ يَدْخُلُوا بِالْإِسْلَامِ فِي مَعَارِكِ الدُّنْيَا، لَا كَذَلِكَ يَكُونُ أَمْرُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَلَّ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- بِالْمِثَالِ الْعَمَلِيِّ التَّطْبِيقِيِّ فِي حَيَاتِهِ؛ بِالْكَسْرَةِ.. بِالْهَزِيمَةِ مِنْ بَعْدِ النُّصْرَةِ.. مِنْ بَعْدِ الْعِزَّةِ فِي (أُحُدٍ)، عِنْدَمَا غَادَرَ الرُّمَاةُ الْجَبَلَ، وَرُفِعَتِ الرَّايَةُ الصَّحِيحَةُ مَعَ الْحَقِيقَةِ الصَّحِيحَةِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الصَّحِيحِ؛ فَمَاذَا كَانَ؟!!
رَكِبَ الْمُشْرِكُونَ أَكْتَافَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ فِتْنَةً، وَكَانَتْ مِحْنَةً، وَكَانَتْ كَسْرَةً، وَكَانَتْ هَزِيمَةً، لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يُرْفَعَ الشِّعَارُ الصَّحِيحُ، ثُمَّ يَلُوذُ بِهِ النَّاسُ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الصَّحِيحِ وَالزَّمَانِ الصَّحِيحِ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ شِعَارُهُ شِعَارُهُ، وَرَايَتُهُ رَايَتُهُ، وَدَعْوَتُهُ دَعْوَتُهُ، حَقِيقَةٌ مُسَلَّمَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمَّا خَالَفَ الْأَصْحَابُ الزَّمَانَ الصَّحِيحَ؛ مَاذَا كَانَ؟!!
فِي الْحُدَيْبِيَةِ يَأْمُرُهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِأَنْ يَتَحَلَّلُوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ، فَتَلَكَّأُوا، فَكَادَ الْعَذَابُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ.
هُنَا حَقِيقَةٌ صَحِيحَةٌ تَحْتَ رَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَشِعَارٌ صَحِيحٌ تَحْتَهُ زَمَانٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ صَحِيحًا، لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ جَمِيعِهَا مَعَ هَذَا الَّذِي يُرْفَعُ مِنَ الشِّعَارِ الصَّحِيحِ؛ وَإِلَّا فَهِيَ الْفِتْنَةُ، وَإِلَّا فَهِيَ الْفَوْضَى، وَإِلَّا فَهُوَ الدَّمَارُ وَالْخَرَابُ.
وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَعَزَّكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالْإِسْلَامِ.. بِالْإِسْلَامِ الصَّحِيحِ عَلَى فَهْمِ النَّبِيِّ ﷺ- اعْلَمُوا! اعْلَمُوا جَيِّدًا أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يُؤْتِي النَّصْرَ إِلَّا مَنْ كَانَ سَائِرًا عَلَى قَدَمِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ الْحَقِيقَةَ أَعْلَى قَدْرًا مِنَ الْمَظْهَرِ، وَجَعَلَ لِلْجَوْهَرِ عُلُوَّ شَأْنٍ لَا يَبْلُغُهُ ظَاهِرٌ أَبَدًا.
وَهَذَا نَبِيُّكُمْ ﷺ يَقُولُ: ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا النَّصَبُ وَالسَّهَرُ)).
إِذَنِ؛ الْحَقِيقَةُ الَّتِي تَغِيبُ تَحْتَ رَفْعِ شِعَارٍ صَحِيحٍ، هَذَا الصِّيَامُ شِعَارٌ صَحِيحٌ عِنْدَمَا يُرْفَعُ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَةٍ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمُنْضَبِطِ، فِي غَيْرِ الزَّمَانِ الصَّحِيحِ، لَا يَكُونُ إِلَّا الدَّمَارُ.
وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَهُ رَايَةٌ صَحِيحَةٌ، وَمَعَهُ -أَيْضًا- حَقِيقَةٌ صَحِيحَةٌ وَمَكَانٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي جَوْفِ الْمَعْرَكَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ وَلَكِنْ كَمْ كَانُوا؟!!
كَانُوا ثَلَاثَ مِائَةٍ مِنَ الرِّجَالِ فِي وَسَطِ مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ الْأَشِدَّاءِ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ؛ وَحِينَئِذٍ وَجَدَ الزَّمَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ، فَتَخَلَّى عَنِ الْمَكَانِ وَعَادَ؛ فَظَفِرَ -حِينَئٍذٍ- لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ: ((إِنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ الْإِسْلَامِ))، وَإِنَّهُمْ الْكُرَّارُ لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ.
((الْإِسْلَامُ لَيْسَ فِي مِحْنَةٍ))
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ هِدَايَةً وَرَحْمَةً، وَهَذَا الْكَوْنُ كُلُّهُ مِلْكٌ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْإِسْلَامُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ، وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ فِي مِحْنَةٍ، وَلَنْ يَكُونَ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ فِي مِحْنَةٍ، الَّذِينَ هُمْ فِي الْمِحْنَةِ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُعَانُونَ مِنْ سُعَارِ الْفِتَنِ هُمُ الْمُسْلِمُونَ.
وَدِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَجْمَعُ وَلَا يُفَرِّقُ، دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ دَعْوَةٌ لِلِائْتِلَافِ، وَلَيْسَ بِدَعْوَةٍ لِلِاخْتِلَافِ.
((إِعْمَالُ الْعَقْلِ قَبْلَ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي))
إِنَّ هَذَا الْكَوْنَ كُلَّهُ مِلْكٌ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّنَا لَا نُعْمِلُ الْمَنْطِقَ فِيهِ إِعْمَالًا صَحِيحًا، وَهَذَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- جَاءَهُ رَجُلٌ يَوْمًا، فَقَالَ: ((عِظْنِي)).
فَقَالَ: ((يَا هَذَا! كَثُرَتْ عَلَيْكَ الذُّنُوبُ؟)).
قَالَ: ((نَعَمْ)).
فَقَالَ: ((إِذَنْ؛ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْصِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَلَا تَأْكُلْ رِزْقَهُ)).
قَالَ: ((وَيْحَكَ يَا إِبْرَاهِيمُ! وَهَلْ فِي هَذَا الْكَوْنِ كُلِّهِ بِعُلْوِهِ وَسُفْلِهِ بِأَرْضِهِ وَسَمَائِهِ مِنْ رِزْقٍ سِوَى رِزْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!!)).
قَالَ: ((وَهَلْ يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ؟!!)).
قَالَ: ((هَاتِ الثَّانِيَةَ)).
قَالَ: ((إِذَا مَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْصِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ تَأْكُلُ رِزْقَهُ فَلَا تَسْكُنْ دَارَهُ)).
فَقَالَ: ((يَا إِبْرَاهِيمُ! وَهَلْ هُنَالِكَ مِنْ دَارٍ سِوَى أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ يُمْكِنُ أَنْ أَلُوذَ بِهَا؟!!)).
قَالَ: ((وَهَلْ يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ، وَتَسْكُنَ دَارَهُ، ثُمَّ تَعْصِيَ أَمْرَهُ؟!!)).
قَالَ: ((هَاتِ الثَّالِثَةَ)).
قَالَ: ((إِذَا أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ، وَأَنْ تَسْكُنَ دَارَهُ، وَأَنْ تَعْصِيَ أَمْرَهُ فَلَا تُخَلِّهِ يَرَاكَ عِنْدَ مَعْصِيَتِكَ إِيَّاهُ)).
قَالَ: ((وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَطَّلِعُ عَلَى السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى؟!!)).
قَالَ: ((وَيَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ، وَتَسْكُنَ دَارَهُ وَهُوَ يَرَاكَ، ثُمَّ تَقُومُ بِمَعْصِيَتِهِ؟!!)).
قَالَ: ((فَهَاتِ الَّتِي تَلِي)).
قَالَ: ((إِذَا جَاءَكَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَدَافِعْهُ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ)).
قَالَ: ((إِنَّهُ لَا يُدْفَعُ، إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ)).
قَالَ: ((فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَتَاكَ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ؛ فَمَاذَا تَفْعَلُ؟!!)).
قَالَ: ((صَدَقْتَ، قَالَ: هَاتِ الَّتِي تَلِي)).
قَالَ: ((إِذَا مَا كُنْتَ فِي قَبْرِكَ، وَجَاءَكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَدَافِعْهُمَا جَهْدَكَ، وَصَاوِلْهُمَا مَا اسْتَطَعْتَ بِقُوَّتِكَ)).
قَالَ: ((إِنَّهُمَا لَا يُدَافَعَانِ وَلَا يُصَاوَلَانِ)).
قَالَ: ((إِذَنْ؛ إِذَا وَقَفْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَوْقِفِ، وَعُرِضْتَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَعَلَيْكَ -حِينَئِذٍ- إِذَا مَا أَمَرَ بِكَ إِلَى النَّارِ أَنْ تَقُولَ: إِنِّي لَنْ أَذْهَبَ إِلَى النَّارِ)).
قَالَ: ((حَسْبِي حَسْبِي يَا إِبْرَاهِيمُ!)).
إِنَّنَا لَا نُعْمِلُ الْمَنْطِقَ إِعْمَالًا صَحِيحًا، نَأْكُلُ رِزْقَهُ، وَنَعْصِي أَمْرَهُ، نَسْكُنُ دَارَهُ، وَنَتَمَرَّدُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَرَانَا فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ.
((دِينُ الْإِسْلَامِ مَصْدَرُ الْأَمْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ))
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ شَرَعَ لَنَا هَذَا الدِّينَ الْعَظِيمَ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ؛ فَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي هُوَ دِينُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ارْتَضَاهُ لِخَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ.
الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ هُوَ دِينُ الْمُرْسَلِينَ أَجْمَعِينَ، أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَكُلُّهُ مَحَاسِنُ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ رَضِيَهُ لِخَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ؛ فَعَقِيدَتُهُ تَجْعَلُكَ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ لِرَبِّكِ -جَلَّ وَعَلَا-، مُسْتَقِرَّ الضَّمِيرِ، مُوَحِّدًا سَيِّدَكَ الَّذِي خَلَقَكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ يَرْزُقُكَ وَيَكْلَأُكَ وَيَرْعَاكَ، تُوَحِّدُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، تَعْبُدُهُ وَتُؤَدِّي الْعِبَادَةَ لِوَجْهِهِ طَالِبًا رِضَاهُ وَحْدَهُ.
((يَوْمُ الْعِيدِ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))
هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ مَحَاسِنِهِ: هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي أَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَكُمْ فِيهِ أَنْ يَتَوَلَّاكُمْ بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يُسْبِغَ عَلَيْكُمْ فِيهِ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَأَنْ يَجْعَلَكُمْ فِيهِ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ مِمَّنْ إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نِعْمَةٍ مِنَ اللهِ سَابِغَةٍ، وَرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ وَاصِلَةٍ؛ فَحَقُّهَا الشُّكْرُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِلَاءٍ مِنَ اللهِ، وَتَمْحِيصٍ وَاخْتِبَارٍ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَبَلَاءٍ؛ فَحَقُّ ذَلِكَ الصَّبْرُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَرِّطًا فِيمَا يَتَوَرَّطُ فِيهِ كُلُّ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَيُذْنِبُ وَيَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ؛ فَحَقُّ ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، هُوَ وَحْدَهُ صَاحِبُ الْمَتَابَةِ.
مِنْ حَسَنَاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: هَذَا الْيَوْمُ، تَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَافْتَتَحَ بِهِ أَشْهُرَ الْحَجِّ؛ فَإِنَّ شَوَّالَ وَذَا الْقَعْدَةِ وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ هِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ.
فَتَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِيَوْمِ الْفِطْرِ شَهْرَ رَمَضَانَ بِفَرِيضَةٍ مَضَتْ لَا يَعْلَمُ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا صَنَعَ الْعَبْدُ فِيهَا؛ أَمَقْبُولٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ عَمَلُهُ؟
تَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَذَا الْيَوْمِ شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرَ الْفَرِيضَةِ بِالصِّيَامِ، وَافْتَتَحَ بِهِ أَشْهُرَ الْحَجِّ بِفَرِيضَةٍ تَأْتِي فَرَضَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
هَذَا الْيَوْمُ مِنْ حَسَنَاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَالْمَرْءُ فِيهِ فِي مِحْنَةٍ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَهُ بِعَقِبِ الشَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الصِّيَامَ فِيهِ، وَسَنَّ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ الْقِيَامَ فِيهِ، فَكَانَ فِيهِ عَلَى مُسْتَوًى لَا تُدَانِيهِ أَيَّامُهُ وَلَيَالِيهِ عَلَى كَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي طُوَالَ الْعَامِ، وَلَا يَدْرِي -بَعْدُ- أَيَنْزِلُ عَنْ ذَلِكَ الْمُسْتَوَى الَّذِي كَانَ فِيهِ، أَمْ يَظَلُّ مُحَافِظًا عَلَيْهِ، أَمْ يَمُنُّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ فَيَرْفَعُهُ وَيُعْلِيهِ بِالطَّاعَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
النَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ ((أَنَّ مَنْ صَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
((وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِيهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
وَلَا تَجِدُ الْغُفْرَانَ حَاصِلًا وَلَا تَجِدُ الْمَتَابَ وَاصِلًا إِلَّا مَعَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ؛ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ الْإِيمَانِ وَمِنْ عَظِيمِ شَرَفِهِ؛ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَلَائِكَةِ قَدْرًا وَأَسْمَاهُمْ مَكَانَةً وَأَعْلَاهُمْ رُتْبَةً وَهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْعَرْشِ مُسَبِّحِينَ، لَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ زَجَلٌ؛ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا.. يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمَسَاكِينِ الَّذِي لَا يَنْكَفُّونَ أَبَدًا؛ لِمَحَلِّ عَدَمِ الْعِصْمَةِ فِيهِمْ عَنْ ذَنْبٍ يُوَاقِعُونَهُ وَعَنْ خَطِيَّةٍ يُلِمُّونَ بِهَا، ((وَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءُ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)).
فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ إِيمَانًا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وُجُودًا، وَرُبُوبِيَّةً، وَأُلُوهِيَّةً، وَأَسْمَاءً وَصِفَاتٍ، إِيمَانًا بِمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
وَالْقَدَرُ يَذْكُرُونَهُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ وَعِنْدَ حُلُولِهَا، وَلَا يَذْكُرُونَهُ عِنْدَ الْإِلْمَامِ بِالذَّنْبِ وَالْوَقُوعِ فِي الْخَطِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ عَلَى الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ؛ لَا يَجُوزُ، إِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، وَإِذَا مَا أَلَمَّ بِذَنْبٍ تَابَ، وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ قَدَرٌ عَلَيَّ مَكْتُوبٌ وَيَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ سَبِيلِ الْمُرْسَلِينَ وَلَيْسَ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حِيَلِ الْمُحْتَالِينَ، وَمِنْ عَجْزِ الْعَاجِزِينَ، وَمِنْ فِعْلِ الْمُتَهَجِّمِينَ عَلَى شَرِيعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُغَادِرِينَ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.
يُذْكَرُ الْقَدَرَ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ، فَيَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ، وَيَهْدَأُ الْبَالُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَضَاهُ، فَيُحُلُّ الِاطْمِئْنَانُ بِالْقَلْبِ وَتَسْكُنُ الرُّوحُ إِلَى مَا قَدَّرَهُ اللهُ وَقَضَاهُ، وَأَمَّا إِذَا مَا وَقَعَ فِي الذَّنْبِ أَوْ أَلَّمَ بِالْخَطِيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ، وَأَنْ يُسَارِعَ بِالْمَتَابِ، فَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ.
التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ بِلَا تَسْوِيفٍ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتُوبَ الْعَبْدُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَلَمَّ بِهِ وَمِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَقَعَ فِيهَا، وَيَا للهِ! مَا أَعْظَمَ الذُّنُوبِ!
وَلَكِنْ هُوَ سَتْرُهُ وَهُوَ حِلْمُهُ، فَاللهم اسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ الْجَمِيلِ وَاجْعَلْ تَحْتَ السِّتْرِ مَا يُرْضِيكَ، فَيَا طَالَمَا سَتَرْتَ عَلَى مَا لَا يُرْضِيكَ.
إِنَّ الْعَبْدَ بِصِيَامِهِ رَمَضَانَ قَدْ أَدَّى عِبَادَةً مِنْ أَسْمَى الْعِبَادَاتِ، حَيْثُ تَغَلَّبَ عَلَى شَهَوَاتِهِ، وَقَاوَمَ رَغَبَاتِهِ، وَجَاهَدَ فِي تَحْقِيقِ التَّقْوَى الَّتِي هِيَ غَايَةُ الصِّيَامِ وَسَبَبٌ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ؛ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وَيَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] .
يَعْقُبُ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: ((الْعِيدُ، وَهُوَ مَوْسِمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ وَاجْتِمَاعٍ يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَوْرَةِ الزَّمَنِ، وَكُلُّ يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى مَسَرَّةٍ وَصَفَاءٍ هُوَ يَوْمُ عِيدٍ.
الْعِيدُ فِي الْإِسْلَامِ دَلَّتْ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ نُصُوصِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ -كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي ((الْفَتْحِ)) - عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ((قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللهُ -تَعَالَى- بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى))؛ أَيْ: وَيَوْمَ الْأَضْحَى.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ.
وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ؟! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «دَعْهُمَا».
فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا)).
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ -أَيْ: لَيْسَتَا بِمُمْتَهِنَتَيْنِ لِلْغِنَاءِ-.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا».
((يَوْمُ بُعَاثٍ)): هُوَ يَوْمُ حَرْبٍ قَامَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقُتِلَ فِيهِ صَنَادِيدُ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَ(بُعَاثٌ): اسْمُ حِصْنٍ لِلْأَوْسِ)).
عِبَادَ اللهِ! كَمَا كَانَ رَمَضَانُ شَهْرَ عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ بِالْعِيدِ عِبَادَةٌ وَطَاعَةٌ، فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِيَوْمِ الْعِيدِ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالْفَرَحِ بِالدِّينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ وَيَا كُلَّ دَاعٍ إِلَى اللهِ مِنْ أُمَّتِهِ.. قُلْ لِلنَّاسِ مُبَيِّنًا وَمُقْنِعًا: اسْتَمْسِكُوا بِإِفْضَالِ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِكُمْ، وَمَا آتَاكُمْ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَشِفَاءِ الصُّدُورِ، فَبِذَلِكَ الَّذِي جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَالْحِرْصِ عَلَى الِاسْتِمْسَاكِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ؛ فَلْيَفْرَحُوا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا أَعَدَّ اللهُ لَكُمْ فِيمَا لَوْ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِ، وَاتَّبَعْتُمْ وَصَايَاهُ؛ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا تَجْمَعُونَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ.
وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».
((عِيدُ الْفِطْرِ مَوْسِمُ فَرْحَةٍ عَقِبَ تَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ الصِّيَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، فَهُوَ عِيدُ الْفَرْحَةِ بِأَدَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَالظَّفَرِ بِجَائِزَةِ الْغُفْرَانِ -إِنْ شَاءَ اللهُ-، وَاسْتِحْقَاقِ الدُّخُولِ إِلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَهُوَ الْبَابُ الْمُخَصَّصُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ لِلصَّائِمِينَ.
وَعِيدُ الْأَضْحَى مَوْسِمُ فَرْحَةٍ عَقِبَ تَأْدِيَةِ جُمْهُورٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَهَمَّ وَأَكْبَرَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ جَاءَ فِي ((الصَّحِيحِ)) مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ ﷺ قَوْلُهُ: ((الْحَجُّ عَرَفَةُ)) ؛ أَيْ: هُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يُشَارِكُونَ فِي الْفَرَحِ بِهَذَا الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ.
الْأَعْيَادُ الْإِسْلَامِيَّةُ مَوَاسِمُ فَرَحٍ عَامٍّ تَكُونُ عَقِبَ تَأْدِيَةِ عِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ لِلهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
وَعِيدُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَتْوِيجٌ لِصَلَوَاتِ أُسْبُوعٍ كَامِلٍ.
إِنَّ ظَاهِرَةَ الْأَعْيَادِ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ مُثِيرَةٌ لِلْإِعْجَابِ؛ لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِأَنَّ أَعْظَمَ فَرْحَةٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هِيَ فَرْحَتُهُمْ بِانْتِصَارِ إِرَادَتِهِمُ الْخَيِّرَةِ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَبِخَلَاصِهِمْ مِنْ أَسْرِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَسُلْطَانِ تَسْوِيلَاتِهِمْ، وَبِفَرْحَتِهِمْ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَالظَّفَرِ بِجَوَائِزِ الْغُفْرَانِ وَالْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ وَالْوَعْدِ الْكَرِيمِ بِالْجِنَانِ.
وَالْعِيدُ فَاصِلٌ ضَرُورِيٌّ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ؛ بِالتَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ، وَإِطْلَاقِهَا مِنْ رَوَابِطِ الْعَمَلِ الْمُتَتَابِعِ الْجَادِّ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَوَاصِلَ الْجَسَدِيَّ يُكَثِّفُ فِي النَّفْسِ شِحْنَةً مِنَ السَّأَمِ وَالْمَلَلِ، فَتَأْتِي الْأَعْيَادُ فِي فَوَاصِلَ مِنَ الزَّمَنِ فَتُؤَدِّي وَظِيفَةَ إِطْلَاقِ شِحْنَاتِ السَّأَمِ الْمُزْعِجَةِ لِلنَّفْسِ فَتُرَوِّحُ عَنْهَا.
وَهَذِهِ الْوَظِيفَةُ لَا يُؤَدِّيهَا أَيَّامُ الْعُطَلِ الطَّارِئَةِ الَّتِي تَكُونُ النَّفْسُ فِيهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ مُسْتَعِدَّةً لِلْعَمَلِ، لِهَذَا نُلَاحِظُ أَنَّ الْأَعْيَادَ لَدَى كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ تَقُومُ بِوَظِيفَةِ إِشْبَاعِ حَاجَةٍ نَفْسِيَّةٍ لَدَى تِلْكَ الْأُمَّةِ، لِذَلِكَ تَشْعُرُ النَّفْسُ فِي الْعِيدِ بِالِانْطِلَاقِ، وَالْحُرِّيَّةِ مِنْ قُيُودٍ كَثِيرَةٍ -مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ الشَّرْعِ فِي النِّهَايَةِ-.
كَمَا يَكُونُ فِي الْعِيدِ تَفْرِيغٌ لِلْفِكْرِ وَالنَّفْسِ مِنْ مُضَايَقَاتِ الْعَمَلِ الْمُتَوَاتِرِ الْمُتَتَابِعِ عَلَى نَسَقٍ مُتَتَطَابِقٍ وَمُتَشَابِهٍ.
الْأَعْيَادُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي مُسْتَوَى الْقِمَّةِ، بَلْ هِيَ فَوْقَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الْأَعْيَادِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا النَّاسُ.
إِنَّ الْأَعْيَادَ الْإِسْلَامِيَّةَ تَبْدُو مُنَاسَبَاتٍ طَيِّبَةً لِلتَّوَاصُلِ وَالتَّزَاوُرِ، وَإِنْهَاءِ التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ، وَإِشَاعَةِ مَا تُوجِبُهُ الْأُخُوَّةُ وَالْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ يَتَفَقَّدُ ذَوِي الْغِنَى وَالْيَسَارِ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالضِّيقِ.
وَالْإِذْنُ فِي الْأَعْيَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِشَيْءٍ مِنَ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ وَاللَّعِبِ، وَالتَّرْغِيبُ فِيهَا بِلُبْسِ أَحْسَنِ مَا يَجِدُ الْمُسْلِمُ، وَبِالتَّطَيُّبِ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ كَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَهْلِ فِي الْمَعَايِشِ مِمَّا لَا يَخْفَى وَجْهُ حِكْمَتِهِ عَلَى بَصِيرٍ مُتَأَمِّلٍ، فَالْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَنَا مُسْلِمِينَ)) .
((مُوَاصَلَةُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ))
عِبَادَ اللهِ! النَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ، وَدَلَّنَا عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ طُولَ الْعَامِ.
النَّبِيُّ ﷺ أَرْشَدَنَا إِلَى كَيْفِيَّةِ الصِّيَامِ الْحَقِّ فِي رَمَضَانَ، وَدَلَّنَا عَلَى الصِّيَامِ فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ.
النَّبِيُّ ﷺ رَغَّبَنَا فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ بِفِعْلِهِ ﷺ فِي الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ، وَفِي مُدَارَسَةِ الْقُرْآنِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، وَبِقَوْلِهِ ﷺ، وَلَا يَنْقَضِي ذَلِكَ طُولَ الْعَامَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعُ قِيَامَ اللَّيْلِ طُولَ الْعَامَ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ يُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ أَنَّى تَوَجَّهَتْ بِهِ رَكَائِبُهُ، يُصَلِّي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَبْدَأُ مُتَوَجِّهًا إِلَى قِبْلَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلْخَلْقِ فِي الْأَرْضِ قِيَامًا، فَإِذَا زَالَتْ وَرُفِعَ الْقُرْآنُ مِنَ السُّطُورِ وَالصُّدُورِ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللهُ اللهُ؛ حِينَئِذٍ يَأْتِي الْعَالَمَ مَا يُوعَدُونَ، وَيُفْنِي اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْخَلَائِقَ، ثُمَّ يَقُولُ -وَلَا أَحَدَ هُنَالِكَ-: ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟)).
فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيُجِيبُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ: ((للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)).
النَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى أَنَّنَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَقُومَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَهُوَ شَرَفُنَا، ((شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ، عِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ))؛ أَنْ يَكُونَ مُنِيبًا لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، مُخْبِتًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، لَا يَمُدُّ يَدَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ، وَلَا يَسْأَلُ إِلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَقْصِدُ إِلَّا سَيِّدَهُ، {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ} [الليل: 19-21].
مُنِيبًا إِلَى رَبِّهِ، مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ، قَادِمًا إِلَيْهِ مِنْ أَعْمَاقِ ذُنُوبِهِ وَتَرَدِّيهِ فِي اتِّبَاعِ هَوَاهُ، مُنْتَفِضًا بِصَحْوَةِ الْحَقِّ فِي قَلْبِهِ عِنْدَمَا يَأْتِيهِ الْمَتَابُ مِنَ اللهِ، يَتَحَرَّكُ إِلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي قَافِلَةِ السَّائِرِينَ السَّالِكِينَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَحْرَقَتْ أَرْوَاحَهُمْ نِيرَانُ الذُّنُوبِ، وَأَنْضَجَتْ قُلُوبَهُمْ بِنِيرَانِهَا تِلْكَ الْآثَامُ وَالْعُيُوبُ، ثُمَّ هُمْ يَنْتَفِضُونَ مِنْ ذَلِكَ عَائِدِينَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَائِبِينَ مُنِيبِينَ خَاشِعِينَ رَاجِعِينَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
النَّبِيُّ ﷺ يُخْبِرُكَ أَنَّكَ إِذَا صُمْتَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعْتَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ.. كَأَنَّمَا صُمْتَ الْعَامَ، لِمَاذَا؟
شَهْرٌ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ فَهَذَا تَمَامُ الْعَامِ.
وَدَلَّنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ بَذْلَ الْخَيْرِ لَا يَعُودُ عَائِدُهُ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ بَادِيَ الرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى الْبَاذِلِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَمَهْمَا بَذَلْتَ مِنْ بَذْلٍ وَأَعْطَيْتَ مِنْ عَطَاءٍ وَقَعَ فِي يَدِ اللهِ.
هَذِهِ تَكْفِي، هَذِهِ تَكْفِيكَ عَطَاءًا، هَذِهِ تَكْفِيكَ مَرْدُودًا بِإِحْسَانٍ أَنْ تَقَعَ صَدَقَتُكَ فِي يَدِ اللهِ، وَيَصِلُ الْمَرْءُ إِلَى هَذَا الْمُسْتَوَى الْعَالِي مِنَ الْقُرْبِ إِلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ تَقَعَ صَدَقَتُهُ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ اللهِ
بَلْ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً)).
اللهم اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ.
تَأَمَّلْ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ وَالْبَذْلَ الْكَرِيمَ وَالْعَطَاءَ الْجَزِيلَ!
وَ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ)).
فَتَدْعُو لَهُ الْمَلَائِكَةُ، عَلَى هَذَا النَّفْعِ فَاحْرِصْ، فَهَذَا هُوَ النَّفْعُ الصَّحِيحُ؛ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ بِأَلْسِنَةٍ لَمْ تَعْصِ اللهَ قَطَّ؛ أَنْ تَدْعُوَ رَبَّكَ بِلِسَانِ الْمَلَكِ وَهُوَ لَمْ يَعْصِ رَبَّهُ أَبَدًا.
النَّبِيُّ ﷺ يَدُلُّكُمْ عَلَى عِظَمِ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَيَقُولُ ﷺ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ))؛ كَصِيَامِ الْعَامِ.
وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ -يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ- صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ)).
وَ((وَحَرُ الصَّدْرِ)): وَسَاوِسُهُ وَشُكُوكُهُ.
((وَحَرُ الصَّدْرِ)): غِلُّهُ وَدَغَلُهُ.
((وَحَرُ الصَّدْرِ)): حِقْدُهُ وَحَسَدُهُ.
((صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ)).
فَاحْرِصْ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ، وَكُلُّنَا يَحْتَاجُهَا احْتِيَاجًا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُسْتَعَانُ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ- يَقُولُ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أُعِدَّتْ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)).. ((وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)).
النَّبِيُّ ﷺ يُخْبِرُ ((أَنَّ مَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ -أَطَابَ اللَّفْظَ وَأَحْسَنَهُ- مَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)).
فَيَدُلُّنَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَلِيلِ، وَهُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَهَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ الصِّيَامُ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ ((فَمَنْ صَامَ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ -للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ- جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا مَسِيرَتُهُ سَبْعُونَ خَرِيفًا)). وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَجْعَلِ الْعِبَادَاتِ مُنْقَطِعَةً بِمَوَاسِمِهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا مُمْتَدَّةً طُولَ الْعَامِ صِيَامًا وَقِيَامًا وَإِقْبَالًا عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَعْلَى ذَلِكَ وَأَجَلُّهُ أَنْ تُطَهِّرَ الْقَلْبَ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْ تَكُونَ مُسْلِمًا كَمَا أَرَادَكَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَكُونَ؛ ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).
فَلَا يَطُولُ الْمُسْلِمِينَ مِنْكَ أَذًى؛ لَا بِلِسَانِكَ، وَلَا بِيَدِكَ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ جَوَارِحِكَ؛ لِأَنَّ عِرْضَ الْمُسْلِمِ لَهُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْقَدْرَ الْعَظِيمَ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ لِلْكَعْبَةِ: ((مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيْبَ رِيحَكِ، وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَلْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ)).
الْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ كَعْبَةِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّتِي جَعَلَهَا لِلْخَلْقِ فِي الْأَرْضِ قِيَامًا، فَإِذَا زَالَتْ وَرُفِعَ الْقُرْآنُ مِنَ الصُّدُورِ وَالسُّطُورِ؛ أَتَى النَّاسَ مَا يُوعَدُونَ.
فَلَوْ أَخَذَ عَبْدٌ مِعْوَلَهُ وَصَعَدَ الْكَعْبَةَ فَنَقَضَهَا حَجَرًا حَجَرًا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ إِثْمًا وَأَقَلُّ ذَنْبًا مِنْ أَنْ يَهْدِمَ بُنْيَانَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ بِقَتْلِهِ، ((وَلَلْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكٍ)).
فَتَأَمَّلْ وَرَاعِ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَهَذَا هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ.
((عِيشُوا الْإِسْلَامَ.. الْإِسْلَامُ سُلُوكٌ وَالْتِزَامٌ))
عَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَلَّا نَقْرَأَ الْإِسْلَامَ، وَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَلَّا نَكْتُبَ الْإِسْلَامَ، وَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَلَّا نُذَاكِرَ الْإِسْلَامِ وَنَحْفَظَ أُصُولَ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعِيشَ الْإِسْلَامَ.
عِيشُوا الْإِسْلَامَ!
إِذَا أَرَدْتُمُ الْمَرْدُودَ الْحَقَّ عِيشُوهُ!
عِيشُوا دِينَ اللهِ!
أَمَّا أَنْ نَتَوَقَّفَ عِنْدَ حُدُودِ اللَّفْظِ كَلَامًا، أَوْ عِنْدَ حُدُودِ الْكَلِمَةِ كِتَابَةً وَبَيَانًا؛ فَمَا أَكْثَرَ الْكَلَامَ، وَمَا أَعْظَمَ الْفَصَاحَةَ وَالْبَلَاغَةَ، يُهْدَرُ بِهَا فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَكَانٍ؛ وَلَكِنْ أَيُّ شَيْءٍ يُفِيدُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ إِلَى وَاقِعٍ مَنْظُورٍ فِي كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!!
فَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَنْظُرَ فِي أَنْفُسِنَا الْيَوْمَ، وَأَنْ نَتُوبَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَوْبَةً نَصُوحًا.
وَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي لَا ذَنْبَ بَعْدَهَا بِعَزْمٍ عَلَى الْإِنَابَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِعَدَمِ التَّخَلُّفِ عَنِ الرَّكْبِ الطَّاهِرِ الْأَمِينِ سَائِرًا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَنَحْنُ لَمَّا قَسَتِ الْقُلُوبُ، وَرَانَ عَلَيْهَا مَا رَانَ مِنْ أَثَرِ الذُّنُوبِ؛ صَارَتِ الْقُلُوبُ قَاسِيَةً، وَأَبْعَدُ الْقُلُوبِ عَنِ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي، فَالْقَلْبُ الْقَاسِي مِنَ اللهِ بِمَبْعَدَةٍ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرِقُّ قَلْبُهُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ.. وَأَمَّا الَّذِي تَسِيلُ دُمُوعُهُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ.. وَأَمَّا الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَجِدُ قَلْبَهُ لَدُنْهُ.. وَأَمَّا الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى آيَاتِ رَبِّهِ فَتَحْضُرُ رُوحُهُ لَدَى كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ وَكَلَامِ رَبِّهِ؛ فَهَذَا هُوَ الْقَرِيبُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
فَكُنْ مُحْسِنًا؛ لِتَكُونَ قَرِيبًا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلِتَكُونَ رَحْمَةُ اللهِ مِنْكَ قَرِيبَةً.
إِنَّهُ إِذَا كُنْتَ لَا تَمْلِكُ زِمَامَ نَفْسِكَ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُسَيْطِرَ عَلَى زِمَامِ إِرَادَتِكَ وَقُدْرَتِكَ، فَقُلْ لِي -بِرَبِّكَ- تُرِيدُ أَنْ تَسُوسَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُسَيْطِرَ عَلَى لِسَانِكَ غِيبَةً وَنَمِيمَةً وَشَتْمًا وَقَذْفًا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَكَّمَ فِي ضَمِيرِكَ إِخْلَاصًا وَصِدْقًا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْتَقِيمَ بِقَدَمَيْكَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؟!!
وَتُرِيدُونَ أَنْ تَحْكَمُوا الدُّنْيَا وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ أَنْ يَمْلِكَ زِمَامَ نَفْسِهِ؟!!
إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ لَا هَزْلَ فِيهِ..
وَهَذَا نَبِيُّنَا ﷺ يَقُولُ عَنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، فَقَالَ: ((هِيَ فِي النَّارِ))، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّارِ)).
وَأُخْرَى كَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ قَلِيلَةٍ، وَتَصُومُ الشَّهْرَ، وَتُؤَدِّي صَلَاةَ الْخَمْسِ بِفَرْضٍ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَلَكِنَّهَا لَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا.
أَحَسِبْتُمُ الْإِسْلَامَ شَقْشَقَةَ لِسَانٍ، أَوْ تَحْرِيرَ بَنَانٍ؟!!
الْإِسْلَامُ سُلُوكٌ وَالْتِزَامٌ..
الْإِسْلَامُ حَرَكَةُ حَيَاةٍ مُنْضَبِطَةٍ عَلَى الْمَنْهَجِ..
فَهَذَا هُوَ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..
((التَّمَسُّكُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَالصَّبْرُ))
عَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَكُونَ وَاعِينَ حَقًّا، وَأَنْ نَكُونَ سَائِرِينَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صِدْقًا، فَإِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ لَا هَزْلَ فِيهِ.
وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ وَاعِينَ لِدِينِنَا، مُلْتَفِتِينَ لِأَمْرِ رَبِّنَا، مُطَبِّقِينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّنَا ﷺ.
وَنَبِيُّكُمْ ﷺ جَاءَهُ مَنْ يَشْكُو إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ حَتَّى ذَهَبَ الْجَمْرُ بِدُهْنِ ظَهْرِهِ، وَاشْتَعَلَ الْجَوُّ بِرَائِحَةِ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: ((كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ! لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ؛ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ؛ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)).
لَا تَسْتَعْجِلُوا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ-، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشِّعَارُ الصَّحِيحُ فِي الْمَكَانِ الصَّحِيحِ وَفِي الزَّمَانِ الصَّحِيحِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الصَّحِيحَةِ، أَمَّا إِذَا مَا غَامَتِ الْحَقِيقَةُ، أَوْ غَابَتِ الْحَقِيقَةُ، أَوْ غُيِّبَتِ الْحَقِيقَةُ، ثُمَّ وَقَفَ صَاحِبُ الشِّعَارِ الصَّحِيحِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الصَّحِيحِ فِي غَيْرِ الزَّمَانِ الصَّحِيحِ فَهِيَ الْفِتْنَةُ بِاسْمِ الدِّينِ، وَهِيَ الْفَوْضَى بِاسْمِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
وَدِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، لَيْسَ حَاكِمًا فِي مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الْأَحْيَاءِ وَلَا فِي زَمَانٍ مِنَ الْأَزْمَانِ، وَلَا فِي مَكَانٍ مِنَ الْأَمْكِنَةِ، وَلَكِنَّهُ حَاكِمٌ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ وَمُطْلَقِ الْمَكَانِ، إِنَّهُ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
((صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَكَفَالَةُ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ))
إِنَّ مِنَ الْقُرُبَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَةِ يَوْمَ الْعِيدِ: صِلَةَ الْأَرْحَامِ، وَتَوْطِيدَ الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ بِالتَّآزُرِ وَالتَّآلُفِ، وَالْعَمَلَ عَلَى إِغْنَاءِ الْفُقَرَاءِ عَنِ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ -سُبْحَانَهُ-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215].
((أَيْ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ النَّفَقَةِ، وَهَذَا يَعُمُّ السُّؤَالَ عَنِ الْمُنْفَقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَأَجَابَهُمْ عَنْهُمَا فَقَالَ: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} أَيْ: مَالٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَأَحَقُّهُمْ بِالتَّقْدِيمِ أَعْظَمُهُمْ حَقًّا عَلَيْكَ، وَهُمُ الْوَالِدَانِ الْوَاجِبُ بِرُّهُمَا وَالْمُحَرَّمُ عُقُوقُهُمَا، وَمِنْ أَعْظَمِ بِرِّهِمَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا، وَمِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوقِ تَرْكُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا، وَلِهَذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَاجِبَةً عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ، وَمِنْ بَعْدِ الْوَالِدَيْنِ الْأَقْرَبُونَ، عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى حَسَبِ الْقُرْبِ وَالْحَاجَةِ، فَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، وَالْيَتَامَى وَهُمُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ، فَهُمْ فِي مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ لِعَدَمِ قِيَامِهِمْ بِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِمْ وَفَقْدِ الْكَاسِبِ، فَوَصَّى اللَّهُ بِهِمُ الْعِبَادَ؛ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ وَلُطْفًا، وَالْمَسَاكِينِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَاجَاتِ وَأَرْبَابُ الضَّرُورَاتِ الَّذِينَ أَسْكَنَتْهُمُ الْحَاجَةُ، فَيُنْفَقُ عَلَيْهِمْ لِدَفْعِ حَاجَاتِهِمْ وَإِغْنَائِهِمْ، {وَابْنِ السَّبِيلِ} أَيِ: الْغَرِيبِ الْمُنْقَطَعِ بِهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، فَيُعَانُ عَلَى سَفَرِهِ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي تُوصِلُهُ إِلَى مَقْصِدِهِ.
وَلَمَّا خَصَّصَ اللَّهُ -تَعَالَى- هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ، عَمَّمَ تَعَالَى فَقَالَ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ وَمِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي اسْمِ الْخَيْرِ، {فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ وَيَحْفَظُهُ لَكُمْ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ نِيَّتِهِ وَإِخْلَاصِهِ وَكَثْرَةِ نَفَقَتِهِ وَقِلَّتِهَا، وَشَدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَعِظَمِ وَقْعِهَا وَنَفْعِهَا)).
وَيَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].
((هَذَا مَدْحٌ مِنْهُ -تَعَالَى- لِلْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَالْأَحْوَالِ مِنْ سِرٍّ وَجَهَارٍ؛ حَتَّى إِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَهْلِ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، كَمَا ثَبَتَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ عَادَهُ مَرِيضًا عَامَ الْفَتْحِ -وَفِي رِوَايَةٍ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ-: ((وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً؛ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ)).
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً)). أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
{فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا فَعَلُوا مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ})).
مَا أَحْرَانَا بِأَنْ نَصِلَ الْأَرْحَامَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْكَرِيمِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُخْبِرُ ((أَنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِسَاقِ الْعَرْشِ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي)) .
وَيُخْبِرُ أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْخَلْقِ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ رَبُّنَا: ((مَهْ!)).
فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ.
فَقَالَ رَبُّنَا: ((أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟)).
قَالَتْ: بَلْ رَضِيتُ يَا رَبِّ.
قَالَ: ((فَذَلِكَ لَكِ)) .
وَيُخْبِرُ ﷺ: ((إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا قَاطِعُ رَحِمٍ)) .
وَيُخْبِرُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) .
مَا أَحْرَانَا فِي هَذَا الْيَوْمِ بِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامًا مُقَطَّعَةً طَالَ عَلَيْهَا الْقَطْعُ وَالْبَتُّ؛ حَتَّى يَصِلَنَا اللهُ، وَحَتَّى نَخْرُجَ مِنَ الْقَطِيعَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَبِّنَا بِسَبَبِ قَطِيعَةِ رَحِمِنَا، ((مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ، وَمَنْ بَتَّكِ بَتَتُّهُ، أَلَا تَرْضِينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟!!)).
قَالَتْ: بَلَى رَضِيتُ يَا رَبِّ.
قَالَ: ((فَذَلِكَ لَكِ)) .
فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَصِلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُحِبُّ أَنْ نُعَامِلَ الْخَلْقَ بِالرِّفْعَةِ إِذَا كَانُوا عَلَى غَيْرِ مَنْهَجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَبِالذُّلِّ وَبِخَفْضِ الْجَنَاحِ إِذَا كَانُوا مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
لَا بُدَّ الْيَوْمَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ.. مِنْ عَطْفٍ عَلَى الْأَيْتَامِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّ مَنْ قَامَ عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ)).
يَقُولُ رَاوِي الْحَدِيثِ عَلَى الشَّكِّ: فَلَا أَدْرِي قَالَ: ((كَالصَّائِمِ الَّذِي لَا يُفْطِرُ وَكَالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ)) ، أَمْ لَا؟
وَيُخْبِرُ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ: ((أَنَّ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلِينَ قَلْبُهُ، وَتُقْضَى حَاجَتُهُ؛ فَلْيَعْطِفْ عَلَى الْيَتِيمِ)) ، فَلْيُدْنِهِ، فَلْيُقَرِّبْهُ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَطْعَمُ، فَلْيَمْسَحْ عَلَى رَأْسِهِ؛ يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُقْضَ حَاجَتُكَ.
إِذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُعَامِلَكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالرِّفْقِ فَعَامِلُوا عِبَادَهُ بِالرِّفْقِ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُعَامِلُ عِبَادَهُ كَمَا يُعَامِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنَّهُ لَمِنَ الظُّلْمِ لِأَنْفُسِنَا أَلَّا نَرْضَى مِنَ النَّاسِ مَا نَرْضَاهُ مِنْ أَنْفُسِنَا لِرَبِّنَا -سُبْحَانَهُ-.
((هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-!))
عِبَادَ اللهِ! هَلُمَّ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ؛ حَتَّى يَأْخُذَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِيَدِ أُمَّتِكُمْ مِمَّا تَرَدَّتْ فِيهِ، حَتَّى يُهَيِّئَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهَا أَمْرَ الرُّشْدِ، لَوْ أَنَّكُمْ تَوَجَّهْتُمْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِقُلُوبٍ خَالِصَةٍ فِي سُجُودِكُمْ أَنْ يَحْفَظَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَعْرَاضَ الْمُسْلِمَاتِ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، لَوْ أَنَّكُمْ سَأَلْتُمُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَرْحَمَ اللهُ أُمَّتَكُمْ.. إِذَا رَأَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْكُمْ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِالْإِخْلَاصِ وَبِالْيَقِينِ، بِالِاتِّبَاعِ لَا بِالِابْتِدَاعِ؛ أَخَذَ بِيَدِ الْأُمَّةِ وَرَحِمَهَا.
عُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنِيبُوا بِالْخُشُوعِ وَبِالْإِخْبَاتِ وَبِالْبُكَاءِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ)) .
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِنَ الْآخِذِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ، بَعِيدِينَ عَنِ الْفِتَنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَنْ يُسَدِّدَ خُطَانَا عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَأَنْ يُسَدِّدَ أَلْسِنَتَنَا لِقَوْلِ الصِّدْقِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِنَ الْهُدَاةِ الْمُهْتَدِينَ.
اللهم اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا حَوْلَنَا شَقِيًّا وَلَا مَطْرُودًا وَلَا مَحْرُومًا.
اللهم أَنْزِلْ عَلَيْنَا رَحَمْتَكَ.
اللهم أَنْزِلْ عَلَيْنَا رَحَمْتَكَ.
اللهم اغْشَنَا بِسَكِينَتِكَ.
اللهم اغْشَنَا بِسَكِينَتِكَ.
اللهم أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ، وَاجْمَعِ الْجَمِيعَ عَلَى طَاعَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللهم اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا حَوْلَنَا شَقِيًّا وَلَا مَطْرُودًا وَلَا مَحْرُومًا.
اللهم خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ.
اللهم اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَقِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ.
اللهم أَحْسِنْ إِلَيْنَا، وَأَجْمِلْ بِنَا، وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا.
اللهم جَنِّبْ وَطَنَنَا مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللهم جَنِّبْ وَطَنَنَا مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللهم أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ، وَاجْمَعِ الْجَمِيعَ عَلَى طَاعَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللهم خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَتَوَفَّنَا مُؤْمِنِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، اللهم أَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ.
وَاجْعَلْنَا لَكَ ذَكَّارِينَ، لَكَ شَكَّارِينَ، لَكَ رَهَّابِينَ، لَكَ طَائِعِينَ، لَكَ مُخْبِتِينَ، لَكَ مُنِيبِينَ، عَلَيْكَ مُقْبِلِينَ، عَلَيْكَ مُقْبِلِينَ، عَنْ سِوَاكَ مُدْبِرِينَ.
يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ أَكْرِمْنَا.
اللهم تَقَّبَلْ مِنَّا.
اللهم تَقَّبَلْ مِنَّا.
اللهم تَقَّبَلْ مِنَّا.
اللهم تَقَّبَلْ مِنَّا.
وَإِنْ أَرَدْتَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنَا إِلَيْكَ غَيْرَ فَاتِنِينَ وَلَا مَفْتُونِينَ، وَلَا خَزَايَا وَلَا مَحْزُونِينَ، وَلَا مُغَيِّرِينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
المصدر:خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1443هـ