تفريغ مقطع : حصار المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم
بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 2].
فمَن أتى بإيمانٍ كامل، ومَن أتى ببُعدٍ عن الشركِ
تمامًا؛ فلهُ الأمنُ الكاملُ والاهتداءُ الكامل، وأمَّا ما فرَّطَ فيه من شأنِ
التوحيد، ووقعَ فيه من بعضِ أمورِ الشركِ الذي لا يُخرجُ من المِلَّة؛ فإنَّ له من
الأمنِ والهدايةِ بحَسَبِهِ، ولا يلومنَّ امرؤٌ إلا نفسَه.
إنَّ النبي -صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم- دعا إلى
اللهِ ربِّ العالمين، وتكالبوا عليه؛ حتى ألجئوه ومَن آمنَ معه وألجئوا عشرتَه؛
لأنهم تضامنوا عصبيةً لا يُسلمونَهُ وإن لم يؤمنوا
بدينِهِ، ألجئوهم إلى الشِّعبِ
ثلاثةَ أعوام، وكتبوا الصحيفةَ، وعُلِّقَت في جوفِ الكعبة، ليس فيها مما يُحترم
سوى ما كتبوه: «باسمك اللهم»، هذا يبقى، وما عداهُ يفنى.
ثلاثةُ أعوامٍ مريرة تمرُّ على النبيِّ -صلى اللهُ عليه
وآلِهِ وسَلَّم- وهو يرى النساء، وهو يرى العجائز، وهو يرى الشيوخ، وهو يرى
الضَّعَفَة، وهو يرى الأطفال؛ يئنِّون من وطأةِ الجوعِ وهو ينشبُ أنيابَهُ في
أكبادِهم، فلا يجدون له دفْعًا إلَّا بمزيدٍ من استجلابِهِ، بتبديدِ الطاقة في
البكاءِ وفي النحيبِ، ولا ينفعُهم شيء، والسادةُ من قُريش يأكلون ويتنعمون.
ثلاثةُ أعوامٍ تمرُّ على الرسولِ -صلى اللهُ عليه وآلِهِ
وسَلَّم-، لا تنفعُ فيها سِعاية، ولا يُحصِّلُ واحدٌ من المسلمين في الموسم؛ في
البيتِ الحرام وفي الوادي المُقدس، والناس كلُّهم آمنون، الطيرُ في السماء آمن،
والوحوشُ في الفلواتِ آمنة، وأمَّا المسلمون فلا!!
يخرجُ خارجُهم إلى الأسواقِ ليبتاع، فيذهب إليه قريبُ
قرابةٍ من رسولِ الله –أبو لَهب- وقد انحاز إلى المشركين، وهو عمُّ رسول الله –صلى
الله عليه وسلم-، فيقول للتجار: لا تبيعوهم، وأنا أُضْعِفُ لكم السِّعرَ، وتعلمون
وفائي، وتعلمون ثروتي، فيرجعون بخُفيِّ حُنين، لا يملكون سوى البكاءِ والنحيب،
يتلمسونَ الرضوان عند اللهِ –جلَّ وعلا-.
يُحَاصَرون ثلاثةَ أعوام، ثم تتحركُ العواطفُ في قلوبِ
بعضِ المشركين وممن لهم رَحِمٌ عند المُحاصَرين، حتى يأتي أبو طالب وهو يقول:
إنَّ
ابن أخي قد أخبرني أنَّ الأرَضَةَ قد لحسَت الصحيفة –أكلتها-،
ولم يبق منها إلَّا اسمُ اللهِ وحدَهُ، فلنذهب جميعًا –يقول
لهم، يقول للسادة؛ للطواغيت؛ للكبارِ من قريش الذين يحاربون الله ورسوله، ويدفعونَ
في وجوهِ المؤمنين وأَقْفِيَتِهمْ، ويُعذِّبونهم ويضطهدونهم، ما جريمتهم؟!
أنهم يقولون: لا إله إلا الله!!-.
يقول لهم: فلنذهب جميعًا إلى الكعبة، ولنأت بالصحيفةِ ولننشرها لنقرأَها، فإن كان
ابنُ أخي صادقًا؛ فلا يَحِلُّ لكم أنْ تُبقوا هذا الحصارَ الظالم؛ أنْ تجوِّعوا
الأطفالَ والنساء، أنْ تَعْدُوا على ذوي أرحامِكم، وأن تُقطِّعوا الأرحامَ على هذه
الصورةِ المُفظِعة، اتقوا الله.
ذهبوا فأتوا بها، نشروها فلم يجدوا فيه حرفًا سوى اسم
الله، ففُكَّ الحصار، وما هو إلا التعذيبُ بعد ذلك، تعذيبٌ بالضربِ وبالسياطِ
وبالنارِ، ويذهبُ المؤمنون من أتباعِ رسول الله وأصحابِهِ إلى الحبشة، ديارٍ
غريبة، ووجوهٍ غريبة، ولغةٍ غريبة، ودينٍ عنهم غريب، يحميهم اللهُ ربُّ العالمين،
يعودون ثم يرجعونَ إلى الحبشةِ مرةً أخرى، ثم بعد ذلك تأتي الهجرةُ إلى مدينة
الرسولِ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
إنَّ
أسلافَكُم مِن أصحابِ نبيِّكم تَعِبُوا كثيرًا، لا تُضيِّعوا تَعَبَهُم، اتقوا
الله، اتقوا اللهَ ربَّ العالمين في دينِكم، مَن يُحافظُ عليه...مَن يحميه...مَن
يدافع عنه سوى المسلمين.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك