تفريغ مقطع : لِمَ الكيل بمكيالين في توصيف الدول

وَعَجيبٌ وَاللهِ أنْ يَكونَ اشتِراطُ المُسلِمينَ كَوْنَ الرَّئيسِ مُسلِمًا مُناقِضًا لِلدَّولَةِ المَدنِيَّة!! وَاشتِراطُ ذَلكَ في دَساتِيرِ دُولِ الاتِّحادِ الأوربيِّ غَيرَ مُخالفٍ لِفلسَفةِ الدَّولةِ المَدنِيةِ!!!

فمَا وَجهُ التفْريقِ بينَ الدينِ الإسلَامِي, وَغيرِه مِنَ الأديَانِ في هَذا الصَّدَد؟!

بَلْ مَا الفَرقُ بينَ الأيدِيولوجِية, وَأيَّ حَقيقَةٍ مُطلَقةٍ وَبينَ الدِّين، خُصوصًا مِن وجهَةِ نَظرِ العَلمَانِيين؟!

فَالدِّينُ قَائمٌ فِي الأسَاسِ عَلى الاخْتِيارِ الفَردِي، وَيتْبعُ هذا الاخْتِيارَ إِلزامَاتٍ، كمَا أنَّ الانتِمَاءَ لِمَنظومَةٍ سياسِيةٍ مَدنيةٍ يَتبَعُهُ إِلزامَاتٍ، فمَا الفَرقُ بَينَهمَا؟!

وكلُّ تِلكَ الأَيدِيولُوجِيَّات دِين، هَذا لَازِمٌ لِلعلمَانِيينَ علَى حَسَبِ تَقرِيراتِهمُ الفَلسَفِيَّة، كمَا أنَّ مَن يَلتَزِمُ بِتشرِيعَاتِ دِينٍ مَا، فهُوَ يَلتَزِمُ بِهَا مُعتَقِدًا نَفْعَها، وَتحصِيلَهَا لِلمَصلَحةِ الفَردِيَّةِ وَالجَماعِيَّةِ في الدُّنيَا والآخِرَة.

وَهذا وَاقعٌ فِي كلِّ الأيدِيولوجِيات أيضًا، فَلَا يَصحُّ إِلزامُ أحدٍ فِي هذَا الباب, علَى مُقتَضَى نَظرياتِ العَلمَانِيينَ بقَولٍ, أو مَنهجٍ مُعينٍ، أو فَهمٍ لمُصطلحٍ مَا؛ غيرِ المَنطقِ العقليِّ المُجردِ، وإلَّا كانَ إِلزامًا بأيدِيولوجِياتِهِم، فَكلُّها بمَا فِيهَا مَفاهِيمُهم للدَّولةِ والسياسةِ هيَ دينٌ يَدينُ بهِ قائلُهَا، ولَا يَحقُّ لهُ أنْ يُلزِمَ غيرَهُ بقَالَبٍ مُقدَّسٍ للدِّينِ والسياسةِ، سواءٌ ادَّعى صَاحبُه أنهُ وَحيٌّ أو إنتاجٌ عَقلِي.

يَقولُ الفَيلسوف [مَاكس ستيرنَر]: ((كلَّمَا كانَ هناكَ مَبدأٌ فَوقَنَا، فإنَّ هَذا المَبدأَ دِين)).

فَهذهِ الفَلسَفاتُ العَلمَانِيةُ مُتناقِضةٌ في نَفسِها، ومُتبَاينةٌ فيمَا بَينَها، ولَا يَحقُّ لِأحدٍ مِنهُم إِلزامُ غيرِهِ بِقولِهِ كَأنهُ مُقدَّس، لَاسيمَا وقَد ظَهرَ مِن أَقوالِهِم ونَظريَّاتِهم أنَّها مُتنَاقِضة معَ وَاقِعِ الدُّولِ التِي تَزعُمُ أنهَا حَامِيةُ الدِّيمُقراطِية، وأنَّ نَماذِجَها المُثلَى هيَ هذهِ الدُّول في عَالَمِنَا المُعاصِر.

وَهَذا [جُون لُوك] يَقولُ: ((لَا يَجبُ التسَامحُ معَ المَلاحِدَة)).

فهَلْ إذَا قَامَت دَولةٌ حديثةٌ يُقتَلُ فِيهَا المَلاحِدَة, أو يُسجَنونَ اعتِمادًا علَى كِتابَاتِ [جُون لُوك]؛ سَيَعُدُّهَا العَلمَانِيونَ والغَربُ دَولةً مَدنِيةً حَدِيثةً؟!

ومَا الفَرقُ حِينئذٍ بينَ هَذا وَأيِّ تَعالِيمَ دِينيَّةٍ فِي هَذا البَاب؟!

وإذَا كَانوا يُقرِّرونَ أنَّ الدَّولةَ المَدنيَّةَ تَقومُ علَى السَّلامِ, والتَّسامُحِ, وَقَبولِ الآخَر، والمُساوَاةِ في الحُقوقِ والواجِبات، فَهَلْ الدُّولُ الغَربِيةُ التِي نَشَأَ فِيهَا هَذا المُصطَلح تَحقَّقت فِيهَا هَذهِ المَبادئ فِي المَاضِي أو فِي الحَاضِر؟!

وَهلْ تُسَمَّى حِينئذٍ مَدنيةً أوْ دِيمُقراطِيةً؟!

فَهَذا التقرِيرُ مِن [لُوك] لَا يَعدُو أنْ يَكونَ مُعتقَدًا خَاصًا لهُ، ولَا يَحقُّ لهُ أنْ يُلزِمَ المُلحِدينَ بهِ، وَإلَّا فَلَا فَرقَ بَينَهُ, وبينَ الكَنيسَةِ التِي ادَّعى مُحارَبَتَها.

وَهلْ هَذا القَولُ مِن [جُون لُوك] لَيسَ تَطرُّفًا فِي فَلسفَةِ العَالَمِ الحَديثِ؟!

لَكِن إذَا قَالَهُ مُسلِمٌ، فهُوَ مُتطرِّفٌ وَإِرهَابِيٌّ!!

أَلَا مَا أَعظَمَ سَطوَةَ اليَهودِ وَالمَاسَونِ علَى قُلوبِ وعُقولِ المُسلِمينَ

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  لا يضرُّهم مَن خالفهم ولا من خذلهم
  نسف قواعد الخوارج والمعتزلة فى مسالة تكفير مرتكب الكبيرة
  ((4))... ((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
  كيـــف تعامـــل السلــف مـــع ظلــم الحكــام وجورهـــم؟؟
  قصة جريج وغض البصر
  حال المؤمن عند الأمر وعند الإخبار
  قَاعِدَةٌ ذَهَبِيَّةٌ وَضَعَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَزْوَاجِ فِي مُعَامَلَةِ زَوْجَاتِهِمْ
  هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ صَكٌّ وَبَرَاءَةٌ أَنْ يَمُوتَ مُسْلِمًا؟!
  وصايا للأبناء
  لَا نَمْلُكُ مَخَاطِرَ الصِّرَاعِ عَلَى السُّلْطَةِ
  بعض تخاريف خوارج العصر
  موَاصَلَةُ الْعَمَلِ بَعْدَ رَمَضَانَ
  فَلَقَد قَالَت لِي رُوحِي...
  في الأمة مٙن لا يعرف اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
  ((الحلقة الأُولَى)) ((الإلحاد وبداية نشأته))
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان