تفريغ مقطع : حرب العاشر من رمضان مفخرة المسلمين فى هذا العصر

بَعدَ مَا كَانَ فِي سَنةِ سَبعٍ وَسِتينَ وَتِسعِ مِئَةٍ وَأَلف (1967), وَمَا وَقَعَ مِن احتِلَالِ سَينَاء، قَامَ اليَهودُ بِوَضعِ حَواجِزَ خَطِيرةٍ فِي طَرِيقِ الجَيشِ المِصرِيِّ الأَبِيِّ، كَانَ هُنَاكَ الحَاجِزُ المَائيُّ المُتمَثِّلُ فِي قَنَاةِ السُّوَيس، وَالذِي كَانَ عُبُورُهُ يُعَدُّ مُشكِلَةً أَمَامَ أَيِّ جَيشٍ فِي العَالَمِ...

ثُمَّ كَانَت هُنَاكَ مَادَّةُ النَّابَالْم الذِي يَلتَهِبُ مَتَى اتَّصَلَ بِالمَاءِ، وَقَد وَضَعَ اليَهُودُ مَقَادِيرَ هَائلَةً مِن هَذِهِ المَادَّةِ؛ لِتُطلَقَ بِواسِطَةِ أَنَابِيبَ عِندَ اللُّزُومِ إِلَى مَاءِ القَنَاة, ثُمَّ كَانَ هُنَاكَ السَّدُّ التُّرَابيُّ الهَائلُ الذِي وَضَعَهُ اليَهُودُ عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرقِيَّةِ لِلقَنَاة، وَأَخِيرًا؛ كَانَ هُنَاكَ خَطُّ بَارْلِيفَ المَنِيعُ المُزَوَّدُ بِأَحدَثِ المُعِدَّاتِ، وَالذِي كَانَ يَمْتَدُّ عَلَى طُولِ السَّاحِلِ الشَّرقِيِّ لِلقَنَاة.

فَهَذِهِ المَوانِعُ كُلُّهَا مَعَ المَانعِ النَّفسِيِّ، وَمَا أَشَاعُوهُ مِن أَنَّهُم القُوَّةُ الَّتِي لَا تُقهَر، وَأَخَذُوا يُرَوِّجُونَ لِذَلِكَ حَتَّى ثَبَتَ فِي أَذهَانِ وَقُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ العَرَبِ -مِنَ المِصرِيِّينَ وَغَيرِهِم-؛ فِي قُلُوبِ المُسلِمِينَ وَغَيرِ المُسلِمِين؛ «أُسطُورَةُ الجَيشِ الذِي لَا يُقهَر»، وَكَانَ هَذَا مِن أَعظَمِ الحَوَاجِزِ, وَمِن أَمنَعِ المَوَانِع!!

هَذَا الذِي وَقَعَ كَانَ اجتِيَازُهُ مُستَحِيلًا فِي ظَاهِرِ الأَمرِ؛ وَلَكِنْ فِي العَاشِرِ مِن رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسعِينَ وَثَلاثِ مِئَةٍ وَأَلف (10 رمضان 1393هـ)؛ اندَفَعَ الجَيشُ المِصرِيُّ إِلَى سَينَاءَ، وَكَأَنَّ كُلَّ شَيءٍ هُنَاكَ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ الزَّحفِ المِصرِيِّ، وَكَأَنَّ الأَرضَ كَانَت تَنتَظِرُ أَقدَامَ بَنِيهَا المِصرِيِّينَ؛ لِتَتَعَطَّرَ بِهَا, وَتُرَحِّبَ بِخُطُوَاتِهَا، وَقَد نَالَت هَذِهِ الحَربُ عِنَايَةَ المُؤلِّفِينَ المِصرِيِّينَ وَالعَرَبِ وَالأَجَانِبِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَامَةً بَارِزَةً فِي تَارِيخِ الحُروبِ، وَلِأَنَّهَا غَيَّرَت خُطَطَ الحَربِ فِي العَالَمِ, بَعدَ أَنْ استَطَاعَ الجَيشُ المِصرِيُّ -بِفَضلِ اللهِ تَعَالَى- أَنْ يَتَخَطَّى كُلَّ هَذِهِ العَقَبَاتِ الَّتِي مَرَّت الإِشَارَةُ إِلَيهَا بِنَجَاحٍ هَائلٍ، وَأَوَّلُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ:

-  أَنَّ السُّلُطَاتِ المِصْرِيَّةَ نَجَحَت فِي تَحقِيقِ المُفَاجَأَة, وَخَدَعَت الدَّولَةَ اللَّقِيطَةَ دَولَةَ اليَهُود- وَضَلَّلَتْهَا، فَلَم تَستَطِع وَمَعَهَا الاستِخبَارَاتُ الأَمرِيكِيَّةُ أنْ تَتَأَكَّدَ مِن عَزْمِ مِصرَ عَلَى الهُجُومِ.

-   وَأَمَّا مَادَّةُ النَّابَالْم؛ فَقَد استَطَاعَ الجَيشُ المِصرِيُّ أَنْ يُبطِلَ استِعمَالَهَا، فَقَد قَامَت وَحْدَاتُ الصَّاعِقَة بِسَدِّ أَنَابِيبِ النَّابَالَم وَتَخرِيبِهَا قَبلَ بَدءِ الهُجُومِ بِلَيلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا حَاوَلَ العَدُوُّ استِعمَالَهَا؛ فُوجِئَ بِنِهَايَتِهَا.

وَكَانَ اليَهُودُ يُبَالِغُونَ فِي تَقدِيرِ خَطِّ بَارلِيف، وَقَد أَعلَنَ (مُوشَى دَيَّان) أَنَّ اقتِحَامَ خَطِّ بَارلِيف وَالتَّغَلُّبَ عَلَيهِ؛ إِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ يَتَجَاوَزُ قُدرَةَ المِصرِيِّينَ، وَيَحتَاجُ إِلَى مُهندِسِي الجَيشَينِ السُّوفيِتِيِّ وَقتَهَا- وَالأَمرِيكِيِّ مَعًا.

وَجَاءَ يَومُ (العَاشِرِ مِن رَمَضَانَ) أَوْ (يَومُ الهَون) كَمَا سَمَّاهُ بَعضُ اليَهُود، وَبَعدَ مُنتَصَفِ النَّهَارِ بِقَلِيلٍ؛ انطَلَقَت أَكثَرُ مِن مِئَتَي طَائرَةٍ مِصرِيَّةٍ مُزَمجِرَةٍ مِنَ الغَربِ وَالشَّرقِ، فَدَمَّرَت مَرَاكِزَ قِيَادَةِ اليَهُود, وَمَرَاكِزَ التَّنَصُّت, وَمَواقِعَ صَوَارِيخِ هُوكْ فِي عُمقِ سَينَاء؛ فَأَصَابَت القِيَادَةَ اليَهُودِيَّةَ بِشَلَلٍ تَامٍّ.

وَعِندَمَا تَحَرَّكَت الطَّائِرَاتُ اليَهُودِيَّةُ مُتَّجِهَةً لمُوَاجَهَةِ الزَّحفِ المِصرِيِّ؛ سَرعَانَ مَا تَسَاقَطَت هَذِهِ الطَّائِرَاتُ بِسَبَبِ غَابَةِ الصَّوَارِيخِ المِصرِيَّةِ المُضَادَّةِ لِلطَّائِرَاتِ، وَقَامَت مَعَارِكُ جَوِيَّةٌ؛ قَالَ العَسكَرِيُّونَ عَنهَا: ((إِنَّهَا كَانَت خَمسِينَ مَعرَكَة!!)) أُسقِطَ لِليَهُودِ فِيهَا تِسعُونَ طَائرَة، بِالإِضَافَةِ إِلَى آلَافِ الطَّلْعَاتِ الجَوِيَّةِ الَّتِي حَقَّقَت أَرقَامًا قِيَاسِيَّةً, وَأَصَابَت الأَهدَاف, وَقَصَفَت تَجَمُّعَاتِ الجَيشِ اليَهُودِيِّ وَطَوابِيرَهِ المُدَرَّعَة، مِمَّا أَفقَدَ العَدُوَّ تَوَازُنَهُ.

وَمَع المَوجَاتِ المُتَلَاحِقَةِ مِنَ الطَّائِرَاتِ؛ كَانَ هُنَاكَ أَلفُ مِدفَعٍ تَهدِرُ فِي قَصفَاتٍ مُتَلَاحِقَةٍ، وَاندَفَعَت مَوجَاتُ العُبُورِ مِن أَبطَالِ مِصرَ بِوَاسِطَةِ قَوَارِبَ مِنَ المَطَّاطِ وَغَيرِهَا، وَكَانَ عُبُورُهُم تَحتَ وَابِلٍ مِنَ النِّيرَانِ، وَوَصَلَ الجُنُودُ المِصرِيُّونَ إِلَى النِّقَاطِ الحَصِينَةِ رَغمَ كُلِّ مُقَاوَمَة، وَمَعَ أَنَّ بَعضَ النِّقَاطِ كَانَت عَنِيدَةً فِي دِفَاعِهَا؛ فَإِنَّ جُنُودَ مِصرَ كَانُوا يَقتَحِمُونَ بِالمَدَافِعِ الرَّشَّاشَةِ وَالقَنَابِلِ اليَدَوِيَّةِ هَذِهِ الحُصُونَ.

وَكَانَ عَرضُ السَّاتِرِ التُّرَابِيِّ فِي بَعضِ المَوَاقِعِ مِئَتَي مِتر، وَلَمْ تَكُن الأَرضُ صَالِحَةً لِنَصْبِ جُسُورِ العُبُورِ، وَلَكِنَّ المُهَندِسِينَ المِصرِيِّينَ كَانُوا فِي أَعظَمِ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِم، وَكَانَ مُدِيرُ سِلَاحِ المُهَندِسِين يُشرِفُ بِنَفسِهِ عَلَى مَوَاقِعِ الجُسُورِ حَتَّى تَمَّت، وَقَضَى نَائِبُ مُدِيرِ سِلَاحِ المُهَندِسِينَ عَلَى أَحَدِ جُسُورِ العُبُورِ.

وَتَحَرَّكَت قُوَّاتُنَا البَحرِيَّةُ؛ لِتَضرِبَ أَهدَافًا حَيَوِيَّةً عَلَى شَاطِئِ البَحرِ الأَبيَضِ, وَعَلَى شَاطِئِ البَحرِ الأَحمَرِ عَلَى السَّوَاءِ, وَنَزَلَت القُوَّاتُ الخَاصَّةُ وَرَاءَ خُطُوطِ العَدُوِّ فِي عُمقِ سَينَاء؛ لِتَضرِبَ خُطُوطَ إِمدَادِهِ, وَلِتُعَطِّلَ هَجَمَاتِهِ المُضَادَّةَ وَتُعَرقِلُهَا، وَاستَمَرَّ التَّدَفُّقُ مِنَ الغَربِ وَالشَّرقِ فِي الوَقتِ نَفسِهِ، لَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَنقَطِع، وَفِي أَربعٍ وَعِشرِينَ سَاعَةً كَانَت لَدَينَا فِي الشَّرقِ خَمسُ فِرَقٍ كَامِلَةٍ، وَذَلِكَ شَيءٌ لَمْ يَحدُثْ مِثلُهُ مِن قَبلُ فِي تَارِيخِ الحُروبِ.

ونُسِفَت مَوَاقِعُ خَطِّ بَارلِيف، وَأُزِيلَت مِن أَمَاكِنِهَا إِلَى الأَبَد، وَتُرِكَت وَاحِدَةٌ مِنهَا لِلعِبرَةِ وَالذِّكرَى، فَفِي أَوَّلِ يَومٍ؛ دُمِّرَ لِلعَدُوِّ أَربَعَةَ عَشَرَ مَوقِعًا مِنهَا، وَفِي اليَومِ الثَّانِي؛ دُمِّرَت تِسعَةُ مَواقِع، وَهَكَذَا تَحَوَّلَت المَوَاقِعُ إِلَى رَمَادٍ، وَتَحَوَّلَ حِلمُ اليَهُودِ فِي الأَمنِ المُطلَقِ إِلَى أَنقَاضٍ وَرُكَامٍ.

وَفِي قَلبِ سَينَاءَ؛ دَارَت أَخطَرُ مَعَارِكَ لِلدَّبَّابَاتِ فِي التَّارِيخِ، وَذَلِكَ خِلَالَ يَومَي الرَّابِعَ عَشَر وَالخَامِسَ عَشَر مِن شَهرِ أكتُوبَر (14/10 15/10) المُوَافِق لِلثَّامِنَ عَشَرَ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ مِن شَهرِ رَمَضَانَ...

يَقُولُ العَسكَرِيُّونَ: ((إِنَّ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي دُمِّرَت فِي هَذِهِ المَعَارِكِ كَانَت تُعَدُّ بِالمِئَاتِ)).

وَيَقُولُ أَحَدُ قَادَةِ الأَلوِيَةِ اليَهُودِيَّةِ (يَشعِيَا بنِ بُورَات) فِي كِتَابِهِ ((التَّقصِير)):

((إِنَّ المِصرِيِّينَ كَانُوا يَركُضُونَ نَحوَ دَبَّابَاتِنَا دُونَ وَجَل، وَكَانُوا يَتَسَلَّقُونَهَا وَيَقتُلُونَ أَطقُمَهَا بِالقَنَابِلِ اليَدَوِيَّةِ وَالصَّوَارِيخِ وَهُم فِيهَا))!!

فِي غَمرَةِ الهَزائمِ الَّتِي نَزَلَت بِاليَهُودِ؛ كَثِيرٌ مِن مَوَاقِعِ العَدُوِّ أَعلَنَت اسْتِسلَامَهَا, وَرَفَعَت الرَّايَةَ البَيضَاءَ، وَكَانَ الصَّلِيبُ الأَحمَرُ يَتَدَخَّلُ مُعلِنًا أَنَّهُ لَيسَ هُنَالِكَ إِكرَاهٌ عَلَى الاسْتِسلَامِ، وَلَكِنَّ كَثرَةَ الضَّحَايَا وَفِقدَانَ الأَمَلِ جَعَلَ الاسْتِسلَامَ أَمرًا طَبْعِيًّا، وَأَدرَكَ قَادَةُ اليَهُود أَنَّهُ لَا أَمَلَ فِي الانتِصَارِ عَلَى المِصرِيِّينَ أَوْ رَدِّهِم عَن سَينَاءَ، فَأَرسَلَت رَئِيسَةُ وُزَرَاءِ إِسرَائيل (جُولدَا مَائِير) تَطلُبُ الغَوثَ مِنَ الرَّئيسِ الأَمرِيكِيِّ (رِيتشَارْد نِيكسُون)...

يَقُولُ العَسكَرِيُّونَ: ((إِنَّ استِغَاثَةَ (جُولدَا مَائِير) أَعَادَت إِلَى الأَذهَانِ إِشَارَاتِ الاستِغَاثَةِ الَّتِي تُرسِلُهَا السُّفُنُ المُوشِكَةُ عَلَى الغَرَقِ، وَكَانَت الاستِغَاثَةُ قَصِيرَةً وَحَاسِمَةً وَهِي: أَنقِذُونَا... الزِّلزَال!!)).

وَاستَجَابَت أَمِرِيكَا استِجَابَةً هَائلَةً لِهَذِهِ الاستِغَاثَة، فَأَسرَعَت بِإنشَاءِ جِسرٍ جَويٍّ إِلَى اليَهُودِ, يَحمِلُ الدَّبَّابَاتِ وَالطَّائرَاتِ وَقِطَعَ الغِيَار، وَكَانَت الدَّبَّابَاتُ تَنزِلُ مِنَ الطَّائِرةِ إِلَى المَيدَانِ بِأَطقُمِهَا الكَامِلَة, وَاستِعدَادَاتِهَا الشَّامِلَة!!

وَقَامَت وَزَارَةُ الدِّفَاعِ الأَمرِيكِيَّةِ (البَنتَاجُون) بِتَجرِيدِ بَعضِ فِرَقِ الجيشِ الأَمرِيكِيِّ مِن أَسلِحَتِهَا؛ لِدَفعِهَا بِسُرعَةٍ إِلَى اليَهُودِ، وَكَذِلِكَ أَصدَرَت تَعلِيمَاتِهَا بِإِمدَادِ الجَيشِ اليَهودِيِّ بِالدَّبَّابَاتِ وَالصَّوَارِيخِ مِنَ المَخزُونِ الاستِرَاتِيجِيِّ لِـ (حِلفِ الأَطلَنطِي) فِي القَارَّةِ الأُورُبِّيَّةِ.

وَبِالإِضَافَةِ إِلَى الأَسلِحَةِ وَالذَّخَائرِ؛ إِنهَالَ المُتَطَوِّعُونَ الأَمرِيكِيُّونَ مِنَ اليَهُودِ وَغَيرِهِم؛ لِيَأخُذُوا مَكَانَهُم بِجَانِبِ الجَيشِ اليَهُودِيِّ فِي أَزمَتِهِ الخَانِقَةِ, ثُمَّ وَقَعَت الثَّغرَة.

قَالَ (شَارُون): ((أَخَذَ المِصرِيُّونَ زِمَامَ المُبَادَرَةِ, وَاستَطَاعُوا أَنْ يُلحِقُوا أَفدَحَ الخَسَائرِ بِالجَيشِ الإِسرَائيلِيِّ كَذَا قَالَ-، وَكَانَ القِتَالُ يُمكِنُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي أَيِّ لَحظَةٍ, وَمَوقِفُنَا فِي غَايَةِ السُّوءِ، وَهَذَا سَيَكُونُ كَارِثَةً كَامِلَةً بِالنِّسبَةِ لِإِسرَائيلَ وَسُمعَتِهَا، وَمِن أَجلِ ذَلِكَ كَانَ لَابُدَّ مِن عَمَلِ شَيءٍ، فَأَلحَحْتُ عَلَى القِيَادَةِ لِتُوَافِقَ عَلَى تَنفِيذِ خُطَّتِي بِالعُبُورِ إِلَى الغَربِ فِي (الدِّفْرِسْوَارِ)، وَسَاعَدَتْنَا الوِلَايَاتُ المُتَّحِدَةُ؛ فَأَخْبَرَتْنَا أَنَّ هُنَاكَ فَرَاغًا بَينَ الجَيشَينِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ المِصرِيَّينِ، وَأَشَارَت عَلَينَا بِالعُبُورِ إِلَى الغَربِ!!

وَيُوَاصِلُ شَارُونُ قَولَهُ: وَلَكِنَّنِي شَعَرتُ فِي الأَيَّامِ الأُولَى لِهَذِهِ العَمَلِيَّةِ؛ أَنَّ إِقَامَةَ الجُسُورِ إِلَى الغَربِ كَانَ خَطئًا عَسكَرِيًّا؛ فَقَد كَانَ القَصفُ المِصرِيُّ بَالِغَ العُنف، وَفَشِلنَا تَمَامًا فِي حِصَارِ الجَيشِ الثَّالِثِ، وَانْتَهَزْنَا أَقرَبَ فُرصَةٍ لِنَعُودَ أَدرَاجَنَا إِلَى الشَّرقِ.

وَإِزَاءَ التَّدَخُّلِ الأَمرِيكِيِّ, وَبِسَبَبِ صَرخَاتِ مَجلِسِ الأَمنِ؛ كَانَ لَابُدَّ مِنْ إِيقَافِ المَعرَكَةِ، وَلَوْلَا تَدَخُّلُ أَمِرِيكَا لَكَانَ اليَهُودُ كُلُّهُم فِي خَطَرٍ، وَوَقَفَت المَعرَكَةُ عَلَى أَيِّ حَالٍ، وَبَدَأَ إِحصَاءُ خَسَائرِ إِسرَائيل)).

يَقُولُ القَادَةُ الإِسرَائيلِيُّونَ: ((إِنَّ خَسائِرَنَا حَتَّى اليَومِ الثَّالِثِ لِلحَربِ كَانَت هَائلَة، فَقَد سَقَطَ آلَافٌ مِنَ القَتلَى, وَجُرِحَ آلَافٌ آخَرُون، وَاسْتَسلَمَ عَدَدٌ كَبِيرٌ فَأُخِذُوا أَسْرَى، وَكَانَ مِنْ بَينِ هَؤُلَاءِ (عَسَّاف يَاجُورِي) قَائدُ اللِّوَاءِ المِئةِ وَالتِّسعِينَ المُدَرَّعَة)).

وَقَد تَجَاوَزَت الخَسَائِرُ البَشَرِيَّةُ فِي ذَلِكَ اليَومِ الرَّهِيبِ كُلَّ تَقدِيرٍ، أَمَّا عَن المُعِدَّات؛ فَقَد شَمِلَت خَمسِينَ وَمِئَتَينِ مِنَ الطَّائرَاتِ, وَثَمَانِ مِئَةٍ مِنَ الدَّبَّابَاتِ، وَذَلِكَ حَسَبَ تَقدِيرَاتِ مَعهَدِ الدِّرَاسَاتِ الاستِرَاتِيجِيَّةِ بِلَندَن.

وَكَذَلِك قَالَت المَصَادِرُ الإِسرَائيلِيَّةُ نَفسُهَا، وَقَالَت رَئيسَةُ وُزَرَاءِ إِسرَائيل:

((إِنَّ خَسَائِرَ بِلَادِهَا تَفُوقُ خَسَائِرَ الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَةِ فِي حُروبِ الهِندِ وَالصِّينِ, الَّتِي استَمَرَّتْ عَشْرَ سَنَوات، وَكَانَ الآلَافُ مِن قَتْلَى اليَهُودِ مِنَ الشُّبَّانِ الذِينَ لَمْ يَتَجَاوَز الوَاحِدُ مِنهُم الرَّابِعَةَ وَالعِشرِينَ مِنَ العُمرِ؛ لِذَلِكَ أَطلَقَ (مِنَاحِم بِيجِن) عَلى هَذِهِ الحَربِ (حَربَ الأَبنَاءِ))).

لَقَد أَحسَنَ (أَنوَر السَّادَات) الاسْتِعدَادَ لِلمَعرَكَةِ, وَنَجَحَ نَجَاحًا عَظِيمًا فِي إِدَارَتِهَا، وَقَالَ مُعَلِّقًا عَلَى ذَلِكَ: ((كَانَت ضَربَةُ الطَّيَرانِ المِصرِيَّةِ ضَربَةً رَائعَةً، أَعَادَت لِقُوَّاتِنَا المُسَلَّحَةِ كَرَامَتَهَا الَّتِي انتُهِكَت عَامَ سِتَّةٍ وَخَمسِينَ (1956) وَعَامَ سَبعَةٍ وَسِتِّين (1967)، وَكَانَ الهُجُومُ بِأَكثَرَ مِن مِئَتَي طَائرَة، وَخَسَارَتُنَا كَانَت ضَئيلَةً لَا تَزِيدُ عَن اثنَينِ بِالمِئَة (2%)، وَحَقَّقنَا تِسعَةً وَتِسعِينَ بِالمِئَةِ مِنَ الأَهدَافِ (99%)، أَمَّا خَسَارَةُ العَدُوِّ فَكَانَت قَاتِلَة)).

وَقَالَ رَئِيسُ الأَركَانِ آنَذَاك: ((إِنَّ تَحَرُّكَاتِ استِعدَادِنَا كَانَ يَصحَبُهَا تَحَرُّكَاتٌ أُخرَى نَقُومُ بِهَا لِلخِدَاعِ وَالتَّموِيهِ؛ لِنُحدِثَ ارْتِبَاكًا فِي تَقدِيرَاتِ مَنْ يُرَاقِبُ التَّحَرُّكَات، وَلِتَقُودَهُ إِلَى النَّتِيجَةِ الخَاطِئَةِ، وَكَانَت أَصعَبُ أَيَّامِ الخِدَاعِ هِيَ الأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ الأَخِيرَةَ، فَقَد كَانَت تَقتَضِي تَحَرُّكَاتٍ مُعَيَّنَةً، فَاحتَجنَا إِلَى دِقَّةٍ شَدِيدَةٍ فِي التَّقدِيرِ لِإِخفَاءِ هَدَفِهَا، وَلَكِنَّهَا أَوَّلًا وَأَخِيرًا كَانَت رِعَايَةُ اللهِ لَنَا، الَّتِي مَكَّنَتْنَا مِن تَحقِيقِ المُفَاجَئَاتِ بِالصُّورَةِ الَّتِي تَمَّت بِهَا)).

وَوَصَفَ المُشِيرُ (أَحمَد إِسمَاعِيل عَليِ) تَحَرُّكَاتِ المَعرَكَةِ فَقَالَ: ((عِندَمَا انطَلَقَت الشَّرَارَةُ, وَبَدَأَت «خُطَّةُ بَدر» -كَمَا أُطلِقَ عَلَيهَا عِندَ العَسكَرِيِّينَ-؛ بَدَأَ كُلُّ شَيءٍ يَتَحَرَّكُ وَفقًا لِهَذِهِ الخُطَّة)).

أَمَّا وَزِيرُ الجَيشِ الأَمرِيكِيِّ؛ فَقَد عَلَّقَ عَلَى هَذِهِ الحَربِ وَنَتَائجِهَا بِقَولِهِ:

((إِنَّ عُبُورَ القُوَّاتِ المِصرِيَّةِ لِقَنَاةِ السُّوَيس فِي مُوَاجَهَةِ التَّفَوُّقِ الجَوِّيِّ الإِسرَائيلِيِّ لَيُعتَبَرُ عَلَامَةً بَارِزَةً فِي الحُرُوبِ الحَدِيثَةِ، وَسَوفَ يُؤدِّي إِلَى تَغَيُّرَاتٍ فِي الاستِرَاتِيجِيَّةِ الحَربِيَّةِ، فَإِنَّ حَربَ الشَّرقِ الأَوسَطِ قَد فَجَّرَت وَبَدَّدَت كَثِيرًا مِنَ المَفَاهِيم، فَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي التَّارِيخِ الحَدِيثِ تَتَمَكَّنُ قَوَّةٌ عَسكَرِيَّةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ اقتِحَامِ قَنَاةِ السّوَيس دُونَ أَنْ تَفقِدَ أَيَّةَ طَائرَةٍ مِن طَائرَاتِهَا، وَذَلِكَ فِي مُوَاجَهَةِ عَدُوٍّ يَمتَلِكُ سِلَاحًا جَوِّيًّا مُتَفَوِّقًا)).

وَأَصدَرَ المَعهَدُ البِرِيطَانِيُّ لِدِرَاسَاتِ الحَربِ تَقرِيرًا ذَكَرَ فِيهِ:

((أَنَّ عُبُورَ الجَيشِ المِصرِيِّ لِقَنَاةِ السُّوَيس الذِي تَمَّ فِي السَّادِسِ مِن أُكتُوبَر أَيْ: فِي العَاشِرِ مِنْ رَمَضَانَ- كَانَ يَصعُبُ تَحقِيقُهُ بِهَذَا النَّجَاحِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ الأَمرُ مُجَرَّدَ عَمَلِيَّةِ تَدرِيبٍ بِدُونِ عَدُوٍّ مُوَاجِه)).

وَأَضَافَ المَعهَدُ قَائِلًا: ((لَمْ يَكُن هُنَاكَ مُنذُ عَشرِ سَنَوَاتٍ مَنْ يُصَدِّق أَنَّ المِصرِيِّينَ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِكِنَّهُم فَعَلُوهَا، لَقَد دَفَعُوا بِقُوَّاتِ هُجُومِهِم عَبْرَ القَنَاة, وَحَقَّقُوا أَعظَمَ النَّتَائج، لَقَد اسْتَيقَظَت رُوحُ القِتَالِ بِكُلِّ تَأكِيدٍ لَدَى المِصرِيِّين)).

وَيَقُولُ الكَاتِبُ اليَهُودِيُّ (آمنُون كَابليوك) فِي كِتَابِهِ ((انتِهَاءُ الخُرَافَة)):

((لَمْ يَتَصَوَّر أَحَد فِي إِسرَائيلَ أَنَّ المِصرِيِّينَ يُمكِنُهُم القِيَامُ بِمِثلِ هَذِهِ العَمَلِيَّةِ العَسكَرِيَّةِ, -يَقُولُ- وَلَا يَسَعُنَا الآنَ سِوَى أَنْ نُصَابَ بِالذُّهُولِ وَالوُجُومِ؛ لِأَنَّنَا جَمِيعًا وَقَعنَا فِي هَذَا الوَهمِ الهَشِّ الذِي كَانَ بَعِيدًا كُلَّ البُعدِ عَن الوَاقِع)).

فَهَذَا مَا كَانَ بِلِسَانِ أَعدَائِنَا فِي الجُملَةِ وَبِشَهَادَاتِهِم!!

أَفَنُصَدِّقُ هَؤلَاءِ؛ أَمْ نُصَدِّقُ مَنْ لَمْ يَشهَد حَربًّا, وَلَمْ يَحمِلْ سِلَاحًا؟! وَلَوْ شَهِدَهَا لَكَانَ خَائنًا!!

فَهُم خَوَنَةٌ، يَخُونُونَ الدِّينَ, وَيَخُونُونَ الأَرضَ, وَيَخُونُونَ العِرض، وَلَمْ يَحدُث قَطُّ أَنْ هُزِمَت مِصرُ فِي مَعرَكَةٍ إلَّا بِسَبِبِ الخِيَانَةِ!!

بِالخِيَانَةِ وَحدَهَا يَنتَصِرُ أَعدَاؤُنَا, وَإِنَّكَ لَتَشُمُّ رَائحَةَ الخِيَانَةِ النَّتِنَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَا يُخَافُ عَلَى جَيشِنَا الأَبِيِّ, وَلَا عَلَى دَولَتِنَا الفَتِيَّة إِلَّا مِنَ الخَوَنَةِ -عَامَلَهُم اللهُ تَعَالَى بِعَدلِهِ, وَكَشَفَ سَترَهُم, وَفَضَحَ أَمرَهُم، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ-.

لا يُخشَى عَلَى هَذَا البَلَدِ مِن عَدُوٍّ مَا تَمَسَّكَ أَبنَاؤُه بِدِينِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا-، فَإِنَّ الإِعدَادَ الرُّوحِيَّ وَالدِّينِيَّ وَالنَّفسِيَّ الذِي سَبَقَ حَربَ العَاشِرِ مِن رَمَضَانَ كَانَ إِعدَادًا صَحِيحًا...

وَكَانَ العُلَمَاءُ يَذهَبُونَ إِلَى الجُنُودِ المُقَاتِلِينَ عَلَى الجَبهَةِ؛ يَعِظُونَهُم وَيُذَكِّرُونَهُم بِفَضلِ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَن مَاتَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَن مَاتَ دُونَ أَرضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، لَيسَ النَّصُّ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ مَفهُومُ النَّص: ((مَن مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهيدٌ))، وَالأَرضُ مَالٌ؛ فَمَنْ مَاتَ دُونَها فَهُوَ شَهِيدٌ، فَإِذَا كَانَ يُدَافِعُ عَن أَرضِ الإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ فَمَاتَ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ.

إِنَّهُم يُجِرِّدُونَنَا مِن كُلِّ مِيزَةٍ!!

إِنَّهُم يُعَرُّونَنَا مِن كُلِّ فَضلٍ!!

وَلَا تَجِدُ أَحدًا عَلَى ظَهرِ الأَرضِ يُسَفِّهُ تَارِيخَ أُمَّتِهِ, وَيَحتَقِرُ مُقَدَّرَاتِهَا, وَيَطعَنُ فِيهَا, وَيَلعَنُ جِنسَ أَبنَائِهَا؛ سِوَى الخَوَنَةِ مِنَ المِصرِيِّينَ!!

إِنَّ أَبنَاءَ جُمهُورِيَّاتِ المَوْز يَفخَرُونَ بِأَرضِهِم الَّتِي يَنتَمُونَ إِلَيهَا, وَبِأَعرَاقِهِم الَّتِي يَنتَسِبُونَ إِلَيهَا، وَأَمَّا الإِخوَانُ المُسلِمُونَ مُنذُ نَشَأُوا فِي هَذِهِ الأَرضِ الطَّاهِرَةِ؛ قَد دَنَّسُوا الأَفكَارَ, وَلَوَّثُوا المُعتَقَدَات، وَهَوَّنُوا عَلَى النَّاسِ كُلَّ عَزِيزٍ، وَحَرَّكُوا الثَّوَابِتَ فَجَعَلُوهَا مُتَغَيِّرَات!!

فَالأَرضُ لَا قِيمَةَ لهَا!!

سَلِّم بَلَدَك لِعَدُوِّكَ وَلَا تَثرِيبَ عَلَيك؛ فَالأَرضُ للهِ!!

كَذَا كَانَ تَعلِيمُ هَذَا الجِيلِ الفَاسِدِ مِن أَبنَاءِ المِصرِيِّينَ, حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَا هُم عَلَيهِ!!

فَتَرَى اليَومَ جِيلًا فَاسِدًا مِنَ الشَّبَابِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا- لَا يَعرِفُ انتِمَاءً, وَلَا يَعرِفُ وَلَاءً، لَا يَنتَمِي لِدِينٍ, وَلَا لِبَلَدٍ, وَلَا لِأَرضٍ, وَلَا لِتَارِيخٍ, وَلَا لِجُغرَافيَا, وَلَا لِشَيءٍ!!

وَلَا يُوَالِي إِلَّا عَلَى الأَهوَاءِ وَالنَّزعَاتِ؛ عَلَى الخِيَانَةِ الَّتِي لَنْ يُؤتَى جَيشُ مِصرَ إِلَّا مِنهَا حَفِظَهُ اللهُ ربُّ العَالمِينَ مِنَ الخَوَنَةِ وَالخَائنِينَ، وَجَعَلَ كَيدَهُم فِي نَحْرِهِم, وَأَنزَلَ عَلَيهِم نِقمَتَهُ وَسَخَطَهُ, وَكَشَفَ أَمرَهُم وَهَتَكَ سِترَهُم, وَفَضَحَ دَخِيلَتَهُم، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير-.

مِن مَفَاخِر العَصرِ الحَدِيث؛ أَنَّ هَذِهِ الحَربُ الَّتِي انتَصَرَ فِيهَا المُسلِمُونَ فِي هَذَا العَصرِ...

هَلْ عِندَ المُسلِمِينَ... هَل عِندَ العَربِ فِي هَذَا العَصرِ الحَدِيثِ نَصرٌ إِذَا نَحَّينَا العَاشِرَ مِن رَمَضَانَ جَانِبًا؟!

أيُّ نَصرٍ عِندَهُم؟! وَفِي أَيِّ مَجَالٍ انتَصَرُوا؟!

هَذِهِ الحَربُ العَظِيمَةُ, وَهَذَا النَّصرُ اليَتِيمُ؛ لمَاذَا نُحَقِّرُهُ؟!

أَمِنْ أَجلِ أَنْ نَقُولَ إِنَّ الجَيشَ المِصرِيَّ الذِي قَدَّرَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَكُونَ حَاجِزَ الصَّدِّ ضِدَّ مُؤامَرَاتِ كُلِّ مُؤتَمِر وَمَكَائدِ كُلِّ كَائد...

أَنَّ الجَيشَ المِصرِيَّ الذِي جَعَلَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَكَذَا؛ يَنبَغِي أَنْ يُزَاحَ أَوْ أَنْ تَحدُثَ فِيهِ ثَغرَة!!

مِنْ أَجلِ أَنْ تَنفُذَ تِلكَ الوُحُوشُ الضَّارِيَاتُ إِلَى أَهلِ هَذَا الوَطَنِ الآمِنِينَ, الذِينَ تَرَبَّوْا فِي سَلَامٍ، وَنَعِمُوا بِالأَمنِ وَالاطمِئنَانِ، وَخَلَت نُفُوسُ كَثِيرٍ مِنهُم مِنَ الشُّرُورِ، وَلَا يَطمَعُونَ إِلَّا فِي كِسْرَةٍ مِنَ الخُبزِ وَإِلَّا فِي خِرقَةٍ مِنَ الثِّيَابِ، فَهَذِهِ تَسُدُّ الجَوعَة، وَهَذِه تَستُرُ العَورَة!!

ثُمَّ لنَمْضِ قُدُمًا مِن أَجلِ رِفعَةِ بَلَدِنَا عَلَى أَسَاسٍ مِنْ قِيَمِنَا وَمُثُلِنَا, وَعَلَى مَبَادِئِ دِينِنَا الحَنِيف، وَلَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ رِفعَةٌ؛ إِلَّا بِمِثلِ هَذَا الجِدِّ الذِي لَا هَزلَ فِيهِ.

إِنَّ الأُمَمَ لَا يَعلُو شَأنُهَا، وَلَا تَرتَفِعُ مَكَانَتُهَا، وَلَا تُطعَمُ مِن جُوعٍ، وَلَا تُثرِي مِنْ بَعْدِ فَقْرٍ بِالأَغَانِي, بِالخَلَاعَةِ, بِالمُيُوعَةِ, بِالانفِكَاكِ مِن قَيْدِ الأَخلَاقِ وَالسُّلُوكِ، فَإِنَّ هَذَا يُؤَخِّرُ وَلَا يُقَدِّم!!

وَأَنتَ خَبِيرٌ بِأَنَّكَ إِذَا لَمْ تَتَقَدَّم تَأَخَّرت، لَيسَ هُنَالِكَ وُقُوفٌ فِي المُنتَصَفِ، يَتَقَدَّم أَوْ يَتَأَخَّر، فَهَذِهِ الأُمَّةُ لَا تَحتَاجُ إِلَى أَمثَالِ هَذِهِ الكَلِمَاتِ الآن، تَحتَاجُ إِلَى الجِدِّ, إِلَى العَمَلِ, إِلَى الإِنتَاجِ, إِلَى الإِخلَاصِ, إِلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ, وَالسَّوَاعِدُ الفَتِيَّةُ تَعمَلُ بِجِدٍّ وَإِخلَاصٍ.

وَأَمَّا أَصحَابُ الكَلَامِ فِي الاستُوديُوهَاتِ المُكَيَّفَةِ, عَلَى المَقَاعِدِ الوَثِيرَةِ, وَالمَآكِلِ وَالمَطَاعِمِ اللَّذِيذَةِ فِي مَدِينَةِ الإِنتَاجِ الإِعلَامِيِّ وَغَيرِهَا، مَاذَا يَصنَعُون؟!!

يُؤَمَّنُون؛ يُؤَمِّنُهُم الجُنُودُ مِنَ الجَيشِ وَالشُّرطَةِ فِي الحَرِّ القَائِظِ الذِي لَوْ وَضَعْتَ فِيهِ قِطعَةً مِنَ اللَّحمِ عَلَى الرِّمَالِ لَنَضَجَت؛ مِن شِدَّةِ حَرَارَتِهَا، وَفِي اللَّيلِ القَارِصِ بِبَردِهِ, يُؤَمِّنُونَهُم!!

وَأَيضًا يُؤَمِّنُونَ التَّيَّارَ الكَهرُبَائِيَّ الذِي يَصِلُ إِلَيهِم؛ لِتَصِلَ كَلِمَتُهُم هُمُ!!

هُمْ مَاذَا يَصنَعُون؟!!

يَنخَرُونَ فِي أُسُسِ وَأُصُولِ هَذَا البَلَدِ!!

لمَاذَا تَصنَعُونَ ذَلِكَ؟! أَلَيسَ هَذَا مِنَ الخِيَانَةِ؟!

لمَاذَا لَا تَسِيرُونَ جَمِيعًا مَعَ قِيَادَةِ هَذَا البَلَدِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ؟!

لمَاذَا تَكُونُونَ ضِدًّا؟ وَتَكُونُونَ عَيْلةً؟!

لمَاذَا تُحَارِبُونَ مَنْ يُرِيدُ بِإِخلَاصٍ الخَيرَ لهَذَا البَلَد؟!

أَلَا فَاصْمُتُوا، إِنْ لَمْ تَقُولُوا خَيرًا فَاصْمُتُوا؛ ((فَلْيَقُل خَيرًا أَوْ لِيَصمُت)).

مِن مَفَاخِرِ العَصرِ الحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّصرِ المُؤَزَّرِ:

أَنَّ الأُمَّةَ قَد اجتَمَعَت كُلَّهَا فِي صَفٍّ وَاحدٍ عَلَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ.

قَاتَلَت سُورِيَّا فِي المَيدَانِ السُّورِيِّ بِشَجَاعَةٍ، فَشَغَلَت جُزءًا كَبِيرًا مِن جَيشِ العَدُوِّ، وَقَدَّمَ العَرَبُ الأَموَالَ لِلمَعرَكةِ بِسَخَاءٍ وَبَعضَ الجُنُودِ، وَقَدَّمُوا الدَّعمَ مَعنَوِيًّا وَنَفسِيًّا وَمَادِّيًّا وَأَدَبِيًّا؛ كَمَا فَعَلَ المَلِكُ العَظِيمُ فَيصَلُ بنُ عَبدِ العَزيزِ رَحِمَهُ اللهُ رَحمَةً وَاسِعَةً-، وَقَد أَحسَنْ أَحسَنَ اللهُ إِلَيهِ- استِخدَامَ سِلَاحِ البِترُول فِي حَربِ العَاشِرِ مِن رَمَضَانَ، وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- يَصدُرُ عَن رُوحٍ إِسلَامِيَّةٍ نَقِيَّةٍ, وَقَلبٍ عَرَبِيٍّ أَبِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى رَحمَةً وَاسِعَةً-.

وَكَانَ هَذَا التَّعَاونُ بَينَ العَرَبِ كَافَّةً مِن أَسبَابِ النَّصرِ، فَلَيتَ المُسلِمِينَ يَحرِصُونَ عَلَى التَّآلُفِ، وَيَنبِذُونَ الأَحقَادَ وَالفُرقَةَ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ؛ لَكَانَ لَهُم النَّصرُ الدَّائِمُ بِفَضلِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا-.

أَلَا فَلْيَنْتَهِ أَقوَامٌ عَن خِيَانَتِهِم لِدِينِهِم، وَعَن خِيَانَتِهِم لِأَرضِهِم وَوَطَنِهِم!!

أَلَا فَلْيَنتَهِ أَقوَامٌ عَن هَذِهِ الآثَام، وَإِنْ لَمْ يَفعَلُوا الخَيرَ؛ فَلْيَكُفُّوا عَنِ الشَّرِّ!!

إِنْ لَمْ يَستَطِيعُوا الإِحسَانَ إِلَى النَّاسِ؛ فَلْيَكُفُّوا عَنهُم إِسَاءَتَهُم!!

إِنَّهُ الصِّرَاعُ عَلَى السُّلطَةِ بِاسمِ الدِّين!! وَهَيهَاتَ يَكُونُ نَصرٌ لِمَن كَانَ كَذَلِك.

نَسأَلُ اللهَ أَنْ يَحفَظَ هَذَا البَلَدَ وَجَمِيعَ بِلَادِ المُسلِمِينَ بِحِفظِهِ الجَمِيل، وَأَنْ يُنَجِّيَهُ وَجَيشَهُ البَاسِلُ مِن خِيَانَةِ الخَائنِينَ، وَكَيدِ الكَائدِينَ، وَحِقدِ الحَاقِدِينَ، وَائتِمَارِ المُؤتَمِرِينَ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  تَعَلُّمُ دِينِ اللهِ فِيهِ خَيْرٌ كَبِيرٌ
  أيسجد القلب؟!
  إنَّمَا يَتَعثَّرُ مَن لمْ يُخلِص
  دفع البهتان حول عبارة (فيواطئ الهوى الهوى)
  جاهِدْ نفسكَ وﻻ تَغتر
  جرب هذا قبل أن تُقدم على أي معصية
  شيخ الإسلام بن تيمية المفترى عليه في القديم والحديث
  هَلْ المُصِرُّ عَلَى الكَبِيرَةِ لَا يَتُوبُ مِنْهَا يَكُونُ كَافِرًا؟!
  رسالة أب لابنه الصغير!
  أيسجد القلب؟
  حَذَارِ أخي أنْ يُؤتَى الإسلامُ مِن قِبَلِكَ!!
  هل هناك فرقة يُقال لها الرسلانية أو الجامية أو السلفية المدخلية؟
  بدعة ربط الدعوة بالحزب
  كُفَّ لسانَك عما لا يعنيك
  أهمية نعمة الأمن
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان