تفريغ مقطع : أكثر الناس يكرهون الحق ويكرهون سماعه ويكرهون من جاء به!!
الناسُ يَحْيَونَ دائمًا في الأوهامِ والأكاذيبِ، ويأخذونَ بِمَا يُسَمَّى بالحِيَلِ الدِّفَاعيَّةِ مِن أَجْلِ أَلَّا ينكسرَ أمامَ نَفْسِهِ وأمامَ مُجتمعِهِ.
مِن الحِيَلِ النَّفسيةِ شيءٌ معروفٌ وهو التبريرُ، وكذلك مِن الحِيَلِ النَّفسيةِ: الإسْقَاط وهو أَمْرٌ معروفٌ أيضًا، التبريرُ يعرفُهُ النَّاسُ جميعًا ويضربونَ عليه المَثَل، ولَكنَّهُم لا يلتفتونَ إلى معناه, ولا يجتهدونَ في معرفةِ مَغْزَاهُ، حتى لا يأخذوا بتلكَ الحيلةِ الدِّفَاعيَّةِ مع وقوعِهِم في الأخطاءِ، فَيُبَرِّرُونَ لأَنْفُسِهِم أخطائَهُم.
تَذكرونَ قِصَّةَ الثَّعْلَبِ الذي أرادَ أنْ يَتحصلَ على قِطْفِ العِنَبِ، وكان عاليًا، فأخذَ يَثِبُ مِن أَجْلِ أنْ يُحَصِّلهُ، فَلَم يَبْلغهُ، ففي النهايةِ قالَ هو حَامِض، فهذا تبريرٌ، تَجِدُ هذا كثير عند الطلابِ مَثَلًا إذا مَا تَحَصَّلُوا على الثانوية ثم تَقَدَّمُوا إلى كليةٍ مِن الكُليَّاتِ التي تتطلبُ مُقَدَّراتٍ وقُدُرَاتٍ خاصة، ويكونُ حريصًا غايةِ الحِرْصِ على الالتحاقِ بِهَا؛ فَيَفْشَلُ، فيقولُ إذا ما أُخْبِرَ بِفَشَلِهِ: تعلمونَ لو أنني قُبِلْتُ فيها؛ ما دَخَلْتُهَا، هل هذه كليَّة؟ هل هذا مُستقبل؟
هذا تبرير، وهو يحاولُ جاهدًا ألَّا ينكسرَ أمامَ نَفْسِهِ.
الناسُ في الجُملةِ يَحيَونَ في الأكاذيبِ، لا يُواجِهُونَ الحقائقَ وإذا وَاجَهَهُم أحدٌ بالحقيقةِ عارية؛ فإنَّهُم يُبغضونَهُ ويُحاربونَهُ، مع أنَّ الحقيقةَ لا يُمكنُ أنْ يَمْترِيَ فيها أَحَدٌ.
أيضًا الإسقاطُ، وتَعْجَبُ غايةَ العَجَبِ عندما تجدُهُ في الحياةِ ولا تكونُ مُطَّلِعًا على خلفيتِهِ ومغزاهُ، أبٌ قاسٍ فيه صَرَامَةٌ وخُشونةٌ وعُنْف؛ فَيَقْسُو على وَلَدِهِ قَسْوَةً مُفْرِطَةً مِن غيرِ ما مُبَرِّرٍ، وَعَمٌّ أليفٌ شفيقٌ رحيمٌ ودودٌ يَحْنُو على ابنِ أخيهِ أكثرَ مِمَّا يحنو عليه أبوه، فماذا تَجِدُ؟
تَجِدُ الولدَ الذي يَقْسُو عليه أبوهُ؛ يَطْعَنُ ويَذُمُّ عَمَّهُ، هذا إسقاطٌ، هو لا يريدُ أنْ يَذُمَّ عَمَّهُ الذي يَحْنُو عليه ويرحمُهُ ويَوَدُّهُ، وإنَّمَا يريدُ بالذَّمِ وبالقَدْحِ أبَاهُ، ولكنَّهُ لا يُواجِهُ نَفْسَهُ، فماذا يصنعُ؟
يُنْزِلُ سُخْطَهُ كُلَّهُ ونِقْمَتَهُ على عَمِّهِ الذي يرحمُهُ، هذا إسقاطٌ، نحنُ نفعلُ هذا طوالَ الوقتِ، الناسُ لا يُحبِّونَ الحقيقةَ، وإذا وَاجَهَهُم أَحَدٌ بالحقيقةِ أَبْغضوهُ كمَا يُبغضونَ الحقيقة.
مِن الحقائقِ الكُبْرَى في هذا الوجودِ: الموتُ، فإذا قُلْتَ لإنسانٍ ستموت، بل أنتَ مَيِّت كما قالَ اللهُ -تباركَ وتَعَالَى- لِنَبيِّهِ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾؛ يعني ستموتُ وسيموتونَ، هذه حقيقةٌ لا يمتري فيها أَحَدٌ، وكلُّ النَّاسِ يتأكدونَ غايةَ التَّأكُّدِ مِن هذه الحقيقةِ، ومع ذلك يُبغضونَهَا ويُبغضونَ مَن يُذَكِّرُهُم ويُواجِهُهُم بها، وإذا وُجِهُوا بها فَتَذَّكرُوهَا؛ لم يَعْملوا لَهَا، مع أنَّ اللهَ -تباركَ وتعالى- وَاجَهَ بِهَا نَبيَّهُ ومُصْطَفَاهُ وأَحَبُّ الخَلْقِ إليه وأَشْرَفُ خَلْقِ اللهِ -جَلَّ وعَلَا-:؛ فقال: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾.
كثيرٌ مِن الأمورِ، تبدأُ بدايةً خاطئةً، فيجبُ على الإنسانِ أنْ يتوقفَ:
لماذا أنتَ في هذا المَسَارِ؟
لماذا أنت في هذا السبيل؟
ما الذي أَوْجَدَكَ في هذا المجالِ الذي أنت فيه؟
لماذا تأخذُ بهذه الحِرْفَةِ؟ ولماذا تَمْتَهِنُ هذه المِهْنَة؟
ولماذا تتعاملُ مع الناسِ بهذا الأسلوبِ؟
ولماذا تُحَصِّلُ غاياتِكَ بهذه الأساليب؟
ينبغي على الإنسانِ أنْ يتوقفَ؛ لأنكَ لم تَبْدَأ بدايةً اختيارية، وإنَّمَا فُرِضَ عليكَ ذلك فَرْضًا، ولم تتوقف مِن أَجْلِ أنْ تُرَاجَعَ، واللهُ ربُّ العالمينَ قد أرسلَ إلينا نَبيَّهُ الكريم -صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلم- يُذَكِّرنَا بالحقائقِ، بِضَعْفِ الإنسانِ، فالإنسانُ ضعيفٌ، وخُلِقَ الإنسانُ مِن ضَعْفٍ، ويَحْيَى في الضَّعْفِ ويموتُ ضعيفًا، ويُبْعَثُ يومَ القيامةِ بِلَا حَوْلٍ ولا حِيلة.
الإنسانُ لا يستطيعُ أبدًا أنْ يُواجِهَ نَفْسَهُ بِضَعْفِهِ، هل تَجِدُ مُتَكبرًا قَط يُقِرُّ بِضَعْفِ نَفْسهُ وأنه لا حَوْلَ له و لا حيلة، مع أنَّ هذه حقيقةٌ لا يستطيعُ أنْ يفعلَ شيء، بل إنهُ لو حَاوَلَ أنْ يُثْبِتَ لِنَفْسِهِ قوتَهُ و قدرتَهُ بشيءٍ مِن ذَاتِهِ بأنْ يرفعَ يَدَهُ مَثَلًا هكذا لَيْلًا طويلًا!! –ورفع الشيخ يده لأعلى- لا يستطيعُ، فإذا كان لا يستطيعُ السيطرةَ على عضوٍ مِن أعضائِهِ، فكيف بجَسدِهِ كلِّهِ؟ فكيف بمُستقبلِهِ؟ فكيف بمستقبلِ الناسِ مِن حولِهِ؟
التعليقات
مقاطع قد تعجبك