تفريغ مقطع : مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ

مَنْ كَانَ عَادَتُهُ وَطَبْعُهُ كُفْرَانَ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكَ شُكْرِهِ لَهُم؛ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَرْكُ الشُّكْرِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِكُفْرِ نِعْمَةِ المُنْعِمِ عَلَيْهِ مِنَ الخَلْقِ يَتَمَرَّسُ عَلَى الكُفْرَانِ, وَيَتَدَرَّبُ عَلَى الجُحُود.

وَأَمَّا إِذَا مَا اعْتَادَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ أَكْرَمَهُ, وَأَنْ يَشْكُرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ, مَهْمَا وَصَلِ إِلَيْهِ عَنْ طَرِيقِهِ مِنْ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ, إِذَا تَمَرَّسَ عَلَى ذَلِكَ وَتَدَرَّبَ عَلَيْهِ؛ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ للَّهِ شَكُورًا, وَأَنْ يَكُونَ للَّهِ ذَكُورًا.

{أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل: 71]

قَالَ الشِّنْقِيطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((هَذَا إِنْكَارٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِم جُحُودَهُم بِنَعْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الكَافِرَ يَسْتَعْمِلُ نِعَمَ اللَّهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ؛ فَيَسْتَعِينُ بِكُلِّ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يَرْزُقُهُم وَيُعَافِيهِم، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَجُحُودُ النِّعْمَةِ كُفْرَانُهَا)).

جُحُودُ النِّعْمَةِ كُفْرَانٌ بِالنِّعْمَةِ!!

وَلَوْ أَنَّكَ تَأَمَّلْتَ فِي أَحْوَالِكِ، وَتَأَمَّلْتَ فِي ظَاهِرِكَ وَبَاطِنِكَ؛ لَعَلِمْتَ عَظِيمَ حِيَاطَةِ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ لَكَ؛ إِذْ يَنْتَشِلُكَ مِنْ وَادِي الظُّنُونِ تَعْبَثُ بِكَ, وَإِنْ يَأْتِ بِكَ مِنَ الشُّرُورِ؛ لِيُقِيمَكَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وَإِذْ يُنْعِمُ عَلَيْكَ بِالقَلْبِ الشَّاكِرِ وَاللِّسَانِ الذَّاكِرِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ سِوَاهُ, فَهُوَ المُنْعِمُ بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَحْدَهُ، وَهُوَ المَانُ بِهِ لَا يَمُنُّ بِهِ إِلَّا هُوَ.

لَوْ تَأَمَّلْتَ لَعَلِمْتَ عَظِيمَ قَدْرِ نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَهُوَ بَعْدُ يُصَرِّفُكَ فِي أَحْوَالٍ مِنَ التَّمَتُّعِ بِلَذَّاتِهَا، وَيَصْرِفُ عَنْكَ السُّوءَ فِيهَا؛ مِنْ حَسَدِ حَاسِدٍ, وَحِقْدِ حَاقِدٍ, وَمَكْرِ مَاكِرٍ, وَهُوَ بِكَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ.

قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: ((لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي المَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَر...))

أَيْ: كَفَرَ النِّعْمَةَ وَجَحَدَ المَعْرُوفَ، لَا يَعْنِي الكُفْرَ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنَّمَا يَعْنِي كُفْرَانَ النِّعْمَةِ وَجُحُودَهَا؛ وَإِنَّهُ لَمُؤْلِمٌ لِلْقَلْبِ حَقًّا كَأَنَّما يَمَسُّهُ بِمِيسَمٍ مِنْ نَارٍ؛ إِذْ تُبْسَطُ يَدُ المَعْرُوفِ فَتُقْبَضُ يَدُ الشُّكْرِ بَلْ تُبْسَطُ يَدُ الجَحْدِ، وَيَدُ الإِهَانَةِ، وَيَدُ الاسْتِهَانَةِ!!

وَمَنْ يَقْوَى عَلَى تَحَمُّلِ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ قَوَّاهُ اللَّهُ, وَمَنْ يَثْبُتُ بَعْدُ عَلَى العَطَاءِ إِلَّا مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ.

((لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي المَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَر؛ فَإِنَّهُ يَشْكُرُكَ عَلَى المَعْرُوفِ مَنْ لَا تَصْنَعُهُ إِلَيْهِ)).

فَأَنْتَ إِذَا صَنَعْتَ المَعْرُوفَ, فَجَحَدَهُ مَنْ صُنِعَ مَعَهُ المَعْرُوفُ, حَمِدَكَ عَلَى المَعْرُوفِ الَّذِي صَنَعْتَهُ مَنْ لَمْ تَصْنَعْ لَهُ المَعْرُوفَ!!

((إِعْطَاءُ الفَاجِرِ يُقَوِّيهِ عَلَى فَجُوُرِهِ، وَمَسْأَلَةُ اللَّئِيمِ إِهَانَةٌ لِلْعِرْضِ، وَتَعْلِيمُ الجَاهِلِ زِيَادَةٌ فِي الجَهْل...))

تَعْلِيمُ الجَاهِلِ زِيَادَةٌ فِي الجَهْلِ!! لمَّا ابْتُذِلَ العِلْمُ لِأَوْلَادِ السِّفْلَةِ؛ صَارَ الأَمْرُ إِلَى مَا تَرَى وَسَتَرَى!!

لَا بُدَّ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ، وَعُلُوِّ الهِمَّةِ، وَكَانُوا يَتَصَفَّحُونَ طُلَّابَهُم كَمَا يَتَصَفَّحُونَ طُلَّابَ حَرِيمِهِم، وَلَا يَبْذُلُونَ العِلْمَ إِلَّا لِمَنِ اسْتَحَقَّهُ.

وَأَمَّا العِلْمُ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَهُوَ مَبْذُولٌ، فَلَمَّا صَارَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ مَبْذُولًا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الخَسِيسَةِ لِيَرْتَفِعُوا بِهِ دُنْيَا لَا دِينًا؛ صَارَ الأَمْرُ إِلَى مَا تَرَى وَسَتَرَى إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا.

((وَتَعْلِيمُ الجَاهِل زِيَادَةٌ فِي الجَهْلِ, وَالصَّنِيعَةُ عِنْدَ الكَفُورِ إِضَاعَةٌ لِلنِّعْمَةِ، فَإِذَا هَمَمْتَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَارْتَدِ المَوْضِعَ قَبْلَ الإِقْدَامِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الفِعْلِ)).

قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ((كُنْ مِنْ خَمْسَةٍ عَلَى حَذَر: مِنْ لَئِيمٍ إِذَا أَكْرَمْتَهُ، وَكَرِيمٍ إِذَا أَهَنْتَهُ، وَعَاقِلٍ إِذَا أَحْرَجْتَهُ، وَأَحْمَقَ إِذَا مَازَجْتَهُ، وَفَاجِرٍ إِذَا مَازَحْتَهُ)) فَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى حَذَرٍ.

إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ... وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا

نُكْرَانُ الجَمِيلِ وَجُحُودُ المَعْرُوفِ: أَلَّا يَعْتَرِفَ الإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ بِمَا يُقِرُّ بِهِ قَلْبُهُ وَفُؤُادُه مِنَ المَعْرُوفِ وَالصَّنَائِع الجَمِيلَةِ الَّتِي أُسْدِيَتْ إِلَيْهِ سَوَاءٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- أَوْ مِنَ المَخْلُوقِين.

احْذَرْ هَذَا الخُلُقَ فَإِنَّهُ مَدْعَاةٌ لِذَهَابِ نَعْمَةِ اللَّهِ عَنْكَ, وَتَعْذِيبِ اللَّهِ إِيَّاك -إِنْ لَمْ يَرْحَمْكَ بِمَشِيئَتِهِ وَرَحْمَتِهِ- إِنْ تَوَرَّطْتَ فِي شَيْءٍ مِنَ ذَلِكَ. كَمَا مَرَّ فِي النُّصُوصِ, وَكَمَا قَالَ الأَئِمَّةُ فِي الشُّرُوحِ.

اتَّقِ اللَّهَ رَبَّك... كُنْ شَرِيفَ النَّفْسِ, وَإِذَا خَاصَمَتَ فَلَا تَفْجُر.

إِيَّاكَ وَالفُجُورَ فِي الخُصُومَةِ.

لَا يَفْجُرُ فِي الخُصُومَةِ مُؤْمِنٌ قَطُّ؛ لِأَنَّ الفُجُورَ فِي الخُصُومَةِ مِنْ خِصَالِ المُنَافِقِين ((وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر)).

وَأَمَّا المُؤْمِنُ؛ فَإنَّهُ إِذَا خَاصَمَ أَدْرَكَتْهُ خِصَالُ يَقِينِهِ، وَأَحْوَالُ مُرُوءَتِهِ، وَدَعَائِمُ إِيمَانِهِ فَمَنَعَتْهُ مِنَ التَّوَرُّطِ فِيمَا لَا يَجْمُل.

اتَّقِ اللَّهِ رَبَّك فَإِنَّ الإِسْلَامَ يُرِيدُكَ, وَلَكِنَّ الإِسْلَامَ لَا يُرِيدُ اليَوْمَ عَدًّا، لَا يُرِيدُ الإِسْلَامُ اليَوْمَ كَمًّا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الإِسْلَامُ اليَوْمَ كَيْفًا، يُرِيدُ صِفَات كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((إِنَّكُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنْ كَثْرَةٌ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْل)).

أَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّ العَالمِينَ أَنْ يُوْلِيَنَا شُكْرَ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا, وَعَلَى أَبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا, وَأَنْ يُصْلِحَ لَنَا فِي ذُريَّاتِنَا، وَأَنْ يُحْسِنَ خَاتِمَتَنَا بِمَنِّهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلِهِ، وَهُوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ, وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  شَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ يُكَفِّرُ الْأُمَّةَ، وَيَدَّعِي أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ
  سَماؤُكِ يا دُنيا خِداعُ سَرابِ
  قوموا وانهضوا معشر المسلمين من سباتكم
  أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
  هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْجَحَ اليَهُودُ فِي هَدْمِ المَسْجِدِ الأَقْصَى؟
  تَعَرَّفْ كَيْفَ تُحَوِّلْ حَيَاتَكَ كُلَّهَا إِلَى عِبَادَةٍ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  لا نُرَقِّع دينَنا بثقافةِ غيرِنا
  الحلقة الرابعة: بيان بعض أساليب الملحدين الماكرة
  ما المَخرجُ مِن هذا كلِّهِ
  هل هناك فرقة يُقال لها الرسلانية أو الجامية أو السلفية المدخلية؟
  تأمل في أصول عقائد الشيعة التي نخالفهم فيها
  ((1)) سبحانه هو الغنيُّ
  قتل وإبادة أهل السنة فى كتب الشيعة الروافض
  إذا سألك النصراني عن حادثة الإفك فضع هذا الجواب
  هل يلزم لكل يوم نية؟ وما حكم مَن نوى الإفطار ولم يأكل؟ وما هي المشقة التي يجوز من أجلها الفطر؟
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان