تفريغ مقطع : ((1)) سبحانه هو الغنيُّ

((1)) سبحانه هو الغنيُّ

فَمِن صفاتِ ربِّنا -تبارك وتعالى- صفةُ الغِنى، فهو الغَنيُّ بذاتهِ الذي قد كَمُل في غناه، فله الغِنَى المطلق بكلِّ وجهٍ واعتبـارٍ من جميع الوجوه.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].

وقال سبحانه: {سُبْحَانَهُۖهُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68].

هو الغنيُّ لكمالهِ وكمالِ صفاتهِ، التي لا يتطرقُ إليها نقصٌ بوجوهٍ من الوجوهِ، ولا يمكنُ أنْ يكونَ إلا غنيًّا؛ فإنَّ غـِنَـاهُ من لوازمِ ذاتهِ، فكما لا يكونُ إلا خالقًا رازقـًا مُحسنًا جـوادً برًّا كريمـًا رحيـمًـا؛ فَلا يكونُ إلا غَنيًّا مِن جميعِ الوجوه عن جميعِ الخـلقِ، لا يحتاج إليهم بوجــهٍ من الوجــوهِ، وكُلُّ ما نَافَى غِناه فهوَ مُنَـزَّهٌ عنه.

قال العلامة ابن القيّمِ -رحمه الله تعالى-:

وهوَ الغنِيُّ بذاتهِ فغِنَاهُ   ***   ذاتيُّ له كالجُودِ والإحسانِ

فمن تمام غناه أنه كاملُ الأوصاف، إذ لو كان فيه نقصٌ بوجهٍ من الوجوه؛ لكـان فيه نوعُ افتقارٍ إلى ذلك الكمالِ، بل له كلُّ صفةِ كمالٍ ومن تِلك الصِّفةِ له كمالُها، فله كلُّ صفةِ كمال وله من تلك الصِّفة كمالُها.

ومِن سِعةِ غِناهُ أنَّ خزائِن السَّماواتِ والأرضِ والرَّحمةِ بيده، وأنَّ جُودَهُ على خَلْقِهِ متواصلٌ في جميعِ اللَّحظاتِ والأوقات، وأنَّ يَدَهُ سحَّاءُ بالخيرِ والبركاتِ اللّيلَ والنَّهار، وأنَّ خيرَهُ على خلقهِ مِدرار.

وقد أخرجَ الشَّيخان في ((صحِيحيْهما)) بسنديْهما عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ يمينَ اللهِ مَلْئَى لا يَغيضُها نفقة، سحَّاء اللّيل والنّهار، أرأيتم ما أنفق منذُ خَلَقَ السَّمواتِ والأرض، فإنَّه لم يَنقُص ما في يمينِه)).

لا يَغِيضُها: أي: لا يُنقصها، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد: 8].

وقوْلُ النبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ((سَحَّاءُ الليلِ والنَّهار))؛ أي: دائمةُ الصَّبِّ في الليلِ والنَّهارِ، وسَحَّ الماءُ سحًّا: أي سَال مِن فوق.

فنَبَّهَ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- بهذا اللَّفظِ مِن حيثُ الاشتقاقِ اللُّغويِّ على معانٍ دقِيقة، فمنها أنَّه وصفَ يدَ اللهِ في الإعطاءِ بالتَّفوَّقِ والاستعلاء، فإنَّ السَّحَّ إنَّما يكونُ من عَـلٍ، ثُمَّ أشارَ إلى أنَّها هي المُعطيةُ عَن ظَهْرِ غِنىً؛ لأنَّ الماءَ إذا انْصَبَّ مِن فوقِ؛ انصبَّ بسهولةٍ و عفو، ثُمَّ إنَّه أشارَ إلى جزالةِ عطَاياهُ سبحانه- وغزَارتِها؛ لأنَّ السَّحَ يُستعمل في ما ارتَفع عنِ القطر وبلغ حدَّ السَّيلان، يُقال مطرٌ سحَّاحٌ: أي يسُحُّ شديدًا، وأشار أيضًا إلى أنَّه لا مانع لعطائهِ؛ لأنَّ الماءَ إذا أخذَ في الانصبابِ لم يستطعْ أحدٌ أنْ يردَّهُ، ثمَّ وصفَ السَّحَ بالدَّوامِ تشبيهًا على أنَّه لا انقطاع لمادةِ عطائهِ.

 ((إنَّ يمينَ اللهِ مَلْئَى لا يغيضُها -أي لا يُنْقِصُها نفقة- سَحَّاءُ الليلِ والنَّهار -أي دائمةُ الصَّبِّ في الليلِ والنَّهار)).

فيمينُ اللهِ شديدةُ الامتلاءِ بالخيرِ، لا يُنْقِصُها نفقةً دائمة الصَّبِّ في الليلِ والنَّهار، وهذا الإنفاقُ الهائلُ الكثير المستَمِر الدَّائم  بغيرِ توقُّفٍ لم يُنقِص ما في يدهِ تعالى  ولا يُحصيه إلا الذي أعطاهُ جلَّ وعلا-، وبِذلك تعلمُ عِظَمَ افتراءِ الذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181].

وقد هَدَّدَهُم اللهُ على ذلك بقوله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181].

 

 

 

 

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  حكم سب الله وسب الرسول-صلى الله عليه وسلم-
  لماذا لا تتوب الآن؟!
  عندما يتراجع الرسلان عن نقل نقله من كتاب الظلال لسيد قطب
  هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْجَحَ اليَهُودُ فِي هَدْمِ المَسْجِدِ الأَقْصَى؟
  كيفَ نُؤمِنُ بالقَضاءِ والقَدرِ إيمانًا صَحِيحًا؟
  لَا يُمَكَّنُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَبَدًا
  هَلْ يَحِقُّ لَكَ التَّوَاضُعُ أَصْلًا؟!!
  بَيْنَ الابْنِ وَأُمِّهِ
  من هو الخارجي
  ولكننا من جهلنا قل ذكرنا
  رسالة الى الذين يفسفسون على الفيس بوك ...
  فكم غَيَّبَ الموتُ مِنْ صَاحِب
  مؤسسة ابن عثيمين وتحريفهم لكلام العلامة العثيمين
  احذر أهل زمانك
  المحاضرة السابعة: تتمة بيان أقسام المعلوم , بيان أحكام الممكن
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان