تفريغ خطبة الْجيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ

الْجيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ

((الْجيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ))

15 مِنَ الْمُحَرَّمِ 1439هـ / 6-10-2017م

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ [يوسف: 99].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: 21].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: 30].

وَالْمَدِينَةُ: مَنْفُ، وَالْعَزِيزُ: رَئِيسُ وُزَرَاءِ مِصْرَ حِينَئِذٍ.

وَقَالَ تَعَالَى:  ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15].

وَهِي مَنْفٌ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: 20].

 هِيَ مَنْفٌ أَيْضًا.

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ وَافْتِخَارِهِ بِمِصْرَ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51].

وَقَالَ تَعَالَى حِينَ وَصَفَ مِصْرَ، وَمَا كَانَ فِيهِ آلُ فِرْعَوْنَ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمُلْكِ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ مَشْرِقًا وَلَا مَغْرِبًا، وَلَا سَهْلًا وَلَا جَبَلًا، وَلَا بَرًّا وَلَا بَحْرًا: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين﴾ [الدخان: 25-27].

وَالْمَقَامُ الْعَظِيمِ: مِصْرُ، فَقَدْ كَرَّمَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَوَصَفَهَا بِالْكَرَمِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.

فَهَلْ يُعْلَمُ أَنَّ بَلَدًا مِنَ الْبُلْدَانِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ أَثْنَى عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِمِثْلِ هَذَا الثَّنَاءِ، أَوْ وَصَفَهُ بِمِثْلِ هَذَا الوَصْفِ، أَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْكَرَمِ غَيْرَ مِصْرَ؟

وَفِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا».

وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهَا ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْرًا».

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُهُ: «إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا». صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».

فَأَمَّا الرَّحِمُ: فَإِنَّ هَاجَرَ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- مِنَ الْقِبْطِ مِنْ قَرْيةٍ نَحْوَ (الْفَرَمَا)، يُقَالَ لَهَا -أَيْ: لِهَاجَرَ-: أُمُّ الْعَرَبِ.

وَأَمَّا الذِّمَّةُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ تَسَرَّى مِنَ الْقِبْطِ (مَارِيَةَ) أُمَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ ، وَهِيَ مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ الصَّعِيدِ.

*الْأَعْلَامُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأُدَبَاءِ وَالْمُلُوكِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ:

وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَحْبَارِ وَالزُّهَّادِ, وَمَنْ دَخَلَهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَالنَّحْوِ وَالْخَطَابَةِ، وَكُلُّ مَنْ بَرَعَ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ، أَوْ نَجَمَ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ، فَيَتَّسِعُ عَلَى الْحَاصِرِ حَصْرُهُ.

ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالرِّوَايَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مِصْرَ فِي فَتْحِهَا مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ مِئَةُ رَجُلٍ وَنَيِّفٌ.

«هَذِهِ هِيَ مِصْرُ الْغَالِيَةُ صَخْرَةُ الْإِسْلَامِ»

هَذِهِ مِصْرُ، وَهِيَ أَرْضٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَلَنْ يُدَافَعَ عَنْهَا عَصَبِيَّةً، وَإِنَّمَا يُدَافَعُ عَنْهَا بِالْحَمِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلِأَجْلِ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، ولِيَظَلَّ الْأَذَانُ فِيهَا مَرْفُوعًا، وَلِتَظَلَّ الْجُمَعُ وَالْجَمَاعَاتُ وَالْأَعْيَادُ، وَلِتَظَلَّ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ فِيهَا قَائِمَةً رَغْمَ أَنْفِ الْخَوَارِجِ وَالتَّكْفِيرِيِّينَ -عَلَيْهِم مِن اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- مَا يَسْتَحِقُّونَهُ-.

إِنَّهَا مِصْرُ الَّتِي لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا أَبْنَاؤُهَا، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْخَيْرَ لَهَا؛ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بَيْعَهَا بَيْعًا رَخِيصًا فِي مَزَادَاتِ أَوْلَادِ الْخَنَا!!

إِنَّهَا مِصْرُ الَّتِي يُفَرِّطُ فِيهَا أَبْنَاؤُهَا مِمَّنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَتَمَسَّكُونَ بِالدِّينِ الْحَنِيفِ!!

أَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يُبَيَّتُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمَخَاطِرِ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ؛ مِنْ أَجْلِ طَمْسِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي بَلَدٍ هُوَ دُرَّةُ التَّاجِ عَلَى جَبِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؟!!

إِنَّ أَعْدَاءَهَا يُرِيدُونَ الْفَوْضَى فِيهَا، يُرِيدُونَ سَفْكَ الدِّمَاءِ، وَإِزْهَاقَ الْأَرْوَاحِ، واسْتِلَالَ الثَّرْوَاتِ، وَهَتْكَ الْأَعْرَاضِ.

وَهَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةٌ عَنِ الْإِسْلَامِ مُدَافِعَةٌ، وَعَنِ الْإِيمَانِ مُنَافِحَةٌ.

 وَهِيَ لِلْقُرْآنِ حَامِلَةٌ، وَلِلْعِلْمِ نَاشِرَةٌ.

 هَذِهِ الْأُمَّةُ بِاللهِ عَالِمَةٌ.

 هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مِنَ الْأَتْقِيَاءِ الْأَنْقِيَاءِ الْأَخْفِيَاءِ مَنْ يَضْرَعُونَ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ أَنْ يُنَجِّيَهَا، وَيُنَجِّيَ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وَسُوءٍ.

هَذِهِ الْأُمَّةُ هِيَ الصَّخْرَةُ الشَّمَّاءُ الَّتِي لَمَّا اتَّحَدَ أَبْنَاؤُهَا مَعَ أَهْلِ الشَّامِ تَحْتَ قِيَادَةِ الْمُظَفَّرِ (قُطُز)، تَمَّ انْحِسَارُ مَوْجَاتِ التَّتَارِ الْهَمَجِ عَلَى صَخْرَتِهِمُ الْقَائِمَةِ الْعَاتِيَةِ، وَنَجَّى اللهُ تَعَالَى الْحَضَارَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ كُلَّهَا بِهَذَا الرَّدِّ وَبِذَلِكَ الصَّدِّ، وَبِهَذَا الْكِفَاحِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

 خَرَجَتْ جُيُوشُ الْمِصْرِيِّينَ مُوَحِّدَةً مُؤْمِنَةً بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مُنَافِحَةً عَنْ دِينِهِ الْعَظِيمِ، صَرْخَتُهَا: «وَا إِسْلَامَاهُ!»، تُنَافِحُ عَنْهُ، وَتَمُوتُ دُونَهُ، وتُقَاتِلُ لِأَجْلِ رَفْعِ رَايتِهِ.

 هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَّةٌ مُجَاهِدَةٌ، تُجَاهِدُ عَنْ دِينِ اللهِ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُعْتَدِينَ.

وَفِي عَهْدِ (الدَّوْلَةِ الْأَيُّوبِيَّةِ) لَمَّا خَرَجَ (صَلَاحُ الدِّين)، وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ؛ مِنْ جُنْدِ الشَّامِ الْمَيَامِينِ، مَعَ جُمْلَةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ جُنْدِ الْمِصْرِيِّينَ، كَانَ تَطْهِيرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ إِجْلَاءِ الصَّلِيبِيِّينَ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَنْسِفُوا الْإِسْلَامَ نَسْفًا، وَأَنْ يَقْضُوا عَلَى أَهْلِهِ قَضَاءً مُبْرَمًا، وَلَمْ يَبْلُغُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.

((صَفْحَاتٌ مِنْ حَرْبِ الْعَاشِرِ مِنْ رَمَضَانَ - السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر))

هَذِهِ الْأُمَّةُ تَصَدَّتْ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ لِلْيَهُودِ، مِنْ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَصَيْحَتُهُمْ: «اللهُ أَكْبَرُ».

 أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: أَكْبَرُ مِنَ الْعَتَادِ وَالْعُدَّةِ، أَكْبَرُ مِنَ التَّخْطِيطِ وَالتَّنْظِيمِ، أَكْبَرُ مِنَ الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ، أَكْبَرُ مِنَ الْمَعُونَةِ تَأْتِي مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ.

 اللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَأَكَبْرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنَّ اللهُ تَعَالَى بِالنَّصْرِ الْعَظِيمِ.

فَبَعْدَمَا كَانَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ «1967م»، وَمَا وَقَعَ مِنَ اِحْتِلَالِ سَيْنَاءَ؛ قَامَ الْيَهُودُ بِوَضْعِ حَوَاجِزَ خَطِيرَةٍ فِي طَرِيقِ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ الأَبِيِّ، كَانَ هُنَاكَ الْحَاجِزُ الْمَائِيُّ الْمُتَمَثِّلُ فِي قَنَاةِ السُّوَيسِ، وَالَّذِي كَانَ عُبُورُهُ يُعَدُّ مُشْكِلَةً كُبْرَى أَمَامَ أَيِّ جَيْشٍ فِي الْعَالَمِ.

 ثُمَّ كَانَتْ هُنَاكَ مَادَّةُ «النَّابَالْمِ» الَّذِي يُشْعَلُ فَيَلْتَهِبُ مَتَى اِتَّصَلَ بِالْمَاءِ فِي الْقَنَاةِ، وَقَدْ وَضَعَ الْيَهُودُ مَقَادِيرَ هَائِلَةً مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ؛ لِتُطْلَقَ بِوَاسِطَةِ أَنَابِيبَ عِنْدَ اللُّزُومِ إِلَى مَاءِ الْقَنَاةِ.

 ثُمَّ كَانَ هُنَاكَ «السَّدُّ التُّرَابِيُّ الْهَائِلُ» الَّذِي وَضَعَهُ الْيَهُودُ عَلَى الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ لِلْقَنَاةِ.

 كَانَ هُنَاكَ «خَطُّ بَارْلِيف» الَمَنِيعُ، الْمُزَوَّدُ بِأَحْدَثِ الْمُعِدَّاتِ، وَالَّذِي كَانَ يَمْتَدُّ عَلَى طُولِ السَّاحِلِ الشَّرْقِيِّ لِلْقَنَاةِ.

فَهَذِهِ الْمَوَانِعُ كُلُّهَا مَعَ الْمَانِعِ النَّفْسِيِّ، وَمَا أَشَاعُوهُ مِنْ أَنَّهُمُ الْقُوَّةُ الَّتِي لَا تُقْهَرُ، وَأَخَذُوا يُرَوِّجُونَ لِذَلِكَ؛ حَتَى ثَبَتَ فِي أَذْهَانِ وَقُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ-، فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيرِ الْمُسْلِمِينَ: أُسْطُورَةُ الْجَيْشِ الَّذِي لَا يُقْهَرُ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْحَوَاجِزِ وَمِنْ أَمْنَعِ الْمَوَانِعِ.

هَذَا الَّذِي أَعَدُّوهُ كَانَ اِجْتِيَازُهُ مُسْتَحِيلًا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَلَكِنْ فِي «الْعَاشِرِ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَأَلْفٍ «1393هـ» الْمُوَافِقُ لِلسَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمَائَةٍ وَأَلْفٍ 6/10/1973م» اِنْدَفَعَ الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ إِلَى سَيْنَاءَ، وَكَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُنَاكَ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ الزَّحْفِ المِصْرِيِّ، وَكَأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ تَنْتَظِرُ أَقْدَامَ بَنِيهَا الْمِصْرِيِّينَ؛ لِتَتَعَطَّرَ بِهَا وَتُرَحِّبَ بِخُطُوَاتِهَا.

 وَقَدْ نَالَتْ هَذِهِ الْحَرْبُ عِنَايَةَ المُؤَلِّفِينَ الْمِصْرِيِّينَ وَالْعَرَبِ وَالْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَامَةً بَارِزَةً فِي تَارِيخِ الْحُرُوبِ، وَلِأَنَّهَا غَيَّرَتْ خُطَطَ الْحَرْبِ فِي الْعَالَمِ بَعْدَ أَنِ اْسْتَطَاعَ الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى- أَنْ يَتَخَطَّى كُلَّ هَذِهِ الْعَقَبَاتِ الَّتِي مَرَّتِ الإِشَارَةُ إِلَيْهَا بِنَجَاحٍ هَائِلٍ.

يَا أَهْلَ مِصْرَ, قَضَى الْعَزِيزُ بِلُطْفِهِ *** وَأَرَادَ أَمْرًا بِالْبِلَادِ فَكَانَا

إِنَّ الَّذِي أَمْرُ الْمَمَالِكِ كُلِّهَا *** بِيَدَيْهِ أَحْدَثَ فِي«الْكِنَانَةِ»شَانَا

أَبْقَى عَلَيْهَا أَمْنَهَا فِي بُرْهَةٍ  *** تَرْمِي الْعُرُوشَ وَتَنْثُرُ التِّيجَانَا

وَكَسَا الْبِلَادَ سَكِينَةً مِنْ أَهْلِهَا *** وَوَقَى مِنَ الْفِتَنِ الْعِبَادَ وَصَانَا

أَوَ مَا تَرَوْنَ الْأَرْضَ خُرِّبَ نِصْفُهَا *** وَدِيَارُ مْصْرٍ لَا تَزَالُ جِنَانَا؟!

يَرْعَى كَرَامَتَهَا, وَيَمْنَعُ حَوْضَهَا *** جَيْشٌ يَعَافُ البَغْيَ وَالعُدْوَانَا!

كَجُنُودِ عَمْروٍ أَيْنَمَا رَكَزُوا القَنَا  *** عَفُّوا يَدًا , وَمُهَنَّدًا وَسِنَانَا

إِنَّ الشُّجَاعَ هُوَ الْجَبَانُ عَنِ الْأَذَى *** وَأَرَى الْجَرِيءَ عَلَى الشُّرُورِ جَبَانَا

أَلَا يَدْرِي الحَمْقَى الَّذِينَ يُرِيدُونَ سَوْقَ الخَرَابَ إِلَى رُبُوعِ مِصْرَ مَنْ يَخْدُمُونَ؟ أَلَا يَعْلَمُونَ؟!!

إِنَّ مِنَ الْحِكَمِ اللَّائِحَةِ الَّتِي لَا تَكَادُ تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُسْتَقْبَلَ الْمَنْطِقَةِ مُعَلَّقًا بِالْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ، فَإِنْ تَهَاوَتْ، تَهَاوَتِ الْمَنْطِقَةُ، وَإِنْ صَمَدَتْ، صَمَدَتِ الْمَنْطِقَةُ.

 

«الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ»

إِنَّ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافِ وَالْغِنَى فِي الْعِلْمِ؛ إِنَّ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ: أَنَّهُمْ يُرَاعُونَ الْمَصَالِحَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، يُقَدِّمُونَ مَصْلَحَةَ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْفَرْدِيَّةِ، لَا يَعْتَبِرُونَ الْمَصْلَحَةَ الْفَرْدِيَّةَ وَلَا يُبَالُونَ بِهَا، وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ.

وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَا نَالَ مِنَ الْأُمَّةِ عَدُوٌّ مِثْلَ مَا نَالَتِ الْأُمَّةُ مِنْ نَفْسِهَا بِاخْتِلَافِهَا وَتَدَابُرِ قُلُوبِ أَبْنَائِهَا، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللهِ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

النَّبِيُّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فِيهَا بِالْمُسْلِمِينَ، يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمْ مُحَذِّرًا وَمُنْذِرًا، وَهَادِيًا وَمُعَلِّمًا يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِوَاءِ فِي الصُّفُوفِ: «أَلَا تَصُفُّونُ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 يَأْمُرُهُمْ بِالْاِسْتِوَاءِ؛ حَتَّى يَكُونَ الصَّفُّ كَالْقِدْحِ اسْتِوَاءً وَاعْتِدَالًا، أَبْدَانٌ مُتَرَاصَّةٌ، وَقُلُوبٌ مُتَحَابَّةٌ مُتَلَاحِمَةٌ مُتَدَاخِلَةٌ مُتَمَازِجَةٌ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، وَيَهْبِطُ وَيَصْعَدُ وَرَاءَ إِمَامِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلَا اخْتِلَافٍ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».

فَيُحَذِّرُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَيُنَبِّهُ إِلَى أَمْرٍ جَلِيلٍ خَطِيرٍ فِي أَثَرِهِ عَلَى الْأُمَّةِ؛ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَالَ فِي الِاسْتِوَاءِ فِي الصُّفُوفِ - وَهُوَ أَمْرٌ مَادِيٌّ مَحْضٌ- يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافٍ بَاطِنِيٍّ يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».

وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ دَاعِيَةَ خِلَافٍ وَلَا اخْتِلَافٍ.

عِبَادَ اللهِ! مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الظُّلْمَ مِنْ مَلِيكٍ غَشُومٍ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ، هَذَا كَلَامُ سَلَفِكُمْ، وَالْأَمْرُ لَا يَأْتِي مِنْ هُنَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي مِنْ هَاهُنَا -مِنْ عِنْدِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا-.

 وَاِعْلَمُوا أَنَّ مَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِنَ الْعِقَابِ إِنَّمَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، فَغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِكُمْ حَتَّى يُغَيَّرَ لَكُمْ.

 وَلَوْ وَقَفْتُمْ أَمَامَ مِرْآتِكُمْ شَعْبًا مَصْفُوفًا، فَنَظَرْتُمْ لَرَأَيْتُمْ صُوَرَكُمْ صُوَرَ حُكَّامِكُمْ وَأُمَرَائِكُمْ، فَإِنِ ارْتَبْتُمْ فِي شَيْءٍ فَأَصْلِحُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُصْلِحِ اللهُ لَكُمْ.

هَذَا سَبِيلُ سَلَفِكُمْ، وَهُوَ مَدْعَاةُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَصِلُ إِلَى حَقِيقَتِهِ إِلَّا بِتَعَلُّمِ حَقِيقَةِ الدِّينِ، وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ مُبِينٌ، كَيْفَ؟

كِتَابُ اللهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ، بِفَهْمِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

اتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمْ -عِبَادَ اللهِ-، وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَوْطَانِكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا؛ فَإِنَّهَا مُسْتَهْدَفَةٌ مُرَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ.

تَآزَرُوا وَتَعَاوَنُوا، وَنَمُّوا الْمَوْجُودَ حَتَّى تُحْصُلُوا عَلَى الْمَفْقُودَ، وَلَا تَتَّبِعُوا السَّرَابَ؛ فَإِنَّهُ هَبَاءٌ يُفْضِي إِلَى يَبَابٍ.

«نِعْمَةُ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي الْوَطَنِ الْمُسْلِمِ»

إِنَّ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ نِعْمَةٌ عَظِيمٌ نَفْعُهَا، كَرِيمٌ مَآلُهَا،  وَبِاللَّهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ يُحَجُّ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ، وَتُعَمَّرُ الْمَسَاجِدُ، وَيُرْفَعُ الْأَذَانُ مِنْ فَوْقِ الْمَنَارَاتِ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَتَأْمَنُ السُّبُلُ.

بِاللَّهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ لِأَهْلِهَا، فَيُنْتَصَرُ لِلْمَظْلُومِ وَيُرْدَعُ الظَّالِمُ، وَتُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَيَرْتَفِعُ شَأْنُ التَّوْحِيدِ مِنْ فَوْقِ الْمَنَابِرِ، وَيَجْلِسُ الْعُلَمَاءُ لِلْإِفَادَةِ، وَيَرْحَلُ الطُّلَّابُ لِلِاسْتِفَادَةِ، وَتُحَرَّرُ الْمَسَائِلُ، وَتُعْرَفُ الدَّلَائِلُ، وَيُزَارُ الْمَرْضَى، وَيُحْتَرَمُ الْمَوْتَى، وَيُرْحَمُ الصَّغِيرُ وَيُدَلَّلُ، وَيُحْتَرَمُ الْكَبِيرُ وَيُبَجَّلُ، وَتُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَتُعْرَفُ الْأَحْكَامُ، وَيُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُكَرَّمُ الْكَرِيمُ، وَيُعَاقَبُ اللَّئِيمُ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَبِالْأَمْنِ اسْتِقَامَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبِالْأَمْنِ صَلَاحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ, وَالْحَالِ وَالْمَآلِ.

«اِنْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ،

وَتَحَدِّيَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ»

وَاعْلَمُوا -أَيُّهَا النَّاسُ- أَنَّ الْجَيْشَ الْمِصْرِيَّ يُحَارِبُ الْعَالَمَ كُلَّهُ فِي سَيْنَاءَ, تَجَمَّعَ عَلَيْهِ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا، وَلَنْ يَضُرُّوهُ شَيئًا -إِنْ شَاءَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا-, وَلَكِنْ تَجَمَّعَ عَلَيهِ مَنْ بِأَقْطَارِهَا فِي سَينَاءَ.

العَالَمُ كُلُّهُ يُحَارِبُ الجَيْشَ المِصْرِيَّ فِي سَينَاءَ!!

وَالمُقَاتِلُ الْمِصْرِيُّ, عَقِيدَتُهُ: «النَّصْرُ أَوِ الشَّهَادَةُ», لَا يَعْرِفُ سِوَى هَذَا.

يُقَتَّلُونَ، فِي سَبِيلِ اللهِ يَمْضُونَ, تُزْهَقُ أَرْوَاحُهُمْ, تُكْلَمُ قُلُوبُ أُمَّهَاتِهِمْ، يَتَيَتَّمُ أَطْفَالُهُمْ, تَتَرَمَّلُ نِسَاؤُهُمْ, يَبْكِيهِمْ كُلُّ جَارٍ وَحَبِيبٍ، وَهُمْ يَتَسَاقَطُونَ لَا يُبَالُونَ, عَقِيدَتُهُم: النَّصْرُ أَوِ الشَّهَادَةُ.

 لِمَاذَا يُقْتَلُونَ؟!

إِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ, مِنْ أَجْلِ وَأْدِ المُؤَامَرَةِ.

الجَيْشُ المِصْرِيُّ يُعَانِي مُعَانَاةً شَدِيدَةً فِي سَيْنَاءَ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ هُنَالِكَ فِي غَايَةِ التَّعْقِيدِ, لَيْسَ كَمَا يَبْدُو لِلنَّظْرَةِ الأُولَى, وَالنَّظْرَةُ الْأُولَى حَمْقَاءُ.

 الْوَضْعُ مُعَقَّدٌ غَايَةَ التَّعْقِيدِ, وَمَعَ ذَلِكَ فَالْبَوَاسِلُ مِنَ الرِّجَالِ يُوَاجِهُونَ بِصُدُورٍ مَكْشُوفَةٍ, وَسَوَاعِدَ مَفْتُولَةٍ, وَعَقَائِدَ قَائِمَةٍ, لَا يُبَالُونَ, يَمُوتُونَ, يَتَسَاقَطُونَ....

لَا بَأْسَ... إِنَّ المَجْدَ لَا يُصْنَعُ إِلَّا بِالتَّضْحِيَّاتِ الْغَالِيَةِ, بِالدِّمَاءِ النَّازِفَةِ, بِالأَرْوَاحِ الزَّاهِقَةِ, إِنَّ الْقِيَمَ وَالمُثُلَ لَا يُؤَسَّسُ لَهَا وَلَا تُعْلَى إِلَّا بِالتَّضْحِيَّاتِ الْعَظِيمَةِ, إِنَّ المَجْدَ العَظِيمَ لَا يُصْنَعُهُ إِلَّا الْتَضْحِيَّةُ العَظِيمَةُ، وَلَا يُصْنَعُ إِلَّا بِتَضْحِيَّةٍ عَظِيمَةٍ..

«عَقِيدَةُ الْخَوَنَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ إِسْقَاطَ الْجَيْشِ»

لِمَاذَا يُرِيدُ الخَوَنَةُ تَفْكِيكَ الجَيْشِ المِصْرِيِّ ؟!

إِنَّ عَقِيدَةَ التَّكْفِيرِيِّينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الجَيْشَ وَالشُّرْطَةَ فِي سَيْنَاءَ وَغَيْرِهَا  أَنَّ المُسْلِمِينَ مُرْتَدُّونَ, وَهُمْ أَكْفَرُ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى!!

وَمِنْ عَقِيدَتِهِمْ: أَنَّهُ إِذَا قَاتَلَ الْيَهُودُ الجَيْشَ الْمِصْرِيَّ، فَهَؤُلَاءِ التَّكْفِيرِيُّونَ مَعَ اليَهُودِ ضِدَّ الجَيْشِ المِصْرِيِّ؛ لِأَنَّ اليَهُودَ عِنْدَهُم -وَكَذِلَكَ النَّصَارَى- أَهْلُ كِتَابٍ, وَأَمَّا الجَيْشُ عِنْدَهُمْ فَكَافِرٌ مُرْتَدٌّ, وَالمُرْتَدُّ أَشَدُّ كُفْرًا مِنَ الكِتَابِيِّ!!

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ هَؤُلَاءِ التَّكْفِيرِيِّينَ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَأَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.

لَقَدْ أَبْقَى اللهُ لَنَا الجَيْشَ المِصْرِيَّ، فَحَفِظَ اللهُ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةَ إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهُ فِيمَا يَبْقَى؛ إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

*عَلَى الْجَيشِ تَقْوَى الْبِلَادُ، وَبِالْعِلْمِ تَشْتَدُّ أَرْكَانُهَا :

أَرَى مِصْرَ يَلْهُو بِحَدِّ السِّلَاحِ   ***   وَيَلْعَبُ بِالنَّارِ وِلْدَانُهَا

وَرَاحَ بِغَيْرِ مَجَالِ الْعُقُولِ          ***    يُجِيلُ السِّيَاسَةَ غِلْمَانُهَا

وَمَا الْقَتْلُ تَحْيَا عَلَيْهِ الْبِلَادُ     *** وَلَا هِمَّةُ الْقَوْلِ عُمْرَانُهَا

وَلَا الْحُكْمُ أَنْ تَنْقَضِي دَوْلَةٌ    *** وَتُقْبِلَ أُخْرَى وَأَعْوَانُهَا

وَلَكِنْ عَلَى الْجَيشِ تَقْوَى الْبِلَادُ *** وَبِالْعِلْمِ تَشْتَدُّ أَرْكَانُهَا

فَنَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يَحْفَظَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ جَيْشَهَا وَأَمْنَهَا، وَأَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِ أَبْنَائِهَا، وَأَنْ يَرُدَّ عَنْهَا كَيْدَ الْكَائِدِينَ وَمَكْرَ الْمَاكِرِينَ، وَتَآمُرَ الْمُتَآمِرِينَ.

إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((طَعْنُ شَيْخِ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ فِي الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ))

مَقْطَع مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ: ((الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ)) - 15 مِنَ الْمُحَرَّمِ 1439هـ / 6-10-2017م

فَقَدْ مَرَّ ذِكْرُ عَقِيدَةِ التَّكْفِيرِيِّينَ فِي الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ وَمَوْقِفُهُمْ مِنْهُ.

وكَثِيرٌ مِنْ أَعْدَاءِ الْجَيْشِ وَالْوَطَنِ لَا يَظْهَرُ عَدَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِالتَّقِيَّةِ الرَّافِضِيَّةِ، وَيَجْتَهِدُونَ فِي خِدَاعِ النَّاسِ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُظْهِرَ مَكْنُونَ صُدُورِهِمْ وَيُبَيِّنَ خَافِيَ أَمْرِهِمْ.

فَهَذَا جَيْشُ الْحَدَّادِيَّةِ، يَتَضَافَرُ جَمْعُهُ هَاهُنَا وَهُنَاكَ، وَهَذَا شَيْخُهُمُ البِيَلِيُّ يَقُولُ: ((الدَّاعِيَةُ الَّذِي يَجْعَلُ دَعْوَتَهُ عَلَى وَفْقِ مَا يَطْلُبُهُ المُسْتَمِعُونَ، المُسْتَمِعُ يَحْتَاجُ إِنْ إِحْنَا نِمْدَح العَسَاكِر!! خَلَاص نِمْدَح العَسَاكِر!! -كَذَا- يِحْتَاج إِنْ إِحْنَا نِشِد عَلَى أَيْدِي العَسَاكِر، نِشِدْ عَلَى أَيْدِي العَسَاكِر!!)).

وَكَلِمَةُ الْعَسَاكِرِ لَا تُقَالُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ إِلَّا طَعْنًا وَذَمًّا، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ((نَحْنُ مَعَ جَيْشِنَا مَا دَامَ مَعَ شَرْعِنَا!!))

ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّادِيَّةَ يَعْتَبِرُونَ الْجَيْشَ جَيْشًا عَلْمَانِيًّا كَافِرًا، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ غُلَاتُهُمْ وَلَا يُخْفُونَهُ، كَعِمَاد فَرَّاج وَغَيْرِهِ.

وَعِبَارَةُ البِيَلِيِّ هَذِهِ: ((نَحْنُ مَعَ جَيْشِنَا مَا دَامَ مَعَ شَرْعِنَا)) تَفْتَحُ لِلشَّرِّ أَبْوَابًا عَظِيمَةً، وَتَحْرِفُ مِنَ الشَّبَابِ عَنِ الْهُدَى جُمُوعًا غَفِيرَةً.

مَا مَعْنَى ((مَا دَامَ مَعَ شَرْعِنَا))؟

وَمَا حُدُودُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا مَعَ شَرْعِنَا فَضْلًا عَنْ دَوَامِهِ عَلَى ذَلِكَ؟!

مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْجَيْشِ حَتَّى يَكُونَ كَمَا يَقُولُ لِيَكُونَ هُوَ مَعَهُ ((فَنَحْنُ مَعَ جَيْشِنَا مَا دَامَ مَعَ شَرْعِنَا))؟

((تَطَاوُلُ وَسُوءُ أَدَبِ شَيْخِ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ))

مَقْطَع مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ: ((الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ)) - 15 مِنَ الْمُحَرَّمِ 1439هـ / 6-10-2017م

وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ حَدٍّ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَفْسُهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ!!

قَالَ فِيمَا سَمَّاهُ ((رَدًّا عَلَى مُخَالَفَةِ حَسَّان لِلْإِجْمَاعِ فِي الثَّوْرَةِ المِصْرِيَّةِ))، قَالَ: ((وَإِنَّمَا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِينٍ تَمَيَّزَ بِالوُضُوحِ، وَتَمَيَّزَ بِالشَّفَافِيةِ، وَتَمَيَّزَ بِالنَّصِيحَةِ)).

قَالَ: ((وَلَمْ يُحَاوِل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطُّ أَنْ يَرْكَبَ مَوْجَةً!! أَوْ أَنْ يَتَنَازَلَ عَنْ أَصْلٍ أَوْ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الهُدَى!!))

وَالَّذِينَ يَرْكَبُونَ الْمَوْجَةَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، الَّذِينَ يَظْهَرُونَ فِي كُلِّ مَجَالٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَلَاءَمُ مَعَ ذَلِكَ الْمَجَالِ، فَنَفْيُ النِّفَاقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْمَوْطِنِ سَبٌّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

((لَمْ يُحَاوِل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطُّ أَنْ يَرْكَبَ مَوْجَةً!!))

وَهَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْدُرُ فِيمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ نَفْسِهِ؟!!

وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ مَا يَقُولُ بِوَحْيٍ مَعْصُومٍ، وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ بِوَحْيٍ مَعْصُومٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ نَفْيًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّهُ لَمْ يَرْكَب مَوْجَة قَطُّ))؟!!

فَهَذَا النَّفْيُ اسْتِهْزَاءٌ بِالنَّبِيِّ وَسَبٌّ لَهُ، وَقَدْ قَرَّرَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْيِ أَمْثَالِ هَذِهِ النَّقَائِصِ حَتَّى عَنِ الْعُظَمَاءِ مِنَ الْبَشَرِ، فَقَرَّرُوا أَنَّ النَّفْيَ عِنْدَمَا يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ، يَعْنِي لَوُ دَخَلْتَ عَلَيْهِ، فَأَخَذْتَ تَقُولُ: إِنَّ الْمَلِكَ -أَعَزَّهُ اللَّهُ- لَيْسَ بِحَجَّامٍ وَلَا ابْنِ حَجَّامٍ، وَلَا بِزَبَّالٍ وَلَا ابْنِ زَبَّالٍ!! وَأَخَذْتَ تَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا النَّفْيِ لِلنَّقَائِصِ نَافِيًا ذَلِكَ عَنِ الْمَلِكِ وَعَنْ أَبِيهِ؛ عَاقَبَكَ، وَرُبَّمَا عَرَضَكَ عَلَى السَّيْفِ، فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِي مِثْلِ هَذَا إِنَّمَا هُوَ لَوْنٌ مِنَ الذَّمِّ.

فَكَيْفَ نَنْفِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النِّفَاقَ؟!!

وَهَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ أَصْلًا حَتَّى نَقُولَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُحَاوِل قَطُّ أَنْ يَرْكَبَ مَوْجَةً أَوْ أَنْ يَتَنَازَلَ عَنْ أَصْلٍ أَوْ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْهُدَى؟!!

وَهَلْ كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَتَنَازَلَ أَصْلًا عَنْ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْهُدَى أَوْ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْهُدَى؟!!

إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ عَنِ الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ، فَيَفْعَلُ مَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِهِ، وَيَكُفُّ عَمَّا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، وَلَكِنَّهُ وَحْيٌ يُوحَى إِلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.

وَيَقُولُ: ((فِي سَاحَةِ الحُدَيْبِيِّةِ، حِينَ بَلَغَ الضِّيقُ مَبْلَغًا عَظِيمًا، وَحِينَ بَلَغَ الابْتِلَاءُ مَبْلَغًا عَظِيمًا، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَدُّ عَنِ البَّيْتِ -بَيْتِ اللَّهِ الحَرَام، وَيَجْلِسُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى طَاوِلَةِ المُفَاوَضَاتِ!!))

يُشَبِّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْحُثَالَةِ مِنَ الْبَشَرِ، الَّذِينَ لَا يَتَحَاكَمُونَ إِلَى شَرْعٍ فِي الْغَالِبِ، وَلَا يَؤُوبُونَ إِلَى هُدًى، فَنَقُولُ: إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى طَاوِلَةِ الْمُفَاوَضَاتِ؟!! أَيُّ مُفَاوَضَاتٍ؟!!

إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ صُلْحِ الْحُدَيْبَيِّةِ بِأَمْرٍ مِنْهُ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ فَتْحًا عَظِيمًا مُبِينًا بِأَمْرٍ مِنْهُ، وَبِرَحْمَةٍ مِنْهُ، فَلَمْ يَجْلِسِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَاحَةٍ وَلَا مَائِدَةِ مُفَاوَضَاتٍ، وَإِنَّمَا جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ لِيُقَرِّرَ مَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ يَجْلِسُونَ عَلَى طَاوِلَةِ الْمُفَاوَضَاتِ، فَكَذِبٌ وَخِدَاعٌ، وَغِشٌّ وَنِفَاقٌ، وَالنَّبِيُّ بِمَنْأَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَتَشْبِيهُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ حَطٌّ مِنْ قَدْرِهِ، وَإِنْزَالٌ لَهُ عَنْ مَنْزِلَتِهِ -بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَنَفْسِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَيَحْكِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ، فَيَقُولُ: ((لَا تَحْزَنْ وَلَيْسَ مَعِي أُسْطُولٌ، لَا تَحْزَن وَلَيْسَ تُحِيطُ بِي طَائِرَاتٌ، لَا تَحْزَن وَلَيْسَ يِحْمِينِي مَدَافِع!!))

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟!!

هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَ: ((لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا))، وَانْتَهَى الْأَمْرُ، وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْخُزَعْبَلَاتِ، وَلَكِنَّ الرَّجُلَ يُطْلِقُ خَيَالَهُ حَتَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!! يَقُولُ إِنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق فِي الْغَارِ: ((لَا تَحْزَنْ وَلَيْسَ مَعِي أُسْطُولٌ))، أَيُّ أُسْطُولٍ؟!!  ((لَا تَحْزَن وَلَيْسَ تُحِيطُ بِي طَائِرَاتٌ، لَا تَحْزَن وَلَيْسَ يِحْمِينِي مَدَافِع!!))

وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْمِيهِ وَيُدَافِعُ عَنْهُ هُوَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مِثْلِ هَذَا وَلَمْ يَقُلْهُ، حَتَّى يُكْذَبَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَفِيهِ مِنْ انْتِقَاصِ قَدْرِهِ مَا فِيهِ.

وَيُقَرِّرُ فِي كَلَامٍ لَهُ عَنْ دُخُولِ مَجْلِسِ الشَّعْبِ لِقَصْدِ تَطْبِيقِ الشَّرِيعَةِ: ((أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ يَأْتِي بَعْدَ دَوْرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ -قَالَ: بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا أَوْ كَمَا قَالَ- فَيَقُولُ -يَعْنِي الدَّاخِلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِع، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْتَطِع أَوْ لَمْ يَقْدِر عَلَى تَكْسِيرِ الأَصْنَامِ!!))

فَيَضْرِبُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثَلًا لِلْفَاشِلِ لِيُبَرِّرَ فَشَلَهُ!!

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَفْتَرِضُ، فَهَذَا الَّذِي يَضْرِبُ الْمَثَلَ هُوَ، وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثَلًا؛ لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ أَوْ لِيُبَرِّرَ فَشَلَهُ، الْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ سَابٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

الَّذِي يَضْرِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَثَلًا لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ أَوْ لِيُبَرِّرَ فَشَلَهُ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ سَابًّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَأَمَّا حُكْمُ الدِّينِ فِي مَنْ سَبَّ أَوْ اسْتَهْزَأَ بِالرَّسُولِ الْأَمِينِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَالسَّبُّ كُفْرٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((إِنَّ سَبَّ اللَّهِ أَوْ سَبَّ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُفْرٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، سَوَاءٌ أَكَانَ السَّابُّ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ أَوْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لَهُ أَوْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْ اعْتِقَادِهِ، هَذَا مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ)).

وَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُويَه -وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، يَعْدِلُ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ: ((قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ سَبَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ دَفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ؛ أَنَّهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)).

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونَ -وَهَذَا الْإِمَامُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ-: ((أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ شَاتِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الْمُنْتَقِصَ لَهُ؛ كَافِرٌ، وَالْوَعِيدُ جَارٍ عَلَيْهِ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَحُكْمُهُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْقَتْلُ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَعَذَابِهِ؛ كَفَرَ)).

وَقَدْ نَصَّ عَلَى مِثْلِ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ عَيْبَهُ أَوْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يَهْزِلُ وَيَمْزَحُ أَوْ يَفْعَلُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ يَشْتَرِكُ فِي الْحُكْمِ إِذَا كَانَ الْقَوْلُ نَفْسُهُ سَبًّا، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

وَمَنْ قَالَ مَا هُوَ سَبٌّ وَتَنَقُّصٌ لَهُ فَقَدْ آذَي اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي ((الْمُعْتَمَدِ)): ((مَنْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ سَبَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، سَوَاءٌ اسْتَحَلَّ سَبَّهُ أَوْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَسْتَحِلَّ ذَلِكَ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَانَ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ، لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي سَبِّ اللَّهِ وَسَبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِعِبَادَتِهِ، غَيْرُ مُصَدِّقٍ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- )).

فَالَّذِي يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ يَعْتَذِرُ بِأَنَّهُ كَانَ غَاضِبًا، فَيُقَالَ: هَلَّا سَبَبْتَ أَبَاكَ، هَلَّا سَبَبْتَ أُمَّكَ؟!!

لِمَاذَا عِنْدَمَا تَغْضَبُ تَسُبُّ اللَّهَ وَتَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؟!!

وَلَا أَحْتَاجُ إِلَى أَنْ أَقُولَ إِنَّنِي لَا أُكَفِّرُهُ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ الْقَاضِي الشَّرْعِيِّ، وَلَكِنْ هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ: مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ؛ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ؛ فَقَدْ كَفَرَ.. هَذَا هُوَ الْحُكْمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَحْكُمُ بِذَلِكَ عَلَى آحَادِ الْمُعَيَّنِينَ، فَيَقُولُ: هَذَا سَبٌّ، وَهَذَا قَدْ كَفَرَ؛ فَهُوَ الْقَاضِي الشَّرْعِيُّ.

وَأَمَّا الَّذِي يَحْكُمُ بِقَتْلِهِ -كَمَا هُوَ حُكْمُهُ فِي دِينِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فَهُوَ الْقَاضِي الشَّرْعِيُّ، وَالَّذِي يُنَفِّذُ ذَلِكَ الْحُكْمَ هُوَ وَلِيُّ الْأَمْرِ، السُّلْطَةُ التَّنْفِيذِيَّةُ يَعْنِي: وَلِيَّ الْأَمْرِ- هُوَ الَّذِي يُنَفِّذُ ذَلِكَ فِيمَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي الشَّرْعِيِّ.

فَلَا أَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ -بِفَضْلِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ، يَرْوِيهَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَدِّثُ أَحْمَد مُحَمَّد شَاكِر -رَحِمَهُ اللَّهُ-، قَالَ: ((كَانَ مِنْ خُطَبَاءِ الْمَسَاجِدِ التَّابِعِينَ لِوَزَارَةِ الْأَوْقَافِ، خَطِيبٌ فَصِيحٌ مُتَكَلِّمٌ مُقْتَدِرٌ، وَهُوَ خَطِيبُ مَسْجِدِ عَزَبَان، وَكَانَ  السُّلْطَانُ حُسَيْن مُوَاظِبًا عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي حَفْلٍ فَخْمٍ جَلِيلٍ، يَحْضُرُهُ الْعُلَمَاءُ وَالْوُزَرَاءُ وَالْكُبَرَاءُ.

فَصَلَّى الْجُمُعَةَ يَوْمًا مَا بِمَسْجِدِ الْمَدْبُولِيِّ الْقَرِيبِ مِنْ قَصْرِ عَابِدِينَ الْعَامِرِ، وَنَدَبَتْ وَزَارَةُ الْأَوْقَافِ ذَاكَ الْخَطِيبَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَرَادَ الْخَطِيبُ أَنْ يَمْدَحَ عَظَمَةَ السُّلْطَانِ، وَأَنْ يُنَوِّهَ بِمَا أَكْرَمَ (طَهَ حُسَيْن) عِنْدَمَا أُرْسِلَ إِلَى أُورُبَّا، وَحُقَّ لَهُ أَنْ يُنَوِّهَ بِعَظَمَةِ السُّلْطَانِ، وَلَكِنْ خَانَتْهُ فَصَاحَتُهُ، وَغَلَبَهُ حُبُّ التَّعَالِي فِي الْمَدْحِ وَالتَّغَالِي فِيهِ، فَزَلَّ زَلَّةً لَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَةٌ مِنْ بَعْدِهَا، إِذْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ: جَاءَ الْأَعْمَى، فَمَا عَبَسَ فِي وَجْهِهِ وَمَا تَوَلَّى!!

يُرِيدُ أَنَّ طَهَ حُسَيْن جَاءَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَمَا عَبَسَ السُّلْطَانُ فِي وَجْهِهِ وَمَا تَوَلَّى.

كَانَ مِنْ شُهُودِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَالِدِي الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر، وَكِيلُ الْأَزْهَرِ سَابِقًا -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فَقَامَ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُعْلِنُ لِلنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَةٌ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا صَلَاةَ الظُّهْرِ فَأَعَادُوهَا؛ وَذَلِكَ بِأَنَّ الْخَطِيبَ كَفَرَ بِمَا شَتَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِيضًا لَا تَصْرِيحًا، أَيْنَ الشَّتْمُ؟ أَيْنَ سَبَّ هَذَا الْخَطِيبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟

الَّذِي قَالَهُ: إِنَّ عَظَمَةَ السُّلْطَانِ جَاءَهُ الْأَعْمَى فَمَا عَبَسَ فِي وَجْهِهِ وَمَا تَوَلَّى، وَقَصَدَ أَنَّ طَهَ حُسَيْن لَمَّا جَاءَ إِلَى السُّلْطَانِ حُسَيْن، مَا عَبَسَ فِي وَجْهِهِ وَمَا تَوَلَّى.

فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا سَبًّا وَانْتِقَاصًا مِنْ جَنَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟

قَالَ: شَتَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تَعْرِيضًا لَا تَصْرِيحًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَتَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ جَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، وَهُوَ يُحَدِّثُ بَعْضَ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَعْرَضَ عَنِ الْأَعْمَى قَلِيلًا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَدِيثِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عِتَابَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ.

ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْخَطِيبُ الْأَحْمَقُ الْجَاهِلُ، يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّقَ عَظَمَةَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ عَنْ تَمَلُّقِهِ غَنِيٌّ، فَمَدَحَهُ بِمَا يُوهِمُ السَّامِعَ أَنَّهُ يُرِيدُ إِظْهَارَ مَنْقَبَةٍ لِعَظَمَتِهِ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا عَاتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ حِكَايَةِ هَذَا، فَكَانَ صُنْعُ الْخَطِيبِ الْمِسْكِينِ تَعْرِيضًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَا يَرْضَى بِهِ مُسْلِمٌ، وَفِي مُقَدِّمَةِ مَنْ يُنْكِرُهُ السُّلْطَانُ نَفْسُهُ.

ثُمَّ ذَهَبَ الْوَالِدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَعْنِي الشَّيْخَ مُحَمَّدًا، هُوَ مُحَمَّد شَاكِر، وَكَانَ وَكِيلًا لِلْأَزْهَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَذَهَبَ فَوْرًا إِلَى قَصْرِ عَابِدِينَ، وَقَابَلَ مَحْمُود شُكْرِي بَاشًا، وَهُوَ لَهُ صَدِيقٌ حَمِيمٌ، وَكَانَ رَئِيسَ الدِّيوَانِ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إِلَى عَظَمَةِ السُّلْطَانِ، أَنْ يُبْلِغَهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ.

وَلَمْ يَدْعِ اللَّهُ لِهَذَا الْمُجْرِمِ جُرْمَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَجْزِيَهُ جَزَاءَهُ فِي الْأُخْرَى، قَالَ: فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ: لَقْدْ رَأَيْتُهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِي بَعْدَ بِضْعِ سِنِينَ، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَعَالِيًا مُتَنَفِّخًا مُسْتَعِزًّا بِمَنْ لَاذَ بِهِمْ مِنَ الْعُظَمَاءِ وَالْكُبَرَاءِ.

رَأَيْتُهُ مَهِينًا ذَلِيلًا، خَادِمًا عَلَى بَابِ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْقَاهِرَة، يَتَلَقَّى نِعَالَ الْمُصَلِّينَ، يِحْفَظُهَا فِي ذِلَّةٍ وَصَغَارٍ!! حَتَّى لَقَدْ خَجِلْتُ أَنْ يَرَانِي، وَأَنَا أَعْرِفُهُ وَهُوَ يَعْرِفُنِي، لَا شَفَقَةً عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ مَوْضِعًا لِلشَّفَقَةِ، وَلَا شَمَاتَةً فِيهِ، فَالرَّجُلُ النَّبِيلُ يَسْمُو عَلَى الشَّمَاتَةِ، وَلَكِنْ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ عِبْرَةٍ وَمَوْعِظَةٍ)).

وَمِنْ تَتِمَّةِ الْقِصَّةِ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيضُ هَذَا الْخَطِيبِ سَبًّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَتَدْرُونَ مَاذَا طَلَبَ الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر -رَحِمَهُ اللَّهُ-؟

قَالَ: أَطْلُبُ أَنْ نَتَحَاكَمَ إِلَى الْمُسْتَشْرِقِينَ الَّذِينَ يَشْتَغِلُونَ بِخِدْمَةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانُوا يَخْدِمُونَهَا لِلْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَمْ لِلْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تَخُصُّهُمْ هُمْ.

قَالَ: وَلَكِنْ لَنْ أَطْلُبَ الِاحْتِكَامَ إِلَى عُلَمَاءِ اللُّغَةِ مِنَ الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا أَتَحَاكَمُ إِلَى الْمُسْتَشْرِقِينَ، هَلْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْخَطِيبُ يُعَدُّ تَعْرِيضًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَبًّا وَانْتِقَاصًا مِنْ جَنَابِهِ الْعَالِي أَوْ لَا يُعَدُّ؟!!

لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ يَحْتَكِمُ إِلَى مَنْ لَا يَدْرِي فِي اللُّغَةِ قَبِيلًا مِنْ دَبِيرٍ، وَهُمْ يَهْرِفُونَ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، وَإِنْ عَلَا قَدْرُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا حِسَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا ذَوْقَ لَهُ فِيهَا، فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُحْتَكَمُ إِلَيْهِمْ، وَهِيَ عِلَّةٌ قَدِيمَةٌ، لَحَظَهَا وَعَايَنَهَا الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر، فَطَلَبَ الِاحْتِكَامَ حِينَئِذٍ لِلْمُسْتَشْرِقِينَ؛ لِيَفْصِلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْخَطِيبِ، لِأَنَّهُ جَنَحَ إِلَى الْكُبَرَاءِ وَالْعُظَمَاءِ، فَأَوْعَزُوا إِلَيْهِ أَنْ قُمْ بِرَفْعِ دَعْوَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ بِتَكْفِيرِكَ، هُوَ صَرَّحَ بِتَكْفِيرِهِ.

وَأَمَّا رَفْعُ ذَلِكَ إِلَى الْقَاضِي الشَّرْعِيِّ فَشَيْءٌ آخَرُ، وَحُقَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، كَانَ وَكِيلًا لِلْأَزْهَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فَقَالَ: نَحْتَكِمُ لِلْحُكْمِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلْمُسْتَشْرِقِينَ، الَّذِينَ يُعْنَوْنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَهُمْ يَكُونُونَ فَيْصَلًا بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالتَّعْرِيضِ عَلَى جَنَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فَبَيْنَ الَّذِينَ يَتَصَدَّرُونَ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى آذَانِ الشَّبَابِ وَقُلُوبِهِمْ وَعُقُولِهِمْ مَنْ يَخْبِطُ هَذَا الْخَبْطَ الْقَبِيحَ!! وَيَضْرِبُ فِي هَذِهِ الْبَيْدَاءِ الَّتِي لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا مَاء، وَإِنَّمَا هِيَ مُشْفِيَةٌ عَلَى الْهَلَاكِ -نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.

((شَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ يَصُدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَرْمِي الطَّائِفِينَ بِالِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ))

مَقْطَع مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ: ((الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ)) - 15 مِنَ الْمُحَرَّمِ 1439هـ / 6-10-2017م

وَفِي شَرِيطٍ لِشَيْخِ الْحَدَّادِيَّةِ البِيَلِيِّ بِعُنْوَان: ((فَصْلٌ فِي بَيَانِ اعْتِقَادِ أَهْلِ الْإِيمَانِ))، وَهِيَ رِسَالَةٌ زَعَمَ أَنَّهُ يَشْرَحُهَا، وَهِيَ لِأَبِي طَاهِرٍ الْقُرَشِيِّ.

يَقُولُ -صَدًّا عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَنْفِيرًا مِنْ عِبَادَةِ الطَّوَافِ-، يَقُولُ رَمْيًا لِلْكَثِيرِ مِنَ الطَّائِفِينَ بِالِانْحِلَالِ الْخُلُقِيِّ- يَقُولُ: ((طَبْعًا، اللِّي فِيكُوا بَأَه!!)). هَذَا أَسْلُوبُهُ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ دِينَهُمْ، وَفِي بَيَانِ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ وَمَعَانِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَقْرِيبِ تُرَاثِ الْأُمَّةِ إِلَى أَبْنَائِهَا!!

يَقُولُ: ((طَبْعًا، اللِّي فِيكُوا بَأَهْ مَرَاحْشِ بَيْتَ اللَّهِ الحَرَام، مَفَكَّر بَأَهْ لمَّا يِرُوح عِنْد بِيتَ اللَّهِ الحَرَام، يِشُوف الكَعْبَة أُودَّامُه كِدَه، اللِّي بِيِحْلَم بِيهَا بِأَالُوا مَثَلًا سِتِّين سَنَة وَلَّا خَمْسِين سَنَة وَلَّا أَرْبَعِين سَنَة، يِبْأَه عُمْرُه مَا عَاد عَامِل مَعْصِيَة، أَنَا بَأَهْ أَأُولَّك)). هَذَا وَصْفُهُ مِنْ وَاقِعِ خِبْرَتِهِ لِلَّذِينَ لَا خِبْرَةَ لَهُمْ، وَلَمْ يَذْهَبُوا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ!!

قَالَ: ((اللِّي فِيكُوا بَأَهْ مَرَاحْشِ بَيْتَ اللَّهِ الحَرَام... إِلَى آخِرِ مَا قَالَ...

ثُمَّ قَالَ بِلَهْجَةِ الْعَلِيمِ بِالْأَمْرِ الْخَبِيرِ بِخَفَايَاهُ: ((أَنَا بَأَهْ أَأُولَّك)). وَهَذِهِ الْخِبْرَةُ الَّتِي سَيُعَبِّرُ عَنْهَا مِنْ أَيْنَ وَقَعَتْ لَهُ، أَوَقَعَتْ لَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ مِنْ وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ؟!!

قَالَ: ((أَنَا بَأَهْ أَأُولَّك، عِنْد بِيتَ اللَّهِ الحَرَام السِّيجَارَة كِدَه، وَلَا هُمَّ عِنْدَ بِيتَ اللَّهِ الحَرَام، طَبْعَا مِشْ مِتْخَيِّل إِنُّ كَانَ وَاحِد يِشْرَب سِيجَارَة فِي الحَرَمْ؟ صَحْ؟ صَحْ يَا مُدَخِّن؟ وَاللَّهِ مَا بِيْسِبْهَا هِنَاك، صَحْ؟ انْتَ مِشْ مِتْخَيِّل إِنَّك تِشْرَب دُخَّان هِنَاك، لَا مَارْلِبُورُو -هَذِهِ المَارْكَات مِنْ كَلَامِهِ هُوَ- وَلَا بَلَمُونْت وَلَا كِيلُوبَاتْرَا، لَا لِلْأَسَفِ الشَّدِيد، عِنْد الحَرَم، عِنْد الكَعْبَة، السِّيجَارَة أَدِّ كِدَهْ!!

وَإِوْعَه تِفَكَّر حَدْ بِيْعَاكِس نِسَاء، لَا، مُعَاكْسِة نِسَاء!! بَلْ وَأَعْظَمْ مِنْ المُعَاكْسَة كَمَان، حَوْلَ الكَعْبَة كَثِير مِنَ الطَّائِفِين لِيلَة سَبْعَة وِعِشْرِين لَيْسَ مَقْصُودْهُم الطَّوَاف؛ وَإِنَّمَا مَقْصُودْهُم الاحْتِكَاك بِالنِّسَاء!!))

الْمَقْصُودُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَهُ؟!!

يَقُولُ: ((لَيْسَ مَقْصُودْهُم الطَّوَاف؛ وَإِنَّمَا مَقْصُودْهُم الاحْتِكَاك بِالنِّسَاء!!))

فَنَقُولُ لَهُ: الْمَقْصُودُ وَالنِّيَّةُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ، وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِوَصْفِ الْكَثْرَةِ؟!

كَثِيرٌ مِنَ الطَّائِفِينَ!! هَلْ قَامَ بِعَدِّهِمْ؟!!

يَعْنِي: كَانَ فِي الطَّوَافِ يَطُوفُ وَيَنْظُرُ، يَرَى الَّذِينَ يَحْتَكُّونَ بِالنِّسَاءِ وَيُقَيِّدُ فِي دَفْتَرٍ مَعَهُ أَعْدَادَهُمْ؟!!

هَلْ أَجْرَى إِحْصَائِيَّةً بَيْنَ عَدَدِهِمْ وَعَدَدِ مَنْ لَا يَفْعَلُ فِعْلَهُمْ وَلَا يَقْصِدُ قَصْدَهُمْ، فَوَجَدَ عَدَدَهُمْ كَثِيرًا كَمَا يَدَّعِي؟!!

هُوَ يَصِفُهُمْ بِالْكَثْرَةِ، فَيَقُولُ: ((كَثِيرٌ مِنَ الطَّائِفِين لِيلَة سَبْعَة وِعِشْرِين لَيْسَ مَقْصُودْهُم الطَّوَاف؛ وَإِنَّمَا مَقْصُودْهُم الاحْتِكَاك بِالنِّسَاء!! لَكِن هِنَا مَيِرْضَاش، هِنَا لَأ، هِنَا حَرَام، لِيه؟ لِأَن السَّيِّد سِره بَاتِع، هَيْجِيبُه، هَيْجِيبُه عَلَى طُول، مَيِنْفَعْش يِكُون بِيْطُوف وِيِسْرَق، يِكُون بِيْطُوف وَيِحْتَك بِامْرَأَة، يِكُون بِيْطُوف وَكَذا، كَامِل الخُضُوع وَالخُشُوع وَالتَّذَلُّل لِأَصْحَابِ القُبُور)).

يَقُولُ إِنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنَ الَّذِينَ يَطُوفُونَ حَوْلَ قَبْرِ الْبَدَوِيِّ مَثَلًا!!

يَقُولُ: ((لَكِنْ، لَيْس عِنْدِ المَسْجِدِ اللِّي عِنْد الكَعْبَة، أَجْمَل سِرْقَة عِنْد الإِيييه؟ عِنْد الحَجَر، حَيْث لَا يَشْعُر أَحَد، لِأَنَّك طَبِيعِي تِضِّرِب فِي جَنْبَك، تِضِّرِب فِي صِدْرَك، تِضِّرِب فِي وِشَّك، تِضِّرِب فِي كَذَا لَا أَدْرِي مَا كَذَا؟- ، تِتْشَدْ هِدُومَك، طَبِيعِي تِتْشَدْ هِدُومَك، خَلَاص، أَنْت بِتْطُوف مِنْ هِنَا، وَتْرُوح وَتِطْلَع بِتْلَائِي نَفْسَك خَلَاص، جُرِّدْت مِنْ كُلِّ إِييه...؟ مَالَك!!))

يَقُولُ: ((فَالسَّرِقَة يَعْنِي اللِّي اللِّي إِيه أَأْ -هَذِه مِنْ عِنْدَه، الأُولَى هَمْزِة قَطْع مَفْتُوحَة وَالثَّانِيَة سَاكِنَة- أَأْ أَكْبَر تَجَمُّع لِهَؤلَاءِ إِنَّمَا تَجِدُه عِنْدَ الحَجَر، حَيْثُ تُسْكَبُ العَبَرَات، وَتُغْفَرُ الزَّلَّات، وَلَكِن عِنْد ذَلِك تُنْشَلُ الجُيُوب وَإنَّا للَّهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون!!))

هَلْ يَفْرَحُ الرَّوَافِضُ وَالْعَلْمَانِيُّونَ وَالْكَفَرَةُ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ بِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَكْثَرَ مِنْ فَرَحِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ؟!!

وَهَلْ يَقْبَلُ مُسْلِمٌ أَنْ يُصَوَّرَ الْحَرَمُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الِانْحِطَاطِ الْأَخْلَاقِيِّ وَالِانْحِلَالِ الْعَقَدِيِّ وَالتَّرَدِّي النَّفْسِيِّ؟!!

أَهَذَا دَاعِيَةٌ يَدْعُو الْأُمَّةَ إِلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ أَمْ يَدْعُوهَا إِلَى تَحْقِيرِ شَعَائِرِ اللَّهِ؟!!

يَقُولُ: ((لَكِنْ عِنْد القُبُور دِيَّتْ لَأه)).

يَعْنِي مِنْ أَجْلِ أَنْ يُنَفِّرَ مِمَّا يَحْدُثُ عِنْدَ الْقُبُورِ، قَامَ بِالتَّنْفِيرِ مَمَّا يَحْدُثُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنَ الْعِبَادَةِ!!

وَصَوَّرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى أَنَّهُ مَبَاءَةٌ لِلِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ، قَالَ: ((بَلْ وَأَعْظَمُ مِنَ المُعَاكَسَةِ!!))، يَقُولُ: ((بَلْ وَأَعْظَم مِنَ المُعَاكَسَة كَمَان!!)) وَهَذَا صَدٌّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَمَنْ عِنْدَهُ غِيرَةٌ عَلَى حَرِيمِهِ، أَيَجْعَلُهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؟

وَهَلْ تَقْبَلُ حُرَّةٌ تَسْمَعُ كَلَامَ هَذَا الصَّادِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْمُهَرِّفُ؟!!

فَإِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

*****************

((شَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ يُكَفِّرُ الْأُمَّةَ، وَيَدَّعِي أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ))

مَقْطَع مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ: ((الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ)) - 15 مِنَ الْمُحَرَّمِ 1439هـ / 6-10-2017م

وَيُقَرِّرُ أَنَّ الأُمَّةَ ارْتَدَّت إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ!!

يَقُولُ: ((نَحْنُ فِي أُمَّةٍ الآنَ فِيهَا مَا تَرَوْنَ مِنْ نُذُورٍ إِلَى القُبُورِ، وَمِنْ دُعَاءٍ لِأَصْحَابِهَا، وَمِنْ إِحْدَاثِ عِبَادَةٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ عَلَى يَدِي هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّة، الَّذِينَ حَرَّفُوا شِرْعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَوَّلُوا وِجْهَةَ هَذِهِ الشِّرْعَةِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ وَأَبُو لَهَبٍ، فَأَعَادُوا عِبَادَةَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ، وَلَكِنْ لَيْسَ تَحْتَ مُسَمَّيَاتِ اللَّات وَالعُزَّى وَمَنَات الثَّالِثَةَ، وَإِنَّمَا تَحْتَ مُسَمَّيَاتٍ أُخْرَى هِيَ كَمَا يَدَّعُونَ قُبُور أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِين.

كَمْ مِنَ الكُرُوبِ عَادَت لِلْإِسْلَامِ الآن، وَكَمْ مِنْ أَصْحَابِ القُبُورِ الَّذِينَ يُطَافُ حَوْلَهُم، وَيُنْذَرُ لَهُم، وَيُذْبَحُ لَهُم، وَكلّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ.

هِذِه القُبُور إِنَّمَّا أُدْخِلَت المَسَاجِد، هَذِهِ القُبُور إِنَّمَا قَامَ عَلَى تَرْوِيجِ العِبَادَةِ وَتَرْكِ العِبَادَةِ لهَا مِمَّنْ يَتِسَمَّوْنَ بِاسْمِ العُلَمَاءِ، يَقُولُ: وَيَتَزَيَّوْنَ بِزِيِّ العُلَمَاءِ، وَلَيْسُوا وَاللَّهِ بِالعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا هُمْ أَ أَدَوَاتُ الشَّيْطَانِ، اسْتَغَلَّهُم فِي رِدَّةِ هَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ دِينِهَا إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه فَتَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ)).

وَالاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: ((إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه))؛ مَعْنَاهُ: أَنَّ الأُمَّةَ ارْتَدَّت عَنْ دِينِهَا إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه، فَالاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ العُمُومِ كَمَا يَقُولُ الأُصُولِيُّون.

((اسْتَغَلَّهُم فِي رِدَّةِ هَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ دِينِهَا إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه فَتَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ)).

أَلَا يُذَكِّرُكَ هَذَا بِقَوْلِ سَيِّد قُطْب: ((لَقَدْ اسْتَدَارَ الزَّمَانُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ جَاءَ هَذَا الدِّينُ إِلَى البَشَرِيَّةِ بِـ (لَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّه))).

وَهَيْئَتُهُ يَوْمَ جَاءَ إِلَى البَشَرِيَّةِ بِـ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه)) هِيَ دِينُ أَبِي جَهْلٍ.

قَالَ سَيِّد قُطْب: ((فَقَدْ ارْتَدَّت البَشَرِيَّةُ إِلَى عِبَادَةِ العِبَادِ ، وَإِلَى جَوْرِ الأَدْيَانِ؛ وَنَكَصَت عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه... إِلَى آخِرِ مَا قَالَ...))

وَشَيْخُ الحَدَّادِيَّةِ يَقُولُ: ((اسْتَغَلَّهُم))؛ يَعْنِي: اسْتَغَلَّ الشَّيْطَانُ ((مَنْ يَتِسَمَّوْنَ بِاسْمِ العُلَمَاءِ، وَيَتَزَيَّوْنَ بِزِيِّ العُلَمَاءِ، اسْتَغَلَّهُم فِي رِدَّةِ هَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ دِينِهَا إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ)).

يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِم أَنْ يُحَارِبَ شِرْكَ القُبُورِ، وَيَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلَكِنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الحُكْمِ عَلَى الأُمَّةِ بِالرِّدَّةِ عَنْ الإِسْلَامِ إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ.

إِلَى اللَّهِ المُشْتَكَى مِنْ كُلِّ تَكْفِيرِيٍّ يُلَبِّسُ عَلَى النَّاسِ بِادِّعَاءِ المَنْهَجِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ حَرْبٌ عَلَى المَنْهَجِ وَأَهْلِهِ, وَخَصْمٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ وَجَهْلِهِ.

**************

مَقْطَع مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ: ((الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ)) - 15 مِنَ الْمُحَرَّمِ 1439هـ / 6-10-2017م

وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى الكِبَار مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ المُخْتَارِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- طَالَهُم بِتَنَقُّصِهِ وَسَبِّهِ، وَلَا يُسْتَغْرَبُ إِذَا كَانَ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟!

يَقُولُ فِيمَا سَمَّاهُ بِـ ((شَرْحِ العَقِيدَةِ -عَقِيدَةِ الصَّابُونِي)) فِي الشَّرِيطِ الثَّالِثِ:

((شُوف ابْنِ مَاجَه -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهُوَ يُخَرِّج بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ عُمَرَ بنِ الخِطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَقَيَ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَانْظُر -يَقُولُ: انْظُر إِلَى هَذَا اللِّقَاء، وَأَرْجُو أَنْ تُفْسِحَ فِي قَلْبِكَ مَكَانًا لَهُ؛ لِتَحْفُرَهُ وَتَكْتُبَهُ بِمِدَادِ دَمِكَ)).

فَلْنَنْظُر فِي هَذَا اللِّقَاءِ!!

قَالَ: ((قَالَ لَهُ عُمَر: مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبًا؟

عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ لِطَلْحَةَ: مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبًا؟ وَكَأَنَّ الكَآبَةَ ظَهَرَت عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى عُرِفَت، فَاحْتَاجَت أَنْ يَسْأَلَ عُمَرُ طَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ مَنْ؟

فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبًا؟ أَسَاءَتْكَ إِمْرَةُ ابْن عَمِّكَ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؟

قَالَ: لَا، أَنَا مَا أَلْتَفِت لَا إِمَارَةٍ وَلَا كَذَا، وَلَا تَسُؤونِي إِمْرَةُ ابن عَمِّي وَلَا شَيْء.

أُومَّالِ إِييه؟))

شِيخِ الإِييه!!

((أُومَّال إِييه؟ فَقَدْت وَلَدَك؟ لَأْ))

هَوَ الَّذِي يَقُولُ، هُوَ الآن يَخْتَرِعُ حِوَارًا يَجْرِي بَيْنَ عُمَرَ وَطَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، سِينَارْيُو مِنْ هَذَا السِّينَارِيسْت!! يَأْتِي بِهِ مِنْ كِيسِهِ، يَكْذِبُ فِيهِ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى طَلْحَةَ عَلَى السَّوَاءِ!!

فَيَقُولُ: ((فَقَدْتَ وَلَدَك؟ لَأْ. خَسِرْت مَالَك؟ لَأْ. ضَاع مَنْصِبَك؟ لَأْ. لَمْ تَفُزْ بِالمَقَاعِدِ الكَافِيَةِ وَالكَرَاسِي الزَّائِلَةِ؟ لَأْ)).

عُمَرُ يَقُولُ لِطَلْحَةَ: لَمْ تَفُزْ بِالمَقَاعِدِ الكَافِيَةِ وَالكَرَاسِي الزَّائِلَةِ؟!! فِي أَيِّ مَكَانٍ؟!! هَذِهِ المَقَاعِد فِي أَيِّ مَكَانٍ؟!! وَهَلْ كَانَ يُنَافِسُ عَلَيْهَا طَلْحَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؟!! وَلَكِنَّهُ الكَذِبُ الأَبْلَقُ.

قَالَ: ((يَقُولُ: عُلِّقَت صُورْتَك عَلَى الحَائِط وَأنْتَ رَوِيت إِنِّ أَصْحَابِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُون؟ لَأْ. أَخَذْت زُوشْتَشْ زُوجْتَكْ -قَالَهَا هَكَذَا ثُمَّ صَلَّحَهَا، مِنْ مَعِينِه!!- أَخَذْتَ زُوشْتَشْ زُوجْتَك فَتَطُوف بِيهَا عَلَى النَّاسِ انْتَخِبُوا السِّتْ؟))

الآنَ يَقُول إِنَّ عُمَرَ يَقُولُ لِطَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَهُمَا مِنَ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، يَقُولُ لَهُ لمَّا رَآهُ كَئِيبًا!! ((أَخَذْتَ زُوشْتَشْ زُوجْتَك فَتَطُوف بِيهَا عَلَى النَّاسِ...)) طَلْحَةَ يَأْخُذُ بِيَدِ امْرَأَتِهِ وَيَدُورُ بِهَا عَلَى المَجَامِعِ وَعَلَى تَجَمُّعَاتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: ((انْتَخِبُوا السِّتْ؟! قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ: لَأْ)).

ضَحِكٌ مِنَ السَّامِعِينَ!! هَلْ رَاجَعُوهُ؟!!

هَلْ قَالُوا لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَر وَفِي حَقِّ طَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؟!!

هَذَا اتِّهَامٌ لِطَلْحَةَ بِأُمُورٍ:

مِنْ أَخَفِّهَا أَنَّكَ تَتَّهِمُهُ بِأَنَّهُ لَا يَغَارُ عَلَى عِرْضِهِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ عُمَر أَنْ يَقُولَ لَهُ أَخَذْتَ امْرَأَتَكَ تَطُوفُ بِهَا عَلَى النَّاس: انْتَخِبُوا السِّت!!

لَوْ قَالَ هَذَا عُمَرُ لِطَلْحَةَ؛ مَا قَبِلَهُ مِنْهُ.

((الدَِّيمُقْرَاطِيَّة بِأَتْ حَلَال؟ لَأْ. اتْفَضَّل الأُسْتَاذ جِرْجِس وَالأُسْتَاذ مَاجُورَك، اتْفَضَّل عَلَى المِنَصَّة وَأْ وَأْ الطَّاوْلَة -الوَأْوَأَةْ مِنْ عَنْدِه- فَيَقُول: بِاسْمِ اللَّهِ الإِلَهِ الوَاحِدِ الَّذِي نَعْبُدُه جَمِيعًا؟ لَأْ. تَرَكْت وِرْدَك مِنَ القُرْآنِ؟ لَأْ. لَمْ تَقُم اللِّيْلَة؟ لَأْ. أُومَّال إِيه اللِّي الَّذِي -اللِّي الَّذِي!!- أَدْخَل الكَآبَةَ عَلَى طَلْحَة؟

قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((إِنَّ كَلِمَة كَلِمَة كَلِمَة إِنَّ كَلِمَةً يَقُولُهَا العَبْدُ إِذَا وَافَى المَوْتُ فَتُنَوِّرُ لَهُ صَحِيفَتَهُ وَيَجِدُ جَسَدُهُ وَرُوحُهُ مِنْ ذَلِكَ رَيْحًا -كَذَا قَالَ- أَيْ طِيبًا، فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ أَسْأَلُهُ عَنِ الكَلِمَة.

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَ عِنْدَهُ يَوْمًا وَبَيَّنَ فَضْلَ كَلِمَةٍ، فَقَالَ: إِنَّ الكَلِمَةَ يَقُولُهَا العَبْدُ إِذَا وَافَى المَوْتُ فَتُضِيءُ لَهُ صَفِيحَ صَحِيفَتُه -كَذَا قَالَ- تِنَوَّر الصَّحِيفَة بِهَذِهِ الكَلِمَة، وَيَجِدُ جَسَدُهُ وَرُوحُهُ مِنْ أَثَرِ تِلْكَ الكَلِمَةِ رَوْحًا؛ أَيْ طِيبًا، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم، قَالَ: فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ تِلْكَ الكَلِمَة، مَاتَ النَّبِيُّ وَالسِّرُّ مَعَهُ!!))

يَعْنِي: لَمْ يُبَلِّغ؟!! مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالسِّرُّ مَعَهُ؟!!

((يَقُولُ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَهَا، لِهَذَا نَسِيَ طَلْحَةُ حَيَاتَهُ، لَا وَلَدْ وَلَا تُؤْ.. كَئِيب كَئِيب طَلْحَة بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ الخِلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ؟ أَبَدًا.)).

ثُمَّ قَالَ: ((بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟)).

الكَلَام كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ كَئِيبًا؛ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ الخِلَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ حَيّ؟!! بَلْ أَكْبَر مِنْ هَذَا.

((بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ أَبَدًا. بَعْدَ عُمَرَ؟))

وَعُمَرُ الَّذِي يُكَلِّمَهُ!! كَانَ كَئِيبًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ الخِلَافَةَ بَعْدَ عُمَرَ، وَعُمَرُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلهُ!!

((بَعْدَ عُثْمَان؟ مَا الَّذِي أَدْخَلَ عَلَيْهِ الكَآبَة؟))

يُدْخِلُ عَلَيْنَا نَحْنُ الكَآبَةَ؛ أَنْ يُوجَدَ مِثْلُ هَذَا، فَإِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.

هَذَا الحِوَارُ الَّذِي أَسْنَدَهُ شَيْخُ الحَدَّادِيَّةِ البِيَلِيّ لِعُمَرَ وَطَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِيهِ مَطَاعِنُ عَظِيمَة فِي هَذَيْنِ الصَّحَابِيينِ المُبَشَّرَيْنِ بِالجَنَّةِ، وَأَشَدُّ مَا فِيهِ مِنَ الطَّعْنِ مَا كَذَبِ فِيهِ البِيَلِيُّ عَلَى الفَارُوقِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ لِطَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: ((أَخَذْتُ زُوشْتَشْ زُوجْتَك، فَتَطُوف بِيهَا عَلَى النَّاس، انْتَخِبُوا السِّت!!))

يَنْقُص أَنْ يَقُولَ: أَخَذَهَا فِي تُوكْ تُوكْ!!

((فَقَالَ طَلْحَةُ: لَا)).

هَذَا التَّدَنِّي الأَخْلَاقِيِّ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ شَبِيهٌ بِطَعْنِ الرَّوَافِضِ فِي عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَفِيهِ طَعْنٌ قَبِيحٌ فِي طَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَاجِع عُمَرَ فِي سُؤَالِهِ عَنْ أَخْذِ امْرَأَتِهِ لِيَطُوفُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، قَائِلًا: انْتَخِبُوا السِّت!!

أَيُّ جُرْأَةٍ عَلَى أَعْرَاضِ الصَّحَابِيَّاتِ هَذِهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا شَيْخُ الحَدَّادِيَّة فِي حِوَارِهِ هَذَا؟!!

فَإِنْ قَالَ: هَذَا حِوَارٌ مُفْتَرَض!!

فَالجَوَابُ: يَعْنِي: هَذَا كَذَب.

فَيُقَالُ لَهُ: أَلَا يَكْفِي أَنْ تَكْذِبَ عَلَى رَسْلَان لَيْلَ نَهَار حَتَّى تَكْذِبَ عَلَى عُمَرَ وَطَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-!!

وَإِنْ قَالَ شَيْخُ الحَدَّادِيَّةِ أَوْ أَحَدِ جِرَائِهِ: لَيْسَ هَذَا بِطَعْنٍ؛ فَلْيُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا هُوَ الطَّعْنُ إِذَنْ؟!!

إِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا طَعْنًا، فَمَا هُوَ الطَّعْنُ؟!! بَيِّنُوهُ لَنَا.

وَكَذَلِكَ يَلْمِزُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، وَيَصِفُهَا بِأَنَّهَا تِلْمِيذَةٌ سَلَفِيَّةٌ، وَهَذَا يُرِيدُ أَنْ يَتَحَاكَمَ إِلَى العَامِيَّةِ وَإِلَى العُرْفِ العَامِيِّ، فَنَقُولُ لَهُ: إِذَا تَحَاكَمْتَ فِي هَذَا القَوْلِ إِلَى العُرْفِ العَامِيِّ؛ كَانَ هَذَا انْتِقَاصًا وَلَمْزًا لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا-؛ لِأَنَّ التِّلْمِيذَةَ السَّلَفِيَّةَ فِي عُرْفِ العَوَامِ فِي هَذَا العَصْرِ أَنَّهَا جَاهِلَةٌ تَطْلُبُ العِلْمَ، وَأَنَّهَا لَيْسَت مُتَمَكِّنَةً فِيهِ، تِلْمِيذَةٌ سَلَفِيَّةٌ!!

يُقَالُ لِعَائِشَةَ: إِنَّهَا تِلْمِيذَةٌ سَلَفِيَّةٌ؟!! وَهِيَ أَعْلَمُ النِّسَاءِ.

عَائِشَةُ مِنَ المُكْثِرِينَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَرَوَتْ لَنَا جَانِبًا مَا كُنَّا لِنَعْلَمَهُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهَا، فَمَا كَانَ فِي بَيْتِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَظْهَرَتْهُ لَنَا وَرَوَتْهُ لَنَا، وَهِيَ البَلِيغَةُ الفَصِيحَةُ العَالِمَةُ بِالأَحْكَامِ وَبِالتَّوَارِيخِ، وَبِلُغَةِ العَرَبِ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا-.

فَعِنْدَمَا يُقَالُ عَنْ أَعْلَمِ امْرَأَةٍ فِي الأُمَّةِ: إِنَّهَا تِلْمِيذَةٌ سَلَفِيَّةٌ؛ فَهَذَا انْتِقَاصٌ لَهَا وَحَطٌّ مِنْ قَدْرِهَا.

لَعَلَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهَا تِلْمِيذَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَكِنْ هَذَا قَوْلُهُ الَّذِي نُحَاكِمُهُ إِلَيْهِ، يَقُولُ: ((تِلْمِيذَةٌ سَلَفِيَّةٌ!!))

وَيَقُولُ: ((لَوْ كَانَ عُمَرُ وَمُعَاوِيَة -وَضَمَّ إِلَيْهِمَا عَائِشَةَ فِي مَوْضِعٍ- يَتَقَاتَلَانِ فِي المَيْدَانِ؛ مَا نَزَلْنَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا!!))

ثُمَّ أَتَى بِكَلَامٍ يُفْهَمُ مِنْهُ بِأَنَّ القِتَالَ عَلَى المُلْكِ!!

فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا- كَانُوا يَتَقَاتَلُونَ عَلَى المُلْكِ!! وَحَاشَاهُم -رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُم-، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَصَدَّرُونَ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ:

هَزُلَتْ حَتَّى بَدَى مِنْ هُزَالِهَا كُلَاهَا  *** وَحَتَّى تَصَدَّرَ لِلتَّدْرِيسِ كُلُّ مُهَوِّسٍ

فَنَسْأَلُ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَحْفَظَ شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ المُخَرِّفِينَ الضَّالِينَ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  رُوحُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ وَضَوَابِطُهُ
  قِصَّةُ الذَّبِيحِ وَمَظَاهِرُ الِاسْتِسْلَامِ للهِ فِي الْحَجِّ
  خرافات الشيعة في عاشوراء
  الخَوْفُ مِن اللهِ وَثَمَرَاتُهُ وآثَارُهُ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ
  الْبِنَاءُ الِاقْتِصَادِيُّ السَّدِيدُ وَأَثَرُهُ فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعِ
  حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  الأسماء والصفات أصل العلم
  الدِّينُ وَالْإِنْسَانُ
  الاستعداد لرمضان
  الحَمَّادُون
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان