تفريغ مقطع : التفصيل الرائع لحرمة المظاهرات

وَلقَد أَنكَرَ العُلمَاءُ المُحقِّقونَ المُظاهَراتِ بِثلاثَةِ حُقوقٍ:

الحَقُّ الأَوَّلُ: حَقُّ النَّبِي -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- فِي الطَّاعَةِ.

فَإنَّ الأَمرَ الذِي مِن أجْلِهِ يَقومُ المُتظَاهِرونَ هُوَ: طَلبُ حُقوقِهِم الشَّرعِيةِ, التِي يَرَونَ أنَّ السُّلطَانَ قَصَّرَ فِي أَدَائِها لَهُم، فَلَوْ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- عَن هَذهِ الحَالِ؛ لَكَانَ لَهُ حَقُّ الطَّاعَةِ، كمَا لَهُ حَقُّ الطَاعَةِ فِي كُلِّ مَا أَمرَ بِهِ وَنَهى عَنهُ, وَلوْ لَمْ يَتَكَلَّم عَنهَا؛ اجتَهَدَ العُلمَاءُ لِإعطَائهَا الحُكمَ المُنَاسِبَ لهَا.

وَبَعضُ المَفتُونِينَ بِالمُظاهَرَاتِ, يَحرِصونَ علَى تَخرِيجِهَا مَخرَجَ المَصالِحِ المُرسَلَةِ، وَأنَّهَا مِن النَّوازِلِ، لَكِنَّ الذِي يَمنَعُ مِن إِدراجِهَا تَحتَ المَصالِحِ المُرسَلَةِ؛ هُوَ أنَّهُ صَحَّ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- أَخبَرَ عَن فِتنةِ السَّلاطِينِ, التِي قَامَ بِسبَبِهَا المُتظَاهِرونَ، وَأعْطَى أُمَّتَهُ المَخرَجَ مِنهَا.

فَقدْ تَواتَرَ عَنهُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- أنَّهُ أَنذَرَ أُمَّتَهُ وُجُودَ أُمرَاءَ بَعدَ زَمَنِهِ يَمنَعُونَ شُعوبَهم حُقوقَهُم، فَأمَرَ فِيهَا بِأمرَينِ هُمَا: الدُّعاءُ, والصَّبرُ.

أمَّا الدُّعاءُ؛ فَثَبتَ عن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّهُ قالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-: ((إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعدِي أَثرَةٌ, وَأُمورُ تُنكِرونَهَا)).

قَالُوا: يَا رَسولَ اللهِ: كَيفَ تَأمُرُ مَن أَدرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟

قَالَ: ((تُؤدُّونَ الحَقَّ الذِي عَليكُم, وتَسأَلونَ اللهَ الذِي لَكُم)) رَواهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

فَأَخبَرَ أنَّ بَعضَ الحُكامِ يَستَأثِرونَ بِحقُوقِ الرَّعِيةِ, وَلَا يُؤدُّونَهَا لَهُم، وَأَمَرَ مَعَ ذَلكَ الرَّعيةَ بِأدَاءِ حُقوقِ السُّلطَانِ لهُ، وَطَلبِ حَقِّهَا هِيَ أي الرَّعِيةِ- مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ-.

فَمَا مَحَلُّ المُظاهَراتِ مِن هَذا الحَديثِ الوَاضِحِ؟

هَل نَسِيهَا الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- حَتَّى يَستَدرِكَ عَليهِ بِهَا مُستَدِّركٌ؟! أَو غَفَلَ عَنهَا حَتَّى يَفطِنَ لهَا كَفَرَةُ الغَربِ, وَيُقلِّدُهم فِيهَا المُستَغرِبونَ مِن هَذهِ الأُمَّةِ؟!

إنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- أَخبَرَ أنَّ الأُمَراءَ يَظلِمونَ, وَيَفعَلونَ أُمُورًا مُنكَرَةً، وَمَعَ هَذا؛ فَأمَرَنَا أنْ نُؤتِيَهُم الحَقَّ الذِي لَهُم، وَنسأَلَ اللهَ الحَقَّ الذِي لَنَا, وَلمْ يَأذَنْ فِي أَخذِ الحَقِّ بِالقِتالِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَركِ الحَقِّ الذِي لَهُم.

((اسْمَعُوا وأَطِيعُوا؛ فَإنَّمَا عَليهِم مَا حُمِّلُوا, وعَليكُم مَا حُمِّلتُم)).

اسمَعُوا وأَطِيعُوا؛ وَإنْ اخْتَصَّ الأُمرَاءُ بِالدُّنيَا، وَلمْ يُوصِلُوكُم حَقَّكُم مِمَّا عِندَهُم.

فَهَذهِ الأَحادِيثُ فِي الحَثِّ علَى السَّمعِ والطَّاعَةِ فِي جَميعِ الأَحوَالِ، وَسَببُها اجْتِمَاعُ كَلمَةِ المُسلِمينَ، فَإنَّ الخِلافَ سَببٌ لِفَسادِ أَحوَالِهِم فِي دِينِهم وَدُنيَاهُم ((سَتلْقَونَ بَعدِي أَثَرَةً، فَاصْبِروا حَتَّى تَلقَونِي علَى الحَوضِ)) يَعنِي: يَومَ القِيَامَةِ. الدَّاءُ والدَّواءُ فِي حَديثٍ وَاحِدٍ مِنْ رَسولِ اللهِ.

هَلْ يَحلُّ لِطَبيبٍ أنْ يَدخُلَ بَينَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- وَأُمَّتِهِ بِشيءٍ زَائِدٍ؟!

كُلُّ مُؤمِنٍ يَعلَمُ أنَّ هَذا الدَّواءَ قَرَّرهُ مَن قَالَ اللهُ فِيهِ: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}.

فَبِأَيِّ حَقٍّ يُطاعُ الغَربُ الكَافِرُ فِي اختِراعِهِ المُظاهَراتَ لِخَلعِ الحُكَّامِ, وَيُعْصَى الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ، النَّاصِحُ لَهُم بِتَمَامِ نُصحٍ وَإِحكَامٍ؟!

وَمِن العَجائبِ أنَّ بَعضَ المُتظَاهِرينَ قَالوا: إِنَّهم قَامُوا بِسَببِ أنَّ حُكَّامَهُم لَا يَحكُمُونَ بِمَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-، وَهَا هُمْ أنفُسُهُم لَا يَحكُمُونَ بِمَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- فِي مَسأَلةِ ظُلمِ الحُكَّامِ!!

فَأيْنَ المُتجَرِّدونَ لِلدَّلِيلِ، الصَّادِقونَ فِي تَحَاكُمِهِم إِلَيهِ؟!

وَأينَ دَعوَى مَحبَّتِهِم لِلرَّسولِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم-؟!

إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم- لَهُ حَقٌّ، فَينبَغِي أنْ يُعطَى حَقَّهُ، فَالعُلمَاءُ فِي مَنعِهِم المُظاهراتِ؛ قَالوا: المَنعُ لِحَقِّ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-.

الحَقُّ الثَّانِي: حَقُّ السُّلطَانِ المُسلِمِ فِي طَاعَتِهِ فِي المَعروفِ، وَتَركِ جَمِيعِ أَسبَابِ الخُروجِ عَليهِ، فَإِنَّ المُتجَمِّعينَ ضِدَّهُ؛ قَصدُهُم مُنازَعَتهُ فِي مَنصِبِهِ، وَإحلَالَ غَيرِهِ مَحَلَّهُ، وَقدْ حَرَّمَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم- مُنَازَعَةَ السُّلطَانِ فِي إِمارَتِهِ.

قَالَ عُبادَةُ بنُ الصَّامِتِ: ((دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسلَّم- فَبَايَعْنَاهُ، فكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا, وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: ((إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)) رَوَاهُ البُخارِيُّ وَمُسلِمٌ.

والعُلمَاءُ رَحِمَهم اللهُ تَعالَى- علَى قَدَمِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-، وَعلَى مِنهَاجِ النُّبوةِ، قَالُوا: ((لَو تَوَفَّرتْ هَذِه الشُّروطُ كُلُّهَا التِي ذَكَرهَا النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-، فَإنَّ تَمامَ الشُّروطِ مِنَ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ, يَقضِي بِأنْ تُمتَلَكَ العُدَّةُ)) وِإِلَّا كَانَت فَوضَى؛ كمَا وَقَعَ وَيَقَعُ فِي كَثيرٍ مِنَ الأَمَاكِنِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  هَلْ خَلَا مَجْلِسٌ لَكَ مِنْ غِيبَة؟!
  مُرَائِي حتى بعد موته!!
  سؤال هـام لكل مسلم... هل تعرف مَن تعبُد؟!
  الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة التكفير بلا مُوجِب
  البدعة شر من المعصية... يتوب الرجل من الزنا ليصير من الخوارج!!
  أمر هام لكل من أراد أن يضحي
  الرد على شبهة وجود قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسجده...
  حُكْمُ الحَلِفِ بِالأَمَانَةِ, وَالحَلِفِ بِالنَّبِيِّ, وَالحَلِفِ بِرَأْسِ فُلَانٍ, وَالحَلِفِ بِحَيَاةِ فُلَانٍ, وَالحَلِفِ بِالكَعْبَةِ!!
  أنا ملتح ولست إخوانيًا ولا إرهابيًا جبانًا
  يوم عاشوراء وفضل صيامه
  ((6)) هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ...
  الإيجاز في أحكام الصيام
  عندما يكون عِلمُ الرجلِ أكبر من عقلهِ
  الِابْتِدَاعُ فِي الدِّينِ يُفَرِّقُ الْأُمَّةَ وَيُمَزِّقُ وَحْدَتَهَا
  تحذيرٌ هَامٌّ للنِّسَاءِ اللاتِي تُرْضِعْنَ أَطْفَالًا غَيْرَ أَطْفَالِهِنَّ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان