تفريغ مقطع : أَوَ كُلُّ مَن قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عَليهِ وَسلَّم- تَسمَعُ مِنهُ؟!

وَالإمَامُ أحمَد -رَحمَةُ اللَّهِ عَليهِ- لمَّا سُئلَ عنِ الحَارِثِ القَصيرِ -وَهُوَ (الحَارِثُ المُحاسَبِي)-, وَمَعلُومٌ أنَّهُ كَانَ لهُ فِي الوَعظِ بَاع, بَل كَانَ لَهُ فِي التَّألُّهِ شأوٌ بَعِيدٌ -غاية أو شَأنِ-, حتَّى إِنَّ أبَاهُ لمَّا مَات وَكانَ قَدَرِيًّا وَتَركَ لَهُ ثَروَةً عَظِيمَةً, وَكَانَ فِي حَاجةٍ إلَى دَانِق -الدَّانِق: سُدسُ الدِّرهَم- لَا إِلَى دِرهَمٍ؛ لَم يَأخُذ شَيئًا مِن مِيرَاثِهِ مِن أَبِيهِ, وَقَالَ: لَا يَتوارَث أَهلُ مِلَّتَين, وَعَدَّ أَبَاهُ بَعِيدًا.

وَكانَ يَأخُذ بأمُورٍ مِن التَّألُّهِ وَالوَعظِ, وَلَكِن أَضَلَّ مَن أضَّلَ, وَنَهَى الإمَامُ أحمَد -رَحمَةُ اللَّهِ عَليهِ- عَن سَماعِه, وَعن حُضورِ مَجَالِسِه, وعنِ النَّظَرِ فِي كُتبِهِ, حتَّى إنَّ رَجُلًا مِن جِيرانِ الإمَامِ أَتَى إِلَيهِ, وَكانَ الإمَامُ قَد نَهَاهُ عَن السَّمَاعِ مِنهُ وَالجُلوسِ إِليهِ...

فَجَاءَ جَارُ الإمَامِ بِرَجُلٍ مِن جِيرَانِهِ هُوَ وَقَالَ: يَا إِمَامُ هَذا الرَّجُل كُنتُ قَد نَهَيتُه كمَا نَهَيتَنِي عَن السَّمَاعِ مِنَ الحَارثِ القَصيرِ, وَلَكنَّه يَأْبَى إِلَّا أنْ يَسمَع مِنهُ؛ فَأَقبَلَ الإمَامُ عَليهِ وَقد انَتَفَخَت أَوْدَاجُه وَأحمَرَّ وَجهُهُ وَأَخَذَ يَنصَحُهُ وَيَعِظُهُ.

فَقَال الرَّجُلُ للإمَامِ أحمَد: إنَّه يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- وَأسمَعُ مِنهُ كَلامًا حَسَنًا.

فَقَالَ : أَوَ كُلُّ مَن قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عَليهِ وَسلَّم- تَسمَعُ مِنهُ؟!

لَقَد سَمِع مِنهُ فُلانٌ فَأَضَلَّهُ, وَفُلَانٌ فَأَضَلَّهُ وَأَخَذَ يَتَوَجَّع, وَنَهَرَهُ نَهرًا شَديدًا, وَزَجَرَهُ زَجرًا أَكِيدًا؛ لِأنَّه لَا يَأمَنُ الرَّجُل إِذَا سَمِعَ الكَلِمَةَ مِن البَاطِل أَنْ تَستَقِرَ فِي قَلبِه, وَأنْ تَعمَلَ فِي الفُؤادِ عَمَلَهَا, وَلَا يَلتَفِتُ المَرءُ إِلَى ذَلِك, ثُمَّ يَصِيرُ بَعدَ سَمَاعِهَا وَاستِقرَارِهَا فِي قَلبِه إِلَى شَرٍّ عَظيمٍ وَهَذا أَمرٌ مَعروفٌ.

* فَقَد ذَكَر الحَافِظ الذَّهَبِي -رَحمَهُ اللَّهُ تعَالَى- فِي ((السِّيَرِ)): مَا كَانَ مِن أَمرِ (عِمرانَ بنِ حِطَّان) وَكَانَ صُلبًا فِي السُّنَّةِ, وَكَانَت لَهُ ابنَةُ عَمٍّ عَلَى مَذهَبِ الخَوارِجِ وَطَريقَتِهِم؛ فَحَدَّثَتْهُ نَفسُهُ أنَّهُ لَو تَزوَّجَهَا؛ فَلَعَلَّهُ أنْ يَرُدَّهَا إِلَى الحَقِّ وَإِلَى الجَادَّةِ المُستَقِيمَةِ, فَتَزوَّجَهَا فَأضَلَّتُهُ فَصَارَ خَارِجِيًّا, بَلْ صَارَ دَاعِيًا إِلَى طَريقَةِ الخَوَارِجِ وَنِحلَتِهِم!!

وَهُوَ الذِي مَدَحَ (عَبدَ الرَّحمَن بنَ مُلجَم) الذِي قَتَلَ الإِمَامَ عَليًّا -رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنهُ-, وَهَذَا أَكبَرُ مَا يَكونُ مِن الدُّعَاءِ إِلَى البِدعَةِ!!

وَمَا كَانَ عَليهِ مِن بَأسٍ إِلَّا أَنْ خَالَطَ امرَأَةً مِن أَهلِ البِدعَة؛ فَأضَلَّتهُ حتَّى صَارَ خَارِجِيًّا جَلدًا, حتَّى صَارَ خَارِجيًّا دَاعِيَةً إِلَى الخُروجِ!!

* وَذَكَرَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ -رَحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَا كَانَ أَيضًا مِن شَأنِ (عَمرِو بنِ عُبَيْد), فإنَّهُ سَمِعَ مِن (وَاصِلِ بنِ عَطَاءٍ الغَزَّال) وَهُوَ رَأسُ الاعتِزال, الذِي اعتَزَلَ مَجلِسَ الحَسَنِ البَصرِيِّ, فَانْتَحَى نَاحِيَةً إِلَى سَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسجِدِ, وَصَارَت حَلَقةً تَدعُو إِلَى البِدعَةِ وَتُؤَسِّسُ لِلضَّلَالِ.

اجتَمَعَ مَعهُ علَى ضَلالِهِ (عَمرِو بنِ عُبَيْد) وَكَانَ لَهُ نُسُكٌ فَخُدِعَ بكَلَامِهِ فَصَارَ مِثلَهُ, بَلْ صَارَ فِي الغُلُوِّ أَعَلَى مِنهُ, وَزوَّجَهُ أُختَهُ وَقَالَ: زَوَّجتُكِ مِن رَجُلٍ لَا يَصلُحُ إِلَّا أَنْ يَكونَ خَلِيفَة!!

وَكَانَ صَاحِبُ نُسُك حتَّى خُدِعَ بِهِ (المَنصُور) -خَدَعَهُ نُسُكُهُ-, وَأَغضَى عَن بِدعَتِهِ وَصَارَ يَمدَحُهُ -وَهُوَ الخَلِيفَة- بِشِعرٍ مَشهُورٍ.

* ذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهِبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَا ذَكَرَ عَن (عَبدِ الرَّزَّاق), وَمَا كَانَ مِن جِنَايَةِ (جَعفَرِ بنِ سُليمَانَ الضُبَعِي) عَلَى (عَبدِ الرَّزَّاق), وَكَانَ جَعفَرٌ هَذَا شِيعِيًّا مُحتَرِقًا, فَوَقَعَ مِنهُ شَيء وَمَا كَانَ مِن سَببٍ إِلَّا الخُلطَة, وَمَا كَانَ مِن سَببٍ إلَّا المُقَارَبَة.

* وَقَد ذَكَرَ الحَافِظُ بنُ كَثِيرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ تعَالَى- فِي ((البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ)) مَا كَانَ مِن شَأنِ (أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيل) -وَهُوَ صَاحِبُ ((الفُنُونِ)) كَتَبَهُ فِي ثَمَانِمِئَةِ مُجَلَّدَة, لَا يُعْرَفُ فِي التَّارِيخِ كِتَابٌ هُوَ أَكبَرُ مِن هَذَا الكِتَاب-

(أَبُو الوَفَاءِ بنُ عَقِيل) لمَّا جَلَسَ إِلَى (عَليِّ بنِ الوَلِيدِ) المُعتَزَلِي, وَكَانَ قَد جَلَس مِن أَجلِ أَنْ يَسمَعَ مِنهُ مَا يُقَرِّرُهُ لِمَذهَبِ الاعْتِزَال؛ لِكَي يَرُدَّ عَلَيهِ, أَصَابَهُ مِنهُ شَىء, وَحَمَلَ عَلَيهِ الحَنَابِلَةُ حَملًا شَدِيدًا مِمَّا هُوَ ذَائِعٌ مَشهُورٌ مَنشٌورٌ.

وَمَا كَانَ إِلَّا مِن أَثَرِ المُخَالَطَةِ, وَإِلَّا مِن أَثَرِ النَّظَرِ فِي كُتُبِ أَهلِ البِدَعِ؛ الَّتِي يَنبَغِي أَنْ تُحَرَّق وَأَنْ تُخَرَّق, وَأَنْ تُتلَفَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَن أَتْلَفَهَا -أَيْ لَا عِوَضَ-, لَا يُكَلَّفُ بِضَمَانٍ وَلَا بِعِوَضٍ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  قصة العلامة رسلان مع أحد التكفيريين
  أفق يا رجل لا تكونن وليًّا لله في العلن عدوًا لله في السر
  سبحانه هو الغني ((2))
  فَسَلُوا أَبَا الْأَلْبَانِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْجِرِيسِيِّ!!
  حول الصحابي المسيء في صلاته رضي الله عنه
  من صورِ التبرُّج
  عاشوراء وقبر الهالك الملعون أبو لؤلؤة المجوسي
  يتوب الرجل من الزنا ليصير من الخوارج.....!!
  ويحك! اثبت واحذر أن يُؤتى المسلمون من قبلك
  إلى أهل المغرب الحبيب
  قاعدة الإسلام الذهبية... مَن بيده السلطان ينبغي أن يُطاع في غيرمعصية
  دفع البهتان حول عبارة (الذوق الشفيف والحس اللطيف)
  رحمك الله يا أمي
  إِيِ وَاللَّهِ، لَوْ كَانَ لِلذُّنُوبِ رِيحٌ؛ مَا قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يَجْلِسَ إِلَيَّ، وَلَكِنَّهُ السَّتْر، فَاللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا سَتْرَكَ وَعَافِيَتَكَ
  فرقة تفجر وفرقة تستنكر... التقية الإخوانية
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان