((النِّفَاقُ دَاءٌ خَطِيرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ))
فَإِنَّ النِّفَاقَ دَاءٌ عُضَالٌ؛ يَكُونُ الرَّجُلُ مُمْتَلِئًا مِنْهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ فَإِنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ يَخْفَى عَلَى النَّاسِ, وَكَثِيرًا مَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ؛ فَيَزْعُمُ أَنَّهُ مُصْلِحٌ, وَهُوَ مُفْسِدٌ مُنَافِقٌ!
وَالْمُنَافِقُونَ مَا زَالَ الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ مِنْهُمْ فِي مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ.
وَمَا يَزَالُ تَطْرُقُ الْإِسْلَامَ مِنْ شُبَهِهِمْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ سَرِيَّةٍ, وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُصْلِحُونَ {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12].
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
فَالنِّفَاقُ دَاءٌ خَطِيرٌ؛ إِذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِعَدْوَاهُ كَانَ أَشَدَّ فَتْكًا بِهِ مِنَ الطَّاعُونِ.
وَالنِّفَاقُ مَرَضٌ عُضَالٌ لَا يَنْجُو مِنْ وَبَائِهِ إِلَّا مَنْ أَدْرَكَتْهُ رَحْمَةُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
الْمُنَافِقُونَ أَلَدُّ أَعْدَاءِ اللهِ، مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.
أَمَّا الْأَحْيَاءُ مِنْهُمْ فَهُمْ طُغَاةٌ مُفْسِدُونَ؛ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ؛ فَأُشْرِبُوا حُبَّهُ، وَحُبَّ مَسَالِكِهِ وَأَهْدَافِهِ.
لَوْ تَدَاعَى الْمُصْلِحُونَ الْمُخْلِصُونَ مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ إِلَى عَقْدِ مُؤْتَمَرٍ يَتَدَارَسُونَ فِيهِ خَطَرَ ظَاهِرَةٍ هِيَ أَشَدُّ مِنْ سِوَاهَا مِمَّا يَعْرِضُ لِلْإِسْلَامِ وَمِمَّا يُعَانَدُ بِهِ أَهْلُهُ.
لَوْ أَنَّهُمْ تَدَاعَوْا إِلَى عَقْدِ ذَلِكَ الْمُؤْتَمَرِ بِدَرْسِ أَخْطَرِ ظَاهِرَةٍ مُنِيَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي تَارِيخِهِمْ؛ لَمَا وَجَدُوا ظَاهِرَةً أَشَدَّ خُبْثًا وَأَسْوَأَ أَثَرًا مِنَ النِّفَاقِ وَالْمُنَافِقِينَ؛ هُمْ أَلَدُّ أَعْدَاءِ اللهِ, وَهُمْ أَشَدُّ خَطَرٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
فِي زَمَانِنَا هَذَا رَاجَتْ تِجَارَةُ الْمُنَافِقِينَ, وَازْدَهَرَتْ بِضَاعَتُهُمْ, وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُمْ, وَأَشَادُوا مَسَاجِدَ الضِّرَارِ هَا هُنَا وَهُنَاكَ؛ وَذَرَفُوا دُمُوعَ التَّمَاسِيحِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ, وَتَظَاهَرُوا بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
لَمْ يَنْجَحِ الْمُنَافِقُونَ فِي تَحْقِيقِ أَهْدَافِهِمْ وَخُطَطِهِمْ فِي مُجْتَمَعٍ مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَّا بِسَبَبِ تَفَشِّي الْجَهْلِ، وَفِقْدَانِ الْوَعْيِ عِنْدَ مُعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا عَادُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْغَثِّ وَالثَّمِينِ, وَلَا بَيْنَ النَّافِعِ وَالضَّارِّ.
وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَادِرٍ أَنْ يَهْتِكَ أَسْتَارَ الْمُنَافِقِينَ, وَأَنْ يَكْشِفَ أَسْرَارَهُمْ, وَأَنْ يَفْضَحَ أَسَالِيبَهُمْ وَأَوْكَارَهُمْ.
وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَادِرٍ أَنْ يُبَصِّرَ الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِ دِينِهِمْ وَمَشَاكِلِ عَصْرِهِمْ, وَيُفَنِّدَ لَهُمْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَخْلَاقِهِمْ, وَالَّذِي هُوَ أُسْوَةٌ فِي ذَلِكَ كِتَابُ اللهِ؛ يُطَبِّقُهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُجَنِّبَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمُسْلِمِينَ الشِّقَاقَ وَالنِّفَاقَ, وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ رَدَّا جَمِيلًا؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
المصدر: النِّفَاقُ... عَلَامَاتُهُ، وَخُطُورَتُهُ